الفردية ما بين الدولة القبيلة والدولة الحزب

عُقبة فالح طه
oqbataha@hotmail.com

2012 / 12 / 30

الفردية ما بين الدولة القبيلة والدولة الحزب

حاولت الدولة القطرية في البلاد العربية أن تلبس نفسها ثوب التحديث من خلال نماذج عدة مستوردة كالاشتراكية والجمهورية والرأسمالية، لكنها فشلت في استثمار تلك النماذج، لأنها لم تنبع من ذاتية وخصوصية المنطقة العربية، وبذورها لا تتلاءم مع التربة العربية، فكان لا بد من (تبيئة) تلك النماذج لتتلاءم مع البيئة العربية، ولكن أليس هذا ناتج عن تراكم زمني
سببه أن الفرد العربي لم يتعود على نظام سياسي واضح لتداول السلطة، بل تعود على نظام إقصائي وفق مفهوم التداول، وليس ثبوت الدولة، من هنا يتضح أن الجسم العربي يعاني من معضلة اجتماعية وسياسية قديمة، يلزمها وصفة سياسية تسمى" التنشئة والثقافة السياسية"، لتجعل منه قادرا على تبيئة تلك النماذج بالشكل الصحيح، وليس تبيئتها بثقافة الاستبداد الموروثة، فظهرت المؤسسة العربية مشوهة بطبع القبلية، والشخصانية، والارتباط العائلي، ما يعني أن حال الماضي مشابه لحال اليوم، فالرابطة الإقصائية مازالت مسيطرة على رابطة الانتماء الطوعي، الذي يفسر من خلالها أن الدولة هي القبيلة أو الحزب، وسقوطهما يعني سقوط الدولة. ومن هنا - أيضاً - يظهر أن تحرير الفرد خطوة أساسية لتحرير المجتمع، وأن خوض معركة الحضارة سابقة على خوض معركة السياسة، من أجل بناء قواعد الدولة، ومفهوم المواطنة، التي يجتمع عليها أفراد المجتمع نحو طريق واقعي واحد، وثقافة سياسية واحدة، بعيدا عن الهيام التاريخي وتحميل الماضي، والاستغراب، والمثالية الديماغوجية.

ما بين جماعية العرب وفردية الغرب

تقوم المجتمعات العربية على فكرة الجماعة، حيث يذوب الفرد في جماعات أكبر منه وأوسع، ليس أقلها الأسرة أو العائلة
يقول الشاعر العربي دريد بن الصمّة:
وما أنا إلا من غزيةَ إن غوت غويتُ وإن ترشد غزيّة أرشد
و (حيث أن الأسرة هي الخلية الأولى في بناء المجتمع وليس الفرد)، وبكون الفرد خاضعا هاهنا لاعتبارات الجماعة فكريا وعقائديا وحتى سياسيا، وهذا يتناقض مع المعروف بل والمتداول ثقافيا، أن هناك نزعة فردية تتمثل في الدفاع عن حرية الفرد الواعي بذاته والقادر على اتخاذ قراراته وخياراته المختلفة في الحياة، حيث تصنف المجتمعات الغربية عمومل على أنها مجتمعات (ذرّية) قائمة على الفرد كَلَبِنَةٍ أساسية يقوم عليها المجتمع، على العكس من المجتمعات العربية التي تقوم على الفكرة الجماعية.
ولكن الفرد في العالم الغربي الصناعي المتقدم يعيش خاضعا لنظام اجتماعي سياسي اقتصادي قائم على الاستهلاك، يلغي حرية الفرد ويجعله تابعا شعوريا أو لا شعوريا لآليات الاقتصاد الاستهلاكي الحاكمة، وهذا ما يسميه (ماركيوز) في كتابه الشهير"الإنسان ذو البعد الواحد" – يسميه الجانب العقلاني للاعقلانية، مما دفع (ماركيوز) إلى أن يضع رهانه على الفنانين والملونين والسود والمهمشين للقيام بالثورة التي تعيد للفرد حريته المنتزعة باسم العقلانية، تلك العقلانية اللاعقلانية التي تعطي للأفراد شعورا مزيفا بحريتهم والسيطرة على حياتهم، في الوقت الذي تسيطر فيه على تلك الحياة.
لقد ظهر اتجاهان في فهم الحقوق، فهناك من آمن بالفردية أو حق الفرد، إذ يعتبر أصحاب هذا الرأي أن الفرد هو الغاية من سن القوانين، حيث يولد الإنسان بكامل حقوقه الطبيعية، لأنه يولد بشرا، وبذلك فإن حقه كائنا قبل سن القوانين، ومع تفاعل البشرية وضعت القوانين لتنظيم العلاقات فيما بينهم، وهي كذلك لتأمين هذه الحقوق الفردية.
أما أصحاب رأي حق الجماعة- لأن الجماعة هي السبب الحقيقي وراء تنظيم المجتمع، ووضع القوانين له، وبذلك لا يجوز للفرد التمسك بحقوق يزعمها ضد مصلحة الجماعة، وبذلك لا يمتلك من حق إلا ما تمنحه إياه الجماعة- فالقانون بهذا المنظور هو أساس الحق.
ولا معنى للحديث عن الإصلاح والحقوق العامة، بينما حقوق الفرد، شبه معدومة، وحريته معطلة، فبدون الحرية الشخصية تنعدم إنسانية الكائن البشري، ويغدو أسير غرائز الخوف والجوع، تحت ظروف الاستلاب، فلا تعود ملكة العقل تفيده، حتى يكون قادرا على إفادة مجتمعه، فالمجتمع حصيلة الجهد الذهني والعضلي لمجموع أفراده، فإذا توقفت حركة الأفراد، فلن تتحرك عربة المجتمع، وما يحز في النفس هو أن مجتمعاتنا تعيق تطورها، بالحجر على الفرد وتذويب شخصيته في مرجل الجماعة، بفعل خلفيات ثقافية، اجتماعية ،دينية، تنتج إيديولوجيا جمعية، فالبداوة الفكرية كمنظومة أخلاقية وتقاليد وأنماط سلوك وفكر تسود أكثر مجتمعاتنا تحضرا، رغم تجاوزها مرحلة البداوة كنمط معيشة، وهي الزاد الفكري لعقلية النخبة، تغذيها دعوات النصوص الدينية إلى الفكرة الواحدة، النمط الواحد، الجماعة الواحدة، التقليد الواحد، القيمة الواحدة، لتؤكد على الروح الجماعية المناقضة للروح الفردية، فالقمع في دائرتنا الحضارية يأتي من البنية التحتية والسلطة معا.
يرى هشام شرابي أن بنية العائلة العربية و الإرث الاستعماري و التخلف بمثابة العوائق الأساسية، ويرى أنه في حين نجح اليابان في إعادة تملك التكنولوجيا الغربية، غرق العالم العربي فيما سماه بالعصرنة الفاشلة. و تحدث شرابي في بداياته الأولى عن أن الفكر القومي العربى اصطدم بالولاء العائلي.
كما يرى شرابي أن التصورات الاجتماعية العربية المختلفة التي وجدت ( القوميين، التيارات التحررية الخ ) لم تستطع أن تحدث قطيعة مع الخطاب المنتج من قبل العائلة بل و في بعض الأحيان أعادت إنتاج هذا الحطاب، وحسب رأيه فان هذا الفشل لم يؤد فقط إلى إخفاق حركة الإصلاح والعلمنة وحسب، بل أيضاً إلى تعزيز سلطة النظام الأبوي (بشكليه التقليدي والمستحدث) وإلى تراجع حركة التحرر وعودة العصبيات الدينية والقبلية والإثنية وانحسار المد القومي مع نهاية القرن، كل هذا فى اللحظة الزمنية الخارقة (الخمسين سنة الأخيرة) التي توفرت فيها للعرب الإمكانات المادية التي لم تتوفر لمجتمع آخر في التاريخ ربما باستثناء أسبانيا فى القرن السادس عشر) لتغيير المجتمع وبناء الدولة والاقتصاد العصريين.
وكذلك هو الحال بالنسبة للدين فقد رأى شرابي أن الطبقات الحاكمة العربية استعملت الدين لصالحها، وساهمت في تهييأ الأرضيات الخصبة لتغذية الأيديولوجيات الدينية المحافظة كأدوات لترسيخ شرعية هذه الأنظمة بما فيها التسلط السياسي والاقتصادي و مقولة تفوق الرجل، و وجه شرابي نقده إلى التيارات المحافظة ورأى أن دعاة هذا التيار اعتبروا
" الإصلاح بجميع أشكاله يجب أن يتم تدريجيا و حسب سنة الطبيعة.

هناك نظريات لكل من هيغل وماركس حول الاغتراب وقد عرّفاه باختصار: بأنه الشعور بالعجز في علاقة الفرد بالمؤسسة التي يعمل ضمنها، أو ينتمي إليها. يعني عندما نقول الاغتراب مع المجتمع يعني أنه لا يستطيع أن يقيم علاقة صحية مع المجتمع. المجتمع قد يكون مستبداً ويفرض معتقداته كما غيره من مؤسسات الدولة. الاغتراب السياسي منتشر بشكل واسع جداً في علاقة المواطن بالدولة، (هيغل وماركس) شددا على علاقات العجز، يعني الإنسان غير قادر أن يؤثر في النظام العام، فهو مهمّش أو مضطَهد أو لا يجد مجالاً للعمل والتأثير في النظام، وقد يكون ذلك كما قلت بالنسبة إلى العائلة خاصة المرأة، والفتاة. وفي المؤسسات الدينية التي تفرض على الإنسان معتقدات قد لا يستطيع أن يتقبلها، وأقول أيضاً كثيراً ما مررنا جميعاً في تجارب في الانتماء إلى الحزب بأن يكون هذا الإحساس وارداً بالنسبة إلى علاقة العضو بالحزب وبإدارة الحزب ورئاسته يعني أنه يشعر أنه عاجز ولا يستطيع أن يؤثر بذلك.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن