لو انّ بغْلة عثرتْ في حفرة ...

سعيد الوجاني
zehna_53@hotmail.fr

2013 / 2 / 20

لو انّ بغْلة عثرتْ ...
احتفل المغرب مؤخرا باليوم الوطني للحد من حوادث السير في بهرجة قادها بعض المسئولين الامنيين من سلك الشرطة والدرك ، الى بعض المدارس الابتدائية لإظهار مدى التواصل والاهتمام الذي توليه الحكومة الحالية لسلامة المغاربة . ومما يلاحظ في هذه الخرجات ، انها وظفت الصورة والمشهد عبر جهاز التلفاز ، لإظهار ان المغرب منخرط حتى النخاع في محاربة هذه الآفة التي تحصد الآلاف من الارواح كل سنة ، حيث اثبت الاحصاءات ان عدد الموتى من جراء حوادث السير بالمغرب قد وصل رقم اربعة آلاف ضحية خلال سنة 2012 ، وهو رقم مهول اذا ما قورن بعدد ضحايا حوادث السير في فرنسا ، اسبانيا ، الولايات المتحدة الامريكية ، السويد ، بريطانيا ... لخ . فهي حرب اهلية غير معلنة ، ومخلفاتها السلبية على الاقتصاد الوطني ، حيث الملايين تصرفها شركات التأمين للضحايا ، ومخلفاتها الاجتماعية ، حيث فقدان الضحايا مع الاعطاب الجسمية ، وفقدان معيل الاسرة ... لخ تكاد تشغل الرأي العام قبل ان تشغل اهتمام المسئولين من حكومة وجهات متدخلة في الموضوع ، وهو ما يعني ان حملة اليوم التي قامت بها الحكومة ، ’قصد منها البهرجة والدعاية لإظهار مسؤولية الحكومة المغيبة ، ولم يقصد بها معالجة المشكل في صميمه . ان معالجة المشكلة لا تكون فقط بتنظيم يوم واحد للحد من ظاهرة حوادث السير ، بل الامر يتطلب قبل كل شيء خلق ثقافة استشعارية بمخاطر حوادث السير ومخلفاتها الاقتصادية والاجتماعية على النسيج الوطني والأسري الذي يعاني من هذه الآفة التي لا تزال تحصد الارواح الى حد كتابة هذه المقالة . لذا فان خطورة المسألة تقتضي خلق مادة اجبارية تدرس بمختلف المدارس ، يكون عنوانها " ثقافة الحد من حوادث السير " تدرس طول السنة ، وليس فقط ليوم واحد .
وبالرجوع الى مختلف الاسباب المسببة في حوادث السير ، يكاد الجميع يجمع على مسؤولية السائقين المتهورين الذين لا يحترمون قانون السير . وربما ان مرجع هذا الخلل في خرق القانون ، يرجع الى التربية ، والى غياب ثقافة مجتمعية وتنافسية في احترام القانون والتقييد بنصوصه ، وهو ما يمكن تفسيره بالتمرد والسخط الحاصل في المجتمع الذي يعاني الاستلاب والنمطية والروتين الذي يجعل الحياة مملة عند البعض ، ورخيصة عند البعض الاخر ، مما تترجمه النسبة الكبيرة لحوادث السير بالمغرب ، مقارنة مع الحوادث التي تحصل في الولايات المتحدة الامريكية وبأوربة . فالمسألة اذن لها بعد اجتماعي حيوي وإجباري ، ومن المفروض ان تطغى على الملفات السياسية التي تسترعي باهتمام الطبقة السياسية بمختلف تموّجاتها وتجاذباتها الفكرية ، وتسترعي باهتمام الشارع المغربي ، مثل مشكلة الشغل والبطالة وغلاء المعيشة ، وقضايا الطفولة والمرأة والأسرة والأمية والمعاقين وتحرير الاسعار ، وخنق صندوق المقاصة ، وملفات التقاعد ، وقضية الوحدة الترابية التي تنتظر سنوات عجاف قادمة بسبب التراجعات الخطيرة من قبل العديد من المنتديات الدولية التي تطالب بالاستفتاء لتقرير المصير المؤدي الى الانفصال .... وغيرها من المشاكل التي لا تزال مفتوحة على مصراعيها .
ان من بين المشاكل التي تسبب العنت والضجر للناس ، بل والمضرة ، اهمال حالة الطرق في المغرب ، بحيث اصبح فيها من الحفر والخنادق والشقوق ، ما يشكل اجراما حقيقيا في حق المواطنين ، راجلين وراكبين . فالطرق الداخلية الرابطة بين الاحياء والشوارع والأزقة في القرى والمدن الصغرى والكبرى ، اصبحت ملغومة بكثرة الحفر ، الى درجة ان السيارات والدراجات غدت تسير على عناقيد من الحفر والبؤر ، تقصف بكل من يدب فوقها بين كل غدوة وروحة ، مما يسبب كثرة الحوادث والاصطدام ، ويجعل السائقين والراكبين يعيشون في حالة حرب مستمرة مع الطرق ، تصيب الحديد والجيوب والأبدان بخسائر وكوارث عظيمة .
فها قد حل مرة اخرى فصل الشتاء الذي يتسبب في اتساع الحفر والخنادق وكثرتها من جراء تعرية الماء للطرق المعبدة بسواعد الغش والزور ، وما زلنا نتذكر جميعا الدور الكبير الذي قامت به الامطار الغزيرة السنة الماضية والسنة التي قبلها في فضح العيوب ، وكشف اساليب الغش واللامبالاة التي يتصرف بها كل من يتحمل مسؤولية فيما آلت اليه الاوضاع المزرية للطرق في المغرب ، خاصة في الاحياء الشعبية والهامشية ، حيث تنخفض قيمة الانسان ، وتتضاءل درجة العناية به ، و إن كان تضرر الطرق وسوء حالتها ظاهرة تعاني منها مختلف الاحياء حتى الراقية منها .
ويدخل في هذا بطبيعة الحال انْخناق القنوات والمجاري ، والفيضانات التي تغمر الطرق بسبب انعدام الصيانة ، والمعالجة ، والتسريح التي ينبغي ان تقوم بها المصالح المختصة ( فيولية واخواتها ) او حتى البلدية في وقت مبكر ، قبل ان تداهمنا الامطار والأوحال .
ولعلنا الآن نعيش في المغرب مناسبة خاصة في كل انتخابات ، حيث عودنا المرشحون دائما وبشكل اتوماتيكي ، على تقديم وعود بإصلاح الطرق والمجاري ، وكهربة القرى والبوادي ، وإنارة الازقة والشوارع ، والقضاء على مدن الصفيح ، وإدخال الماء لكل البيوت ، وحل ازمة السكن والشغل والتعليم ... الى غير ذلك من الوعود ، التي اصبحت تعرف عند الجميع " بالوعود الانتخابية الجماعية والبرلمانية " ، اي الوعود التي لا قيمة لها بالمرة .
وها نحن نعيش اليوم مرحلة حكومة ما بعد الاستفتاء على الدستور الاخير ( اللاعدالة واللاتنمية ) ، فماذا تحقق بين الامس واليوم ؟ وماذا سوف يتحقق في الآتي من الايام او الشهور ؟ انه سؤال مشروع تطرحه الجماهير على نخبة الامة وطليعتها . لكن للأسف ، عودتنا الايام ان يكون الجواب دائما مخيبا للآمال والظنون . ان محاولة الخرتيت في التغطية على فشله ، وهو الذي يجر المغرب اليوم الى الهاوية ، بخلق المعارك الدينكشوطية ، مع الطواحين الهوائية التي يسميها ب " التماسيح والعفاريت " لهو اكبر دليل على نفاد ما بجعبته من اكاذيب كان يلوح بها قبل دخوله الحكومة ، وحين دخلها وصدمه الواقع ، انقلب عليها بدرجة جنونية فاقت 160 درجة . لقد تنكر لكل شيء ، حتى لأولئك الذين منحوه صوتهم عقابا على افلاس من سبقه من الاحزاب الى الحكومات السابقة ، وأصبح دوره مثل المهرج الذي يتقاذف الكلام على عاونه ، ودون مسؤولية في ايجاد حلول جدية ومنطقية لملفات لا تزال مركز اهتمام الرأي العام الوطني .
واكبر دليل على صدق ما نقول ، هو ما نحن بصدد الحديث عنه من حالات الطرق ، التي لسنا ندري لمن نحمّل مسؤوليتها ، هل للدولة ام للحكومة ، ام للمجالس البلدية ، ام لوزارة التجهيز ، ام لوزارة الداخلية ... ولعل كل هؤلاء يتقاسمون المسؤولية والإثم ، ولكن من منهم يملك الشجاعة ويعترف بالذنب ، وقوة المبادرة على التصحيح والإصلاح ؟ . لكن فتنة السياسة اصبحت مانعا من اصلاح المجتمع ، وإيجاد حلول جذرية للمشاكل الاجتماعية .
فما اشجع واصدق عمر بن الخطاب ، حينما قال قولته الشهيرة ، حول الشعور العميق والصادق بتحمل المسؤولية ، ليس فقط ازاء الانسان ، بل حتى الحيوان ، مؤكدا تجاوز الاسلام لكل الشرائع والقوانين الوضعية في الاهتمام الشامل بحقوق الكائنات في الحياة المبنية على العدل والكرامة . قال عمر بن الخطاب : " لو ان بغلة عثرت في بغداد ، لخشيت ان يسألني الله يوم القيامة ، لماذا يا عمر لم تعبد لها الطريق ؟ " . فاذا كان عمر يخشى ان يحاسبه الله يوم القيامة عن عدم تعبيد الطريق لبغلة ، فماذا يقول المسئولون غدا يوم القيامة لربهم ، حينما يسألهم عن هذه الطرق الكارثة ، التي لا تعثر فيها بغلة فحسب ، وإنما تعثر فيها قوافل البغال والحمير والجمال لو سلكتها ، ناهيك عن آلاف الراكبين والراجلين ، الذين يشكون الى خالقهم كل يوم الحالة التي توجد عليها الطرق والشوارع ، وكأن لسان حالهم يقول : " اللهم ان هذا منكر . اللهم اجعل لنا عند ( قادتنا ) حظا مثل حظ البغلة عند عمر " .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن