الموسيقار العراقي فريد الله ويردي

عبدالله حبه
hassanmoscow@hotmail.com

2013 / 1 / 20

فريد الله ويردي ..رائد الموسيقى الكلاسيكية في وادي الرافدين

الموسيقار فريد الله ويردي
بقلم: لودميلا الله ويردي
ترجمة: عبدالله حبه
لا يماري أحد في ان الموسيقار الراحل فريد الله ويردي كان من ابرز المؤلفين الموسيقيين العراقيين الذين عملوا على إنهاض الثقافة الموسيقية العراقية المعاصرة. وقد احتل مكانه في طليعة الحركة الموسيقية الكلاسيكية في العراق. وكان أول مؤلف موسيقي، وربما الفنان المعاصر الوحيد ، الذي حاول بالرغم من انظمة الطغيان في العراق ان يتجاوز بإرادته الابداعية حدود وطنه وان يقدم نتاجاته على الساحة الموسيقية العالمية. فعُرفت مؤلفاته في الولايات المتحدة وفرنسا واليابان وروسيا وسويسرا وسورية ومصر والعديد من بلدان الشرق الاوسط في الحفلات الموسيقية وبرامج الاذاعة والتلفزيون.
لقد كرس فريد الله ويردي جل تأملاته وجهده للبحث وكشف الاساليب المميزة للموسيقى المعاصرة بغية ليس ابداع لغته الموسيقية الخاصة به فقط، بل لأستحداث قاعدة يمكن ان تقوم عليها التوليفات الممكنة بين منظومتين مختلفتين ومجموعتي تقاليد موسيقية متباينة هما : الاشكال الموسيقية في الحضارة العربية – الاسلامية والاساليب المميزة للموسيقى المعاصرة العالمية.
كما ان أعماله الموسيقية تمثل محاولة لإكتشاف العناصر الجمالية والثروة الموسيقية الكامنة في الاوزان المستخدمة في مقام (الصبا) أشهر المقامات العراقية، وبعض الابعاد النصية والإيقاعية.
وتمتد جذور موسيقى فريد الله ويردي عميقا في تربة الفولكلور الشعبي والتقاليد الكلاسيكية. وقال مرة ".. إنني اصبو الى أن أنجز ولو مرة واحدة عملا يمثل موسيقى عراقية معاصرة جديدة – أي ابداع شكل ذي بنية فوقية يقوم على أسس جمالية وموسيقية تتجاوز حدود السمات الوطنية (infra-national).
وأستخدم فريد في اعماله الموسيقية المقام الاثني عشري مقترنا بمقام الربع (شكل اللحن العربي القديم)، وفترات السكون ذات الوظائف البنيوية و"دق الخشب" لاستحداث صوتين مختلفين في القرع ( محاكاة القرع في الآلات الضاربة كالطبل والدنبك).

فريد الله ويردي يحاكي "الدنبك" لاستحداث أصوات جديدة في الآلات الضاربة
وكان فريد الله يتمتع بحس فطري في التأليف الموسيقي للآلات الوترية ،لأنه تعلم العزف منذ البداية على الكمان والكمان الكبير(الفايولا)، وشارك في العزف مع رباعي الوتريات في بغداد. ولابد من الأشارة إلى أنه بينما كان يقوم بدراساته النظرية والتطبيقية في الموسيقى واصل التعليم الجامعي في كلية الحقوق التي تخرج منها في عام 1948. وكان يتقن عدة لغات ( العربية والفرنسية والانجليزية والروسية والتركية وشيئا من اللغة الكردية). وقد نمّا هذا لديه الحس المنطقي الذي ساعده لاحقا في تشكيل افكاره الجمالية في الموسيقى العالمية عموما وفي تقاليد الموسيقى التقليدية العراقية بشكل خاص.
وكان يؤمن بأن تطور الموسيقى الجادة عموما والبعد الابداعي لها بصورة خاصة يمثلان احد اكبر التحديات التي تواجه الثقافة في الاقطار العربية، حيث اننا ما زالنا متخلفين في هذا المضمار عن ركب البلدان المتقدمة ثقافيا واقتصاديا، وذلك بالقياس الى ميادين الثقافة الاخرى كالدراما والفنون التشكيلية .
وشارك فريد الله ويردي في العديد من المحافل الموسيقية الدولية في موسكو وباريس ووارشو والقاهرة والما-آتا ودوشنبه حيث نوقشت قضايا الموسيقى التقليدية (المحلية) والمعاصرة. كما ألقى المحاضرات حول مختلف القضايا القضايا الموسيقية وبالاخص تلك المتعلقة بمشاكل التوليف بين مختلف الثقافات الموسيقية والتعددية الثقافية والأممية ذات السمات المميزة من أجل تشجيع عملية التفاهم المتبادل بين الافراد الذي ينتمون الى مختلف الحضارات.

فريد الله ويردي مارس التعليم في العزف على مختلف الآلات الموسيقية
ومارس التعليم في العزف على الفايولا والكمان والنظريات الموسيقية طوال أكثر من خمسين عاماً. وكان يحب مهنة التعليم وواصل اعطاء الدروس حتى قبل خمسة أيام من وفاته. لقد كان فريد الله ويردي شخصية ذات مجال اهتمامات واسعة وارتبط بعلاقات صداقة مع كثيرين. وشمل مجال اهتمامه الفلسفة والدين والتأريخ والأدب والشعر والعلم والفيزياء والطب والفنون التشكيلية والطب البديل وهلمجرا، وكان يجد سهولة في التعامل مع الافراد من مختلف المستويات.
ان فريد كان يقف متفرداً، ولم يرغب في التنازل عن مبادئه والتعاون مع النظام لذا كانت حياته محفوفة بالصعاب دوما. وحاول النظام تحطيم مثل هؤلاء الاشخاص معنويا وجعلهم مثل الآخرين الذين يشعرون بالغيرة منهم. لقد كان رجلا واسع الاطلاع ، كما كان لا يهادن في كل ما يتعلق بالمعايير الفنية ، ويحمل افكارا انسانية عالية ويتمتع باستقلالية روحية وبالشعور بالكرامة الانسانية. لقد كان ويردي صاحب موهبة ثرة وموسيقيا جديرا بالاحترام. وكان أيضا عطوفا وكريما وودودا ومثقفا في سلوكه ومتواضعا للغاية كرس نفسه لرعاية أسرته واصدقائه ولم يكن يهتم بالمال وطلب الشهرة.
لقد كان يحب وطنه العراق أصدق محبة لكنه ما كان يغمض عينيه حيال ما فيه من مآس وهزات. وقد تجسد حبه لوطنه بأروع شكل في قصيدة الشاعر العراقي المعروف بدر الشاكر السياب وكانت تربطه أواصر الصداقة بفريد الله ويردي:
الشمس أجمل في بلادي من سواها، والظلام
حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق.
ولد فريد في البصرة في جنوب العراق. وكان والده عيسى نوري طبيباً من أهالي كركوك وأمه فكتوريا اوسكانيان أرمنية من عائلة معروفة في اسطنبول. وأمضى فترة طفولته المبكرة في البصرة التي كانت تتسم بالتعددية الاثنية والدينية ويقطنها ابناء مختلف القوميات المحلية والوافدة. وأتيحت له فرصة نادرة للتعرف منذ نعومة أظفاره على طيف واسع من الاصوات التي استقرت في تلافيف دماغه: اغاني أمه الصغيرة بالعربية والارمنية والتركية والفرنسية، وصيحات الباعة في الشوارع... وشحاذ من البدو ينشد مع الربابة ومواكب الاعراس في الشوارع مع قرع الطبول وعزف الزرنة ... والاطفال يرددون الآيات القرآنية ... والدرويش الهندي الجالس في ظل نخلة وهو يردد كلمات غير مفهومة.. بينما يتعالى صوت المؤذن داعيا الناس الى الصلاة... وينشد قس كلداني ابتهالات من الكتاب المقدس...وغير اولئك وهؤلاء الذين تركوا فيه جميعا أثرهم ، مما جعله يتجاوز الحدود الاثنية والدينية والقومية.

فريد الله ويردي اثناء جمع التراث الموسيقي الشعبي العراقي
ظهرت موهبته الفنية في سن مبكرة حين كان في الخامسة من العمر، وكان يقلد أمه في الغناء ويبتكر الالحان على آلة الماندولين ويمارس الرسم تحت إشراف والدته وتشجيعها له. ان هذه الرعاية ودراسة الموسيقى عمليا في البيت قد تحولتا لاحقا الى الانشاد باللغة الكلدانية في قداس الكنيسة والمشاركة بشكل بارز في مختلف جوقات الغناء المدرسية. لكنه نظراً لإنتمائه الى أقلية قومية في مجتمع كان ينظر إلى من يحمل آلة موسيقية في الشارع بأنه يرتكب فعلة شنعاء، وفي بلاد تخلو كليا من المدارس الموسيقية وتقاليد كتابة النوتات الموسيقية، لم يكن من المحتمل ان يشجعه والداه على المضي في هذا الدرب.
وحدث في عام 1944 ان وجدت العائلة الاستقرار في بغداد بعد سنوات من التنقل في مختلف أرجاء البلاد. ووجد فريد عندئذ الفرصة لدراسة الموسيقى على أساس اكاديمي تحت اشراف اساتذة اوروبيين في معهد الفنون الجميلة الذي أفتتح لتوه. فصار يدرس أصول العزف على الكمان مع البروفيسور ساندو البو ( وهو روماني من مريدي كودالي) في آن واحد مع دراسة القانون في كلية الحقوق في بغداد. واعترف الجميع آنذاك بأنه طالب موهوب جداً في الموسيقى. وقال استاذه ساندو البو عنه :"...انه الموهبة الوحيدة في العراق في مجال التأليف الموسيقي". وبعد التخرج من كلية الحقوق في عام 1948 كرس فريد نفسه كليا الى الموسيقى وتطويرها في العراق.
في فترة 1950-1952 حاز فريد الله ويردي على زمالة للدراسة في باريس في قسم الدراسات النظرية العليا تحت اشراف البروفيسور هنري شالان والبروفيسور فرانسيس- بول ديميلاك. وفي وقت لاحق قال فريد: "لقد اثر في كثيرا تكنيك ميسيا الموسيقي في de mon lngage... ". واستوعب واستخدم بشكل مبدع انجازات الاتجاهات الاسلوبية الجديدة ودرس بامعان موسيقى الملحنين الذين بوسعه التعلم منهم. ونظراً لمثابرته وموقفه من قضايا الفن بلا هوادة استوعب بسرعة كل ما هو تقدمي في عالم الموسيقى.
وفي عام 1951 ألف أول مقطوعة له هي روندو للجيتار والكلارنيت التي عزفت في العام نفسه في بغداد. وفي عام 1952 عاد فريد الى بغداد حيث مارس تدريس نظرية الموسيقى والهارموني في معهد الفنون الجميلة وشكل مع زملاء له جمعية فلهارموني بغداد كما انضم الى مجموعة موسيقى الحجرة التي تألفت من :

مجموعة موسيقى الحجرة التي أسسها الموسيقار فريد الله ويردي
البروفيسور جوليان هرتز البيانو
البروفيسور ساندو البو الكمان الاول
وارتان مانوكيان الكمان الثاني
فريد الله ويردي الفايولا(الكمان الكبير)
البروفيسور اندريه ثيروير التشيلو (الفيولونسيل)

فريد الله ويردي مع الزعيم عبد الكريم قاسم عند تأليف مقطوعة "المنصورية"
وواصل فريد العزف مع هذه المجموعة حتى عام 1959. وفي هذا العام ألف انشودة "المنصورية" التي أهداها الى الشعب العراقي. وتم عزفها في يونيو(حزيران) عام 1959 من قبل الاوركسترا السيمفونية للأذاعة والتلفزيون بموسكو بقيادة الكسي كوفاليوف. وبث تسجيلها على نطاق واسع وغالبا ما كانت تذاع من قبل مؤسسة الاذاعة والتلفزيون العراقية بعد خطب الزعيم عبدالكريم قاسم واكتسبت شعبية كبيرة.
في ديسمبر(كانون الاول) عام 1959 سافر فريد الله ويردي الى موسكو لمواصلة تعليمه في كونسرفتوار تشايكوفسكي. ودرس في قسم نظريات الموسيقى والتأليف بإختصاص " التأليف" تحت إشراف البروفيسور ي .غولوبيف .
كما درس المواد التالية :
أساليب توزيع الآلات بإشراف البروفيسور ن . ب.راكوف
تحليل الاعمال الموسيقية بإشراف عميد القسم ف . ف.بوبوروفسكي
البيانو العام بإشراف الاستاذ ف . ج.سمولياكوف
طرائق التعليم بإشراف ت .ن.فيودوروف
الهارموني والبوليفوني(تعددية الاصوات) بإشراف الملحن المعروف أ.ج. شنيتكه
وقدم فريد الله ويردي "الامتحانات في التأليف الموسيقي بدرجة "امتياز".
في عام 1964 قدم موضوعة كتابه " نظرية الموسيقى". وقد نوقش الكتاب في قسم نظرية الموسيقى في كونسرفتوار تشايكوفسكي وتم التأكيد على "..ان الكتاب يتسم بالمزايا التالية : يتناول كتاب فريد الله ويردي لأول مرة خصائص الموسيقى العربية ( بالأخص إيقاعات مقام الربع وسلم الايقاع وهلمجرا) وطرح القاعدة العلمية لها.. لهذا يستحق الكتاب الترجمة الى اللغة الروسية من أجل استخدامه في الدراسة في كونسرفتوار موسكو ".
شارك فريد الله ويردي في كونسرفتوار موسكو بنشاط في الحلقة الموسيقية التي شكلها عدد من الملحنين الطلاب (يوسف اندرياسوف و جيفاني ميخايلوف وبوريس توبيس وغيرهم) بالقيام بتسجيل وجمع النماذج من اجل دراسة وتحليل اعمال الملحنين المعاصرين.
في عام 1963 وقع الانقلاب العسكري الدموي في العراق وحكم على فريد الله ويردي غيابيا بالاعدام بسبب تأليفه " المنصورية"، التي حظيت بالشعبية في ايام الحكومة السابقة. واعتبرته السلطات " شيوعيا" بسبب شخصيته المستقلة وافكاره المتحررة. واحتجز جواز سفره وألغيت زمالته. وفيما بعد اضطر الى النزوح الى الولايات المتحدة حيث عاش مع افراد أسرته. وهناك واصل دراسته على حسابه الخاص تحت اشراف البروفيسور دونالد لوبيرت في كلية هنتر في جامعة سيتي في نيويورك، وحصل على شهادة الماجستير في التأليف الموسيقى.وأكد البروفيسور دونالد روبرت تقديره لعمله لدى التخرج بأنه : " .. قررت لجنة التخرج في القسم بأن هذا احد افضل الاعمال المقدمة الى اللجنة ".
وأبان وجود فريد الله ويردي في الولايات المتحدة انتدب (في 1965- 1968) لتأليف المقطوعات من أجل المهرجان السنوي للموسيقى الامريكية في نيويورك.
1965 ابتكار في نغم ثلاثي للبيانو
1966 سوناتا الكمان والبيانو
1967 فانتازيا للكمان
1968 سويتا بيتيت للكمان
وبعد التخرج عمل مدرساً في كلية ستيت جلاسبورو في نيوجيرسي. وفي عام 1968 صدر في العراق عفو عام عن المنفيين السياسيين وتملكت فيردي الله ويردي البهجة والحماس للعودة الى بغداد لكي يقدم معارفه التي يحتاجها الجيل الثاني من الموسيقيين العراقيين. وأتاح تشكيل الائتلاف الحاكم الذي ضم الديمقراطيين والقوميين والشيوعيين وبقية الاحزاب استعادة موقعه السابق كمدرس موسيقى في معهد الفنون الجميلة، ولكن بنفس الراتب الذي كان يتلقاه في عام 1959 بدون أية تعويضات لقاء ما حققه من نجاحات في الدراسات.

مساعي فريد الله ويردي لإحياء موسيقى الحجرة
ووجد لدى عودته الى بغداد في اكتوبر (تشرين الاول) عام 1968 مشهدا محزنا في مجال الموسيقى. فقد حلت الاوركسترا السيمفونية وغادر الكثير من الموسيقيين الواعدين البلاد الى الخارج . وكانت الفرصة الوحيدة أمام الموسيقيين للحصول على عمل هي التدريس في معهد الفنون الجميلة. وحاول فريد إحياء اوركسترا موسيقى الحجرة لكنه وجد الموسيقيين محبطين بسبب سنوات القمع وعدم ممارسة المهنة لقلة الوقت حيث مارس أغلبهم اعمالا أخرى لا علاقة لها بالموسيقى.
كما علم ان انشودة " المنصورية " ما زالت ممنوعة بالرغم من صدور العفو العام، وأضفى حزب البعثة صبغة سياسية على التأليف الموسيقي. ولم يبد المسؤولون اهتماما كبيرا به. وعرض عليه احد منظري حزب البعث المعروفين ان يؤلف نشيدا وطنيا National Anthem جديدا مقابل منحه " كارت بلانش " في مجال الموسيقى وتولى منصب رئيس قسم الموسيقى في المعهد. لكنه رفض وقال انه لا يهتم بالمنصب ويود ان يمارس التدريس فقط وما دام الحظر ساريا على " المنصورية " فإنه لن يؤلف النشيد الوطني.
وشارك فريد الله ويردي بنشاط كموسيقي وحقوقي في تأسيس اتحاد الفنانين في العراق. وإهتم على الاخص بضمان حقوق الموسيقيين، لاسيما المغنين والموسيقيين الشعبيين، الذين لا توجد وظيفة دائمة لهم ولا ضمان التأمين الاجتماعي لدى فقدانهم القدرة على الاداء. وبهذا ضمن لهم حق التقاعد. وأراد ان يرفع منزلة الموسيقيين في العراق بغية ألا يقول أحد شيئا حول الوضع الهامشي للموسيقيين في العراق وتبعيتهم الى الرجل القوي الذي يمنحهم فرصة العمل.
في عام 1969 طرحت مسألة الايديولوجية المضادة للموسيقى الغربية(الاوروبية) في ندوة عقدت في باريس بهدف صيانة وحماية الموسيقى التقليدية المحلية ووضع خطة لوضع حد لهيمنة الاتجاهات والتأثيرات الغربية في الموسيقى.
وفي عام 1969 قدم فريد الله ويردي تقريرا في المؤتمر الدولي الثاني للموسيقى العربية المنعقد في القاهرة بعنوان " نحو موسيقى عربية عالمية"، عبر فيها عن أهمية بطلان اتباع هذا النهج في الموسيقى. واقترح فيه تأسيس مراكز للموسيقى التقليدية واستحداث ارشيف للموسيقى الشعبية والتقليدية. وأكد على ضرورة صيانة الموسيقى التقلدية والشعبية وفي الوقت نفسه تطوير الموسيقى العربية الحديثة بتوليفها مع المسارات المحلية والهوية المميزة لكل قطر حيث ان مثل هذه المعرفة ستساعد في النظر الى السمات الخصوصية لموسيقانا وإظهار العلاقة بين الصوت والبعد الزمني، والسعي الى ادخال البعد غير المحدد لها في العمل الموسيقي.
لقد كان فريدالله ويردي يؤمن بأن اي صوت في حركة فن الموسيقى يجب ان يخضع لثلاثة عوامل مترابطة ببعضها البعض :1) المؤلف الموسيقي- المنظر. 2) الباحث الموسيقي – المنظر الذي يتولى تحليل الموسيقى العربية على أساس علمي. 3 ) الموسيقار/ العازف الذي يتمتع بمعارف نظرية ومهارات تطبيقية. لذا فأن التركيز على أي واحد منها مع أهمال العاملين الاخرين سيؤدي على اختلال التوازن وبالتالي الى شلل حركة فن الموسيقى عموما.
ركز فريد الله ويردي الاهتمام على أهمية توفر الدعم الحكومي الرسمي لخريجي المعاهد الموسيقية الذين سيتولون مهمة نشر الثقافة الموسيقية. وتتسم بالأهمية على الاخص مسألة تأسيس فرقة اوركسترا سيمفونية وطنية تغدو بمثابة القلعة التي تنهض منها الحركة الموسيقية العراقية والعربية.
وكان يؤمن بأن من الواجب تعريف الانسانية بالايديولوجية العربية ويعتقد في الوقت نفسه ان من الواجب مقاومة الغزو الثقافي الاجنبي المبتذل، وان من الواجب رفع مستوى تقديمنا للتراث العربي الاصيل بغية أن يكون مؤثرا لدرجة ان أي تيارات أجنبية لا تستطيع حجبه.
في عام 1970 أسس فريد الله ويردي المركز الموسيقي التقليدي العراقي في مؤسسة الاذاعة والتلفزيون في بغداد وجرى خلال عامين (1972- 1974) مسح شامل وتسجيل الموسيقى التقليدية والشعبية في جميع انحاء العراق ( العربية والكردية والاشورية والتركمانية وغيرها)، قبل ان تنشب الحرب ضد الشعب الكردي والحرب الايرانية – العراقية وحرب الخليج التي أدت الى أبادة ونزوح الناس من المناطق الريفية الغنية بالفولكلور الشعبي.
وتم تصنيف المواد التي جمعت ووضعها في كتالوجات من اجل استخدامها في الاغراض الاكاديمية والعامة. وقد استخدم فريد الله ويردي هذه التسجيلات في محاضراته العامة والاكاديمية في الخارج وفي مقالاته المختلفة، بغية تشجيع التفاهم المتبادل بين الناس من ذوي الخلفيات الثقافية المتباينة.
في عام 1971 عزف فريق رباعي ميشيل مارغان في باريس المقطوعة الرباعيةQuartet رقم 1 لفريد الله ويردي التي ضمت الى ربرتوار الرباعي للملحنين المعاصرين وعزفت في اثناء جولات الفريق في العالم.
ان احدى الخصائص الرئيسية للمقطوعة الرباعية رقم 1 هي ان الاتجاهات الموسيقية قد ألغيت وضيقت وحددت باشكال ومشاهد موسيقية مستقلة، منفصلة عن بعضها البعض بفترات سكون ذات وظيفة بنيوية تسهم في مواصلة كشف محتوى الموسيقى.
وبخلاف الاشكال الثلاثية الابعاد ينبغي على السامع ألا يبحث في هذه الموسيقى عن اتجاهات موسيقية واضحة بغية التوصل الى اهداف استراتيجية معينة – الذروة الدراماتيكية أو التجليات الفكرية الكاملة ، بل يجب عليه ان يصغي الى مواضيعها ذات الترصيف الخالص لهذه الاشكال والزخارف كما لو كانت "مواضيع" موسيقية منفردة. لكن مع ذلك فان هذه الاشكال مترابطة فيما بينها، بإبقائها على التحكم بالشكل بواسطة خيط رفيع يعطي الرباعية طابعا شاملا بعيد المنال .
في عام 1972 تأسست مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد. وكان فريد الله ويردي عضوا في اللجنة التي ناقشت مستقبل المدرسة وتلامذتها. وكان يرى ان المدرسة يجب ان ترسي أساس التعليم الموسيقي في العراق. واقترح ان يتم اختيار التلامذة الموهوبين في جميع انحاء البلاد وتوفير معلمين خاصين ومساكن للإقامة وتقديم المنح لهم وضمان مستقبلهم بمنحهم زمالات دراسية لمواصلة التعليم الموسيقي في خارج البلاد بغية ان يكون لدى العراق موسيقيون محترفون سيتولون تحقيق التطور الموسيقي في البلاد ورفع مستوى الموسيقيين في المجتمع. ولكن اللجنة لم توافق على ذلك، وتم التأكيد على ان الاطفال في المدرسة ينتمون الى افراد الطبقة المتوسطة في بغداد التي تستطيع ايجاد المدرسين الخصوصيين لأبنائهم، لكنهم لن يسمحوا ابدا لأبنائهم بأن يصبحوا من الموسيقيين المحترفين.
في عام 1972 طلب شفيق الكمالي ( وزير الثقافة آنذاك، وأعدم فيما بعد) من فريد الله ويردي ان يلحن النشيد الوطني باستخدام قصيدة من اشعاره. وحاول اغراءه بالمال والمنصب لكن فريد رفض ذلك.
وقال فريد الله ويردي عندئذ :" إنني رجعت الى بغداد بقرار هو ألا أؤلف مبدئيا أية موسيقى قد تكون لها علاقة بالسياسة. إنهم واصلوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة طلب ذلك، لكنني واصلت تجاهل طلباتهم بقولي أنني لم أعد مؤلفا موسيقياً. وقد سئمت ضغوطهم المستمرة كما انهم ضجروا مني أيضا".
كانت حكومة حزب البعث تطرح نفسها من الناحية الايديولوجية بكونها قومية ومعادية للإمبريالية. واتبعت وزارة الثقافة نهجا ايديولوجيا في الموسيقي ضد الموسيقى الغربية ( الاوروبية). وتم إلغاء اللجنة الموسيقية الوطنية التي تشكلت في عام 1969. وتم تعيين بعض العازفين والمغنين التقليديين في اللجنة الجديدة، اما البقية فلا علاقة لهم بالموسيقى.
لقد شنت وزارة الثقافة حملة ضد الموسيقى الغربية باعتبارها امبريالية. وحاولت إلغاء قسم الموسيقى في معهد الفنون الجميلة. لكنها فشلت في ذلك لأن المعهد كان تابعا الى وزارة التربية. وبعد ذلك شنوا حملة ضد فريد الله ويردي في مجلة "القيثارة" الرسمية التابعة للحكومة واتهموه بالعمالة للغرب والامبريالية وبأنه يريد القضاء على الموسيقى الوطنية التقليدية.
في عام 1975 قال طارق عزيز ( وزير الثقافة آنذاك) في إجتماع مع الموسيقيين العراقيين ان فريد الله ويردي شخصية خطيرة يريد القضاء على الموسيقى الوطنية ولا يستحق لقب المواطن العراقي!! ( لأن فريد رفض تأليف النشيد الوطني).
ومنذ ذلك الحين جرت ملاحقة فريد الله ويردي بإستمرار. ولم يسمح له بالسفر ووضع بريده وهاتفه تحت الرقابة، ولم يكن باستطاعته الاتصال بإصداقائه من الموسيقيين في الخارج. وفي عام 1981 أصيب فريد بنوبة قلبية وأحال نفسه الى التقاعد بصعوبة. وصار في هذه الفترة يبحث في العلاقة بين الموسيقى والدماغ. علما انه عمل في الفترة من 1976 وحتى 1981 في تقديم دروس في التذوق الموسيقي الى طلاب الدراما في اكاديمية والفنون الجميلة وجامعة بغداد، ووضع الأساس لإفتتاح قسم للموسيقى في الجامعة.
في عام 1985 جاءت ميشيل مارغان الى بغداد وعزفت مع فرقتها مقطوعة فريد الله ويردي الرباعية رقم 1 التي وجدت لها صدى واسعا لدى الجمهور. وحاول النظام تقديم رشاوى الى فريد الله ويردي بصفة " تكريم". في البداية قدمت له سيارة وفي المرة الثانية النقود. لكنه لم يقبل هذا التكريم وتجاهله لأن قبوله كان سيعني أنه جزء من النظام الذي كان يهدم مستقبل التطور الموسيقي في العراق.
في عام 1991 هرب فريد الله ويردي من العراق الى الاردن بعد حرب الخليج حين حاول النظام إرغامه على تبجيل " النصر ؟؟" في حرب الخيلج بموسيقاه. وقد عرف آنذاك في اوساط المثقفين ان احد المؤرخين أودع السجن من أجل تأليف كتاب بعنوان " عملاق وادي الرافدين" عن سيرة حياة صدام حسين.
في عامي 1993 و 1997 عُزفت الرباعية رقم 1 وفانتزايا الكمان لفريدالله ويردي في طوكيو(اليابان) من قبل فريق " رباعي يوسودا" وعازفة الكمان كوميكو ايتو. عمل فريد الله ويردي طوال عشرة أعوام في تدريس الموسيقى في جامعة اليرموك في أربد. وخلال وجوده في الاردن آثر الاعتزال وتجنب إعطاء احاديث صحفية وحضور الاجتماعات من اجل تأمين سلامته شخصيا وسلامة أفراد عائلته. لكن الاردن لم يكن مكانا آمنا له لأن عملاء النظام العراقي كانوا ينشطون هناك أيضا. وقدم طلب اللجوء الى UNHCR واستقر به المقام في ايرلندا في عام 2002 . وقد أحب ايرلندا وشعبها الذي احتضنه وعائلته وعامله بإحترام. وتمتع فريد الله ويردي بعضوية مركز الموسيقى المعاصرة في ايرلندا وشارك في نشاطاته. وواصل التأليف الموسيقي وكتب دراسة عن قسم الموسيقى في العراق ودراسة عن تأثير الموسيقى في الدماغ وطابع بنية الانسان واخلاقياته .
إقترن فريد الله بي، انا الفتاة الروسية ميلا ( لودميلا)، خلال وجوده في موسكو قبل 46 عاما ورزقنا بثلاثة اطفال هم الابن ليث والابنتان سوزان ومريم.

الموسيقار فريد الله ويردي
وحصل فريد الله ويردي على عدة جوائز وميداليات هي :
- الجائزة الاولى في الهارموني ، باريس.
- الجائزة الثاني في العزف على الكمان الكبير القديم(ألتو) ، باريس.
- ميدالية المرتبة الثالثة في مسابقة " Prix D’Honneur “Saint-Brieuc,Paris "
- "دبلوم التقدير" لدوره في تطوير الموسيقى العربية (1970-1995) من أكاديمية الموسيقى العربية وجامعة الدول العربية.
كان فريد الله ويردي يتمتع بعضوية :
- SACEM,Societe Des Autuers et Des Comopositeurs et Editeurs De Musique, France
- SNAC,Syndical National Des Autuers et Compositeurs De Musique,France
- CMC, Contemporary Music Centre,Ireland
- IMRO,Interactive Marketing Research Organization, Ireland
الملاحق
1. مؤلفات وأعمال فريدالله ويردي
2. الحفلات الموسيقية التي عزفت فيها أعماله وفق البرامج المتوفرة
3. المحاضرات والتقارير
4. مقالات ومسودات

الملحق 1 – مؤلفات فريد الله ويردي
1. رباعي الالآت الوتريد رقم 1 (حقوق النشر 1984 الولايات المتحدة – الرقم PAU 290-610 )
2. فانتازي الكمان المنفرد (حقوق النشر 1984 الولايات المتحدة – الرقم PAU 290-610 )
3. بيتيت سويت – البيانو (حقوق النشر 1984 الولايات المتحدة – الرقم PAU 290-610 )
4. سوناتا الكمان(حقوق النشر 1984 الولايات المتحدة – الرقم PAU 290-610 )
5. سوناتا الكمان والبيانو (حقوق النشر 1984 الولايات المتحدة – الرقم PAU 290-610 )
6. مقدمة للكورال
7. مقطوعة لرباعي الالآت الوترية/ اليجرو نون تروبو
8. مقطوعة لرباعي الالآت الموسيقية/ اليجرو مالتو
9. انشودة سيمفونية
10. "المنصورية "
11. انشودة عسكرية
12. اندانته كون اليجانزا للبيانو
13. سيسليانو من اجل اوركسترا الالآت الوترية (فقدت النوتات من صندوق الايداعات في بنك الرافدين في اثناء حرب عام 2003)
14. الترنيه / مقطوعة للالآت الوترية
15. في ذكرى الفنان جواد سليم / 6 يناير(كانون الثاني) 1961
16. اليجريتو – للكمان
17. روندو للكلارنيت والجيتار (فقدت النوتات في اثناء حرب 2003)
18. مقطوعة غنائية للسوبرانو (من شعر عبدالوهاب البياتي)
19. مقطوعة غنائية للسوبرانو (من شعر عبدالوهاب البياتي)
20. مقطوعة غنائية للسوبرانو (من شعر عبدالوهاب البياتي)

الملحق 2- عزفت أعمال فريد الله ويردي (طبقا للبرامج المتوفرة)
- في اليابان - طوكيو ، توساكا ، كويتو) 6 حفلات موسيقية(الرباعية رقم 1– خمس مرات، وفانتازي الكمان المنفرد مرة واحدة)
- في فرنسا 5 حفلات موسيقية (الرباعية رقم 1)
- الولايات المتحدة 6 حفلات موسيقية (فانتازي الكمان المنفرد- 3 مرات – وبيتيت سويت ، سوناتا الكمان والبيانو ، ابتكار)
- موسكو حفلتان (رباعي الالآت الوترية ، المنصورية)
- زيوريخ (الراديو والتلفزيون) عزف الرباعية رقم 1
- بغداد عزف الرباعية رقم 1
فانتازي الكمان المنفرد
سوناتا الكمان
سوناتا الكمان والبيان
بيتيت سويت للبيانو
انشودة غنائية للسوبرانو والتينور
"المنصورية" (عدة مرات)
- القاهرة الرباعية رقم 1
- دمشق الرباعية رقم 1
- اسلام آباد الرباعية رقم 1
- لاهور الرباعية رقم 1
- كراتشي الرباعية رقم 1
- روالبندي الرباعية رقم 1
- كابول الرباعية رقم 1
- مدراس الرباعية رقم 1

ملاحظة:عزفت الرباعية رقم 1 في البلدان الاسكندنافية وروسيا كما عزفت الفانتازي للكمان المنفرد في كييف ، لكن البرامج غير متوفرة.

الملحق رقم 3 – المقالات والمخطوطات
1. الموسيقى في القرن العشرين.
2. تنوع الاساليب في السيمفونية رقم 2 للاوركسترا والبوقad libitum) ) تأليف الملحن أ.هونيجر مع تحليل موجز للسيمفونية .
3. الدراماتيكية والسمات الاسلوبية في التتابع الليتورجي
4. اختلاف الاسلوب بين المقطوعة الرومانسية (Ballade ) : Je puis trop bien للملحن ماشوت وانشودة : De plus en plus للملحن بينشول .....
5. السمات الاسلوبية للنغم الاضافي الحر في مواضيع موسيقى الباروك المتعددة الاصوات في الفترة المتأخرة
6. السيمفونية السادسة لوليام شومان
7. السمات الاسلوبية لأغاني هوجو وولف
8. معالجة ألحان الكورال في اعمال الارغن لبيختيهود وباخ.
9. التحليل النقدي لمقطوعة لادوارد دافيل At du Old Trysting-Place ، رقم 51
10. العوامل الخارجية في التطور التأريخي للأسلوب والشكل الموسيقي
11. نظرية الموسيقى ( مخطوطة).
12. التحليل الموسيقي( باللغة العربية)
13. قواعد الموسيقى ( باللغة العربية )
14. وضع الموسيقى في العراق(باللغة العربية)
15. الفنون والعلم .
16. اختلاف الاصناف في الموسيقى(باللغة العربية)
17. الغناء الشعبي في الموسيقى التقليدية في العراق
18. اتجاهات الموسيقى غير الدينية في العراق اليوم: عرض أولي
19. a melodie l~accent(French)
20. نحو موسيقى عربية عالمية ( قدم البحث في مؤتمر الموسيقى العربية في القاهرة عام 1969- بالعربية والانجليزية)
21. تطور الموسيقى العربية ( بالروسية)
22. الموسيقى في العراق( بالانجليزية )
23. وصف موجز للآلات الموسيقية المستخدمة في الفولكلور والموسيقى التقليدية في العراق.
24. المقام العراقي
25. "ملاحظات حول فن المقام البغدادي و" التقاسيم"



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن