نظرة تأريخية حول أزمة المياه في حوض النيل

احمد خليل ارتيمتي
ahmed.artimeti@yahoo.com

2013 / 4 / 25

أزمة المياه في حوض النيل


المقدمـــــــــــــــــــــــــــــــة

المياه احدى التحديات التي تواجه القرن الواحد والعشرين، ولها تأثير على حياة المواطن ولها علاقة بالأمن القومي فالماء من اهم العوامل لاستتاب الأمن واذا ما منعت دولة سريان نهر الى دولة اخرى او اعترضت مجراه فذلك من شأنه الاضرار بمصالح واحتياجات مواطني الدولة الأخرى فالقرارات التي تتخذها الدولة في استعمال وتنظيم المياه هي من الاجراءات الهامة، فكل مشروع مائي داخل بلد ما يفسر على انه اعتداء علي المياه المخصصة لدول الحوض الاخرى .
وقد اجمع الاستراتيجيون على ان عدم امتلاك اي دولة للماء والغذاء الكافيين يعني تهديد الأمن القومي لتلك الدولة، ولا يمكن تحقيق الأمن العسكري لأي دولة دون تحقيق الأمن الاقتصادي ولا يمكن تحقيق الأمن الاقتصادي دون تحقيق الأمن الغذائي وعصب الأمن الغذائي المياه، ولتحقيق الأمن المائي يجب المحافظة على الموارد المائية المتوفرة واستخداماتها بأسلوب أفضل وعدم تلوثها وهدرها وترشيد استخدامها في الشرب والاستخدام المنزلي والري والصناعة، والسعي بكل الوسائل للبحث عن مصادر مائية جديدة وتطويرها ورفع طاقات إنتاجها واستثمارها مع الاهتمام بتقديم الدعم لها ورفع الوعي بأهمية دعمها وحسن إنتاجها واستخدامها بين الساسة ومتخذي القرار والمتعاملين معها والمستفيدين منها وهنالك توقعات وتحذيرات كثيرة بأن الفترة المقبلة قد تشهد صراعات حادة حول المياه في العالم بسبب نقص نصيب الفرد من المياه العذبة وتزايد الحاجة الى المياه لمقابلة التوسع الزراعي لتامين الغذاء، وحذرت دراسة حديثة للبنك الدولي من اندلاع حرب شاملة في منطقة الشرق الاوسط بسبب نقص المياه .
ولا يقل نهر النيل خطورة وتأثيرا في المنطقة اذ ان عشرة دول تشترك في حوضه لكل دولة مشاكلها وكلها تعتبر دول فقيرة تسعى لتوفير الغذاء لمواطنيها بكل الطرق وبالرغم من استقرار العلاقات الراهنة بين دول حوض نهر النيل الا انها قد تصبح بؤرة تؤثر في ضوء محاولات بعض الدول في التدخل في شؤون القارة الافريقية لسيطرة على الموارد المائية واستخدامها كورقة ضغط في المنطقة.













المبحث الاول
نظرة عامة على أزمة المياه في حوض النيل
المطلب ألاول: مفهوم الأمن المائي
بدأت أدبيات العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي تركز على إعادة تعريف مفهوم الأمن، بحيث لم يعد فقط يعني القوة العسكرية لدولة بل توسعت لتشمل قوتها الاقتصادية ومدى قدرتها على الحفاظ على مواردها الطبيعية وتنميتها وفي مقدمتها المياه وصار مفهوم الأمن المائي أحد مكونات مفهوم الأمن القومي.
والأمن المائي: هو وضعية مستقرة لموارد المياه يمكن الاطمئنان إليها، ويتحقق هذا الوضع عندما تستجيب الموارد المائية المتاحة للطلب عليها، أي ان درجة الأمن المائي لدولة ما تتوقف على طبيعة العلاقة بين المعروض من المياه والطلب عليها في فترة زمنية معينة، ومن ثم يمكن التعامل مع مفهوم الامن المائي باعتباره مفهوماً نسبياً يزيد وينقص بحسب طبيعة العلاقة بين عرض المياه والطلب عليها، وينطلق فهم وتحليل مفهوم الامن المائي لأية دولة من خلال تحليل منظومة الميزان المائي، ويقصد بالميزان المائي عملية الموازنة والمقارنة بين إجمالي حجم الموارد المائية التقليدية وغير التقليدية ويقصد بالموارد المائية إجمالي ما يتاح للدولة من مصادر المياه التقليدية وغير التقليدية في فترة زمنية معينة، وتتألف الموارد المائية التقليدية من الأمطار والتي تسمى (المياه الخضراء) والمصادر السطحية او (المياه الزرقاء) والتي تشمل ، والأنهار، والينابيع، والسيول، والوديان، والفيضانات، ثم هناك مصادر المياه الجوفية سواء المتجددة، أم غير المتجددة، أما الموارد المائية غير التقليدية، فتتألف من تحلية مياه البحر، وتحلية المياه الجوفية المالحة، ومعالجة مياه الصرف الصحي، والصرف الزراعي( ).
ويأتي الميزان المائي في ثلاث حالات:
أ ـ حالة التوازن المائي (Water Balance): وتتحقق حينما يتعادل الطلب على المياه مع حجم المعروض منها.
ب ـ حالة الوفرة المائية (Water surplus): حينما يكون حجم الموارد المائية اكبر من حجم الاحتياجات. للأنشطة التنموية المختلفة(الشرب، والصناعة والزراعة واستصلاح ارض جديدة وتوليد الطاقة الكهربائية، والملاحة وتنمية الثروة الحيوانية والسمكية)، وهو ما يعني حدوث ارتفاع في حالة الأمن المائي.
جـ ـ حالة الازمة المائية أو حالة الفجوة المائية (Water Deficit): وهي الحالة التي يكون فيها حجم الموارد المائية المتاحة اقل من الحجم المطلوب للوفاء بالاحتياجات المائية اللازمة.
وفي اطار السعي لوضع معيار محدد لتحديد درجة الاحساس بالآمن المائي طور بعضهم مفهوم "حد الامن المائي" الذي يشير الى متوسط نصيب الفرد في دولة ما من الموارد المائية العذبة المتجددة لتلبية احتياجاته المختلفة وقد توافق الخبراء على المستوى العالمي على اعتبار معدل 1000 م 3 من المياه للفرد في المتوسط سنويا هو الحد الادنى الذي دونه يمكن ان تتعرض دولة ما لمشاكل ندرة مائية، ربما تهدد صحة المواطنين وتصبح المياه عاملا محددا لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولنوعية البيئة، وهناك شبه اتفاق على ان معدل "500" م3من المياه هو الشح المائي، وليس ثمة شك في وجود علاقة عضوية وطيدة بين الامن المائي وبين الاستقلال الاقتصادي والسياسي، بمعنى ان تحقيق الاول يقود الى ضمان تحقيق الثاني كما ان فقدان الاول يؤدي موضوعيا الى فقدان الثاني، الأمر الذي دفع بالكثير من المعنيين إلى القول بان الأمن الغذائي دالة على الأمن المائي( ).

المطلب الثاني: مفهوم أزمة المياه
هو مصطلح يشير إلى حالة الموارد المائية في العالم بحسب الطلب البشري عليها، هذا المصطلح قد تم تطبيقه على حالة المياه في جميع أنحاء العالم من قبل الأمم المتحدة والمنظمات العالمية الأخرى والجوانب الرئيسية لأزمة المياه هي ندرة المياه الصالحة للاستعمال البشري وتلوث المياه.
ففي عام 1990 م بلغ عدد الأشخاص الذين تمكنوا من الحصول على مصادر مياه صالحة للشرب 1.6 مليار شخص فقط في أرجاء العالم، ونسبة الأشخاص في البلدان النامية الذين تمكنوا من الحصول على المياه الصالحة للشرب تحسن من 30 في المائة في عام 1970 م إلى 71 في المائة في عام 1990 م ، وإلى 79 في المائة في عام 2000 م وإلى 84 في المائة في عام 2004 م، بالتوازي مع ارتفاع عدد السكان، ومن المتوقع أن يستمر التحسن في هذا الاتجاه، للأرض إمدادات محدودة من المياه العذبة، مخزنة في المياه الجوفية والمياه السطحية والمياه في الغلاف الجوي، ويخطئ الناس بالقول أن المحيطات تحوي كمية كبيرة من المياه المتاحة، لأن كمية الطاقة اللازمة لتحويل المياه المالحة إلى مياه الشرب في أيامنا هذه باهظة جدا، الأمر الذي يفسر قلة إمداد العالم بالمياه الناتجة عن تحلية مياه البحر( ).

المطلب الثالث: نهر النيل.
ترجع تسمية النيل نسبه إلى المصطلح اليوناني ( Neilos)، ويبلغ طوله حوالي 6695 كم، وينبع من بحيرة فيكتوريا، وتشترك فيه عشر دول هي: إثيوبيا وكونغو الديمقراطية، وكينيا و أريتيريا وتنزانيا و روندا وبوروندي و أوغندا والسودان والمصر، ويجتمع في العاصمة السودانية خرطوم ويكون فرعين رئيسيين يقوما بتغذيته وهما: فرع النيل الأبيض في شرق القارة، وفرع النيل الأزرق في إثيوبيا ، ويشكل هذين الفرعين الجناح الغربي للصدع الإفريقي الشرقي، والذي يشكل بدوره الجزء الجنوبي الإفريقي من الوادي المتصدع الكبير، وتعتبر بحيرة فيكتوريا هي المصدر الأساسي لمياه النيل الأبيض ، حيث تقع هذه البحيرة علي حدود كل من أوغندا، تنزانيا وكينيا، وهذه البحيرة بدورها تعتبر ثالث البحيرات العظمي ، بالتوازي، يعتبر نهر روفيرونزا في بوروندي هو الحد الأقصى لنهر النيل، وهو يشكل الفرع العلوي لنهر كاجيرا حيث يقطع نهر كاجيرا مسارا طوله 690 كم قبل دخوله إلي بحيرة فيكتوريا، وبعد مغادرة بحيرة فيكتوريا، يعرف النيل في هذا الجزء باسم نيل فيكتوريا، ويستمر في مساره لمسافة 500 كم (300 ميل) مرورا ببحيرة كييوجا - حتى يصل إلي بحيرة ألبرت، وبعد مغادره بحيرة ألبرت، يعرف النيل باسم نيل ألبرت، ثم يصل النيل إلي جمهورية جنوب السودان ليعرف عندها باسم بحر الجبل، وعند اتصاله ببحر الغزال يمتد النيل لمسافة 720 كم (445 ميل) يعرف فيها باسم النيل الأبيض، ويستمر النيل في مساره حاملا هذا الاسم حتى يدخل جمهورية السودان ثم يمر بالعاصمة السودانية الخرطوم، ليتغير اسمه لنيل الأزرق ويأتي النيل الأزرق بنسبة (80-85%) من المياه المغذية لنهر النيل، ولكن هذه المياه تصل إليه في الصيف فقط أثناء سقوط الأمطار الموسمية على هضبة الحبشة، بينما لا يشكل في بقية الأيام من العام ذات النسبة حيث تقل المياه، وينبع هذا النهر من بحيرة تانا الواقعة في مرتفعات إثيوبيا بشرق القارة الأفريقية، ويستمر هذا النيل حاملا اسمه السوداني في مسار طوله 1,400 كيلومتر، (850 ميل) حتى يلتقي بالفرع الآخر –النيل الأبيض – في المقرن بالخرطوم ليشكلا معا من تلك النقطة، مروراً بأراضي مصر، وحتى المصب في البحر المتوسط، ما يعرف باسم النيل( ).

المطلب الرابع: الموارد المائية المتاحة في السودان.

يعتبر السودان من أكبر دول (حوض النيل ) مساحة ( 2.5 مليون كلم مربع ) ويتنوع مناخه من السافنا الغنية في أقصى الجنوب و إلى الصحراوي في أقصى الشمال ويتراوح معدل هطول الأمطار ما بين 400 ملم في العام في الشمال إلى أكثر من 1000 ملم في العام في أقصى الجنوب ، وتقدر كمية الأمطار بحوالي 1000 مليار متر مكعب في العام لا يستفاد إلا من أقل من 1% منها ويذهب الباقي هدرًا، وتمتلك من المياه العذبة حوالي 750 مترًا مكعبًا في العام، والتي تصل حوالي 300 متر مكعب في العام ( ويعتبر هذا دون حد الفقر المائي والمحدد ب 1000 متر مكعب) و تقسم مصادر المياه(5).
في السودان إلى ثلاثة أقسام كالآتي ( ):
أ. مياه نهر النيل و روافده :
ويشكل أكبر وأهم مصدر للمياه السطحية في السودان ، ويبلغ معدل إيراد نهر النيل وروافده 84 مليار متر مكعب موزعة كالآتي :
1. النيل الأزرق عند الخرطوم ب 50 مليار متر مكعب .
2. النيل الأبيض ب 22 مليار متر مكعب (بحر الجبل و السوباط ) .
3. نهر عطبره ب 12 مليار متر مكعب (شمال الخرطوم)، ولقد حددت اتفاقية عام 1959 م نصيب السودان من مياه النيل ب 18.5 مليار متر مكعب .
ب. المياه الجوفية مقدره بأربعة مليار متر مكعب
ج. الاودية والانهار الموسمية مقدرة بستة مليار متر مكعب وتقدر جملة الموارد المائية المتاحة حاليا ب 30.5 مليار متر مكعب (النيل و روافده، الانهار الموسمية والوديان والمياه الجوفية ) ومعظمها تقع خارج النطاق الجغرافي للسودان وفي مناطق مفتوحه لاحتمالات التدخل الأجنبي كمنطقة البحيرات العظمى او مناطق صراع إقليمي قائم او محتمل في القرن الأفريقي وتتزايد احتمالات استخدام المياه سلاحا في هذه الصراعات .




المطلب الخامس: الموارد المائية المتاحة في مصر.

تعتمد مصر على النيل اعتمادًا كبيرًا في توفير مواردها المائية ، ويبلغ إجمالي الموارد المائية في مصر حوالي 72 مليار متر مكعب تقريبًا مفصلة كالآتي : (المياه السطحية 55.5 مليار متر مكعب - المياه الجوفية 7.4 مليار متر مكعب - مياه التحلية 0.05 مليار متر مكعب - مياه معالجة الصرف الزراعي والصحي 9.10 مليار متر مكعب).
ومع ازدياد السكان والتوسع في الأراضي الزراعية وثبات الموارد المائية ستشهد مصر ملامح أزمة مائية تزداد عامًا بعد عام ، ويتوقع أن يصل العجز المائي في مصر إلى 49 مليار متر مكعب في عام 2025 م وإلى 94 مليار متر مكعب عام 2050 م . و بمعيار متوسط نصيب الفرد من المياه سنويًا فقد دخلت مصر إلى ما دون حد الأمن المائي منذ عام 2001 م( ).

المبحث الثاني
المباحثات الدولية حول مياه حوض النيل

المطلب الاول: مواقف الدول من اتفاقيات مياه النيل .
كانت الدول المتشاطئة على نهر النيل في السابق مستعمرات لدول أجنبية إلا أن مؤخرا، حصلت على استقلالها في غضون القرن الماضي، وبدأت في تطوير بلدانهم من الداخل، بعيدا عن الصراعات السياسي، والحروب الحدودية والحروب الأهلية، ومن أقوى دولة في حوض النيل التي اعتمدت اقتصاديا اعتمادا كليا على المياه المتولدة خارج حدودها هي مصر، حيث أجبر المصريون تاريخيا حماية هذا تدفق المياه في نهر النيل من خلال الإجراءات السياسية في الاعوام 1928و 1929م التي جرت بينها وبين وبريطانيا التي كانت تمثل بدورها كل من (كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) وتم تخصيص نسبة 7.7٪ من تدفق للسودان و92.3٪ لمصر، بالإضافة إلى ذلك كان من الممكن ان تتخذ مصر أعمال أو تدابير أخرى في حال تقليل من كمية المياه التي تصل أليها دون موافقتها.
وفي عام 1952 خططت الحكومة المصرية(حكومة الثورة) لإنشاء السد العالي في أسوان بطاقة تخزينية قدرها 156 مليار متر مكعب في السنة، ألا أن ظهور الجدل آنذاك حول ما أذا كان السد سيقام بشكل مشترك (مصري) أو بشكل مشترك (مصري-سوداني)، أدى الى عدم اشتراك السودان في الموضات حتى عام 1954، حيث تلت ذلك العام مفاوضات (مع صراع السودان حول الاستقلال) ركزت على حصة كل من القطرين، وما إذا كانت إقامة السد هي الطريقة الفعالة للاستفادة من مياه نهر النيل.
وفي عام 1959 اتفق الجانبان المصري والسوداني على إعادة تخصيص نسبة المياه حيث منحت مصر نسبة 75٪ وسودان 25٪ ، أما الدول المتشاطئة والمستقلة في الوقت الحالي ، فمنذ حصولها على الاستقلال، رفضت قبول اتفاقية 1959 ، لان ذلك يحرمها من النسبة الازمة لتطوير واقعها الاقتصادي والاجتماعي( ).


المطلب الثاني: التدخلات الاجنبية في منطقة حوض النيل.

تعد السيطرة على استخدامات مصادر المياه هدفًا مهمًا واستراتيجيا للدول الكبرى ، فالدولة التي تتحكم في منابع المياه تستطيع أن تؤثر في إمكانية استخدام النهر من قبل دول أسفل النهر من خلال استخدام الضغوط أو التهديد باستعمال القوة العسكرية الاقتصادية ومن هذه الدول:

أولاً: الولايات المتحدة الامريكية ومحاولات السيطرة.

تشير بعض الأوراق والوثائق المنشورة عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة الامريكية تعتبر موضوع المياه والبيئة من المواضيع التي تهدد الاستقرار والتنمية في المنطقتين العربية والأفريقية، وأن قضايا المياه إحدى أسباب الحروب والتوترات الحالية أو القادمة على مستوى شرعية نظم الحكم أو على مستوى العلاقات المتبادلة بين دول الجوار، الأمر الذى أنشأ علاقة وثيقة بين المياه والصراع في التفكير الأمريكي، ويقوم مكتب المخابرات والأبحاث التابع لوزارة الخارجية بدراسة مشاكل المياه في المنطقة ذات الأولوية خاصة قضايا الحدود.
فضلاً عن أن تدخل الأمريكي والصهيوني في منطقة الحوض يعتبر متكامل، فالولايات المتحدة تسعى إلى تجزئة الأقطار الأفريقية واستلاب مواردها والسيطرة على الممرات الاستراتيجية بكل الوسائل العسكرية والإعلامية والدبلوماسية وفي أطار ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بدراسة شاملة لأثيوبيا على مستوى الأراضي الصالحة للزراعة وعلى مستوى بناء السدود لتخزين المياه وتوليد الطاقة الكهرومائية فهي تؤيد وتشجع أثيوبيا على إنشاء السدود والمشاريع المائية ( ).
فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتمويل دراسة شاملة عن أوجه التعاون المحتمل قيامها بين مصر وإسرائيل مائيًا وذلك في الفترة التي انتعشت فيها عملية السلام المصرية – الإسرائيلية، كما قامت في عام 1976 م بتمويل مشروع ترشيد استخدام مياه الري في مصر وقد أثار هذا المشروع تساؤلا عما إذا كان الغرض من المشروع توفير مياه لمصلحة إسرائيل .
وكذلك أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 1988 م بحثاً عن السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الموارد المائية في الشرق الأوسط بهدف انتهاج استراتيجية للمستقبل لتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة وقد حددت الدراسة أزمة مياه حوض نهر النيل وكيفية معالجتها، وكذلك أورد الدكتور فريد ستخر أستاذ البيئة في جامعة فرجينا، أنه ليس هناك سلاح افضل أو أنجح من سلاح المياه لاستخدامه في مواجهة مصر والسودان وذكر بأن مياه النيل مثلما هي مصدر حياة لكل من مصر والسودان فإنها أيضا مصدر فناء لأمريكا، والذي له دور غير مباشر في التأثير في منظمات الأمم المتحدة ( البنك الدولي –صندوق النقد الدولي ) بشأن تبنى أو رفض المشاريع المائية المقدمة من دول الحوض وحسب التوجهات السياسية والحاجة إلى ممارسة الضغوط على الدول المارقة من دول الحوض( ).

ثانياً: الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل.

إن محاولات الصهيونية للحصول على مياه النيل قديمة، فقد ظهرت منذُ عهد تيودورهيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية عام 1903 م إلى الحكومة البريطانية بفكرة توطين اليهود في سيناء واستغلال ما فيها من مياه جوفية ، وكذلك بعض مياه النيل أما المحاولة الثانية فتتمثل في مشروع المهندس الإسرائيلي (اليشع كيلي) والذى نشره في جريدة معاريف عام 1978 م والذى يقوم على أن مشاكل إسرائيل المائية يمكن أن تحل على المدى البعيد بواسطة استخدام نسبة 1% من مياه نهر النيل والتي تعادل 800 مليون متر مكعب سنويًا.
كما تسعى إسرائيل من خلال وجودها في دول أعالي النيل إلى شراء وامتلاك أراضي زراعية برأسمال يهودي بدعوى إقامة مشروعات زراعية في تلك الأراضي(أثيوبيا والكنغو الديمقراطية) كما قامت بأعداد دراسات تفصيلية لكل من اثيوبيا، زائير، روندا واوغندا لبناء سدود ومشروعات زراعية، علاوة على ذلك تعمل إسرائيل على تحريض دول حوض النيل على المطالبة بإعادة النظر في حصص المياه الخاصة بنهر النيل ولقد جاء ذلك في تقرير صادر عن قسم التخطيط بوزارة الخارجية الإسرائيلية سماه( معاقبة مصر) إذا استمرت في تبني موقف سلبي تجاه إسرائيل، وذلك بإجراءات مختلفة من بينها المطالبة بطرح موضوع النيل في المحادثات متعددة الأطراف التي تبحث موضوع المياه مع السعي لدى دول حوض النيل والمجتمع الدولي لتغيير الوضع القانوني الحالي لمسألة المياه في دول الحوض.
ويؤكد ذلك ارنون سوفر( المحاضر بجامعة حيفا) في كتابة الصراع علي المياه في الشرق الاوسط ذكر ( ان لإسرائيل مصالح استراتيجية في دول الحوض وان توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة على اسرائيل وهي تنسق مع اثيوبيا في ذلك) .
هذا وقد كشفت مصادر أنه وبعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي2009 م /9/11- ليبرمان لعدد من دول حوض النيل في الفترة من 5في أكتوبر 2009 م وافقت إسرائيل على إنشاء ثمانية سدود لتخزين مياه النيل أربعة منها بتنزانيا وثلاثة بأوغندا وواحد ببروندى ( ).


المطلب الثالث: صراعات دول الحوض.
تعتبر مصر نهر النيل هو مصدر الحياة لشعبها وتسعى للتمسك بالحقوق المكتسبة لديها من مياهه وتعمل جاهدة للحصول علي موارد مائية جديدة حتى تستطيع مواكبة زيادة عدد السكان لديها بينما تسعى السودان للتمسك بكامل حصته وكسب موارد مائية جديدة من النيل لمقابلة مشاريعه الزراعية المستقبلية والزيادة في عدد السكان( ).
أما إثيوبيا فهي تصرح من حين لآخر بأنها تملك مياه النيل الذى ينبع من أراضيها وأن من حقها إقامة مشاريعها التي تخطط لها حتى ولو أدى ذلك إلى قطع المياه عن الدول الأخرى وترى بأن تلك المشاريع من أجل إطعام شعبها الذي تفتك به المجاعات وهذا السلوك أدى لتوتر العلاقات بينها وبين السودان ومصر. أما اوغندا وكينيا وتنزانيا فقد أكدوا عدم اعترافهم بالاتفاقيات القائمة وأن من حقهم الاستفادة من مياه النيل دون قيد أو شرط بل ذهبت تنزانيا إلى اكثر من ذلك اذ تحدث ( جوزيف نيريري ) في البرلمان بان من حقهم بيع المياه كما يبيع العرب البترول وطالبت اوغندا بان تدفع كل من مصر والسودان ثمن تخزين المياه في اوغندا واخيرا طالبت وسائل الإعلام الكينية أن تدفع مصر ثمن المياه التي تستخدمها( ).
أما جنوب السودان، فقد نقلت صحيفة الشروق المصرية الصادرة بتاريخ 7/5/2009 باسم الناطق الرسمي لحركة الشعبية أن شعب الجنوب أقترب إلى الانفصال وقال إن الجنوب ستصبح الدولة رقم 11 في حوض النيل، وبالتالي سيتم إعادة توزيع حصص مياه النهر بين الدول الأعضاء في ضوء الواقع الجديد، وأشار إلي أن الجنوب سيطالب بتعديل اتفاقية حوض النيل استعدادًا لانضمام دوله جديدة في حال حدوث انفصال، وفي حديث لوزير الموارد المائية والري في حكومة الجنوب (جوزيف دوير) لجريدة الشرق الأوسط ذكر أن لدى الجنوبيين الآن حكومة ووزارة الري وهي الجهة المسئولة عن تحديد دراسة الجدوى في كل المشاريع المتعلقة بالمياه في الجنوب واستنكر عدم دعوة حكومته في اجتماعات دول حوض النيل التي انعقدت 4 /7 /2009 م في الاسكندرية وذكر أنه كان يجب على دول الحوض دعوة حكومة الجنوب بصفة مراقب( ).


المطلب الرابع: الاتفاقيات دول حوض النيل.

يوجد هناك بعض الحقائق الهامة عن الاتفاقيات الموقعة بين مصر ودول حوض النيل،
حيث وقَّعت مصر عددًا من الاتفاقيات الخاصة بمياه النيل، وكانت جميعها تدور حول عدم إقامة أي مشروعات على مجرى النهر أو فروعه تقلِّل من نسبة تدفُّق المياه إلى مصر، وهذه الاتفاقيات حسب ترتيبها الزمني كما يلي( ):
1_اتفاقية 1902م في أديس بابا: عقدت بين بريطانيا بصفتها ممثلة لمصر والسودان وإثيوبيا في ذلك الحين، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات -سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط.
2_ اتفاقية 1906م: وقِّعت بين بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، ونصَّ بندها الرابع على أن تعمل هذه الدول على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده مصرَ.
3_اتفاقية 1929م: أُبرمت بين الحكومة المصرية والحكومة البريطانية كممثلة للسودان وأوغندا وكينيا وتنزانيا، ونصَّت أيضًا على ألا تقام -بغير اتفاقٍ مسبقٍ مع الحكومة المصرية.
4_ اتفاقية 1959م: وقِّعت لاستكمال اتفاقية 1929م بين مصر والسودان، ولكن دول حوض النيل الثمانية رفضت الاتفاقية.
5_ مبادرة 1999م: وقد تمَّ الإعلان عن مبادرة حوض النيل، وهي تمثل الآلية الحاليَّة التي تجمع كل دول الحوض تحت مظلة واحدة تقوم على مبدأين أساسيين هما: تحقيق المنفعة للجميع، إلا أنها آلية مؤقتة لا تستند إلى معاهدة أو اتفاقية دائمة وشاملة تضم دول الحوض جميعًا.
6_ يونيو 2007م: تمَّ عقد مؤتمر لوزراء المياه في دول الحوض في (عنتيبي) حيث تمَّ الاتفاق على رفع بند الأمن المائي إلى رؤساء الدول والحكومات بحوض النيل لحل الخلافات حول الصياغة.
7_ مايو 2009م: اجتماع وزراء دول حوض النيل في كينشاسا حيث فوجئ الوفد المصري بأن دول المنبع السبع قد نسَّقت فيما بينها للضغط على دولتي المصب، وخاصةً مصر.
8_ 5يوليو 2009م: أصدرت الدول والجهات المانحة لدول حوض النيل بيانًا مشتركًا حدَّدت فيه موقفها من نتائج اجتماع كينشاسا على أساس قيام مبادرة تستهدف حوض النيل بكامله.
9_ اجتمع المجلس الوزاري السابع عشر لدول حوض النيل في الإسكندرية في 26/27 يوليو 2009م ، حيث سعت دول المنبع إلى فرض إقامة مفوضية لحوض النيل، بغض النظر عن مشاركة دولتي المصب (مصر والسودان)، عوضًا عن الاتفاقيات القديمة لتوزيع المياه، ولما اشتدَّت الخلافات بين دول الحوض قرَّر المؤتمر الاستمرار في المفاوضات والتشاور لمدة 6 أشهر قادمة، على أن يتم الانتهاء من حسم نقاط الخلاف للوصول إلى اتفاقية موحدة تجمع دول حوض النيل أو مبادرة دول حوض النيل.


الخلاصــــــــــــــــة

عملت الدول الاستعمارية في إفريقيا على تقسيم القارة إلى مناطق نفوذ وعمدت إلى عقد اتفاقيات لتقسيم مياه النيل بين دولة لتعزيز هيمنتها وضمان استمرار تدخلها من حين إلى آخر بحجة السيطرة على النزاعات، لذلك جاءت كل الاتفاقيات معيبة ولم تعبر عن السيادة الوطنية لدول الحوض، فالنفوذ الأجنبي للدول الاستعمارية والقوى الكبرى لاتزال فاعلة ومؤثرة على دول الحوض في جميع المجالات.
وأن تكرار موجات الجفاف وازدياد الكثافة السكانية وحدوث المجاعات في دول الحوض جعلها تفكر في أمنها الغذائي وبالتالي التخطيط لتطوير نظم الزراعة المروية والبحث عن إيجاد موارد مائية جديدة تفوق حصصها المقررة لها من مياه النيل، إن المياه والأراضي الصالحة للزراعة لم تستغل بعد، وغير موزعة توزيعًا متساويًا بين دول الحوض فإثيوبيا التي يمر بها النيل الأزرق وتكثر بها الأمطار تعاني من المجاعة وسوء استخدام مواردها المائية، وستواجه كل من مصر والسودان أزمة مائية في السنين القادمة نسبة للمشروعات المستقبلية والزيادة السكانية لكل من البلدين ونقص إيراد المياه ومحدوديتها وحاجة دول الحوض لكميات إضافية لتأمين احتياجاتها من الغذاء والطاقة قد يؤدي إلى توتر العلاقة بين دول الحوض، أما السودان فهي تعاني من ندرة في موارد المائية وتزداد هذه الندرة عامًا بعد عام ونصيب الفرد السوداني من المياه في تناقص مستمر وتشير الدراسات إلى أنه وخلال العقدين القادمين فإن نسبة الحاجة إلى المياه ستفوق المياه المتاحة بأكثر من.%60 ، وتعتبر دول المنبع وعلى رأسها إثيوبيا أن كل الاتفاقيات التي تنظم تقسيم مياه نهر النيل غير منصفة وتم توقيعها في حقبة الاستعمار ولم تستشر فيها ولم تراع مصالحها وبالتالي فهي غير ملزمة بها وتدعو لتغييرها وتقف وراء تلك الدعوات دول أجنبية وعلى رأسها إسرائيل، ولا توجد اتفاقية تجمع عليها دول الحوض كما أن التطور الحادث في القانون الدولي يسمح بمراجعة الاتفاقيات القائمة والنظر فيها بعين الإنصاف نسبة للتغيرات الجوهرية التي حدثت في المنطقة، وتخطط إثيوبيا لإقامة عدة مشاريع على النيل الأزرق بتخطيط أمريكي ومساعدات إسرائيلية وهذه المشاريع إذا تم تنفيذها ستؤثر وتقلل من حصة كل من مصر والسودان وتمكن اثيوبيا من التحكم في مياه النيل، والتطور في تقنية بناء السدود العملاقة وسيطرة إسرائيل والولايات المتحدة على صناديق التمويل الدولية سيمكنان أثيوبيا من توفير الموارد المالية لتنفيذ مشاريعها المائية عاجلا أو آجلا، وظهور بعض المفاهيم الجديدة في قضية المياه وتحويلها إلى سلعة اقتصادية وإنشاء بورصة للمياه، وتقف وراء هذه المفاهيم إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ولا شك أن هذه الافكار والمفاهيم ستشعل النزاع بين دول حوض النيل.



الاستنتاجات
إن الأجدى لمواجهة مشكلة مياه النيل هو البحث عن حلّ يقوم على مبدأ الشراكة بين دول المنبع ودول المصب والممر، الذي يتجاوز مشكلة المياه ليدخل في إقامة مشاريع تنموية حقيقية متعددة الأطراف والأهداف وكذلك ترشيد استعمال المياه، والبحث عن مصادر بديلة، خصوصاً في مصر، وينبغي لمواجهة مشكلة المياه، داخلياً، وبشكل عام، من خلال المسارعة إلى القيام بمشاريع خلاقة، من خلال اعتماد سياسة بناء السدود الكبيرة والصغيرة، وذلك للحدّ من هدر المياه وضياع مياه الأمطار والثلوج الذائبة في الجبال والسهول، والبحث عن مصادر أخرى للمياه، وإقامة مشاريع مجدية، مثل تحلية مياه البحر، واستغلال مياه الصرف الصحي، وتشريع أنظمة وقوانين تحاسب على هدر المياه، وتضمن عملية تأمين التوزيع العادل للمياه على المواطنين والمزارعين الصغار والكبار، وتضمن كذلك حماية البيئة من التلوث والتصحّر، والقيام بحملات تشجير دائمة، والعمل على إعادة صياغة العلاقات العربية ـ الإفريقية، وتأسيسها وفقاً للمصالح المشتركة، الاقتصادية والتنموية، وبلورة سياسات مشتركة مفيدة للجميع، وعدم ترك المجال لإسرائيل التي تعمل على تخريب علاقات العرب مع الدول الإفريقية.

















المصادر

1. د. سامر مخيمر-خالد حجازي، أزمة المياه في المنطقة العربية، عالم المعرفة، سلسلة ثقافية شهرية، العدد209، (الكويت-1996).
2. د. سيف الدين يوسف محمد سعيد، البعد الخارجي والصراع حول مياه النيل، (القاهرة-2010).
3. عمر كوش، أزمة مياه النيل، جريدة الاقتصاد أون لاين، العدد 6080 4/8/2010.
4. د. محمود الاشرم. اقتصاديات المياه في الوطن العربي والعالم، مركز الدراسات الوحدة العربية، ط1، (بيروت-2001).
5. مثنى محمد تركي. أزمة المياه بين الدول حوض النيل، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية العلوم السياسية جامعة بغداد 2012.
6. ساندرا بوستل. الواحة الاخيرة مواجهة ندرة المياه، ترجمة د. علي حسين حجاج، دار البشير للنشر والتوزيع،ط1 (عمان-1994).
7. د. محمد سالمان طايع. السياسة الدولية، تحديات الندرة المائية في المنطقة العربية، الحاضر والمستقبل، العدد 179،المجلد 46، يناير 2010.
8.نهر النيل، الموسوعة المعرفية:www.almaarefa.comLphpL7181//kass
9. أزمة المياه، الموسوعة الحرة، وكيبيديا:ww.wikipedia org.com .
10. أ.د. مغاوري شحاتة دياب، مستقبل العلاقات المائية بين مصر و دول حوض النيل، رابطة الهيدروجينيين العرب،.www.h.arab.eg/arch”ve/2009/8/5opins.htm
11. أحمد الهلالي، ازمة المياه بين مصر ودول حوض النيل، المجلة الاقتصادية، العدد 12743،قاهرة ، 13 /5/2010 الموقع الالكتروني: http://www.aleqt.com/2010/06/04/article_401984.html
.12 Elaine B. Darby،Nile River Basin – Case Study،CE397 Transboundary Water Resources – Fall, 2005، http://www.ce.utexas.edu/prof/mckinney/ce397/.../Nile/Nile (2005).



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن