من دَمعتُكَ أعرُفكَ....!

نعيم عبد مهلهل
neim_mhalhl@yahoo.com

2012 / 12 / 30

في مشاعرِ البشرِ كما في مشاعر الورد هناك الحلم أن لا تمتد يدٌ وتقطع الوردة ، والبشر يحلمون أنْ لايأتيَّ الشر ويخرب ما نشعره في اللحظة التي نريد فيها أن يكون هذا العطر مرسال غرام أو باب رزق أو حظ أزرق يبعد عنا شظية حرب أو قدر أرهابي يأتي بجنون كاتم الصوت أو المفخخة .
عاش الدراويش لحظات الانسجام مع احلامهم من خلال عطر الرقص. وعاش الجفن لحظة الانتظار من خلال عطر الدمعة وعاش الأب من خلال عطر وسادة سيدة المنزل ، ولي مع الأب قصة الزمن الاتي من اللحظة الادمية التي هطلت فيها الدمعة عند مفارقة الجنة وحتى روعة ما تكتسبه روحي في فضاء أغنية لمطرب من جنوب العراق يدعى داخل حسن.
قالت الفرنسية التي جلست صدفة الى جواري في القطار الذاهب من بروكسل الى باريس: أعرف أديث بياف ومادونا وميراي ماثيو ولا اعرف داخل حسن .
قلت :لأننا لم نفرنس سومريتنا ظلت اساطيرنا تتشبهُ بعقال ويشماغ هذا الرجل لأن كل دموعنا معلقة بحبال حنجرته .
اغمضت عينها وبأبتسامة وقحة قالت :لم أبكْ منذ سنوات .ولماذا نبكي.أو بالاحرى أنا أشك أن الدموع تسكن عيني ، لقد نضبت منذ أن غادرتْ طفولتي. ليس هناك مافي هذا العالم يستحق أن نبكي من أجله..!
تذكرت قصة شهيرة للروائي الالماني غونتر غراس اسمها ( قبو البصل ) ، لقد كانت تتحدث عن ذات الهاجس الذي يسكن جليستي في القطار. وعليه من يشتهي البكاء من الاوربين عليه أن يذهب الى قبو البصل ليقشره ولتدمع عينيه فيشعر انه يبكي.
أنها تراجيديا عجيبة أن يشتري العالم المتحضر احساسه العميق من البصل ويبكي بكاءً اصطناعياً فيما نشتري نحن في مدينة تدعى الناصرية ليس فيها برج ايفل ومتحف اللوفر ، نشتري دموعنا من حوانيت ارواحنا وبدون أن نقشر شيئاً سوى ذكرياتنا وصفحات الحروب والطوفان وقساوة الملوك في تواريخنا الممتدة من صياح الديك في صباحات سطوح بيوت الطين وحتى خنادق الحروب الشقية في قاطع بحيرة الأسماك...!
هي دمعتكَ كما عراف سأعرفكَ منها ومعا سنضع أحتمالات ما سيأتي ويكون وبدون بصل وبطيخ ويأس أممي من هذا الهوس المولم بأجهزة التنصت والاتصال والبلوتوث ، سنعيد لعالمنا النواح الشقي الذي صنع الاساطير وموت انكيدو ومراثي طروادة والقرى الفيتنامية المحترقة بطائرات الفانتوم.
نتداول ما نتوقعهُ ومالا نتوقعهْ لنصنع عالمنا المثالي ، العالم الذي يقدر أن يصنع من دموعه ابتسامات وعناوين قصائد أخرى لأولئك الذين حصلوا على نوبل والذين لم يحصلوا عليها . العالم الهاجس.العالم المتحرك.العالم الروحي المشبع بعطر المطابخ الفقيرة والناس البسطاء ذوي التأملات الناعمة عن مجد زائف لملوك واميرات وقادة جُند في النهاية ستأخذهم السيوف أو المقاصل الى قدرهم الوردي حيث سيحتفل بهم ليل قراءتنا لتواريخهم طغاة كانوا ام طيبين...؟
عنادل كانوا بأصوات رقيقة أو غربان تزعق في الكتب عن همجية الموت والنار وأحراق الكتب ووسط كل هذا الحشد سيعبر البشر عن مشاعرهم وسنعرف الصورة الخفية للتاريخ.
من دمعتكَ اعرفك...!
اضع لك خيارات ما سيحدث لي ولك ونحن في القارب أو في حافلة قطار أو على سطح القمر نعدُ احصاءً للشعب الذي ينبغي أن يقف كل شهر في طوابير طويلة وبيده قسائم بطاقات التموين.
مليارات الأقدار والدمعة واحدة بحجم قطرة المطر.
ماذا عسانا أن نفعل غير ان ندقق جيدا فيما حدث وننتبه جيدا لما سيحدث .وفي الحالتين نصل الى قناعة أن دمعة قشرة البصل زائفة ودمعة طرف الجفن هي الحقيقة كلها............!

دوسلدورف 28 ديسمبر 2012



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن