السحر والساحر

إكرام يوسف
ekramegypt@yahoo.com

2013 / 5 / 5

يبدو أن الموت يفقد رهبته تدريجيا على أيدي أنظمة ناصبت شعبها العداء، ودأبت على حصد ارواح معارضيها، ظانةً أن التصفية الجسدية يمكن أن تخمد جذوة الثورة في قلوب أصحابها. ولعل هذا أحد أسباب ضعف الاهتمام بمأساة قرية القطاوية ، التي أسفرت عن ضياع ثلاثة أرواح مصرية، فضلا عن جروح غائرة لن تغادر قلوب أبناء القرية زمنًأ طويلاً! ويبدو أننا نفقد تدريجيا الإحساس بجسامة أن تفقد أسرة فلذة كبدها، بعدما صار الشهداء والقتلى مجرد أعداد ترصدها يوميا وسائل الإعلام!
ففي الظروف العادية، كان المفترض أن تحدث كارثة قتل ابن قيادي اخواني شخصين بسبب خلاف على الموقف من حكم الرئيس الإخواني، ثم ثورة أهالي القرية وقيامهم بحرق منزل القيادي الإخواني، ثم تطبيق حد الحرابة ـ كما يقولون ـ على ابنه؛ دويًا يرج أركان المجتمع بأسره، ويستدعي دق ناقوس الخطر من الجميع: الحكومة، والمعارضة، والباحثين في مختلف تخصصات الأمن والاجتماع والسياسة . غير أن الإحساس بجسامة الموقف، ربما لم يتجاوز حدود القرية أو محافظة الشرقية على أكثر تقدير!
ولا شك أن وقوع شجار بين أفراد، يتطور إلى جريمة قتل بسبب لجوء احدهم لاستخدام السلاح، أمر يتكرر حدوثه في كل مكان في العالم. لكن خطورة الأمر هذه المرة يتعلق بعرضين خطيرين من أعراض الحكم الإخواني للبلاد: الأول؛ إحساس كل من ينتمي إلى تيارات اليمين المتطرف التي ترتدي عباءة الدين، بأنه صار من الحكام الذين دانت لهم البلاد، ومن ثم، فله أن يقول أو يفعل ما يشاء، ومن يجرؤ على معارضته أو الوقوف في وجهه، يستحق ما يناله من عقاب! و تكررت حوادث غطرسة أبناء الحكام الجدد، وتعديهم على من لم يكن من حظهم الانتساب إلى الأهل والعشيرة. ولعل محافظة الشرقية ـ بالتحديد ـ شهدت العديد من هذه الأمثلة؛ بداية من أيام الانتخابات الرئاسية، عندما تعدى اثنان من أبناء المرشح ـ آنذاك ـ محمد مرسي على ضابط مرور استوقفهما لمخالفة القواعد المرورية، مرورًا بقضية الرائد محمود كمال،الضابط بإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن الشرقية، الذي تجرأ وحرر مذكرة بخصوص انتهاء رخصة شخص ادعى قرابته برئيس الجمهورية، وأهانة الضابط وأفراد الكمين وهددهم بالنقل من مكان عملهم! لكن الضابط لم يهتز واتخذ معهم الإجراءات اللازمة. وسرعان ما بدأت الضغوط بحضور مأمور بلبيس، لمكان الكمين ليطلب من الضابط تحرير محضر صلح، بل قام المأمور بكتابة محضر الصلح بنفسه وطلب منه التوقيع علي المحضر قائلاً: "دى تعليمات عليا"! ومع ذلك، أصر الضابط على التمسك بحقه. ووصل الأمر إلى تدخل رئيس مجلس الشورى لإنهاء الموضوع، لكن الرائد المحترم محمود كمال لم يهتز وتقدم ببلاغ يتهم فيه إبن قيادي بحزب الحرية والعدالة بالتعدي عليه وقوات الشرطة بالسب والقذف وتحرر عن ذلك المحضر رقم 4453 إداري بلبيس!
وللأسف، ليس من المتوقع أن تتوقف هذه الجرائم عند قيام يوسف ربيع عبد السلام (20 عاما) ـ الذي يقول أهل قريته أنه اعتاد على حمل السلاح، وافتعال المشاجرات مع الجميع، محتميا بشقيقيه ووالده أمين حزب الحرية والعدالة بالقرية ـ بالتشاجر مع شخص، كتب على الفيس بوك ما اعتبره ربيع إهانة لرئيس الجمهورية الإخواني، وما أن يتدخل شخص ثالث، قاصدا التهدئة، حتى يعاجله يوسف برصاصة ، ترديه قتيلا! وبعد محاصرة المواطنين لمنزل القيادي الاخواني، يقتل حجر ـ ألقاه أهل المنزل على المتظاهرين ـ شخصًا آخر. فتثور ثائرة الجماهير ويحرقون المنزل، وينهالون على الشاب يوسف ضربا حتى يلفظ أنفاسه؛ ثم يطلقون على مافعلوه "حد الحرابة"! واستكمالا للمأساة، يرفض أهالي القرية الصلاة على جثمانه !
ويقودنا هذا إلى الظاهرة الثانية، التي واكبت وصول اليمين المتطرف المتستر بالرطانة الدينية للحكم. فقد كان أصحاب هذه الرطانة، أول من استخدموا سلاح التبريرات الدينية المغرضة لتبرير جرائمهم، والنيل من خصومهم. وها هو السحر ينقلب على الساحر! بعدما صار استخدام التعبيرات الدينية، سلاحا يشهره البعض لإرهاب مخالفيهم.. ولن يعدم أصحاب الغرض من يلوي عنق الدين للخروج بتفسير يبرر لهم أغراضهم، ويلبسها ثوب الدين، ويطعن في تدين من يعارضهم، ويتهمه بالخروج عن الدين. وهكذا؛ لم يطلق أهالي القرية على ما فعلوه بابن القيادي الإخواني انتقاما، وإنما أسموه "حد الحرابة"! ومن ذا الذي يجرؤ على المجادلة في حدود الله؟ فعلينا أن نتوقع من الآن فصاعدا، المزيد من هذه التبريرات "الدينية" لكل جريمة يرتكبها من ينسب نفسه إلى هذه التيارات، والتبريرات المقابلة ـ الدينية أيضا ـ التي يطرحها معارضوهم!
ولسنا بحاجة للقول، إن الأمر يمثل مأساة حقيقية، وأن الشاب يوسف العشريني ابن القيادي الإخواني، ترك بالتأكيد جرحا لن يندمل في قلوب أسرته، لا يقل ألمه عن وجيعة أسرتي ضحيتيه! ولا شك أن ذنب هؤلاء الضحايا الثلاث في رقبة من أدخلوا إلى بلادنا هذه الأفكار الإجرامية، وألبسوها ثوب الدين تدليسا على البسطاء، من أجل تحقيق أطماعهم الرخيصة!
وللأسف، لا تشير الدلائل إلى أن أهل الحكم سوف يستفيدون من الدرس. فمتلازمة الغباء المصاحب للكرسي، تصم آذانهم عن سماع لعنات المظلومين يوميا، ودعواتهم عليهم في كل مناسبة، وتجعلهم لا يدركون أن أفعالهم تكشف زيفهم يوما إثر يوم، وتزيح غشاوة الوهم عن أعين من كانوا يصدقونهم من قبل. ولعل كل منا شهد في أكثر من مناسبة، مواطنين بسطاء يلعنون اليوم الذي صدقوا فيه هؤلاء، بعدما كانوا ـ في السابق ـ ينخدعون بفكرة الأيدي المتوضئة، ويرون أصحاب الرطانة الدينية "ناس بتوع ربنا والحكومة بتضيق عليهم"! وكان بعضهم يرتعد من محاولة التفكير في الاختلاف مع أي منهم، فسرعان ما يسلط عليه سيف التكفير، باعتباره يعارض المتحدثين باسم الله الساعين لتطبيق الشرع؛ و"ماذا رأيتم من شرع الله كي تكرهوه؟"!
وتؤكد الشواهد أن أصحاب هذه الرطانة، سوف يواصلون الطريق إلى نهايته، ولن يتوقفوا عن غطرستهم في التعامل مع المحكومين، باعتبارهم حكاما في مرحلة التمكين! بل أنهم سيواصلون غيهم، وقد يزدادون وحشية في التعامل مع خصومهم، كما لن يتوقفوا عن استخدام التبريرات الدينية الزائفة لكل ما يفعلون، وفي هذا نهايتهم، التي باتت أقرب مما يتوقعون!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن