ماهي حقيقة دعوة السيد النجيفي الى انتخابات مبكرة؟

حسين حامد
hussein726@gmail.com

2013 / 5 / 3


أ . د . حسين حامد

منذ وقت طويل توقف سيرالحياة الطبيعي في وطننا الحزين، وظلت الهموم وألأسى والقلق من رعب الموت المباغت ترافق افكار شعبنا على الدوام ، حتى بدا أن ما يلازمنا من صحبة شبح الموت ، وكأنه سعي لدهر حقود له نذور علينا لم نوفيها بعد .
فعلى مدى العشرة سنين الماضية ، وشعبنا لم ينقطع نزيفه ، وشهداؤنا الابطال ، سواءا كانوا مدنيين عزلا أو مدججين بالسلاح من قواتنا المسلحة ، يتساقطون صرعى مضرجين بدماء الغدر من قبل مجاميع ارهابية خسيسة تدعمها وتمدها بالحياة أيادي عراقية خائنة ونجسة ، بعيدة جدا عن قيم انساننا العراقي الشهم الذي رضع من ثدي الطهر والاباء والشجاعة. وفي خضم هذه الفتنة ، انبرى الكثيرون ممن باعوا الشرف والضمير وراحوا ينعقون بشؤم ويطالبون الحكومة بامور مستحيلة، أقلها الغاء المادة 4 ارهاب وقانون المسائلة والعدالة واسقاط الحكومة المنتخبة . ومع انهم يدركوا جيدا ان هذه مطالب تعجيزية ضالة ، لكنهم يتخذون من عدم تحقيقها ذرائع لتصعيد الارهاب . وكان بالمقابل لكل تلك الجرائم اللاانسانية ، الوقفة الباسلة والمشرفة ضدهم من قبل عشائر الانبار لتدين سلوكهم الارهابي ، وهو دليل رائع على ان الوطنيين لا يزالون حماة هذا الحمى الجريح .

فعلى النقيض من مواقف اخوتنا الوطنيين الاخيار في الانبار وغيرها ، كانت هناك مواقفا من قبل مسؤولين كبار في السلطة لا ترقى الى مستوى الوطنية ، ولا يمكن ، وتحت اي ظرف، ان يسمح لهم ان يظلوا يمثلون شعبنا في السلطة التشريعية . فالسيد رئيس البرلمان الذي كان ولا يزال من بين أشد الساعين الى التحشيد الطائفي والتحريض ضد السلطة والدعوة الى استمرار فرص الارهاب بهدف مواصلة هذه الجرائم الجبانة ، لم يدخر جهدا لشق الصف الوطني واشعال الحرائق وتدمير فرص تقويم المسار الديمقراطي للعملية السياسية الكسيحة . وقد أثبت السيد رئيس البرلمان على انه جزءا من هذه الفوضى القائمة والموجهة ضد ابناء شعبنا من خلال دعمه وتشجيعه على القتل والارهاب مع البعض ممن هم على شاكلته ، بدليل لقاءه مع المتظاهرين في سامراء في الشهر الماضي وتحريضهم على حمل السلاح ضد الحكومة من اجل تحقيق مطالبهم !!.
ولكن، السيد النجيفي يخرج علينا اليوم بمقترح لحل البرلمان والحكومة واجراء انتخابات مبكرة!! فيا ترى ماذا الذي يدور في خلد هذا الرجل الذي لا يعرف عن السياسة سوى ما يجعله قادرا على استغلال منصبه في تأزيم الامور ثم الاحتماء به ، وخصوصا تحت ظروف قاهرة كهذه؟
ان ما يدعوا اليه السيد رئيس البرلمان في مبادرته الى حل الحكومة والبرلمان واجراء انتخابات مبكرة ، هو في الحقيقة الهدف الأكبر الذي ينتظره شعبنا وبفارغ الصبر من اجل تغيير أداء العملية السياسية جذريا ووأد سياسة المحاصصات . و لكننا، نجد ان مبادرة السيد النجيفي هذه لا تفسر لنا سوى جهله المطلق بمبادئ الدستور . وإلا كيف يمكن لرئيس البرلمان أن يكون جاهلا بدعوة كهذه الى انتخابات مبكرة عندما لم يتم بعد تشريع قوانين التعداد العام وقانون الاحزاب أوقانون الانتخابات؟ وكيف للسيد النجيفي أن يتوهم من خلال هذه المبادرة الساذجة ، ليبرهن على عدم ادراكه بنصوص مبادئ الدستور وحقيقة انه لا يجوز القيام بالدعوة الى الانتخابات المبكرة الا من خلال تلك الاليات الدستورية . وهي اليات حرص السيد رئيس البرلمان على عدم تشريعها ، وجعلها تنام فوق (الرفوف العالية) للبرلمان ولزمن طويل. فهذه احدى ممارساته المضللة التي طالما دأب عليها لزيادة السخط على الحكومة . والمضحك في كل ذلك ، ان السيد النجيفي يدعوا شعبنا لمناقش مبادرته والرد عليها سلبا او إيجابا ، بدون فهمه لنصوص ومبادئ الدستور!!!.
وفي استنتاج اخر لدعوة السيد رئيس البرلمان هذه لانتخابات مبكرة ، فانه ربما يعلم جيدا بتلك الاليات الدستورية التي لم يوفرها كضمانة شرعية ودستورية، ويعلم أيضا أن دعوته تلك ستغير الكثير من احوال العملية السياسية ، وستطيح به من رئاسة البرلمان . ولكنه ومع ذلك ، اراد ربما فقط ان يمارس (لعبة وطنية صغيرة) على شعبنا ، من خلال الايحاء لشعبنا أنه (لا يبالي) بنتيجة سقوطه السياسي المتوقع في الانتخابات المبكرة ، ومع ذلك ، فانه (لا يبالي) أيضا بالدعوة لها حتى لو اطيح به في تلك الانتخابات!!!
أم ياترى، أن السيد النجيفي ، وبعد أن وضع نفسه في خانة اعداء شعبنا من خلال ممارساته البعثية العدوانية لاضعاف الحكومة، يكون قد توهم ان شعبنا قد منحه ثقته ، هذه الثقة التي حدت به على اقتراح الانتخابات المبكرة؟ ولكن ، كيف يستطيع ألانسان أن يتجاهل او ان يغفل مواقفا مزرية وعداء علني له ضد شعبنا والحكومة المنتخبة ؟ والتي كان اقرب تلك المواقف زمنيا، لقاءه قبل حوالي الشهرين فقط مع المتظاهرين في سامراء وتحريضه لهم وحثهم على التمرد وحمل السلاح ضد الحكومة وشعبنا؟ أو في بيانه الذي حاول من خلاله اشعال الحرائق بعد استشهاد جنودنا العزل ؟ فهل أن السيد رئيس البرلمان يحاول اليوم ارتداء جلباب الحكمة والاصلاح السياسي من بعد دأبه المحموم ورغباته الشاذة كمسؤول في السلطة لاشعال الحرائق في الاوضاع السائدة ، فنجده يقدم نصحا "خيرا" من اجل مسيرة جديدة للعملية السياسية ؟؟!!.

ما الذي جعل السيد النجيفي يعتقد امتلاكه لشعبية كبيرة ومؤثرة يمكنه الاعتمد عليها في دعم دعوته هذه لحل الحكومة والبرلمان واجراء انتخابات مبكرة بحيث يستطيع ضمان فوزه في الانتخابات المبكرة من جديد في مواقع السلطة ، في حين ان النجيفي لم يكن أساسا ناجحا لاكرئيس للبرلمان ولا كسياسي. فاكثر الاشياء كان قدرة على تجسيدها ، هو افكار بعثي شرير .
فحينما نستعرض سلوك السيد النجيفي في جلسات البرلمان منذ 2010 والى الان، لا اعتقد ان اي احد يمكن ان يتذكر ان السيد رئيس البرلمان قد ساهم بوضع خطط ما لحل المعضلات التي تواجهها الكتل السياسية بين بعضها البعض لكي يحسب له في ذلك مواقف مسؤولة كما تقتضي طبيعة الامور . كما ولم نجده يوما قد نطق بحديث او مقترح أو مداخلة تبناها لاصلاح الاعوجاجات في البرلمان والتي قد تصل أحيانا الى حد استعمال (الاحذية) نتيجة لعدم احترام مهنية البعض ، والتي سببها هو ضعف ادارة البرلمان والمتمثلة برئيسه الذي لا حول له في تقويم مثل تلك الاوعجاجات . كما ولم نجد السيد النجيفي أيضا قد كسب تعاطف أو ود بعض البرلمانيين العقلاء او حاز على استحسان شعبنا من خلال اصرارعلى تدوين قضية وطنية يمكن ان يتبناها كجزء من مسؤوليته في قيادة البرلمان، ولا وجدناه يوما حريصا حتى على تفقد عدد الحضور في البرلمان أو القيام بمسائلتهم على تكرر غياباتهم ، بل ان المعروف عنه ، هو تشجيعه على غياب اعضاء البرلمان!!!.
ولم نجد السيد رئيس البرلمان يمتلك الارادة الطيبة والحريصة على مسار العملية السياسية من خلال ممارسة "النقد" ، بل وجدناه اكثر "حزما" في ممارسة الانتقادات من اجل التسقيط والاساءة المتعمدة لمسيرة العملية السياسية التي يراد لها التحرر من قيود المحاصصات السياسية . فقد كان الحري به انتقاد نفسه ليكتشف عمق مساهماته اللاوطنية في التخريب وتفجير الاوضاع والدعوات الى تقسيم العراق والتحايل على عدم تمرير قوانين لها أهمية كبرى في انجاز الواجبات الحكومية والوطنية والتي يكيل لها السيد النجيفي التهم ومحاولات التنكيل.

فقد دأب السيد رئيس البرلمان على اطلاقه "الانتقادات" وتجريح الحكومة المنتخبة ومحاولته تشويه صورتها امام الرأي العام ، وتلك مواقف تقف بالضد من هذه المبادرة الساذجة وغير القانونية ، وتدفعنا للتسائل عن دوافعه الحقيقية ، وعن ما الذي يعتمل بداخله من محاولات ربما لزج شعبنا بمزيد من الفوضى وتوسيع رقعة الاقتتال الطائفي بين شعبنا وجعل الامور أكثر تفاقما وسوءأ ، فمثل هذه الخطط وحدها نعتقد أن لها حضورا دائما في ذهنه.
وختاما ، كيف يمكن التوقع من شعبنا نسيان أن السيد النجيفي قد وضع يده في يد الارهابي طارق الشركسي ، ثم ليلحق بهم رافع العيساوي؟ ثم ان السيد رئيس البرلمان تكشف كونه رجل عديم النفع والجدوى ، لسبب بسيط ، أنه لا يسير وفق ارادته الشخصية الحرة . فهو خاضع ومتفان لتنفيذ ما تأمره به التوجيهات الخارجية وهو ملزم بتطبيق اجنداتها وما منوط به. وهو بعد كل ذلك ، غير مؤهلا كقائد للسلطة التشريعية ولا يتسم بالحرص على وحدة شعبنا ، بدليل أن شعبنا لم يجده يوما ، حريصا او نافعا في مسؤولياته الكبيرة لدعم مسيرة الاصلاح السياسي المطلوبة . فمن خلال انتقاداته الاخيرة لما حصل من سفك الدماء العراقية لابنائنا الجنود الخمسة العزل والذين استشهدوا من قبل شياطين منظمة النقشبندية الارهابية ، لم يأت فيها رد فعل السيد النجيفي الا ما كان يعتمل في ذاته من شر مجبول عليه لا غير.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن