مجزرة الاستيطان تجهض حلم الدولة الفلسطينية

عليان عليان

2013 / 1 / 1

بإقرار حكومة العدو الصهيوني ، بناء ما يزيد عن عشرة آلاف وحدة استيطانية في محيط القدس الشرقية ، وفي الضفة الغربية ، تكون أجهزت عملياً وبشكل نهائي ، على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام 1967 ، وعاصمتها القدس الشرقية .
والمسألة هنا لا تتوقف على خطورة بناء مستعمرة جديدة في منطقة ما تسمى E1 ، بواقع 3600 وحدة استيطانية في المنطقة الفاصلة بين القدس ومستعمرات معاليه أدوميم ، ولا بخطورة بناء مستوطنة جديدة " غفعات حمتوس " ، التي ستفصل مع "مستوطنتي جيلو وهارحوما " القدس عن بيت لحم ، بحيث يتحقق فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها .
بل هي أخطر وأكبر من ذلك ، لأن الضفة الغربية بكاملها بما فيها القدس باتت تغرق بالمستوطنين والمستوطنات ، وبالطرق الالتفافية ، في حين يتلوى جدار الضم والتهجير العنصري ، في عمق الضفة ملتهماً مساحات واسعة من الأراضي ، وكافة أحواض المياه الرئيسية.
لقد كشف الخبير الإسرائيلي ، في البناء في القدس ، " دانييل سيدمان " أن خطط البناء الجديدة ، في القدس الشرقية ، تساوي 20 في المئة من خطط البناء ، التي نفذت في المدينة منذ عام 1967 ، مبيناً أن ( إسرائيل ) أقامت في شرقي القدس ، (50) ألف وحة سكنية لليهود منذ احتلالها ، وأن الخطط الجديدة ترفع العدد إلى (60 ) ألفاً ، مشيراً إلى أن الهدف من وراء هذه الخطط ، هو إنهاء فرص الحل السياسي مع الفلسطينيين .
ولإنعاش ذاكرة أولئك ، الذين لا يزالوا يراهنون على لعبة المفاوضات ويصرون على طرح مبادرة جديدة للسلام ، بعد أن ألقى الصهاينة مبادرتهم السابقة في سلة القاذورات ، نذكرهم ونذكر جماهير الشعب الفلسطيني وجماهير الأمة ، أن المفاوضات على امتداد الفترة من مدريد 1991 مروراً بأوسلو 1993 ، وبأوسلو (2) 1995 ، وبخارطة الطريق 2003 وبأنابوليس 2007 ، وصولاً للمفاوضات غير المباشرة في عمان في كانون ثاني/ يناير 2012 ...شكلت غطاءً للاستيطان ، في الضفة الغربية وتهويد القدس ... كيف ؟؟
لقد وفر النظام العربي الرسمي ، - بما فيه منظمة التحرير - جراء الرهان على المفاوضات ، وعلى امتداد المحطات سالفة الذكر ، الغطاء السياسي للعدو الصهيوني ، في مصادرته للأرض والاستيطان ، من خلال إشاعة الوهم أمام المجتمع الدولي ، بوجود إمكانية عبر المفاوضات ، لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل ، وبما يضمن الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي المحتلة ، مما سهل مهمة العدو الصهيوني ، في فرض الوقائع الجديدة على الأرض ، من استيطان وجدار وتهويد القدس ، وتحويل الضفة الغربية إلى مجرد كانتونات ، معزولة عن بعضها البعض .
وبلغة الأرقام الفاضحة ، كان عدد المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس ، قبل اتفاقات أوسلو عام 1993 ، (137 ) مستوطنة ، وأصبح عددها ، حتى مطلع السنة الحالية ، ما يزيد عن 450 مستوطنة .
وبعد أن كان عدد المستوطنين عام 1967 بضعة آلاف ، أصبح عددهم بعد محطات التفاوض الأوسلوية ما يزيد عن نصف مليون .
ووفق مصادر جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني ، فإن عدد المستوطنين تضاعف أكثر من (40 ) مرة ، خلال السنوات (1972 – 2010 ) وأن نسبة المستوطنين في القدس الشرقية ، باتت تشكل ما يزيد عن (51 ) في المئة من مجموع المستوطنين ، في الضفة الغربية المحتلة بواقع 262,493 مستعمر يهودي ، يسكنون في (15) مستوطنة داخل القدس الشرقية التي جرى تطويقها ب ( 22 ) مستوطنة ، موزعة على كتلتي " غوش عتصيون ومعاليه أدوميم " الاستيطانيتين .
إنها سياسة الأمر الواقع ، بغطاء المفاوضات ، والتي سبق أن عبر عنها الصهيوني ابراهيم كاحيلا - الذي أشرف على مشاريع الاستيطان في القدس ومحيطها - بقوله : " أنه مع إنجاز المخطط الاستيطاني سيستحيل على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ، أن تقول ، أن القدس الشرقية عاصمة للكيان الفلسطيني ، لأن انجاز هذا المخطط يجعل تقسيم القدس أمراً مستحيلا " .
ومع ضرورة الإشارة هنا إلى أكثر من (75 ) في المائة من المستوطنين ألحقوا ( بإسرائيل ) بعد بناء الجدار ، في حين تم إخراج كتلة ضخمة من الفلسطينيين (150) ألفاً ، خارج القدس بعد بنائه ، في إطار مخطط لتغيير المعادلة السكانية في القدس الشرقية لصالح اليهود .
ومن واقع رصد الفعل الإغتصابي الاستيطاني ، وربطه بالفعل التفاوضي والسياسي العربي الرسمي ، المندلق على مقولة " السلام خيار استراتيجي " ، نجزم أن هنالك علاقة طردية ، بين تهافت النظام العربي الرسمي على السلام مع الكيان الصهيوني ، وبين تزايد عمليات الاستيطان والبطش الصهيونية ، إذ أنه بعد كل قمة من القمم العربية الدورية ، التي يتم فيها التجديد والتمسك بمبادرة السلام العربية ، يرد العدو بالاعلان عن بناء استيطاني جديد .
هكذا كان الحال بعد قمة بيروت 2002 ، وقمة الجزائر 2005 وقمة الرياض 2007 ، وقمتي الدوحة والكويت عام 2009 وبعد التفويض الذي منحه وزراء الخارجية العرب، في مارس/ آذار 2010 للمفاوض الفلسطيني، بالولوج في مفاوضات غير مباشرة ، مع حكومة نتنياهو بعد أن أوقفت قيادة منظمة التحرير ، المفاوضات المباشرة إثر العدوان الصهيوني على قطاع غزة ، في نهاية عام 2008 ، حيث ردت حكومة العدو الصهيوني على التفويض العربي ، بالإعلان عن خطة لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية ، وأثناء وجود نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في تل أبيب .
في ضوء ما تقدم من حقائق دامغة ، لا بد من التوقف عن طرح المبادرات التسووية ، وعدم العودة للمفاوضات العبثية ، وعدم الارتهان للجنة المتابعة العربية ، الخاضعة للمشيئة الأمريكية، وإعادة الاعتبار لخيار المقاومة بعمقها العربي ، وبكافة أشكالها بما فيها الكفاح المسلح الذي أثبت جدواه في المواجهة الأخيرة ، مع العدو الصهيوني ، وأجبره على استجداء وقف إطلاق النار.
ولا بد من استثمار قبول فلسطين " دولة غير عضو " في الأمم المتحدة و كذلك استثمار تبلور الفعل المقاوم ، على هذا النحو المشرف ، باتجاه إدارة الظهر كلياً للمفاوضات المباشرة ، وترحيل ملف القضية برمته للأمم المتحدة ، بهدف وضع الآليات لتطبيق قرارات الشرعية الدولية بشأن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة ، وتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين .
ولا بد من إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية الفلسطينية ، وإنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام الجيوسياسي بين الضفة والقطاع ، على قاعدة برنامج وطني عنوانه " المقاومة " لتشكل رافعةً للفعل السياسي المقاوم.
ولا بد من التوقف ، عن تكتيكات الهروب للأمام ، مثل طرح " الكونفدرالية " والهادفة إلى إلهاء الجماهير ، بقضايا غير محسوسة ، فالكونفدالية وأي شكل من أشكال الوحدة مطلب وطني للجميع ، عندما يتم دحر الاحتلال بالكامل ، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة ، على عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة ، دون القطع مع حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم .
ولا بد من وقف التنسيق الأمني المذل ، مع العدو الصهيوني ، والتوقف عن الإدلاء بتصريحات ، تغري وتحفز العدو الصهيوني ، على الاستمرار في بطشه الدموي والاستيطاني ، كالتصريحات التي تتحدث " عن عدم السماح باندلاع انتفاضة جديدة " ، والتي تهدد بحل السلطة دونما تنفيذ عملي.
وبدون ما تقدم من مهمات – التي أعتقد أنها محل إجماع الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة – تظل القضية العادلة للشعب الفلسطيني ، تراوح مكانها وتظل الدولة الفلسطينية حبيسة الأوراق والوثائق ، في حين يستمر العدو الصهيوني ، في خلق حقائق الأمر الواقع ، الاستيطانية والتهويدية في القدس وعموم الضفة الغربية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن