جدلية العنف في المقاربة السياسية المغربية تجاه الريف : مقاربة سيكولوجية [الجزء 2 ]

خميس بتكمنت

2013 / 1 / 16

مقدمة الجزء الثاني :
بعد التطرق في الجزء الأول من المقال المعنون ب " جدلية العنف في المقاربة السياسية المغربية تجاه الريف : قراءة سيكولوجية " و الذي تمت الإشارة فيه لأهم المحطات التاريخية التي كان فيها الريف عرضة لمجموع أشكال العنف بشتى أنواعه ، و بعد عرض التأصيل التاريخي و كرونولوجيا العنف بالريف ، سنحاول التطرق في جزئنا الثاني هذا إلى ، المتمخضات و الإنعكاسات المحصل عليها من جراء نهج مقاربة التعنيف و إستعراض عضلات الدولة على جزء تعتبره سياسيا كيانا منظو تحت سيادتها .
2 _ جرد أنماط العنف الممارس بالريف .
بإعتبار أن النظام المخزني ، الذي رأى في الريف كيانا مهددا لإستقراره السياسي القائم على نظام الملكية الدستورية المركزة ثباتها على إمارة المؤمنين و النسب الشريف ، و المتركزة على تضمين الدولة كمؤسسة سياسية في القصر بعد تمسكه بكل السلط ، و بعد إفرازات مرحلة المقاومة المسلحة التي أبانت أن حماة الدولة و الذائدين عليها لا محل لهم في الخريطة السياسية التي رسمت للدولة بل على العكس من ذلك ، فقد أعطى المخزن صورة غير مشرفة في علاقته برجالات المقاومة و التي وصلت إلى حد إضفاء طابع الشيطنة على المقاومين الذين جعلوا مبدأ التخلص من أية سيطرة أو تآمر لبنة أساسية في مسار المقاومة المسلحة ،
في هذه الظرفية المتشنجة التي احس فيها رجالات المقاومة الريفية أن دار المخزن هو سيف مسلط على رقابهم أكثر مما هو شريك في العمل المقاوماتي من أجل التحرر و التحرير ، و هذا التشنج راجع بالأساس إلى ضعف دار المخزن من الجانب السياسي الذي قبل شروط القوى الإستعمارية بشرط وحيد و هو ضمانه للعرش ،و في الوقت الذي كانت فيه القوة الميدانية هي الحاسمة بعد غياب أية إستراتيجية سياسية من أجل طرد المستعمر ، إرتأى النظام المخزني على فتح جبهة الحرب على الريفيين بدل المستعمر إلى حد الوصول إلى نقطة الموافقة على إبادة الريفيين بالغازات السامة من أجل إسقاط الجمهورية الإتحادية لقبائل الريف من جهة و من جهة ثانية للتأكيد للأطراف التي كانت شريكة للمخزن في معاهدة الجزيرة الخضراء أنه رهين بأوامرها و حام لمصالحها قبل أي إعتبار آخر .
و إن إمطار الريف بالغازات السامة هو إنعطاف خطير في تعامل الدولة مع جزء تعتبره منها ، مع العلم أن هذا الكيان في الواقع كان ذو سيادة و مستقل بنفسه عن اية إملاءات سياسية مغربية ، هنا نسجل العنف المادي و الجماعي المسلط على الريف ، و الذي يندرج في المفاهيم السياسية الحديثة في إطار الإبادة الجماعية و الجرائم الإنسانية .
و هذا العنف الذي سنسميه عنفا من أجل الإفناء بقيت تداعياته راسخة في الذاكرة الريفية الجماعية و تم توتيده في الذهنية الريفية كنقطة اللاتصالح مع المخزن ، إذ كيف يتم الحديث عن المصالحة و قد تم إفناء الآلاف من الريفيين و بقي الباقون يعانون لحد اليوم من إنعكاسات الغازات السامة و الكيماوية و ما أفرزته من إصابات بلغت مستويات قياسية من أمراض السرطان و باقي الامراض المزمنة كالسل و تخثر الخلايا و العاهات المستدامة .
بعد 1927 أي سنة حسم محمد بن عبد الكريم الخطابي رئيس الجمهورية الريفية في تقديم نفسه للقوى الإستعمارية و معها المخزن من أجل الحفاظ على النوع الريفي و عدم إبادة الريفيين كلهم ، و ليس كما يتم التطبيل له من أبواق و تيارات تحمل الشيزوفونيا المطلقة للريف و التي تتحدث عن إستسلامه ، فالإستسلام يكون للطرف القوي في الميدان و هذا الطرف كان هو الطرف الريفي و عليه فلا يعقل للقوي أن يستسلم ، بل ما حدث كان هو عزم القوى المنهزمة ميدانيا في إستعمال لوجيستكيات حربية لم تستعمل من قبل من أجل حسم نتيجة الحرب ، و هذا النوع من العنف الإباداتي بالإضافة إلى كونه حرب تحالف من الدول [ فرنسا , إسبانيا , ألمانيا , أمريكا , المغرب ] على دولة واحدة ، فهو يندرج أيضا في إطار العنف السياسي التمويهي بدليل أن المغرب كشريك فيما حدث أراد ترويج فكرة المقاومة المزيفة ، و هذا يتنافى عن رواية الاجداد الذين عاصروا الحدث و أجمعوا على كون المرحلة كانت تقتضي على المخزن إستعمال أية وسيلة للحفاظ على العرش و إجهاض نموذج الدولة الريفية . و نحن هنا أمام عنف تاريخي و سياسي يجمع كل صفات العداء لكل ما هو ريفي .
و قد بدات أنماط العنف بعد ذلك تتضح جلية للعيان و خصوصا بعد إستصدار ظهير 16 ماي 1930 إذ عمل المخزن على تزويد المستعمر لأسماء كل المناهضين لقراءة اللطيف قصد إختطافهم و تعذيبهم من أجل القضاء على أي فكر متفطن لأكذوبة الظهبر الذي سمي زورا بالبربري و الذي إستصدر من أجل بناء صرح أرضية لنخبة سياسية سيتم تعبيد الطريق لها من أجل تولي التفاوض المفبرك إستعدادا لخروج القوى الإستعمارية التي إصطدمت بتوالي المقاومة المسلحة بعد إمطار الريف بالغازات السامة ، و هذه النخبة كانت بالطبع من صنع الإستعمار نفسه من اجل ضمان مصالحه بعد خروجه المظهري من المغرب .
و في منتصف الثلاثينات كان الريف مع تواصل العنف بعد إرسال مجموعة لا يستهان بها من الريفيين للقتال في إسبانيا و قد يقول قائل أن الريفيين قد ذهبوا بمحض إرادتهم لكن سيبقى السؤال هو : أين تلك الحركة المثقفة التي إدعت الوطنية ؟ و أين هي الدولة التي تبجحت بحماية أبنائها لإفهامهم إن هم مقبلين على السير في الإتجاه الخطأ ؟؟ و هذا بالطبع لم يحدث لأن الدولة المغربية لم يكن هاجسها هو حماية الكل بقدر ما كان حماية عائلتها الحاكمة و الموالين لهم سياسيا فقط .
هذا ما يبين تواجد العنف التحايلي ضد الريف عبر إرسال الريفيين إلى نار الحرب دون تحريك ساكن .
و مع توالي الفكر التحرري و شيوع ثقافة المقاومة المسلحة و بزوغ جيش التحرير عملت الدولة المغربية إلى إشهار عنفها المادي عبر المضي في تصفية جيوب جيش التحرير و رميهم بالشبهات و توالي الإعتقالات و الإعتقالات في كبار كوادره ،و خير دليل على ذلك هو تسخير حزب الإستقلال لمافيوزات الحجاج العاملة بأوامر المهدي بن بركة لتصفية الروح الطاهرة لعباس لمساعدي .
و لم يتوقف العنف المادي بعد 1956 نظرا لهشاشة السلطة المخزنية من جهة لعدة أسباب أبرزها هشاشة السلطة المخزنية بعد تنامي الوعي بكونها مجرد حارس للقوى الإستعمارية التي بقيت أوامرها لا تنفذ و من جهة ثانية لوحظ إلتفاف كبير و معانقة فكر جيش التحرير الذي أضحى شوكة في عنق الدولة و هاجسا لديها من غضبة فرنسا التي قد تغير تغييرا جذريا للخريطة السياسة و كذا عدم توقف الريفيين يوما بالنداء و المطالبة بعودة مولاي موحند ، و ذلك ما أدى بالمخزن إلى إشهار المقاربة الأمنية التي تكمم من يذكر إسم الخطابي في مكان عمومي ، و ذلك ما تبين بالملموس في أحداث 58 و 59 حيث إرتأت الدولة إلى فتح جبهة الحرب من جديد و عسكرة الريف و ما والاه من إنتهاكات صارخة للذات الريفية ، الفردية و الجماعية و منها بعد القتل أمام الملأ و تنفيذ إعدامات عمومية و إغتصاب للنساء و بقر بطون الحوامل و قتل الأطفال و تدمير المزارع دون إغفال التلفظ بالكلام النابي الذي وصل إلى الإذاعة و التلفزيون لمحاولة تصوير الريفيين كشياطين و همجيين .
و مع بداية الحسن الثاني أضحت المقاربة الأمنية و الأوامر كلها تجمع على ضرورة إنزال أقصى ما يمكن إنزاله من فتح و عنف بكل أشكاله و لعل ابرز محطة شاهدة على ذلك هي 1984 حيث تم ممارسة الإرهاب السياسي بعد وصف الريفيين بالأوباش من طرف أعلى سلطة سياسية و إرتكاب مجازر ترقى إلى جرائم الحرب و جرائم ضد الإنسانية بعد إعطاء الأوامر في إستخدام الرصاص الحي في حق الريفيين و إعتقال أي ريفي دون سبب و إختطاف أي مشهر بمعارضته لسياسة الدولة ، و دفن الريفيين في مقابر جماعية .
نفس المقاربة القائمة على العنف المادي و الرمزي النفسي بقيت سارية المفعول بالريف ، إذ أن المخزن كان يرى ان الريف لا يطوع إلا بالزرواطة و المس بشرفه .
و بعد 1999 و إعتلاء محمد السادس الحكم ، ظلت نظرة الدولة للريف مبهمة لدرجة أن هنالك من إستبشر خيرا ، لكن ما تبين بالملموس أن ثقافة " الريفي الخانز" و " الريفي خاصو إهاجر " بقيت سارية المفعول و كان الدليل على ذلك عدم تدخل الدولة في زلزال الحسيمة و إكتفائها في عد المساعدات الواردة من الشعوب الصديقة و تحويلها للرباط ، دون إعطاء أهمية للريفيين الذين فقدوا ذويهم و ثكلوا في اهاليهم و إستوت ديارهم بالأرض ، و الاشد من ذلك هو إستخدام القوة المفرطة في حق المطالبين بالمساعدات و قذفهم بالشتائم و تم تسجيل حالات الإغتصاب و نهب رجال الامن و الدولة لممتلكات الريفيين بالحسيمة ،
و قد توالى مسلسل زرع الرعب المخزني بالريف من خلال حشد قوات التدخل السريع لتكسير ظهور المحتجين الذين يطالبون بمطالب إجتماعية بسيطة و المتضررين من سياسة تفويت الأراضي و الإستلاء على الممتلكات ، فالدولة المغربية تأول أي صوت ريفي يطالب بمطالب بكونه إستهداف لإستقرارها لأنها واعية تمام الوعي بجسارة ما إرتكبته في الريف و مدركة أن الريف هو كيان لابد من إخضاعه بالقوة و لكن النتائج تقول عكس ذلك ، فما نشاهده هو تنامي النضال الريفي من جميع الأصعدة ، و وعي الريفيين بقضاياهم المصيرية و البحث عن سبل التدبير الذاتي التي جائت الحركة من اجل الحكم الذاتي كإفراز لذلك ، و أيضا تنامي الأصوات الريفية التي تنادي بالإنفصال و خصوصا المتواجدة منها بديار المهجر ، على إعتبار قضية الهجرة نفسها هي قضية سياسية ممنهجة من اجل جعل الريف أشلاء غير قابلة للتلاحم و الإتحاد .
و بعد إنطلاق حراك حركة 20 فبراير رغم كل ما قيل و يقال عنها ، فقد بدت الدولة المغربية حازمة في التعامل مع هذا الزخم الجماهيري الكبير ، لدرجة حرق 5 جثث من خيرة شباب الحسيمة و إتهامهم باللصوصية في مسرحية بدت معالمها واضحة منذ الوهلة الأولى و مرامها الوحيد هو محاولة تشويه النضالات الريفية و إيجاد مبرر للعنف الذي تمارسه في حقه ، و ذلك ما بدا جليا بعد عسكرة الريف و التدخل العسكري في ايت بوعياش ،و تحويله إلى ثكنة عسكرية و بؤرة توتر إرتكب فيه النظام المغربي ما لم يرتكبه السودان في دارفور ، من إعتقالات بالجملة في صفوف الريفيين و إلصاق تهم واهية بالمناضلين لا يزالون لحد اليوم يقضون زهرة عمرهم وراء القضبان ، بل و القيام بتصفية الشهيد كمال الحساني الذي تتحمل الدولة المغربية كامل المسؤولية في قضية إستشهاده ، و من جانب آخر فالقوات العمومية لم تتوانى في ممارسة العنف الرمزي و اللفظي إلى جانب العنف المادي من خلال نعت الريفيين ب " ولاد إسبانيول " و " الأوباش " و " الموسخين " و التهكم على الريفيات و وصفهن بأقبح الاوصاف ، كل ذلك من أجل إهانة الذات الريفية و محاولة إفشال المد النضالي و تدمير المعنويات .
= خلاصة القول ، أن ماضي و حاضر الدولة المغربية في الريف لم يكن أبدا نيرا على عكس ما يتم الترويج له سياسيا و إعلاميا و من خلال محاولة العمل على إمتصاص الغضب عن طريق هيآت و مساعي حزبية بدت معالمها واضحة في الأفق ، و الحقيقة أن العنف كان و لا يزال هو الشفرة التعاملاتية للدولة تجاه الريف لاغير ، إلى جانب محاولة طمس الحقائق التاريخية و المس برجالات الريف الأحرار و التي سجلنا آخرها في نزع صورة مولاي موحند في آسفي و هذا السلوك ينم عن رغبة دفينة في القضاء على أي فكر يذكر هذا الزعيم و الرئيس و المقاوم الذي علم العالمية ما لم تعلم في الذود عن الأرض و المقاومة إلى آخر نفس .
و ما التدخلات التي يندى لها الجبين و التي تطال تنظيمات المعطلين الريفية إلا دليل على أن سياسة العصا و الزرواطة هي القائمة إلى حدود اللحظة من أجل ثني و إخراس أي صوت مناضل للمطالبة بمطالبه العادلة و المشروعة .
.................... يتبع



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن