جلباب المخزن المخروم ، وعري المجتمع الفاضح

خالد الصلعي

2013 / 2 / 22

جلباب المخزن المخروم وعري المجتمع الواضح
********************************
استطاع النظام المغربي عبر تجربة سياسية تختلف بالضرورة والحتمية عن باقي التجارب السياسية العربية أن يهيمن على الحقل السياسي والاجتماعي هيمنة مطلقة . الى درجة أن جميع الافرازات الطبيعية لهوية المجتمع المغربي تم تشويهها وافراغها من محتوياتها التاريخية والانسانية والحضارية . فلا تكاد مثلا تعثر في الثقافة على بعد ثقافي يرنو الى معانقة الانسانية في بعدهها الارتقائي ، كما تستطيع الجزم بقطعية حادة على هزالة مردوده الفني الراقي ، فمن الشعر الى السينما عبورا بالرواية والرسم والنقش وفن العمارة...الخ لا تكاد تعثر على منظومة متماسكة أو هارمونية متشكلة في أرومة فاعلة ومؤثرة ، الا ما ندر .
استطاع النظام المغربي عبر مجموعة من الشروط التاريخية والاجتماعية أن يستحوذ ، ليس فقط على مقدرات الوطن وخيراته وثرواته ، وتوزيعها في مرحلة المغربة ،بداية السبعينيات ،على أفراد الأسرة المالكة ، وعلى كبار الجنرالات ، وعلى المسؤولين السياسيين الذين تواطأوا معه على الاجهاز على كل الارادات الحقيقية والمخلصة ، في أكبر عملية تاريخية لتفكيك العوامل والسياقات و المكونات الطبيعية لنهضة أي شعب من الشعوب . الى درجة انه في بداية الثمانينيات تم اغلاق شعبة الفلسفة ومصادرة مناهجها من الكليات والجامعات المغربية . وهو مثال بسيط على مدى ترامي النظام المخزني على حقل من الحقول الرمزية ، لكنه لم يكن يعي آنئذ أن الفلسفة رؤية حياة ، وليست فقط مقررات مدرسية او أكاديمية .
وما يزال النظام المغربي يحتكر منظومة الاعلام السمعي البصري ، مع ما يمثله الاعلام من قوة على ترجيح وجهة نظر دون الأخرى ، وعلى فاعليته المباشرة في تدعيم أبجديات الديمقراطية وحقوق الانسان ، بل هو اليوم يعتبر من الأسباب المباشرة لرفع قيمة الانسان أو خسفها . لكن النظام المغربي ظل متمسكا بهذا الوسيط الهام باثا فيه كل سموم الانحطاط الاعلامي ، الى درجة ان أي وجه من وجوه المعارضة اذا تم استضافتها في هيأة اعلامية نظامية ، فان تهمة العمالة للمخزن تلتصق به بصورة تلقائية ، اذ كيف يعقل أن تكون معارضا صلبا ، وترضى بمجالسة ديكتاتورية اعلامية ؟
هيمنة النظام المخزني هي في الحقيقة هيمنة مطلقة ، وهذا غباء سياسي يُفقد مضمون الدستور الجديد-2011- معناه ومحتواه وأهدافه ووظيفته . فقد حاول النظام المغربي أن يمهزل الحياة السياسية والاجتماعية المغربية ، وكان له ما أراد .
فهو يسيطر على كل الاقتصاد المغربي المهيكل ، عبر عائلات بعينها منها العائلة الملكية ، ويهيمن على الحقل السياسي لدرجة أن أكثر من 38 حزبا يعتبرون في النهاية حزبا مخزنيا واحدا بالقوة وبالفعل . مما يعري أضحوكة المعارضة في شقها البرلماني ، ويحيلها الى مسرحية لم تعد تغري أحدا بمشاهدتها ومتابعتها . ولعل هذا ما تفطن اليه رئيس الحكومة ،حين يضجرنا بين اللحظة والأخرى بكونه ليس الا خادما للملك ، الى درجة أنه تخلى عن بعض اختصاصاته الدستورية للملك ، وهو لايرى الا ما يراه الملك ، ولا يفعل الا ما يرضاه الملك ، وهي التفاتة سياسية ، قد يعتبرها الرجل ذكية ، لكنها بحكم التعاقد الدستوري ، واقران المسؤولية بالمحاسبة لا تعفيه من تبعات أدائه السياسي ، وما يترتب عنه من انهيارات على جميع الصعد .
النظام المغربي مؤمن حد اليقين الأعمى أنه هو الحقيقة عينها ، وهو لا يقف فقط عند حد امتلاك هذه الحقيقة ، بل هو موزعها وعرابها ورمزها ، منه تشع ،وفيه تخبو ،و عليه تدور كل معانيها ودلالاتها . وهنا لن نقفز على واقع الأخطاء المبتذلة التي وقع فيها الى الان ، من تسخير القضاء لخدمة أجنداته ولن في أفته المور ، اعتقال الحركيين ، عدم الترخيص لمجموعة من الأحزاب والمنظمات المدنية ، محاصرة المدن والقرى والتظاهرات السلمية ، الى درجة سحل برلماني من الحزب الحاكم امام باب البرلمان ، اطلاق سراح أدانهحمضه النووي لا لشيئ الا لأنه برلماني .....الخ.
ان الوقائع تكاد لاتحصى ، بل لكثرتها تخرج عن منطق الاحصاء ، فعوض أن يقوم النظام بتطهير حقيقي لبؤر الفساد ولرموزه ، نجده مثلا يسجن موظفين لم يثبت في حقهما تسريب وثيقة تبادل الرشاوي بين الخازن العام للملكة وبين رئيس حزب الأحرار . بل ان قاضيا مثقفا ووطنيا يتم اتهامه بالجنون ويحال الى مستشفى الأمراض العصبية والعقلية للتأكد من سلامة قواه العقلية ، وهو الكاتب والقاضي ، فقد كان يكفي النظر الى كتاباته ، هل هي كتابات تكتسب قدرا من العقلانية والحجية القانونية ، أم هي هرطقات مريض ممسوس بالعته العقلي .
لكن الفاجعة الكبرى هي تلك المتمثلة في افراغ صناديق الأمة من أموال الشعب ، كصندوق الضمان الاجتماعي ، وصندوق التقاعد ،ناهيك عن صناديق أخرى كصندوق الايداع والتدبير ، والقرض الفلاحي ....الخ. اذ لا يكاد أحد يدرك أسباب افراغها ، رغم أنها صناديق يفترض فيها ، ليس الاكتفاء فقط ، بل الفائض ، بالنظر الى حجم الأموال التي يتم استخلاصها مباشرة ، أوعن طريق المساهمة الطوعية من قبل المواطنين ، فكيف اذن تمت عملية افراغ -سرقة - هذه الأموال ؟؟؟.
ان المنظور التقليدي للنظام المخزني للدولة باعتبار النظام هو الفاعل الوحيد فيها ، يعيدنا الى نظم القرون الوسطى ، حيث التحالف العضوي بين مجموعة ضيقة من المنتفعين ،ضد عموم الشعب ، وهو ما يحدث الآن في المغرب ، برغم الخطابات المشوشة والمشوهة حول الديمقراطية والمواطنة ، والتشاركية . فالدولة عبر عملية الريعية التي تشمل جميع القطاعات ، قامت بأكبر عملية رشوة في تاريخ الأمة العربية ، ولم تحاول ان تراقب عن قرب عمليات التفكير والابداع والاضافة ، بل عملت على تدجينها وادخالها في قفصها الذهبي ، رغم ان الفضاء هو المجال الحيوي لكل طائر.
من كل ما سبق يعسر علينا أن نعتمد منهجا نقديا لممارسة الدولة وتمظهرات فعلها في المجتمع المغربي ، فلا النقد اليساري يجدي بجميع مدارسه ، من الماركسية المادية ، الى الماركسية الألتوسيرية بمزجها بين النفسي والمادي . ولا النقد الليبرالي ينفع بحيث لا نكاد نعثر على اي سمة من سمات الليبرالية باعتبارها تؤسس للحرية الفردية وتعلي من شأن مبادرتها ، وتضمن حقوق الفرد بجميع مكوناتها . ولا النقد الاسلامي حين يرتكز على مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
مما يجعل اختيارنا للعنوان ينطلق من رصد دقيق لمسلمة الحكم العشوائي ، خاصة بعد وفاة مؤسس دولة المغرب الحديثة الحسن الثاني . اذ لا تكاد تلمس الا عشوائية في القرارات والسياسات ، الى درجة أن الرقم الثاني في هرمية الدولة لايستطيع أن يركب فقرة مفيدة في تبرير منزلقاته التي تراكمت في مدة قصيرة . كما أن القصر لا يوضح للشعب توجهاته الا عبر الخطوط العريضة التي يعرضها الملك في مناسبات بعينها وهي خطوط تحتاج الى كثير منالشرح والتفسير والتدقيق ، بالاضافة الى المتابعة العلمية والموضوعية . ليبقى جسر التواصل بين السلطة العليا والشعب معلقا بحبال السحر والشعوذة ، في انتظار مبطل السحر وطارد التماسيح والعفاريت .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن