الموقف الامريكى من ثورة 25 يناير

مى حسين عبد المنصف
mayosh6@yahoo.com

2013 / 3 / 29

المقدمة
لقد شهدت مصر فى الخامس والعشرين من يناير ثورة شعبية حقيقة حيث قام الشباب بتنظيم مظاهرة فى ذكرى اعياد الشرطة للمنادأة بمجموعة من المطالب ثم اتسع مجال المظاهرة الى مظاهرات فى عدة محافظات مصرية لتتحول الى ثورة شاركت فيها فئات اجتماعية واقتصادية مختلفة
فى العديد من المحافظات المصرية

الثورة الديمقراطية التى اندلعت فى 25 يناير 2011 فى ميدان التحرير وسائر المدن المصرية وقدمت المئات من الشهداء والجرحى ونجحت فى ازاحة رأس النظام عن موقع الرئيس فى 11 فبراير 2011 فتحت الباب أمام عملية الانتقال السلمى الشامل نحو الديمقراطية , بما تحتاجة هذة العملية من استكمال هدم النظام القديم واقامة نظام سياسى جديد يتسم بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية تطبيقأ للشعار الرئيسى للثوار : ( الشعب يريد اسقاط النظام , تغير- حرية- عدالة اجتماعية)

أبرز نتائج ثورة 25 يناير هى الصعود البرلمانى لجماعة الأخوان المسلمين حيث انها بعد ان كانت قوة سياسية تتجاهلها الحكومة المصرية فى ظل النظام السابق الا انها استطاعت ان ترسخ وجودها على الساحة المصرية, ولاسيما مع قيام ثورة 25 يناير , حيث استطاعت الجماعة ان يكون دور نشط منذ بداية الثورة أسهم ذلك الدور فى انها اصبحت قوة تخطف الأضواء بعد فوزها فى الانتخابات التشريعية لعام 2011 ووصولها للحكم.

ومن ثم أحدثت ثورة 25 يناير المصرية قلقا طاغيا لدى الجميع سواء على الصعيد العربى أو الصعيد الغربى فوقف الجميع يرقبون المشهد الذى يحدث على الساحة السياسية المصرية . فالجميع يعلم ان احداث الثورة ومساراتها وما سوف تؤول اليه الاوضاع فى مصر سوف يخلق نموذجا جديدا سوف تمتد آثاره الى كل الدول العربية والغربية ,حيث ان التغير فى مصر -بما عرف عنها من استقرار واستمرارية فى النظام منذ ثورة 23 يوليو 1952 ومؤسسات وهياكل امنية قوية-

سوف يشجع الكثيرين من الرافضين او المعارضين لانظمة الحكم فى بلادهم على اقتلاعها او الاطاحة بها كما انة قد يتعارض مع مصالح العديد من الدول .

لقد كان موقف الولايات المتحدة القوة العظمى الأكبر والمهيمنة من أكثر المواقف السياسية تفاعلاً مع الثورة المصرية, باعتباره الأكثر تأثيرا على مسار الاحداث بسبب طبيعة النظام الدولى الحالى إحادى القطبية كما ان مصالح الضخمة للولايات المتحدة الامريكية أصبحت في خطر حقيقي اذا نجحت الثورة المصرية وحققت أهدافًا حقيقية كبرى تنبع من إرادة الشعب المصري ودينه وتاريخه ولاسيما اذا كان هذا النجاح قد نتج عنة تولى جماعة الاخوان المسلمين للحكم , وهذا ما يمثل خطرا كبيرا ليس على مصالح الولايات المتحدة فحسب, وإنما على العالم الغربي بشكل عام.

لهذا تحاول هذة الورقة البحثية محاولة التعرف على السلوك الامريكى من ثورة 25 يناير منذ ان بدأت وحتى تولى المجلس العسكرى ادارة شئون البلاد فى المرحلة الانتقالية الى ان تولى الرئيس الاخوانى محمد مرسى والتعرف على العوامل التى تؤدى الى التغير فى موقفها من الاحداث المتتالية التى تمر بها اثورة المصرية من منظور استارتيجيتها والتى تتضمن بالضرورة الحفاظ على الهيمنة الامريكية فى المنطقة وتحقيق المصالح الامريكية

ومن ثم تتمثل المشكلة البحثية لتلك الورقة البحثية فى
" الى أى مدى كانت الولايات المتحدة تدعم الثورة المصرية ؟ وهل هى داعم فعلى للثورة ام انها مجرد داعمة شكلية , اى هل تدعم تحول ديمقراطى فعلى ام هدفها تحول يضمن الحفاظ على مصالحها ؟! "

تتمثل الاسئلة البحثية فى محاولة الاجابة على بعض الاسئلة العامة والتى يمكن تحديدها على النحو التالى:-
كيف كان موقف الولايات المتحدة من هذا الحدث(الثورة المصرية) ؟
هل يصمد النظام المصري ويعلي إرادة مصر ومصالحها أم تسلك مصر طريقاً وسطاً يجمع بين الاستقلال والمرونة أو الانحناء؟
ما هى الصيغة التى تنوى إدارة الرئيس محمد مرسى وحكومة الدكتور هشام قنديل أن تتعامل بها مع واشنطن بشأن هذا الأمر؟
هل سيكون الرئيس المصرى الجديد قادرا على بلورة لسياسات خارجية جديدة مستقلة يؤمن بها، أم سيختار أن الالتزام بقرارت القوى الخارجية؟

وفى اطار محاولة الاجابة على تلك الاسئلة يتم تناول اربع نقاط
استراتيجيات السياسة الأمريكية
السلوك الأمريكي تجاه الثورة المصرية:-
المرحلة الأولى :منذ اندلاع الثورة وحتى تنحى الرئيس مبارك
المرحلة الثانية : منذ تولى المجلس العسكرى حتى انتهاء المرحلة الانتقالية
موقف الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية المصرية
مستقبل العلاقات المصرية الامريكية – فى رئاسة مرسى















استراتيجيات السياسة الأمريكية
تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية محددة فى صياغة سياساتها الداخلية والخارجية , في سياستها الداخلية تعتمد على منظومةً ليبرالية من القيم والمبادئ والأفكار والرؤى والتصورات تتركز في مجملها حول الحرية المطلقة والمساواة وحق المشاركة السياسية لكل أبناء الشعب بشكل ديمقراطي حر, يعتقد الشعب الأمريكي أن هذه القيم هي أسمى قيم الخير والصلاح في العالم, وما عدا هذه المنظومة القيمية من المنظومات فهي شر ينبغي على الدولة كما صوِّر للشعب الأمريكي أن تسعى لمحاربتها, وأن تسعى لإحلال قيم الليبرالية محلها في أرجاء العالم, حتى ولو استدعى ذلك التدخل العسكري المباشر وذلك كي يسود السلام والاستقرار ويمحى الشر والظلام.

لكن صناع السياسة الأمريكية الخارجية لا ينظرون إلى الأمور كما يراها المواطن العادي, فهم لا ينظرون إلى الأمور بمثل هذه النظرة المثالية,لكنهم يتصرفون بالطريقة التي تحقق مصالحهم وتحفظها, وتمنع الخصوم والأعداء من منافستهم على الموارد والفرص المصلحية, حتى ولو اقتضى الأمر مخالفة تلك القيم الليبرالية , ولكنهم يرون أنه من الضروري أن تكون ممارساتهم تلك مقنّعة بقناع قيمي وأخلاقي, يصور لشعبهم وشعوب العالم أفعالهم على أنها سعي لنشر الخير ومحاربة الشر ودعم للسلام والاستقرار وحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية

فى ضوء السياسة الامريكية وفى اطار أهمية مصر في الإستراتيجية الأمريكية- سواء بشكل مباشر او غير مباشر – التى تتمثل على الصعيد المباشر فى

1-مصر تعد بؤرة حيوية هامة في الاستراتيجية الأمريكية انطلاقا من موقعها الجيو استراتيجي على اعتبار وجود قناة السويس بها, ومن ثم فهي منفذ هام ليس لدول العالم والدول الأوربية فحسب, وإنما لواشنطن أيضا
2-مصر هي إحد الدول الهامة المطلة على البحر الأحمر, والذي طالما لعب دورا هاما في الصراعات الدولية قديما وحديثا
3-الثقل النسبي لمصر في إطار ما كان يعرف بالنظام الإقليمى العربي كان محل اهتمام واشنطن التي عملت على تحجيم هذا الدور بصورة كبيرة منذ عهد عبد الناصر, أو احتواء النظام المصري وتطويعه لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية كما حدث إبان عهد السادات ومبارك .

أما بالنسبة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية على الصعيد غير المباشر والمرتبطة بإسرائيل فهي تنبع من أمرين أساسيين:-
1-الجوار الجغرافي بين مصر وإسرائيل, ومن ثم فإن إسرائيل تهتم دائما بوجود نظام مصري لا يهدد مصالحها القومية, بل أكثر من ذلك فهي ترغب في إيجاد نظام لا يقف عائقا أمام ممارساتها بحق الفلسطينيين
2- معاهدة كامب ديفيد, والبنود الواردة فيها الخاصة بتأمين إسرائيل, ووجود قوات دولية وأمريكية في المنطقة العازلة تضمن ليس فقط عدم الاعتداء على إسرائيل, بل وإمكانية تدخلها إذا لزم الأمر لاستعادة سيناء, فضلا عن تصدير الغاز لتل أبيب بأثمان زهيدة, وهو ما جعل الولايات المتحدة, بل وإسرائيل كما أشار ديختر-حريصة- على بقاء مبارك, أو نجله, أو حتى عمر سليمان

يصبح من الواضح أن مصالح الولايات المتحدة تتحق مع النظام السابق حيث كان يصف الرئيس السابق مبارك بأنة الحليف الاقوى لكل من الولايات المتحدة واسرائيل بل انة العميل الاول للولايات المتحدة واسرائيل والذى يؤكد على ذلك ما يلى :-

1- حفاظ نظام مبارك على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي وفرت الأمن والاستقرار لإسرائيل, والتي جعلت من مصر بثقلها وموقعها وأهميتها حليفًا استراتيجيًّا مميزًا لإسرائيل, مما وفر على الولايات المتحدة وعلى إسرائيل أعباء اقتصادية وعسكرية هائلة .
2- حول مبارك ونظامه الدور القيادي المصري للأمة العربية والإسلامية من دور بارز في مواجهة الاحتلال الأجنبي إلى دور قيادي للأمتين العربية والإسلامية لمساندة ذلك الاحتلال ودعمه .
3- سيطر مبارك ونظامه القمعي على الطاقات والتيارات الشعبية المصرية الهائلة التى تستند الى روح الدين الإسلامي والتاريخ المجيد والثقافة العربية الأصيلة تلك الطاقات كانت تطمح سياسة خارجية مشرفة ليست كالأتى أنتجها النظام المصرى السابق , والذي كبت الشعب وأفقره وسرق ثروته وأمواله؛ لينشغل الشعب المصري بالجري وراء مقومات المعيشة الصعبة وأمور الحياة اليومية المرهقة تحت نظام بوليسي أمني قمعي وحشي لا يرحم

ومن ثم يمكن القول أن كافة المصالح والأهداف الامريكية كانت تتفق وتتحقق أثناء فترة الرئيس المصري السابق حسني مبارك
على الرغم من ذلك كان هناك اهتمام أمريكي على كافة المستويات السياسية والأكاديمية والإعلامية بمستقبل مصر السياسى ، ومن سيخلف الرئيس المصري “مبارك” في حكم البلاد وذلك لان لمكانة مصر الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، ولتأثير ما يحدث فيها سوف يؤثر على استقرار منطقة الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية, لقد زاد هذا الاهتمام مع اندلاع ثورة 25 يناير يناير-التى كانت مفأجاة بكل المقايس- ولاسيما فى ظل حالة عدم وضوح الرؤية الأمر الذى يؤثر على العلاقات المصرية –الامريكية .
يرجع الاهتمام الامريكى بمصر ومستقبلها السياسى ولاسيما بعد اندلاع ثورة 25 يناير لعدة أسباب أبرزه:-
1- عنصر المفاجأة التي هزت ليس فقط مبارك باعتباره رأس النظام، والرجل الذي ينفذ الأجندة الأمريكية بكل حذافيرها, بل وخلفاؤه أيضا سواء أكان هذا نجله جمال, أو حتى عمر سليمان
2-الخوف من انتقال فكرة الثورة من مصر إلى دول أخرى من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة,والتي تمارس القمع والقهر ضد شعوبها
3-الخوف من وصول طرف آخر للحكم في مصر ليست لواشنطن سيطرة عليه,هذا الطرف تحديدا هو "الإخوان المسلمين" الذي استخدمهم النظام دائما كفزاعة لتخويف الغرب من فكرة تطبيق قواعد الديمقراطية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة, خاصة انتخابات نوفمبر 2010
4-الخوف من قدوم نظم حكم في المنطقة تستند ليس فقط إلى المشروعية القانونية " عن طريق الانتخابات التي غالبا ما كانت مزورة أو تشهد عزوفا جماهيريا للمعرفة المسبقة بنتائجها", وإنما تستند أيضا إلى الشرعية المستمدة من التأييد الشعبي لهذه النظم

• السلوك الأمريكي تجاه الثورة المصرية
لقد صدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في عام 2009، أنه إذا وصل قادة آخرون للسلطة في مصر، "فلن يعد بإمكان واشنطن الاعتماد علي القاهرة للقيام بمبادرات مرفوضة بشدة من الشعب المصري". لقد اعتمد الرؤساء الأمريكيون، بداية من "جيمي كارتر" وصولا إلي "باراك أوباما"، علي نظرائهم المصريين في تنفيذ ما هو مرفوض شعبيا. وجاءت الثورة المصرية في 25 يناير 2011 لتعرض هذه العلاقة للخطر

ومن ثم مثلت ثورة 25 يناير صدمة حقيقية لأركان الحكم فى واشنطن، وذلك لفجائية هذه الثورة وعدم القدرة على توقعها بهذه السرعة، وعدم تخيل نجاحها فى القضاء على نظام بوليسى محنك، إضافة إلى عدم رغبتهم وعدم استعدادهم لأى تغيير حقيقى فى منظومة الحكم فى مصر

ولكى يمكن معرفة السلوك الامريكى تجاة الثورة المصرية فسوف يتم تناولها على مرحتلتين تحكمهما العديد من سيناريوهات

المرحلة الأولى :منذ اندلاع الثورة وحتى تنحى الرئيس مبارك
المرحلة الثانية : منذ تولى المجلس العسكرى حتى انتهاء المرحلة الانتقالية

المرحلة الأولى :منذ اندلاع الثورة وحتى تنحى الرئيس مبارك
لقد بدأت الإشكالية تعبر عن نفسها نظرا لفجائية الحدث –ثورة 25 يناير- فاصبح هناك صعوبة فى المواءمة بين دفع وتطوير مشهد ديموقراطي من ناحية، وبقاء مبارك بالسلطة من ناحية ثانية، فكانت النتيجة هى الارتباك إزاء تحول ينذر بإعادة ترتيب المنطقة على نحو مغاير.

وقد زاد من عمق تلك الإشكالية، التناقض الذي تم التعبير عنه مؤخراً لحسم تلك الإشكالية" بمساعي الحفاظ على العروش العربية وتحويلها لملكيات دستورية، وأنه ينبغى على واشنطن أن تنأي بنفسها عن رؤساء الجمهوريات الاستبدادية الذين يواجهون مطالب التغيير السياسي"، وهو الحسم الذي اعتبر أحد أهم تداعيات التعامل الأمريكي مع المشهد المصري ,لذلك لم يكن بمقدور إدارة أوباما بلورة إستراتيجية واضحة تحت وقع المفاجأة، ولاسيما فى اطار ما سببته من إرباك سياسي على مستويين: -
أولهما: على المستوى الشخصي للرئيس أوباما ونائبه جوزيف بايدن. حيث كان الأول، قد وصف مبارك خلال زيارته الشهيرة للقاهرة في يونيه 2009 بالرجل الحكيم، والثاني نفي أن يكون قد وصفه بالديكتاتور
ثانيهما: على المستوى المؤسسي للإدارة الأمريكية التي فشلت رغم اجتماعاتها المكثفة، فى الخروج برؤية واضحة. فقد استقر البيت الأبيض على فكرة عقد اجتماعات يومية لتناول تطورات الأزمة بمصر

إذ يعقد صباحاً نائب مستشار الأمن القومي "دينيس مكدونو" اجتماعا مع نائبيه داخل غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض لتحديد "خطة اليوم"، التي تعني بطريقة الاستجابة لأحداث التى وقعت فى هذا اليوم. بعدها يتلقى أوباما التقرير الاستخباراتي الموجز المعتاد الذي أصبحت أنباء المظاهرات بمصر والتقديرات المرتبطة بها تهيمن عليه على نحو متزايد، وبعدها يناقش مع كبار معاونيه الاستراتيجيين، الخطوات التي يتعين اتخاذها فى ذلك اليوم للحيلولة دون خروج الاضطراب عن دائرة السيطرة. ثم يجري أوباما وكلينتون وبايدن ووزير الدفاع روبرت جيتس محادثات هاتفية يومية مع قيادات مصرية لتناول الأحداث.

أما في الخارجية، فقد فتح مسئولوها سواء بواشنطن مثل "ويليام بيرنز"، وكيل وزارة الخارجية للشئون السياسية، و"جيفري فيلتمان"، مساعد وزيرة الخارجية لشئون الشرق الأدنى، أو السفيرة بالقاهرة "مارجريت سكوبي"، قنوات اتصال بالشخصيات السياسية وقادة المعارضة مثل عمرو موسى ومحمد البرادعي بالإضافة للتواصل السياسي مع الحلفاء بالمنطقة، عرب وإسرائيليين.



ويمكن تفسير هذا الارتباك السياسى فى اطار السياسة الامريكية- كسمة مميزة للسلوك الامريكى تجاة الثورة المصرية- وفقا للاسباب الاتية :-
1- نتيجة للضغوط التي عانتها إدارة أوباما إزاء كيفية مواجهة هذه الأزمة
2- الفجوة الهائلة والتناقض الواضح بين ما تدعو إليه الإدارة الأمريكية من قيم سياسية تعلي من الديموقراطية والحريات العامة، وبين ما تنفذه واقعياً من خلال ممارساتها وسلوكها

إذ وضعت هذه الثورة السلمية العلاقات الأمريكية المصرية فى مأزق حقيقي، بعدما رفعت شعارات لا تتعارض مع القيم الأمريكية، إلا أن إدارة أوباما التزمت الحياد التام والحذر، دون القدرة على بلورة سياسة محددة تساعد على تجاوز الأزمة، حيث كانت من الناحية القيمية مع الشارع الثائر، أما مصالحها فهى مع النظام

ومن الواضح أن الخيارات المتاحة أمام صانع القرار الأمريكي كانت محددة للغاية, فالإدارة الأمريكية وجدت نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما : فهي إن طالبت بشكل صريح وفي وقت مبكر برحيل الرئيس مبارك فإنها ستدعم الحجه القائلة بوجود أياد أجنبية خلف الانتفاضة الشعبية ضد نظام حكمه وهي إن التزمت الصمت تجاه ما يحدث ، فإنها ستعرض نفسها لموجة من الإنتقادات داخليا وخارجيا بسبب نفاقها السياسي ومعاييرها المزدوجة الشهيرة، لأنها من جهة ترفع شعار المناداة بالحرية والديمقراطية ، ومن جهة أخرى تدعم الأنظمة القمعية الحليفة لها في المنطقة .

لكن فى الواقع ومنذ البداية إدارة أوباما لم تكن تري أن هناك أي تهديد لسيطرة مبارك علي السلطة. ودعت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، كل الأطراف لضبط النفس، لكنها لم تسحب تأييدها لـمبارك: "نري في تقديرنا أن الحكومة المصرية مستقرة، وتبحث عن طرق للاستجابة للاهتمامات والاحتياجات المشروعة للشعب المصري" كما قالت كلينتون "إن تقييم إدارتها للوضع أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن طرق للاستجابة لمطالب المتظاهرين المشروعة.
كما اعتبرت كلينتون أن أمام الحكومة المصرية فرصة هامة لتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. حتى حينما أعلنت الإدارة يوم 28 يناير أنها ستراجع مساعداتها العسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً، رفضت أن يكون ذلك اختياراً بين الحكومة والشعب، أو الانحياز لطرف دون الآخر."

ثم جاء خطاب اوباما مساء25 يناير، أشار أوباما إلي بن علي بوصفه ديكتاتورا، لكن "جو بايدن"، نائب الرئيس الأمريكي، رفض في وقت لاحق تطبيق الوصف نفسه علي مبارك لتصبح تصبح المحصلة النهائية من قبل الادراة الامريكية محدودة،فتمثلت فى خطاب سياسي متردد، وافتقاد القدرة على التأثير على مسار تطور المشهد المصري، تجاه طرفيه معا السلطة ومعارضيها.

وبحلول نهاية الأسبوع، وبعد وفاة المئات، واحتشاد عشرات الآلاف في التحرير، بدأ رد البيت الأبيض يتشكل حيث عمدت الإدارة الأمريكية إلى محاولة تصعيد الضغوط على طرفى الأزمة فى مصر من أجل القبول بصيغة الحل الوسط. ففي 30 يناير عقد أوباما اجتماعاً لفريق الأمن القومي لصياغة إستراتيجية توفر دعماً أمريكياً للتحول والإصلاح الديموقراطي مع عدم إغفال الحاجة للاستقرار الداخلي. تركزت تلك الاستراتيجية حول تحويل مظاهرات الشوارع المتنامية لعملية سياسية تلقى قبولا عبر مختلف أطياف المشهد السياسي المصري وتؤدي لانتخاب قادة جدد للبلاد.

بعدها ظهرت كلينتون، مكررة عبارة أن بلادها ستسعى لحدوث فترة انتقالية منظمة تثمر إصلاحات ديموقراطية من دون زعزعة استقرار البلاد. وبدا أن هناك إجماعاً بين المسئولين الأمريكيين على مقولة "إن المصريين وحدهم هم الذين سيقررون ما إذا كان ينبغي على مبارك التنحي، ومتى يتم ذلك"

ثم صرحت "كلينتون" بأن الإدارة تؤيد "الانتقال المنظم"للسلطة للحد من سلطات مبارك في صناعة القرار، وربما إبعاده عن القصر الجمهوري دون تجريده من سلطته الرئاسية فوراً وقد عارض كبار مسئولي الأمن القومي بايدن، وكلينتون، ووزير الدفاع روبرت جيتس، ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون التخلي عن نظام مبارك بأي شكل من الأشكال، بينما كان أوباما يريد ضمان الاستقرار في مصر، وفي الوقت نفسه يبدو وكأنه يؤيد إقرار الديمقراطية بشكل تدريجي. وكان انتقال السلطة الذي تصوره هو وفريق عمله لا يقضي بانتقالها للمعارضة، لكن لـعمر سليمان

ومن ناحية اخرى وفى الوقت الذى بدأت تؤكد فية الادارة الامريكية على الانتقال المنظم للسلطة قام مبارك بتغيير مجلس الوزراء، بمن في ذلك وزير الداخلية "حبيب العادلي"، وتعيين مجلس جديد برئاسة الفريق "أحمد شفيق" , وفي مساء يوم الثلاثاء الأول من فبراير، قدم "مبارك" تنازلا جزئيا آخر- خلال خطابه التليفزيوني- حيث قال إنه سوف يكمل فترة رئاسته الحالية التي من المقرر أن تنتهي في شهر سبتمبر، ولن يرشح نفسه لفترة رئاسية أخري، وتعهد بأنه خلال الشهور المتبقية له في الحكم، سوف يجري تعديلات دستورية تفتح الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية، وتضع حدودا لفترات الرئاسة

على الرغم من هذة الاصلاحات التى حاول مبارك ان يجد بها سبيل لمحاولة تهدئة الاوضاع الا ان الرئيس اوباما نصحة بضرورة "الانتقال المنظم لابد أن يكون ذا معني، ولابد أن يكون سلميا، ولابد أن يبدأ الآن" ، ولكن على الجانب الاخر حاول مبارك اقناع الرئيس اوباما انة امر صعب استنادا الى انة لا يعلم الى اى مدى من الممكن ان تصل الاوضاع فى البلاد اذا قام بالتنحى عن السلطة, ومن ثم ساد الشعور بالإحباط من عناد "مبارك"، بين مسئولي الإدارة الأمريكية، فاتصلوا بسليمان من اجل الاسراع الانتقال بعملية انتقال السلطة . حيث صورت "كلينتون" "سليمان" علي أنه يقود سفينة الدولة في المياه المضطربة

وبينما كان سليمان يبدو مقنعا للمسئولين في واشنطن، فقد فشل في إقناع النشطاء في القاهرة والمدن الكبري الأخري, ومن ثم فشل كل من مبارك وسليمان في تهدئة الثورة،لهذا تحركت القوات المسلحة المصرية للسيطرة علي الامور.

وفي 10 فبراير، كان عدد المتظاهرين يقدر بالملايين في جميع أنحاء البلاد لهذا جاء خطاب مبارك الاخير فى يوم الخميس 10 فبراير الذى أعلن فيه رفضه للتنحى مع تفويض سلطاته لنائبه عمر سليمان، حيث شدد مبارك على رفضه لما سماه الإملاءات الاجنبية فى إشارة واضحة للضغوط الامريكية التى مورست عليه ، الأمر الذى جعل إوباما وإدارته بين خيارين إما
1- قطيعة مع مبارك ونظامه
2-الاستمرار فى الدعوة إلى " إنتقال منظم للسلطة" لم يعد ممكنا

وبعد ظهر يوم الجمعة 11 فبراير، تعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإنهاء حالة الطوارئ بعد انتهاء الظروف الحالية، وتقديم تعديلات دستورية تفتح الباب لمتطلبات الترشح للرئاسة، وإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة ، وفي السادسة مساء ، وفي خطاب تليفزيوني استغرق 35 ثانية، أعلن "سليمان" تخلي "مبارك" عن منصب رئيس الجمهورية، وتكليفه المجلس الأعلي للقوات المسلحة "بإدارة شئون البلاد

فى النهاية أشاد "أوباما" بالنتيجة التي آلت إليها الأزمة، قائلا: "إن الشعب المصري تحدث، وسمع صوته، ولن تكون مصر أبدا مثلما كانت عليه" ومن ثم رحبت الادارة الامريكية بتنحى مبارك السريع فى مساء الجمعة 11 فبراير، بعد اعلانة عن تولى السلطة للمجلس الاعلى للقوات المسلحة.

ومن ثم هناك يمكن القول ان هناك ثلاث نقلات تميز السلوك الامريكى تجاة المشهد المصرى , تتمثل فى:-
النقلة الأولى:- سعت فيها الإدارة لمطالبة الطرفين بإبداء أكبر قدر من ضبط النفس، حيث طالبت النظام بعدم استخدام وسائل القمع تجاه المتظاهرين، مع مطالبة المتظاهرين بالالتزام بالتظاهر السلمي. وكانت غايتها محاولة احتواء حركة الشارع، للحفاظ على نظام طالما أمّن للولايات المتحدة استقراراً داخلياً وإقليمياً، هذا الموقف بدا أكثر ميلا تجاه للسلطة، حيث غابت مصر عن خطاب الاتحاد الذي ألقاه أوباما أمام مجلسي الكونجرس يوم 25 يناير
النقلة الثانية:- التي أعقبت إظهار المتظاهرين إصرارهم على تحدى نظام مبارك والمضي بالتغيير نحو مداه. وهنا بدا أن الإدارة تسعى إلى أن يقود مبارك إصلاحاً سياسياً واجتماعياً خلال فترة انتقالية. وقد جاءت مضامين خطاب مبارك الثاني متوافقة مع المطالب الأمريكية. ويبدو أن الهدف فى هذه المرحلة هو الحفاظ على استقرار النظام فى مصر لمنع متلازمة السقوط المتوالى والتغيير السياسي من الشيوع داخل المنطقة

النقلة الثالثة:- محاولة تأمين انتقال آمن ومنظم للسلطة من مبارك لنائبه عمر سليمان, وكانت غاية تلك النقلة مناقشة الخطوات التي ينبغي اتخاذها مع المصريين للحد من سلطات مبارك في صناعة القرار، وربما إبعاده عن القصر الجمهوري دون تجريده من سلطته الرئاسية فوراً. وبعدها تتفاوض حكومة انتقالية يرأسها سليمان مع رموز المعارضة لإصلاح الدستور وبدء التغييرات الديموقراطية ولكن هذا الامر لم يفلح مما ادى الى عودة الغموض مرة اخرى فى الموقف الامريكى
واستمر الوضع الى ان اعلن نائب مبارك تخلية عن منصبة وتولى المجلس الاعلى للقوات المسلحة ادارة شئون البلاد .

يلاحظ مما سبق ذكرة ان الإدارة الامريكية لم تمارس الضغط الكافى لتنحية مبارك، وإنما سعت لحث النخبة المصرية لفرض عزلة حوله بالدرجة التي تجعله يقف موقف المتفرج حتى نهاية حكمه. فهي تريد أن يرحل مبارك بشرف، أو حسب توصيف أوباما. "كلما تمسك، سيكون من الصعب رحيله في اللحظة المناسبة"..

كما يلاحظ تأرجح الموقف الأمريكي بين الداعم لخطوات الإصلاح وتنحية الرئيس المصري دون زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبين تأييد الثورة الشعبية التي قام بها الشعب المصري والمستمرة حتى يومنا هذا، تظهر أن الولايات المتحدة لم تتخذ بعد قرارها بشأن الأوضاع في مصر فهي تراقب وتتابع وتحاول أن ترسم معالم المرحلة القادمة، ومع كل هذا الحذر من جانب دول المنطقة والجوار ومن ثم الإدارة الأمريكية هدفها الاول والاساسى ان تسعى لفرض أجندتها الغير معلنة في المنطقة مما يثير حالة من الرعب .


المرحلة الثانية : منذ تولى المجلس العسكرى حتى انتهاء المرحلة الانتقالية
الإدارة الأمريكية رأت أن هذه المؤسسة العسكرية -الحليفة لواشنطن- هي أنسب المؤسسات المصرية التي من خلالها يمكن التنسيق لإدارة مرحلة انتقالية تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد الشارع المصري إلى هدوئه والتخفيف من آثار الثورة وتحقق ما لا يتعارض من مطالب الثورة مع سياسة مصر السابقة -الخارجية كليًّا والداخلية جزئيًّا- ووضع مصر القائم قبل سقوط نظام مبارك

لقد نشأت علاقات ومصالح مستقرة بين الإدارة الأمريكية والمجلس العسكرى ,وقام أوباما بإمتداح الجيش المصرى بقولة بأنه جيش وطنى وحارس لمصر ,وقامت هيلارى كلينتون أيضا بدعم المجلس العسكرى فى ادارتة للمرحلة الانتقالية من خلال زيارة قامت لمصر أثناء المرحلة الانتقالية واكدت على ان الادارة الامريكية تدعم الجيش المصرى وترغب فى التأكيد على التحول الديمقراطى فى مصر .

استمر الوضع على ذلك الى أن جاء يوم الجمعة 19نوفمبر 2011 حيث شهدت إنتهاء المليونية دعت إليها جماعة الإخوان المسلمين وبعض القوى السياسية الأخرى فى مواجهة مايسمى بوثيقة السلمى للمبادىء الدستورية ,فى ظل هذة المليونية هاجمت قوات الشرطة المعتصمين فى ميدان التحرير الذين كان لا يتجاوز عددهم المائة وخمسون شخصا ومعظمهم من مصابى ثورة يناير ,وشاهد العالم العنف غير المبرر من قوات الشرطة تجاه المعتصمين , مما أدى لعودة كل القوى الثورية لميدان التحرير وزادت المواجهات مرة أخرى وعلى مدار خمسة أيام طالب فيها المتظاهرين بسرعة تسليم السلطة لمدنين من خلال مجلس رئاسى مدنى أو حكومة إنقاذ وطنى لها كامل الصلاحيات

ورغم الاستمرارية في السياسات المصرية بشكل عام، شعر المسئولون الأمريكيون بالقلق بسبب الاضطرابات المستمرة تحت الحكم العسكري، وتباينت مواقفهم في النقاشات التي جرت حول أفضل طريقة لتحقيق الاستقرار. فالبعض فضل الاستبداد الصريح، والبعض الآخر أيد إجراء إصلاحات محدودة تساعد المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي الاحتفاظ بالسيطرة. ومن جانبه قال البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية إن "طنطاوي" في حاجة لإعادة الحياة العامة في مصر إلي طبيعتها، من خلال رفع حالة الطوارئ، وتقليل الهجمات علي المتظاهرين المدنيين .

ومن ثم حدث تحول مرة أخرى فى سياسة الإدارة الأمريكية حيث -أنها ازاء ما حدث فى مليونية الجمعة 19 نوفمبر 2011 وازاء ازمة التمويل الاجنبى للمنظمات المجتمع المدنى المصرى مداهمة السلطات الأمنية المصرية لمنظمات المجتمع المدني، وإحالة السلطات القضائية المصرية 43 من العاملين بتلك المنظمات، بينهم 19 أمريكياً، إضافة إلى أجانب من جنسيات أخرى ومصريين، إلى محاكمة جنائية- طالبت المجلس العسكرى بسرعة تسليم السلطة للمدنين ,و لم تضغط الادارة الامريكية بالصورة الكاملة مثلما يحدث منهم دائما من أجل سرعة تسليم السلطة ,حيث أنهم لا يغامرون بعلاقتهم مع السلطة من أجل الديمقراطية

وبالفعل تعهد المجلس فى بيانه الثانى الصادر يوم 10 فبراير بـ«رعاية مطالب الشعب المشروعة والسعى لتحقيقها من خلال متابعة تنفيذ هذه الإجراءات فى التوقيتات المحددة بكل دقة وحزم»، وأكد المجلس أن التوقيت المحدد كان 6 أشهر، إلا إن العام ونصف العام السابقة شهدت تأجيلات عديدة ومتكررة حادت عما وصفه المجلس بـ(خارطة الطريق) كما أكد المجلس ان فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة يوم 10 مارس، موضحاً أنه سوف يسلم سلطة الرئاسة إلى رئيس الجمهورية بعد إجراء الانتخابات لتنتهى المرحلة الانتقالية.

ثم شهدت البلاد إنتهاء المرحلة الأولى من الإنتخابات البرلمانية وظهور المؤشرات بحصول التيار الدينى ممثلا فى حزب الحرية والعدالة وحزب النور على النصيب الأكبر من الأصوات سواء فى القوائم أو الفردى, وبالفعل جاءت النتيجة النهائية تؤكد على فوز حزب الحرية والعدالة بنسبة 47.2% , ومن ثم أصبحت أمريكا مستعدة لقبول خيار وصول التيارات الدينية للسلطة فى مصر كخيار أفضل لها وخاصة أن هذة القوى أبدت الإستعداد للتحاور معهم

لقد أصبح البرلمان الجديد منبراً مهماً لجماعة الإخوان المسلمين لطرح رؤيتها، وربما السعي إلى مباشرة العمل في مشاريع تشريعية محددة، لكنه لن يكون بالمكان الذي ستكون قادرة من خلاله على أن تحكم أو تقيم تحالفات واضحة. فمع احتمال أن يكون البرلمان هدفاً لسيل من المطالب والمظالم، فإن القدرة على توسيع المسئولية ستكون مفيدة سياسيا لذلك أعلن حزب "الحرية والعدالة" التابع لجماعة الإخوان المسلمين خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، معتبرا ذلك المنافسة على السلطة حق سياسي أصيل يكلفه القانون والدستور

ومن ثم أصبح هناك قبول متنامي للادارة بشأن الجماعة التي أكدت ان مشرعيها يريدون بناء ديموقراطية حديثة تحترم الحريات الشخصية وكذلك الأسواق الحرة والالتزامات الدولية بما في ذلك معاهدة السلام مع إسرائيل,ومن ناحية أخرى سيكون غير عملي تماما عدم الانخراط مع الجماعة وذلك من أجل أمن الولايات المتحدة ومصالحها الاقليمية في مصر,حيث انه لايوجد طريق آخر أفضل من الانخراط مع الحزب الذي فاز في الانتخابات ، ولاسيما بعد أن نقلوا رسالة وسطية حول الأمن الاقليمي وكذلك القضايا المحلية والاقتصادية


موقف الولايات المتحدة من الانتخابات الرئاسية المصرية
لقد تزامن نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 في الإطاحة بنظام “حسني مبارك- الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل –مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية,هناك مجموعة من المتغيرات والمحددات التي تشكل الموقف الأمريكي من الانتخابات الرئاسية المصرية، والتى يمكن طرحها في الآتي

1-تزايد موجة الغضب الشعبي المصري من الولايات المتحدة الأمريكية، بداية من دعمها لنظام مبارك في بداية الثورة المصرية، وتردد الموقف الأمريكي بين مطالبة النظام المصري السابق بتبني خطوات إصلاحية تارة، ومطالبته بالتنحي.
لقد ظهرت صور تلك الموجة العدائية في التأييد الشعبي لتقديم مسئولي المنظمات الأمريكية العاملة في مصر إلى القضاء المصري بدون تراخيص رسمية، وتمويل منظمات المجتمع المدني المصري بدون موافقة الحكومة المصرية، والعمل على تهديد أمن ومصالح مصر، وكذا رفض الأوساط الشعبية المصرية للمعونة الأمريكية لمصر.

2- إعلان مرشحي الرئاسة المصرية عن رغبتهم في إعادة النظر في العلاقات المصرية – الأمريكية، انطلاقا من الحفاظ على وتحقيق المصلحة المصرية.
3-تصاعد قوة التيار الإسلامي بشقيه الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) والسلفيين (حزب النور) في العملية السياسية
4- توتر العلاقات المصرية – الإسرائيلية، بعد فترة من استقرار العلاقات بين البلدين خلال فترة حكم مبارك
5- الانفتاح المصري على قوى إقليمية تراها واشنطن مناوئة لها ولمصالحها في المنطقة، والتي يأتي في مقدمتها إيران
6- قرب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكيةو تحتدم المنافسة بين الرئيس الأمريكي الساعي إلى فترة رئاسية ثانية، وحصول حزبه على الأغلبية في مجلسي الكونجرس الأمريكي وتزايد انتقادات منافسيه من الحزب الجمهوري ومنتقدي سياساته في منطقة الشرق الأوسط

فى اطار تلك المحددات ظهر تياران رئيسيان داخل الاولايات المتحدة يوضحا كل منهم الموقف الامريكى من أول انتخابات رئاسية فى مصر بعد الثورة
التيار الاول: يرى أنصار هذا التيار أن الديمقراطية المصرية وفوز الرئيس المصري في انتخابات حرة ونزيهة سيعد عاملا مضيفا إلى قوة مصر الناعمة في منطقة الشرق الأوسط هو الأمر الذي يدفع الرئيس المصري الجديد لتبني سياسات معارضة للولايات المتحدة وإسرائيل
التيار الثانى :- تيار أكثر واقعية، وينتشر في مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية المستقلة , يري أنصار هذا التيار أهمية تأكيد الإدارة الأمريكية إجراء الانتخابات الرئاسية المصرية بحرية وشفافية ونزاهة، وتقديم كافة الدعم إلى السلطات المصرية لإجراء تلك الانتخابات على أكمل وجه، وعدم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في اختيارات الناخب المصري , أهمية بحث الإدارة الأمريكية مع نظيرتها المصرية، المنتخبة ديمقراطيا، علاقات جديدة، قوامها الاحترام والمصالح المشتركة، مع التواصل مع كافة التيارات السياسية في مصر.

بصفة عامة يمكن القول أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تهتم بمن سيكون الرئيس المصري القادم، ما دام لم يحدث تهديد للمصالح الأمريكية الاستراتيجية بين البلدين، والتي تتمثل بصورة رئيسية في الحفاظ على معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، واستمرار التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، ومنع الانتشار النووي في المنطقة. وهي مصالح لا يعارضها أي من مرشحي الرئاسة المصرية، ولذا لن يضحي أي منهم بعلاقات استراتيجية مع الآخر

بالفعل انعقدت الانتخابات الرئاسية المصرية لعام 2012 –الانتخابات الاولى بعد الثورة – ووفقا للجنة العليا للإنتخابات الرئاسية ان القائمة 13 ضمت مرشحاً من اصل 23 مرشح تقدموا للإنتخابات ولقد انتهت الجولة الاولى بفوز كل من الفريق احمد شفيق وبين المرشح الاخوانى محمد مرسى

يمكن القول ان السلوك الامريكى تجاة الانتخابات المصرية كان يقتصر فى مقولة " الفائز الشرعى " حيث انها كانت تلك هى كلمة السر داخل الإدارة الأمريكية فى أثناء تعاملها مع معضلة نتائج الانتخابات المصرية الرئاسية قبل إعلانها رسميا من ناحية , ومن ناحية أخرى فى الوقت الذى رغبت فيه وزارة الخارجية والبيت الأبيض أن يكون الرئيس المصرى الجديد معبرا عن نتائج صناديق الاقتراع فقط، لم تتمسك فى البداية وزارة الدفاع الأمريكية بحتمية هذا الموقف

و بقطع النظر عمن سيفوز في الجولة الثانية من الانتخابات فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستكون الخاسر الأكبر, فسواء أصبح القيادي الإخواني محمد مرسي رئيسا لمصر أو آل الفوز النهائي للفريق أحمد شفيق - آخر رئيس وزراء قبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك - فإن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تواجة تحديات جسيمة في القاهرة،حيث ان مصر في عهد حسني مبارك ليست مصر ما بعد عهد حسني مبارك

- المرشح محمد مرسى بالنسية للادارة الامريكية :- الادارة الامريكية كانت ترأى ان المرشح يمثل الامرالأكثر تعقيدا وإثارة للاهتمام،كما انة قد لا يتبنى العلاقات الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية

حيث ظل الإخوان المسلمون يتخذون مواقف معارضة العلاقات بين واشنطن والقاهرة منذ تنامي العلاقات الثنائية بين البلدين في منتصف السبعينيات. لقد ظل الإخوان المسلمون يستخدمون هذه المسألة في معارضتهم للرئيس الأسبق أنور السادات ثم خلفه حسني مبارك حتى سقوطه يوم 11 فبراير 2012 كما أن الإخوان المسلمين ظلوا يستندون إلى هذه المسألة من أجل ضرب شرعية النظام التي تتوقف في جانب كبير منها على الفكر القومي

- المرشح أحمد شفيق بالنسبة للادارة الامريكية :- يمثل المنحدر من رحم بيئة الرئيس السابق حسني مبارك أي بيئة صديقة للولايات المتحدة الأمريكية وحريصة على العلاقات الثنائية مع إسرائيل إن أحمد شفيق من الضباط الذين يحسبون على النظام القديم الذي استفاد عسكريا ودبلوماسيا وماليا من الولايات المتحدة الأمريكية على مدى أعوام - ومن ثم قد يكون هو المناسب بالنسبة للادارة الامريكية – ولكن بعد وصول الفريق احمد شفيق للجولة الثانية حاول ان يؤكد على أنه ليس حسني مبارك آخر يلعب دورا جديدا حتى إذا تطلب منه الأمر اتخاذ مواقف غير مقبولة من الولايات المتحدة الأمريكية

أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية الأحد 24/ 6/ 2012 نتيجة جولة الإعادة لانتخابات رئاسة جمهورية مصر العربية بفوز الدكتور محمد مرسي بنسبة51,73 % حيث حصل الدكتور محمد مرسي على 13،230،131صوتا، بينما حصل منافسه في الإعادة الفريق أحمد شفيق على 12،347،380 صوتا من أصل 25،577،511 صوتاً صحيحاً في جولة الإعادة

الادرارة الامريكية رأت أن فوز الرئيس محمد مرسى يرجع للاسباب الاتية :-
أولا: مشروع القرار الذى قدمه النائب المهندس حاتم عزام فى مجلس الشعب وتمت الموافقة عليه والخاص بتعديل انتخابات رئاسة الجمهورية ليتم الفرز فى اللجان الفرعية تحت إشراف قضائى، وتسليم نتيجة الفرز لمندوبى المرشحين.
ثانيا: ما أقدم عليه حزب الحرية والعدالة من إعلان النتائج بعد ساعات قليلة من إغلاق لجان التصويت، وأقدامه على نشر تفاصيل نتائج فرز اللجان الفرعية والعامة، وعرضها أمام الرأى العام المصرى والعالمى
ثالثا: إبلاغ سفارات الدول الكبرى بمصر لحكوماتهم، ومن ضمنها السفارة الأمريكية، ترجيحهم صحة الأرقام التى نشرها حزب الحرية والعدالة

يبقى على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى في مستقبل الأيام للتكيف مع الواقع السياسي المصري الجديد ولاسيما ان ايا كان الرئيس الجديد- الذى سوف يتولى مقاليد الحكم – لن يمثل حسنى مبارك الجديد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن