كتاب المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر للباحث الجزائري عز الدين جلاوجي

منصور عمايرة
buqasem_21@yahoo.com

2013 / 2 / 1

كتاب المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر
للباحث الجزائري عز الدين جلاوجي

في المقدمة وقف المؤلف الجزائري عز الدين جلاوجي عند المسرحية من حيث اعتبارها فنا وافدا على الثقافة العربية، ويبين أن هناك نقصا في المسرح الشعربي المغاربي " وبعد اتصالي بعشرات الكتاب والباحثين، وانتقالي بين أقطار المغرب العربي تونس والجزائر والمغرب، لم أجد من تصدى لموضوع المسرح الشعري في المغرب العربي، إلا نتفا هنا وهناك، لا تبل صدأ ولا تشفي غليلا"1 ولهذا نجد أن الباحث جلاوجي بدأ يبحث باهتمام كبير حول المسرح الشعري في بلاد المغرب العربي، ليكون هذا الكتاب ثمرة بحث ودراسة متأنية وذات أهمية كبيرة في المسرح الشعري، ليس على مستوى المسرح الشعري في المغرب العربي، بل على مستوى المسرح الشعري العربي، وقد خفت الاهتمام به كثيرا على مستوى التأليف والدراسة، لتأخذ المسرحية النثرية المكانة الأسمى في المسرح العربي، وينصب عليها النقد والبحث والعرض المسرحي أيضا.
والمسرحيات التي يدرسها الباحث في كتابه: مسرحية أبوليوس للجزائري أحمد حمدي كتبت سنة1987، الزفاف يتم الآن لليبي عبد الحميد بطاو كتبت سنة 1986، زلزال في تل أبيب للتونسي الميداني بن صالح كتبت سنة 1974، المعركة الكبرى للمغربي علي الصقلي كتبت سنة 1979.
***
وبهذا الجهد المتميز، نجد المؤلف يقف عند كل ما يعني المسرح الشعري والمسرح بشكل عام، حيث يقف عند تعريفات متنوعة للمسرح، ليكون أبا الفنون الإبداعية كلها لما له من ميزة تشاركية بضمه لكل الفنون بدءا بالكلمة والحركة والموسيقى والإضاءة. وبعدما يقف المؤلف على تعريفات المسرح يتوقف عند استنتاج من هذه التعريفات، فالمسرح كما يرى "يبدأ أولا نصا أدبيا، يقوم على تقنية الحوار بين شخصيات متصارعة، تحاكي أو تعرض موضوعا قد يكون متخيلا أو ممكن الوقوع، وذلك لفوائد كثيرة قد تكون المتعة الفنية أو الفكرية، كما يمكن أن يجسد هذا النص على الخشبة"2 من خلال وقفة المؤلف حول استنتاجه من التعريفات حول المسرح، لابد أن نشير بما يخص الحوار، وهو يبدو الحديث هنا عن المسرح الحواري، فإنه قد أغفل مسرح المونودراما/ الممثل الواحد، ومع أن هذا المسرح تبدو فيه اللغة الحوارية ذاتية، إلا أنها تنبثق من تخيل الحوار من خلال الصورة الذهنية الموجودة في خيال الشخصية الواحدة، والتي تقف على خشبة المسرح، والتي تبدو شخصية واحدة متواجدة في النص المسرحي الأدبي، فالمونودراما مسرحية يبدو الاهتمام بها كبيرا في هذا الوقت بشكل خاص، وهي ذات أهمية كبيرة، وخاصة أنها تملك خاصية ولوج العالم النفسي المتشظي للشخصية الإنسانية، وربما أكثر بكثير من المسرحية الحوارية أو التشاركية.
وبالإجابة عن اللغة التي يكتب بها النص المسرحي، يبيّن المؤلف، أن التعريفات لم تتعرض للغة وهي على أهمية كبرى في النص المسرحي وقوام المسرح كنص أدبي، وكعرض على الخشبة أيضا، وإن بدت الصورة تحل بشكل لافت محل الكلمة، حيث بدأ الاهتمام الآن بمسرح الصورة. ولكن المؤلف يميل إلى أن المسرح كتب أساسا شعرا، ويبين المؤلف أن المسرح يأبى أن يبقى إلا مسرحا وكفى "3 وهو يتحدث عن مزاحمة الفنون الأخرى له مثل فنون الأداء والكلمة والموسيقى.
***
ثم يقف المؤلف على مفهوم الشعر، من خلال تعريفات ورؤى الآخرين؛ ليؤكد أن الشعر عالم سحري جميل تموج فيه حركة الخيال والأحلام والألوان، عالم يتجاوز الحدود والمنطق.4 ويبين الفارق بين الشعر والنثر الذي يقوم على اللغة المباشرة، وهو لذلك يرجع إلى العرب الذين قالوا بأن الشعر موزون مقفى، ولكن هناك ميزة للغة الشعر عن النثر اليوم " الصورة الفنية التي بفضلها يحقق الشعر عنصر السحر"5 وربما يشار إلى أن النثر يتضمن الصورة الشعرية، التي تجعل اللغة النثرية سحرية قريبة من لغة الشعر، أو هي لغة شعرية، لكن الغالب على النثر هو اللغة المباشرة، والتي تتقصد المعنى مهما حاول النثر استخدام المجاز والاستعارة والصورة المتعددة من الحركة واللون والصوت.
ويشير المؤلف إلى أن الصورة الفنية والتي تعبر عن الوجدان والخيال لها " وظيفة دلالية توحي بالمواقف النفسية التي تعجز اللغة العادية عن التعبير عنها"6 والمؤلف بقوله الأخير يتكئ إلى حالة من الاطمئنان؛ ليميز بين اللغة النثرية واللغة الشعرية من خلال منطق الوجدان والخيال.
والنثر وإن كانت الصفة الغالبة عليه هي المنطقية والتعبير المقصود لذاته، إلا أنه يحفل بوظيفة دلالية تعبر عن البعد النفسي، ويمكن أن نتبين ذلك في لغة الرواية مثلا، وفي الحوار المسرحي وخاصة بالحوارات الطويلة، والمونولوج. ومهما يكن ستبقى هذه الميزة من حيث الصورة الفنية كعلامة تفرق بين الشعر والنثر، لأن الصورة الوجدانية تبدو خيالية كثيرا ويصعب القبض عليها إلا من خلال ولوجها للوجدان، على العكس تماما تبدو اللغة النثرية ذات بعد عقلي، وإن بدت فيها الصورة الوجدانية، وهذا ما يشير إليه المؤلف من تمايز بين لغة الشعر ولغة النثر.
***
يتوقف المؤلف مرة أخرى عند خصائص المسرحية الشعرية، والتي تبدو الخصيصة الأولى لها " أنها تكتب شعرا "7 وهي بهذه الخصيصة تبين عن انقسام المسرح كنص أدبي مكتوب إلى قسمين:
- النص المسرحي الشعري.
- النص المسرحي النثري.
ومن الإشارات المهمة التي يشير إليها المؤلف، محاولة الفصل والتميز ما بين المسرح الشعري من حيث البنية، فهو يتكون من بنيتين، المسرح والشعر، ولهذا يقف الكاتب عند محاولة التزاوج بينهما، وهنا يشير إلى التقارب بينهما وهو شأن المسرح الذي يتوافق مع الكثير من الفنون والشعر من هذه الفنون.
ولهذا يلحّ الكاتب على التمايز مرة أخرى من حيث تقديم أحدهما على الأخرى، كبينة دلالية تشير إلى النوع، ولكن مهما اختلفت صورة البنية التقديمية والتأخيرية من حيث بنية الكلمتين كأن نقول مسرح شعري، أو شعر مسرحي مثلا، يبقى التمايز واضحا من حيث أن المسرح الشعري أو الشعر المسرحي، يتكون من هاتين الخاصيتين "المسرح /الشعر" وربما تكون هذه التسمية اعتباطية من وجهة نظر معينة، فعندما يكتب أحدنا مسرحية يشير إليها بالتجنيس على أنها مسرحية وكفى، لتعطي دلالة على التجنيس، ولكن بعضهم مما يلاحظ يحب أن يشير إلى تمايز مختلف أو إضافي، فيقول مسرحية شعرية، ولكننا لا نجد من يشير إلى مسرحية نثرية، وربما السبب برأيي، يعود لكثرة كتابة المسرحية في العصر الحالي باللغة النثرية، فكأن الشعر أمسى مميزا عن طبيعة اللغة المسرحية، ولهذا يشير إليها بعضهم بالمسرحية الشعرية، ومهما يقال بهذا الشأن، تبدو التسمية اعتباطية لا مبرر لها، وخاصة أننا الآن في حالة تموضع للتجنيس الكتابي والنوع الكتابي، فمادمنا نتحدث عن المسرحية كنص أدبي مكتوب، لا يهم كثيرا أن نبين النوع الكتابي، لأن الغاية هي في إطار أكبر وأشمل، الإطار هو المسرح والمسرحية.
والمؤلف يبين أن المسرح كان يسمى شعرا دراميا، وأرسطو جعل المسرح ضمن الشعر بسبب الأصول الغنائية والطقسية لهذا الفن"8 ويبين أن الأصل في المسرح هو الشعر، ولم يكن يخطر ببال أحد أن يكتب نثرا. ويتوقف الباحث عند جملة من الأراء حول الشعر والمسرح، ومهما يكن لا بد أن يكون المسرح الشعري يمتاز بميزات عدة منها: الصراع والحوار المتعدد الذي ينتج عنه تعددية بالأصوات.
فالمسرح من زاوية أخرى يمثل بولوفونية، وقد نقف عند هذا التعدد في الدرس المسرحي الآن بأن هناك تعددية لغوية في المسرح من حيث تمايز اللغات، ولا يقصد بهذا اللغة المسرحية، بل المقصود هو اللغات الكثيرة التي باتت تسيطر على المسرح، وتشكله ليكون بهيئة جمالية متعددة، مثل: لغة الممثل، لغة الكاتب، لغة المخرج، لغة الموسيقى، لغة الإضاءة، لغة المتلقي العادي، لغة الناقد. فالمسرح الآن يبدو متعدد اللغات، ولذلك، يتوجب توجيه البحث والدرس المسرحي الآن إلى كتابة أبحاث ودراسات متخصصة جدا حول هذه اللغات، والمكتبة العربية وربما المسرحية بشكل عام، تعاني من ندرة هذه الأبحاث المتخصصة.
***
وبشير المؤلف إلى تاريخانية المسرحية الشعرية، ويبدأ بذكر المسرحية الشعربة الغربية، وهو هنا يتوقف على المسرح القديم، ويشير إلى المسرح الفرعوني الذي كان يقدم غناء ورقصا، ولكن الأهم من هذا، وما توجهت إليه كل الدراسات المسرحية المعاصرة المسرح الإغريقي. وقد كتب أرسطو في كتابه فن الشعر عن المسرح اليوناني، وتحدث بإسهاب حول ما يميز ذاك المسرح، واعتبر الكتاب ركيزة أولى تتحدث عن المسرح والمسرح الإغريقي، ويشير الكاتب إلى الشعراء الإغريق: اسخيلوس525-456 ق.م حيث ألف العديد من المسرحيات ذكر منها الضاراعت كأول مسرحية متفق عليها، وهناك سوفوكليس 496-405 ق. يوربيديس 484-406 ق.م ويشير إلى المسرح الروماني، وبقي المسرح يكتب شعرا حتى ظهور الواقعية في العصر الحديث، فنفت الشعر وحولت المسرح إلى النثر على يد زولا وإبسن وتشيخوف... ويشير إلى أن المسرح الشعري عاد مرة أخرى على يد البعض مثل ييتس 1865-1939 وسين أوكسي 1880- 1964 وأسس ما يسمى " الحركة من أجل مسرح شعري... وكتبوا الممسرح شعرا أو بالنثر الشعري... ويذكر أيضا اليوت وبريخت ولوركا وهنري جيمس وغيرهم...9
***
والمسرحية الشعرية عند العرب يقسمها المؤلف إلى قسمين:
- مسرحية شعرية عند المشارقة.
- مسرحية شعرية عند المغاربة.
ويشير إلى أن السمرح عند العرب بدأ شعرا، وهو يعد جملة من الأسباب لذلك مثل: تقليد الغرب، استلهام ما عنده، ميل الإنسان العربي إلى الغنائية، والارتباط بالسير الشعبية التي ارتبطت بالشعر، والظواهر المسرحية والاحتفالية كالبكاء، وكذلك ترجمة المسرح الغربي وكان من الشعر وغير ذلك من الأسباب... 10
وربما نشير إلى أن انبعاج العرب إلى الشعر واللحن والغناء، وكلها مميزات الشعر، قد تكون حببت لهم كتابة المسرح في بداياته بلغة الشعر، وربما تكون السير الشعية والحكواتية التي كانت تردد في المجالس للعامة، سببا رئيسيا لكتابة المسرح العربي في بداياته بلغة الشعر ويمزج بالنثر، وهي طريقة يلجأ إليها الحكواتي، ويصاحب حكايته الموسيقى والصوت الملحن، ولا ننسى أن العرب مازالوا في القرن التاسع عشر يعشقون النزعة الشعرية والتي تظهر البطولة الفردية وتعززها على مبدأ الجماعة أو البطولة الجمعية، والبطولة الجمعية كانت تابعة أصلا للبطولة الفردية، فالفرد هو الكارزما في ظل إحساس الجميع بحالة من الأمان، مادام هناك قائد فذ يأخذهم إلى بر الأمان أو الاتحاد، وخاصة أنهم كانوا يحسون بالخطر الداهم من الآخرين، وهذه البطولة الفردية، لتكون موحده للجميع لا بد أنها صارت تغنى وتردد في المجالس للاقتداء بالقائد البطل والفذ، وهذه السير مرة أخرى كانت منتشرة في البلاد العربية قبل معرفتهم بالمسرح، ونتيجة لانبهار الكتاب والمثقفين بهذه الطريقة السيرية، نسجت على منوالها مسرحيات غنائية أو المسرح الشعري.
ويذكر المؤلف مجموعة من الباحثين، الذين تطرقوا للمسرح الشعري العربي مثل: حسن الطريبق، وأحمد شمس الدين الحجاجي، وأحمد سرخوس، وخالد محي الدين البرادعي، وخليل الموسى...11 والمؤلف يشير إلى مراحل المسرح الشعري العربي ويقسمها إلى ثلاث مراحل: مرحلة التأسيس والريادة وإمامها خليل اليازجي لبنان، ومرحلة التأصيل والتثبيت وإمامها شوقي مصر، ومرحلة الإبداع والتجريب وإمامها صلاح عبد الصبور مصر أيضا، ويتوقف المؤلف عند رواد هذه المراحل من خلال النصوص المسرحية الشعرية12
ويتوقف المؤلف عند المسرحية الشعرية المغاربية، وهو يبين أن المغاربة أخذوا هذا المسرح من المشرق " وقد تأثروا بالفرق المسرحية التي كانت تزورهم وتعرض مسرحياتهم أمامهم "13ويباشر المؤلف باستعراض الحالة المسرحية الشعرية في بلاد المغرب العربي مفصلا ذلك، وهنا يبدو مختلفا عن تفصيله للمسرح في الشرق، حيث نجد هذا التفصيل ينبعج للبلد وليس للأشخاص، وربما السبب يعود إلى عنوان البحث وهو المسرحية الشعرية في الأدب المغاربي المعاصر، ومهما يكن يبدأ المؤلف بتونس وهو يبين أن البداية كان ألفبائية، ويبن أن أول بداية في تونس كانت على يد سليمان القرداحي الذي جاء إلى تونس من المشرق في العام 1908، ثم فرقة سلامة حجازي 1914، وجورج أبيض 1921، وفرقة رمسيس 1925... وفي الجزائر كانت البداية تعود إلى جورج أبيض 1921، وبعده سلالي علي ومحي الدين بشطارزي ورشيد القسنطيني، وجمعية العلماء المسلمين ويذكر هنا رضا حوحو، وعبد الرحمن الجلالي وأحمد بن ذياب... ويبين أن الجزائر عرفت أول مسرحية شعرية عام 1938م، على يد الشاعر محمد العيد آل خليفة فكتب مسرحية بلال بن رباح، والمسرحية الشعرية الثانية كانت على يد محمد البشير الإبراهيم 1941، وهي رواية الثلاثة ... وبخصوص الحديث عن الجزائر يرى الباحث " أن رصيد الجزائر من المسرح الشعري قليل جدا "14 وفي ليبيا يشير الباحث إلى فرقة جورج أبيض وفرقة منيرة المهدية وفرقة يوسف وهبي، وأسس الليبي أحمد قنابة أول فرقة وطنية طرابلسية عام 1936، ويعد عبد الحميد بطاو أغزر كتاب المسرح الشعري في ليبيا. وفي المغرب وصلت رياح الفرق المسرحية المشرقية مثل فرقة سلامة حجازي 1923، ويبين المؤلف أن كتاب المغرب لم يعرفوا فن الكتابة للمسرح " إلا بعد اطلاعهم على ما كتبه إخوانهم المشارقة "15 ويستنتج المؤلف بعد الحديث عن المسرحية الشعرية المغاربية " المشارقة كتبوا المسرحية الشعرية قبل المغرب متأثرين بالغرب... فكان الشرق دائما مصفاة دقيقة تمنع الغزو الثقافي الغربي، وهو شكل من أشكال المقاومة والتحدي ورفض للثقافة الغربية"16
***
في الفصل الأول يتوقف المؤلف عند جماليات المسرحية الشعرية المغاربية، وأول ما يتوقف عند تصميم المسرحية، أومعمار المسرحية ويفصلها بالتبيين : 1- البداية ومنها ما يعرف بالمقدة، ومنها ما يعرف بالاستهلال. 2- الذروة 3- العقدة 4- النهاية 5- الحبكة 6- الفعل المسرحي 7- الصراع... ويشير إلى الخاتمة في نهاية الصراع، هذا ما كان متعارف عليه لكل مسرحية وقد نشأ في الغرب.17 وهذا التصميم الذي يتحدث عنه المؤلف يعتبر مدخلا لتصميم المسرحية الشعرية المغاربية، فمن خلال دراساته للمسرحيات الشعرية المغاربية المدروسة، يتوقف عند تصميم هذه المسرحيات، ويبدو هذا التصميم يبين عن جماليات للمسرحية الشعرية المغاربية، فمن خلال وقوفه على مسرحية أبوليوس نجد أن هذه المسرحية تتكون من نوعين من العلامات:
- علامات سينوغرافية، وهنا يشير إلى الحالة التي يبدو عليها أبوليوس من حيث المظهر واللباس.
- علامات صوتية، وهنا يشير إلى أن أبوليوس يتحدث مباشرة للجمهور حيث يتجاوز الشكل الأرسطي.18 ويخلص المؤلف إلى أن التصميم في المسرحيات المدروسة " جسد له بناء هندسي مقوماته : البداية، الذروة، النهاية، العقدة، الحبكة والصراع، الفعل واللغة الشعرية لباس لهذا الهيكل"19
***
في الفص الثاني عنون الفصل بسيمياء الشخصية وأساليب التشخيص في المسرحية الشعرية المغاربية، فالباحث يشير إلى تعريف الشخصية والتشخيص، وبين أن التشخيص يكن بـ: 1- التشخيص بالفعل أي تمثيل فعل ما. 2- التشخيص بالمظهر، وهو الذي يرتبط بمظهر الشخصية من حيث الشكل واللون واللباس. 3- التشخيص بالفكر، وهو يقصد الاطلاع على أفكار وأسرار الشخصية. 4- التشخيص بالرأي، وهو الكشف عن الشخصية من خلال ما تطرحه الشخصيات الأخرى. 5- التشخيص بالكلام، وهو الكشف عن جوانب الشخصية من خلال النطق والصوت. 6- التشخيص بالمونولوج، الحالة النفسية أو الحوار الذاتي والنفسي يعطي صورة واضحة عن الشخصية وأفعالها وأفكارها.20 وبعد هذا التشخيص يسقطه المؤلف على المسرحيات المدروسة، ومثال ذلك الشخصية وأساليب التشخيص في مسرحية أبوليوس، حيث يذكر: 1- التشخيص بالفعل، فالكاتب يولي الكثير من الأهمية على مستوى رصد الأفعال... 2- التشخيص بالمظهر، أبوليوس يتكلم باعتداد وصرامة ويرتدي قشابيه عادية... 3- التشخيص بالفكر، وهنا الكاتب يكشف عن شخصية أبوليوس بما لديه من أفكار. 4- التشخيص بالكلام، وهنا يبدو أبوليوس جهوري الصوت. 5-التشخيص بالمونولوج، وهنا حديث خاص من الشخصية لذاتها عندما تكون في حالة انفعالية مثلا.21
***
الفصل الثالث، يتناول فيه الباحث سيمياء الانفعال الإيماء والحركة في المسرحية المغاربية، ويبتدئ بتعريف الإيماء قاموسيا في المسرحية ويعززه بالتوضيح، والانفعال في المسرحية ويتوقف عنده قاموسيا ويعززه بالتوضيح، والحركة في المسرحية ويتوقف عندها قاموسيا أيضا معززة بالتوضيح من قبل المؤلف، ولتكون هذه التعريفات المعجمية وما يعلق عليها المؤلف كمدخل لتطبيق هذه السيميائية والحركة والانفعال والإيماء على المسرحيات المدروسة، ونذكر منها مسرحية أبوليوس، والمؤلف وهو يقوم بتشريح نص أبوليوس يجعل جدولا لذلك تمثل بـ: الرقم، العبارة، الصفحة، نوعها، الدلالة. وتطبيقا على ذلك نورد مثالا: 1- يختفي وراء الستار، الصفحة 255، حركة، تشويق واستعداد لبداية المسرحية.22 وقد جاء الجول الذي يبين عن الحركة والانفعال بـ 8 صفحات من ص171- 178، وبين المؤلف أن شخصية أبوليوس تكررت 70 مرة، وربطت بالإشارات المسرحية 94 مرة، مثلت الحركة 81 مرة، والإيماء 41 مرة، والانفعال 10 مرات ...23
***
وفي الفصل الرابع، وقف الباحث على سيمياء المكان وسينوغرافيا النص في المسرحية الشعرية المغاربية، وقد بدأ الحديث عن مفهوم المكان المسرحي، وذكر عدة مصطلحات بهذا الشأن منها: المكان المسرحي، الفضاء الدرامي، الفضاء المسرحي مثل الموضع، الحيز، الركح، الخشبة،الديكور، الإضاءة، والسينوغرافيا وغيرها.24 وبعد ذكره لهذه المصطلحات قام بتوضيحها واحدة بعد الأخرى، وأشار إلى العلامات الرمزية، على اعتبار أن العرض المسرحي عرض رمزي.
ومن خلال دراسته للمسرحيات التي اختارها، ومنها مسرحية أبوليوس، وقف على كل تلك المفردات السينوغرافية والمكانية، حيث يبين أن المكان " يرد بشكل مكثف ... وترد الأرض في المقام الأول 16 مرة، وعليه فقد اعتمد المؤلف جدولا جاء على هذا الشكل " الرقم، المكان، الصفحة، النوع، الدلالة. ونأخذ مثالا على ذلك: 1- ساحة عامة في مدينة مداوروش، الصفحة 256، اجتماعي، دلالة على رسوخ قدم الاستعمارالروماني.25 وبعد ذلك يقوم الباحث بإحصاء عدد الأحداث في المسرحية حيث يبين أن الأحداث حدثت 8 مرات في مكان مغلق، وأن الفضاء الاجتماعي هو المهيمن على المسرحية بتسع مرات، يليه القمع مرتين ثم الثقافي والمهني والطبيعي مرة واحدة لكل منها.26 وبين أن الكاتب يعتمد على سينوغرافيا التأثيث للمكان مثل الكراسي والأرائك وهي علامات جامدة... ولكن هذه العلامات هي إشارية تدل على الرخاء في البيوت والقصور...27
***
الفصل الخامس، بلاغة اللغة وشعرية الايقاع في المسرحية الشعرية المغاربية، وبداية يتوقف الباحث على اللغة وأهميتها في المسرحية، وهو يبين أن اللغة سيدة النص الأدبي كيفما كان نوعه شعرا أكان أم نثرا..28 وهنا لا بد من الإشارة إلى جزئية وقف عندها الباحث بخصوص اللغة المسرحية، حيث أفرد لها جزئية تحت عنوان: لغة المسرحية بين الشعر والنثر، وهنا أشير إلى أن الباحث تطرق لهذا الموضوع في الفصل الأول من الدراسة عن الشعر المسرحي أو المسرح الشعري من حيث البدايات الأولى حتى ظهور الواقعية، فكتبت المسرحية نثرا، وأعيد كتابته مرة أخرى شعرا. وأن الشعر كتب في البداية للمسرح حيث كان هو الأرقى والذي يمثل لغة الآلهة والأبطال ذوي الشهرة الكبيرة..29 ومن ثم يشير الباحث إلى الشروط المسرحية الشعرية، ويقف عند آراء النقاد مثل أن تتناول الأحداث بعيدا عن الغنائية، وعن الغرابة، والتعقيد في التركيب والخطابية في اللهجة... وعلى كاتب المسرح الشعري أن يكتب للمتلقي بلغة شعرية يتمكن الجمهور أن يتواصل معها...30 ويبين الباحث أن من الأمور التي واجهت الشعراء العرب لبناء المسرحية القصيدة العمودية، لأن وكما يقول بعض النقاد شعر القصيدة أو القافية المتوحدة يعطي غنائية أكثر مما يعطي حركة، ولهذا فإن شعر التفعيلة أفضل من القصيدة العمودية لما يتوافر عليه من توافقة للحوار الدرامي والحركة المسرحية31 ويتوقف الباحث عند أنماط المسرحية الشعرية مثل: الشعر العمودي ذي البحر الواحد اليازجي، الشعر العمودي متعدد البحور شوقي، شعر التفعيلة صلاح عبد الصبور والماغوط. وهذا ما وجد في بلاد المغرب32 وذكر الباحث جزئية أخرى امتاز بها الشعر المسرحي ألا وهي التناص، وجزئية ثانية وهي الإيقاع، على أن الايقاع جزئية رئيسة في الشعر. ويلج الباحث المسرحيات المدروسة بحديثه عن اللغة والتناص والايقاع في مسرحية أبوليوس، فمن حيث لغة النص يعتمد الشاعر لغة فصيحة بسيطة ذات ألفاظ وتراكيب متداولة سهلة أشبه قليلا بلغة الصحافة المتأدبة"33 ويتوقف عند التناص مثل ذكر " في البدء كانت الكلمة وهنا إشارة الى العهد القديم سفر التكوين الإصحاح الأول... والتناص مع القرآن الكريم (خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه)...34 وفي إيقاع النص يبين أن الكاتب التزم ثمانية بحور/ المتدارك/ المتقارب/ الرجز/ الرمل/ الكامل/ السريع/ الطويل.35
***
الفصل السادس، تضمن الحوار في المسرحية الشعرية المغاربية، وبدأ الباجث الحديث عن أنواع الحوار ووظائفه، حيث ذكر الحوار المباشر، وهو ذاك الحوار الذي يجري بين الناس بحوار اعتيادي يومي وجها لوجه، ونجد أن طبيعة الحوار بين الناس أو المتحاورين يبين عن مميزات كل شخصية، وتبين النبرة عن الانفعال والرؤية الفكرية أيضا، ويتوقف عند وظائف هذا الحوار الذي يمهد للعقدة والحل ويبين جوانب الصراع وتصوير الشخصيات والوظيفة الثالثة الامتاع بالجمال.36 والنوع الثاني من الحوار غير المباشر وهو الكورس والمونولوج والسرد، ويستطرد الباحث بشرح واف عن هذه الجزئيات الثلاث37 وبعد الحديث عن الحوار بشكل عام في المسرحية ووظائفة، يطبق الباحث على المسرحيات المدروسة ونأخذ مثالا على ذلك كما اعتدنا مسرحية أبوليوس كنموذج للمسرحيات المدروسة في كل الفصول، فوظائف الحوار المباشر في المسرحية وظائف فعلية تبين عمّا يحدث في الحاضر، منه ما يقع على الخشبة، ومنه ما يقع خارج الخشبة حيث يروى رواية.38 وهناك وظيفة فعلية تبدو من خلال استحضار الماضي، حيث يلجأ لاستدعاء الأيام الجميلة... وهناك وظيفة فعلية تبدو من خلال الاستشراف، وهي تتبلور في استشراف المستقبل مثل استعداد الأب لاستقبال تجار قرطاجنه ليبيعهم وهذا فعل ما سيكون..39 ومن الوظائف التي يبينها الباحث في مسرحية أبوليوس الوظيفة الكشفية، وتتمثل بالكشف عن المكان والزمان، ومن ذلك ارتباط البطل ارتباطا روحيا وجدانيا بالمكان حينما يقول: أنا ابن هذي الأرض... 40 وهناك وظيفة توجيهية، وقد تمثلت كما يبين الباحث في النبرة الخطابية لأبوليوس، وفي إيراد الحكمة كما يقول: واحتموا بالحكمة الغراء .... وانحنوا للريح إذا هبت عتية41 ويبين الباحث عن وظيفة جمالية، وينتقل إلى الحديث عن أشكال الحوار غير المباشر في مسرحية أبوليوس، فيذكر المونولوج والسرد والكورس، ويخلص الباحث إلى أن هناك " عناية كبرى في مسرحية أبوليوس مما مكنه من تأدية كل وظائفه، وكما لجأ الكاتب إلى المونولوج والسرد الذي طال وصار عبئا على المسرحية "42
***
وفي الفصل السابع، يتوقف الباحث عند النص الموازي في المسرحية الشعرية المغاربية، ويبدأ الباحث عادة بالحديث العام عن المفاهيم، كمدخل للمسرحيات المدروسة كحالة تطبيقية، وفي النص الموازي، يبين بداية أن النص المسرحي يتكون من النص الأصلي ومن ناص مواز وهو الإرشادات وهي المكان والزمان وأسماء الشخصيات، ومثل المعلومات الخاصة بهم كالسن والشكل الخارجي والمهنة، ويتطرق الباحث إلى جزئية ثالثة، وهي عتبة النص، حيث يذكر هنا عنوان المسرحية والإهداء والمقدمة وكل ما يكون في المسرحية من غير النص والارشادات...43 ويعرج الباحث على النص الموازي في مسرحياته المدروسة ومنها مسرحية أبوليوس، والعتبات توجد في المسرحية مثل اختيار الكاتب عنوان النص " أبوليوس" وهو اسم البطل، وهناك تقديم للمسرحية للصحفي الجزائري الطاهر بن عيشه، وهناك كلمة للمؤلف... ومن الارشادات حيث يحدد أحداث المسرحية بالعقد الرابع والخامس والسادس من القرن الميلادي ... ويذكر الأمكنة مثل: ساحة عامة في مدينة مداروش الرومانية، ومن الارشادات وصف المشهد، ووصف الشخصية، وتحديد اللباس والموسيقى والاضاءة...44
***
رؤية أخيرة: إن الباحث عزالدين جلاوجي، بذل جهدا كبيرا في هذا الكتاب، وتبدو أهمية الكتاب تتمثل بـ:
1- أهمية الكتاب كدراسة عن المسرح الشعري في بلاد المغرب العربي، وهذه الدراسة تغطي النقص في هذا المجال.
2- والأهمية الثانية، ينطوي البحث على دراسة المفاهيم المسرحية والشعرية كمفاتيح للتطبيق على المسرحيات المدروسة.
3- الأهمية الثالية، تبين عن دراسة متأنية للمسرحيات الشعرية المدروسة في بلاد المغرب العربي، حيث وقف الباحث باحثا ومستقصيا للمفردات وللمفاتيح العامة التي تنطلق منها الدراسة.
إن هذا الكتاب يبين عن الجهد الكبير الذي بذله جلاوجي كدراسة بحثية متعددة: إحصائية، حيث يتطلب هذا جهدا كبيرا، ونفسا طويلا برصد المفردات والجمل والعبارات والصور والدلالة، وهذا ما توقف عليه الباحث، ومن ثم لا بد من إعادة النظر مرة بعد أخرى بهذا الاستقصاء.
والملاحظة الثانية، نجد قدرة الباحث على تشريح بنيات المسرحيات المدروسة، وينطلق من خلال الرؤية العامة للمفردات التي تشكل بنيات النص المسرحي الشعري.
وهناك جزئية أخرى لا بد من الوقوف عليها وقد درسها الباحث، وهي تلك المتعلقات بالنص المسرجي الشعري الأصلي، ونقصد بذلك النص الموازي، وهو يبدو ببنيات متعددة، ومن الدراسات الحديثة الي تولي أهمية كبرى لتلك المتعلقات مثل العتبات والإرشادات والمكان والزمان.
وقبل ذلك تطرق الباحث لدرس حديث يتمحور حول مفهوم التناص، ومن خلال التطبيق وقف على صور التناص المتعددة في المسرحيات المدروسة.
نختم بتبيان أن هذا البحث جهد يغني المكتبة العربية حول المسرحي الشعري بشكل عام، ويغني المكتبة المغاربية حول المسرح الشعري بشكل خاص، حيث يولي الباحث الاهتمام الرئيس للكتاب حول المسرحية الشعرية المغاربية.
***
الهوامش:
1- عزالدين جلاوجي، المسرحية الشعرية في الادب المغاربي المعاصر، دار التنوير، ط1، الجزائر، 2012م. ص8
2-ص12
3- ص19
4-ص19
5-ص20
6-ص21
7-ص21
8-ص24
9 -ص27-29
10 -ص31
11 -32-33
12- 33-41.
13- 42
14- ص 45 -47
15 -ص49
16-ص 51
17- ص71-80
18- ص81-88
19-ص98
20- 101-111
21-ص 111 – 140
22- ص171
23- 178-179
24- 191
25 -ص202
26 -ص204
27- ص208
28 -ص224
29 -ص228
30-ص 234
31-ص 237
32 ص237
33 -ص243
34 -ص246
35-ص 247
36-ص 287
37-ص 289--296
38 -ص298
39 -ص300-301
40-ص 302
41-ص 305
42-ص 315
43-ص 357
44-ص 364 – 370

* يقع الكتاب في430صفحة من حجم 14*20، احتوى على مقدمة ومدخل وسبعة فصول وخاتمة وملاحق.

***
منصور عمايرة كاتب وباحث مسرحي أردني



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن