قبل أن يعم الظلام

محمد منير مجاهد
mmegahed@hotmail.com

2013 / 4 / 25

كانت كل التنبؤات العلمية تؤكد محدودية مصادر البترول والغاز الطبيعي في مصر وأنه لضمان الإمداد بالكهرباء عصب الحياة الحديثة لا مناص من استخدام الطاقة النووية، ولكن حكامنا صموا آذانهم حتى لا يسمعوا، وغموا أعينهم حتى لا يروا الحقائق، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه من نقص حاد في المنتجات البترولية والغاز الطبيعي، وأصبح من المستقر عليه تخفيف الأحمال في وقت الذروة أي قطع الكهرباء بشكل مخطط عن بعض المستهلكين.

يقال أن "لو" تعمل عمل الشيطان ولكن إزاء الأزمة الطاحنة في الكهرباء لا نملك إلا التساؤل عما كان سيكون عليه حالنا "لو" تم تنفيذ خطة وزارة الكهرباء والطاقة في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بإنشاء ثمان محطات نووية بقدرة إجمالية 8000 ميجاوات تمثل نحو 30% من المحطات الحرارية المرتبطة بالشبكة الكهربائية الموحدة حاليا، هل كان نقص الغاز الطبيعي والمازوت والسولار سيؤثر هذا التأثير على قدرتنا على توليد الكهرباء وتلبية الاحتياجات المتزايدة للسكان من الكهرباء؟

هناك ارتباط وثيق بين الكهرباء والتنمية، وقد غير اكتشاف الكهرباء وتوليدها ونقلها وتوزيعها شكل الحياة التي عاشتها البشرية لقرون عديدة، فهل نستطيع أن نتصور حياتنا بدون إضاءة كهربية، أو راديو أو تليفزيون، أو حاسبات آلية، أو إنترنت، أو الأجهزة المنزلية من ثلاجات وغسالات ومكانس وخلاطات، ومكاوي وميكروويف ومسجلات، ناهيك عن الآلات التي تعمل في المصانع وتدار بالكهرباء، أو قطارات المترو وغيرها مما لا حصر له من التطبيقات؟ لذا فقد عمل أعدائنا على حرمان مصر من القدرة على التنمية والنهوض، وكان من أهم ما سعوا إليه هو حرمان مصر من استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء والتي تعد مصدر هام للكهرباء في مصر نظرا لفقر مصر في مصادر الطاقة الأولية من فحم وبترول وغاز طبيعي، واستغلالها لكل المتاح من الطاقة المائية من خزان أسوان والسد العالي والقناطر المقامة على النيل.

تصدت إسرائيل للبرنامج النووي المصري منذ بداياته بكل الوسائل بما فيها العدوان العسكري عام 1967 الذي كان من أهم أهدافه إيقاف البرنامج النووي وغيره من البرامج المتقدمة، ففي الضوء العقيدة النووية الإسرائيلية بأنه "توجد طاقة نووية واحدة لا اثنتين" ومفادها أن من يمتلك القدرة النووية يمتلك أيضا خيارات استخدامها في غير الأغراض السلمية، لذا فإن أحد المحاور الإستراتيجية الإسرائيلية هو منع أي دولة في الشرق الأوسط – خاصة مصر – من تنمية قدراتها النووية السلمية، وفي هذا الإطار وطبقا لما أعلنه أمنون شاحاك رئيس الأركان الإسرائيلي الأسبق "كل الوسائل مقبولة لحرمان الدول العربية من القدرات النووية".

وفي مصر تركزت محاور الهجوم على البرنامج النووي المصري على محورين رئيسيين هما:
1) الهجوم على الطاقة النووية والزعم بأنها ملوثة للبيئة وأن دول العالم تتراجع عن استخدامها، وإثارة المخاوف من وقوع حوادث نووية... الخ.
2) التشكيك في صلاحية موقع الضبعة لإنشاء محطات نووية بزعم أن أي تسرب في المحطة النووية سيؤدي إلى فناء مصر كلها، أو أن التربة غير مناسبة.

للأسف نجحت نجاحا باهرا - نرجو أن يكون مؤقتا - محاولات عرقلة مصر عن اللحاق بركب الدول التي تمتلك القدرة النووية وإيقاف مشروع المحطة النووية بالضبعة، وسوف يذكر التاريخ الدور المشبوه الذي لعبه البعض بإثارة الفزع من الطاقة النووية لدى السكان المحيطين بالموقع، والتشكيك في صلاحية الموقع حتى تم اقتحامه وتدمير كل المنشآت فيه ومحاولة تغيير معالمه وتحويله عن الغرض المخصص له، وقد نشرت جريدة المساء في 13 إبريل 2013 خبرا يفيد قيام مجموعة من لصوص الأراضي بالاستيلاء علي مساحات شاسعة من أراضي مشروع الضبعة النووي وقاموا بتقسيمها إلي قطع مختلفة لبيعها لشركات السياحة وشركات المقاولات والأفراد، وذلك بالطبع في غياب تام للدولة رغم إعلان الرئيس مرسي في أكثر من مناسبة وآخرها كلمته في عيد العلم بتمسكه بخيار "استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء".

على أمل استثارة الهمة لإنقاذ المشروع النووي قبل أن ينهار تماما نستعرض بعض الحقائق التي برزت مؤخرا في العالم والتي ترد على المزاعم.

مخاطر الحوادث النووية وتراجع دول العالم عن استخدام الطاقة النووية

يستغل أعداء البرنامج النووي المصري حادثة فوكوشيما للتخويف وللتدليل على خطورة الطاقة النووية وآثارها المدمرة، والحقيقة أن اليابان تعرضت في الحادي عشر من مارس 2011 لكارثة طبيعية مروعة حيث ضربها زلزال لم يسجل مثله في تاريخها، نتج عنه موجات عاتية من المد الزلزالي المعروفة بسم "تسونامي"، وقد أدى الزلزال والتسونامي إلى مصرع وفقد نحو عشرين ألف شخص، ومسحت من على وجه الأرض مدن بأكملها بها آلاف المنازل، أدت الكارثة أيضا إلى وقوع حادثة في محطة فوكوشيما-1 النووية والتي تضم ستة مفاعلات نووية قدرتها الإجمالية 4700 ميجاوات وتعد واحدة من أكبر 15 محطة نووية في العالم، ورغم أن الحادثة النووية لم ينتج عنها أي وفيات أو إصابات فقد سارع أعداء البرنامج النووي المصري لتسليط الضوء عليها والمبالغة في آثارها متجاهلين الكارثة الإنسانية المروعة الناجمة عن الزلزال والتسونامي، وقد واجه مشغلو محطة فوكوشيما هذه الحادثة ببسالة نادرة حيث ظلوا موجودين في أماكنهم داخل المحطة النووية حتى سيطروا تماما على الحادثة في المفاعلات الأربعة وأعلن رسميا في 16 ديسمبر 2011 أن المفاعلات قد وصلت لحالة الإيقاف البارد الآمن.

أوضحت دراسة حديثة منشورة في جريدة الأخبار النووية العالمية (World Nuclear News) قام بها مجموعة من الباحثين برئاسة البروفيسور رييوجو هايانو من جامعة طوكيو لدراسة نتائج مسوح كامل الجسم التي تم إجرائها في مستشفى هيراتا المركزي بمقاطعة فوكوشيما خلال الفترة من أكتوبر 2011 إلى نوفمبر 2012، أن مستويات التعرض الإشعاعي الداخلية تقل كثيرا عن التقديرات التي اعتمدت على دراسات ما بعد تشيرنوبيل، كما أوضحت الدراسات أن حوالي 99% من سكان مقاطعتي فوكوشيما وإيباراكي المجاورة لها يمكن بالكاد اكتشاف أي مستويات من التعرض الإشعاعي الداخلي لعنصر السيزيوم-137 (المصدر الرئيسي للإشعاع المتسرب) بينما أوضح فحص الـ 1% المتبقية أن مستويات التعرض الإشعاعي الداخلي تقل كثيرا عن مستوى الخطورة الذي تحدده المعايير اليابانية.

أما بخصوص الزعم بأن دول العالم تتراجع عن استخدام الطاقة النووية فمراجعة موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية توضح بجلاء أنه يوجد 66 محطة نووية تحت الإنشاء، منها 28 محطة في الصين وحدها و11 محطة في روسيا، بل أن دولا كان البرنامج النووي قد توقف فيها لعقود قد عادت بقوة لاستخدام المحطات النووية كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن أن شقيقتنا الصغرى الإمارات العربية المتحدة تبني الآن أربعة محطات نووية في نفس الوقت ومن المتوقع أن يدخلوا تباعا إلى الشبكة الكهربية خلال الفترة 2017-2020.

صلاحية موقع الضبعة

من أكبر أعداء موقع الضبعة كمكان لإنشاء المحطات النووية الدكتور خالد عبد القادر عودة أستاذ الحفريات الجيولوجية بجامعة أسيوط والقيادي بحزب الحرية والعدالة، وقد كتب سيادته العديد من المقالات وظهر في العديد من البرامج التليفزيونية تقمص فيها أدوار عالم الجيوتقنية، والخبير العسكري، وعالم الأرصاد الجوية، وخبير الدراسات البحرية، والتي خلص منها لعدم صلاحية موقع الضبعة لإقامة منشآت نووية، ولعب دورا هاما في تحريض أهالي الضبعة ضد المشروع النووي بإثارة خوفهم ونشر الشائعات والمزاعم الوهمية حول المحطة النووية في الضبعة مما أدى إلى اقتحام الموقع في 15 يناير 2012 وتدمير وسلب كافة المنشآت التي أقامتها الدولة علي مدار ثلاثين عاما.

في حوار نشر منذ أيام في جريدة الأهرام (11 إبريل 2013) كفانا الدكتور بهي الدين عيسوي وهو أحد كبار العلماء والخبراء في مجال الجيولوجيا علي مستوي العالم مؤنة الرد على الدكتور عودة فقد قال صراحة أن "نفي الدكتور عودة صلاحية المنطقة وأرضها لإقامة المفاعل النووي غير مبرر وغير علمي"، وأن ما ذكره عن ضعف وتفكك التربة وهشاشتها هناك "غير صحيح فالتربة هناك غير هشة وغير مفككة، حتي لو افترضنا من باب الجدل ذلك، فإذا كنا قد أقمنا كوبري في النيل أعمدته الحاملة كأساس دقت في قاعه، وكذلك أقام السعوديون كوبري الملك فهد في الخليج العربي لمسافة 21 كم تقريبا يربطها بالبحرين، وأقام الخليجيون أطول الأبراج في العالم علي شاطئ الخليج، وأقام الفرنسيون مع الانجليز نفق المانش، فهل تعجز تربة الضبعة عن تحمل المفاعل؟"

يبقى أنه بغض النظر عن ما تراه الجهة المشغلة من سلامة موقع وتصميم وتنفيذ وتشغيل المنشأة النووية، فلا يمكن البدء في تنفيذ المشروع قبل الحصول على موافقة "هيئة الرقابة النووية والإشعاعية" التي تمثل الشعب وتدافع عن حقه في الأمان الشخصي وأمان البيئة من التعرض لأي إشعاعات نووية، وقد صدر تقرير من الهيئة في 27/9/2010 جاء فيه "بدراسة معايير الرفض الواردة بالمتطلبات التنظيمية لإذن قبول الموقع فقد وجد أن معايير الرفض هذه لا تنطبق على موقع المفاعل الأول للمحطة النووية الأولى بالضبعة" وبناء عليه شرعت هيئة المحطات النووية في وضع المواصفات والتأهب لطرحها في مناقصة عالمية، ولو لم يصدر هذا التقرير لما أمكن لهيئة المحطات النووية البدء في إجراءات تنفيذ المشروع.

للخروج من هذه الدائرة الجهنمية وقبل أن يعم الظلام، نقترح ما يلي:
1. ينبغى على الرئيس مرسي أن يجتمع بالمجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية ويصدر قراره باستئناف المشروع الذي أوقفه الدكتور عصام شرف لحين انتخاب رئيس جمهورية،
2. إخلاء الموقع من التعديات التي حدثت عليه ومحاسبة المحرضين ومرتكبي الأعمال التخريبية، والقيادات الأمنية التي سمحت بتسليم الموقع لهؤلاء المجرمين،
3. النظر في مظالم أهالي الضبعة التي يجب العمل على حلها وطمأنتهم، ويجب إنشاء منطقة صناعية بالضبعة وهو ما سيحدث نهضة كبيرة تتواكب مع بدء تنفيذ المشروع،
4. إقرار أولوية تعيين أبناء الضبعة في المناصب داخل المحطة والمشروع إذا ما كانوا مؤهلين لذلك
5. أن تلتزم الدولة بعمل مراكز تدريب لتحويل الحاصلين على الشهادات أو من لديهم خبرات معينة إلى خبرات تناسب مرحلة إنشاء المحطة النووية،
6. الارتقاء بالبنية الأساسية لمدينة الضبعة وتخطيطها بحيث تنمو بعيدا عن العشوائية وتصبح جميلة نظيفة صحية تجتذب الناس،

على الدولة أن تتحرك ليس فقط لإنشاء محطة نووية ولكن لتحويل الضبعة إلى القلب الصناعي للساحل الشمالي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن