حوارمع الاستاذ الباحث عبد العزيز ركح

نورالدين علوش
allouch79@yahoo.com

2012 / 12 / 15

حوار خاص مع الأستاذ الباحث عبد العزيز ركح

مرحبا بكم على هذا الموقع
مرحبا بك أخ نورالدين أود في البداية أن أشكرك على اهتمامك المعرفي البالغ و على الجهد الذي تبذله خدمة للثقافة و الفكر في البلاد العربية و أتمنى لموقعك هذا ازدهارا و نجاحا اكبر.
بداية من هو الأستاذ عبد العزيز ركح؟
أنا أستاذ بجامعة سطيف متخصص في النظرية السياسية المعاصرة الأمريكية منها على وجه الخصوص. خريج جامعتي قسنطينة 1998 و باتنة 2009 متحصل على شهادة ماجستير واحضر لشهادة الدكتوراه حول موضوع الشرعية الديمقراطية بين رولز و هابرماس. اهتماماتي الخاصة تدور حول الفكر السياسي عموما و على مواضيع الفلسفة السياسية الأمريكية المعاصرة التي بدأت الاحتكاك بها لأول مرة أثناء أبحاثي حول علاقة الفلسفة القارية بالفكر السياسي الأمريكي المعاصرين ( ستراوس، رولز، كيمليكا، ساندل، دووركين ... ) و قد قادني هذا الاحتكاك إلى السعي للتقرب من هذه الفلسفة أكثر فأكثر و تمخض هذا السعي بالتسجيل في الدكتوراه حول موضوع الشرعية الديمقراطية الذي هو بالمختصر محاولة للمقارنة بين فلسفتي رولز و هابرماس في المجال السياسي.
ناقشتم في رسالة الماجستير " مابعد الدولة الأمة عن هابرماس ؟ فما هي الإشكالية التي تعالجونها؟ وما هي الخطوط العريضة لهذه الرسالة؟
لطالما شغفت بالفلسفة الألمانية و بأعلامها الأفذاذ و لذلك كنت دائم التطلع الى دراسة هذه الفلسفة و التعمق في موضوعاتها و اغتنمت أول فرصة لتحقيق هذا الهدف و ذلك في رسالة الماجستير التي أشرت إليها. كان المفكر الألماني يورغن هابرماس قد استحوذ على جانب كبير من الاهتمام و الدراسة من طرف طلبة الفلسفة في الجزائر بحيث كاد أن يشكل مع مطلع الألفية الثالثة موضة كتلك التي كانت قد عرفتها البلاد العربية مع فوكو في تسعينيات القرن الماضي,
في هذه الظروف وقع اختياري على موضوع العولمة من منظور هابرماس، و قد كان كتاب هابرماس après l’état-nation. une nouvelle constellation politique حديث الصدور و لم تكن قد خصصت له في تلك الفترة ـ في حدود علمي ـ دراسة مفردة ما عدا القسم الأخير من رسالة الباحث المغربي حسن المصدق المعنونة النظرية النقدية التواصلية، و عزمت البحث في تلك المسالة من خلال محاولة الإجابة على الإشكالية التالية: هل من مستقبل للدولة الوطنية في نظر هابرماس؟ و إذا كان الجواب بالنفي، فما الذي يقترحه هذا الفيلسوف كبدائل فعالة لهذا التنظيم؟ و ما مدى واقعية الطرح الهابرماسي ؟ و قد وجدت انه من الضروري للإجابة على هذه الأسئلة أن استقصي أولا مفاهيم الدولة الأمة و العولمة أي أن اعرض واقع ما قبل الدولة الأمة قبل تناول اراء هابرماس حول ما بعد الدولة الأمة و عليه فقد تناولت في الفصل الاول من الرسالة مفهوم الدولة الأمة من حيث أنها علاقة متوترة بين مفهومين سياسيين هما الدولة و الأمة ثم نشأتها التاريخية بداية من إرساء صلح وستفاليا سنة 1648 إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، أي إلى الفترة التي بدأت فيها الدولة الوطنية تعاني بشكل فعلي من اثأر التطور الاقتصادي بداية سبعينيات القرن العشرين. و جاء الفصل الثاني المعنون الدولة الأمة في زمن العولمة مبرزا لهذه الآثار الاقتصادية على الدولة الأمة،فبعد تعريف العولمة و إبراز مظاهرها و تمظهراتها حاولت التعرض إلى آثار العولمة على الدولة الأمة في المجال الاقتصادي، السياسي، الاجتماعي و الثقافي معتمدا على كتابات هابرماس و لكن أيضا على كثير من دراسات و كتابات مفكري آخرين حول الموضوع. و كانت النتيجة المستخلصة من هذا الفصل هي أن الدولة الأمة تعاني فعلا في نظر هابرماس تآكلا و عجزا على جميع الأصعدة، و انه لن يكون في استطاعتها مواجهة المد العولمي و التصدي لاثاره السلبية الا ان هي غيرت من وظائفها و تنازلت عن بعض مقوماتها الاساسية. و قد جاء الفصل الثالث المعنون ما بعد الدولة الأمة. آفاق الشرعنة السياسية ما بعد الوطنية عند هابرماس ليطرح الحلول و الوظائف الجديدة التي تناط بها الدولة الأمة في عصر ما بعد الدولة الامة. و لا يكون ذلك في نظر هابرماس الا من خلال طريقين: الأول يمر بالاتحاد الاوروبي ( او بالاندماجات الاقليمية عموما ) و يمر الثاني بالديمقراطية العالمية. و اذا كان الاول قد خضع فعلا للاختبار الواقعي رغم المشاكل العديدة التي يعانيها، فان الديمقراطية العالمية التي ينادي بها هابرماس لا تزال مجرد مشروع سياسي اقرب الى اليوتوبيا منه الى الواقع.
باعتبارك من الباحثين المتخصصين في فلسفة هابر ماس ، نتساءل معك عن دوافع هذا الاهتمام من جهة، و ماذا يمكنك أن تقوله لنا باختصار حول فلسفته من جهة أخرى؟
كما سبق و ان قلت سطع اسم الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس مطلع الألفية الثالثة في سماء الفكر العربي بعد الموجة الفوكولتية التي سادت طيلة تسعينيات القرن الماضي و سبب هذا الاهتمام العربي بهذا الفيلسوف يرجع في نظري إلى عاملين، الأول يتمثل في كونه استطاع تغيير صورة الفيلسوف الكلاسيكي المنعزل في برجه العاجي و ذلك من خلال حضوره القوي و المتزامن على جميع جبهات النقاش الفكري و الفلسفي و هو حضور غير لدى كثير من دارسي الفلسفة نظرتهم إلي هذه الأخيرة، فلم تعد الفلسفة معه صدى للأحداث و انعكاسا نظرية لها بقدر ما هي اندماج في الحدث و محاولة صنعه، يشهد على ذلك معاركه المتكررة على صفحات كبرى الجرائد الألمانية و الاوروبية عموما، و يمكن ان تفسير هذا التوجه الجديد للفلسفة مع هابرماس بكونه منفتحا أكثر من غيره من الفلاسفة على جميع التخصصات العلمية ( علم الاجتماع، القانون، الاقتصاد...) ما يضفي على مواضيعه طابع التحقيق العلمي أكثر من التنظير الفلسفي.
اما العامل الثاني فيرجع الى خصوصية الطرح الهابرماسي من حيث انه يشكل استثناءا فريدا في الفكر الفلسفي المعاصر في الدفاع عن المسار الحداثي و في التصدي لتيارات الفلسفة ما بعد الحداثية، اذ تبقى الحداثة في النهاية بالنسبة لهابرماس اهم مكتسبات التي حققتها الانسانية، و ان حدث و ان زاغ هذا المسار عن توجهه الأصلي في بعض الفترات و الحالات ( الحروب، التشيؤ...) فذلك لا يبرر التراجع عنها فهي في كل الاحوال مسار مفتوح يمكن ان يعدل و يصحح في اية لحظة و ذلك هو مفاد مقولة هابرماس الحداثة مشروع لم يكتمل.

* بالرغم من هذه الأهمية لماذا لا نجد له حضورا قويا في الساحة المغاربية مثلما هو الأمر بالنسبة لفلاسفة الاختلاف.أمثال فوكو ودريدا ؟
ليس فقط على المستوى المغاربي بل العربي عموما. من المهم الاشارة هنا الى ان كتابا من حجم نظرية الفعل التواصلي لم يحض حتى الان بترجمة عربية كاملة رغم كل الدعم الذي بدات تحضى به الترجمة في البلاد العربية في السنوات الاخيرة، غير ان مشكلة المغرب العربي تكمن في تبعيته الحصرية للفكر الفلسفي الفرنسي و انغلاقه عن و عي او عن لاوعي على لغة هذا الفكر ومنه استحالة التعامل مع النصوص غير الفرنسية الا انطلاقا من ترجمتها الفرنسية، و هو ما يبرر نسبيا الهوة الكبيرة بين انتشار نصوص فوكو، دريدا، دولوز .. الخ في المغرب العربي خصوصا مقارنة بنصوص هابرماس او النصوص غير الفرنسية عموما.
نعم هناك مجهودات مهمة في مجال الترجمة الفلسفية, لكن أهم كتابات الفيلسوف هابرماس لم تترجم بعد كالحق والديمقراطية وتحولات بنية الفضاء العمومي ونظرية الفعل التواصلي فلماذا؟
لقد سعدت جدا و انأ اقرأ تصريحا للدكتور حسن مصدق يعلن فيه نيته ترجمة كتاب هابرماس " الحق و الديمقراطية " و هو من أهم كتب هابرماس، و لا ادري أين وصل هذا المشروع، غير أن الأكيد في كل هذا هو أن واقع الترجمة في البلاد العربية لا يزال يعاني ـ فيما وراء المبادرات و الجهود الشخصية ـ من مشكلات عديدة ذات طابع مادي كالتمويل و المتابعة الأكاديمية و تخصيص أقسام و مراكز كبرى للترجمة و حولها، بالإضافة إلى تكثيف البعثات العلمية نحو البلدان التي تفتقر المنطقة العربية إلى لغاتها. و لكن أيضا صعوبات تتعلق بالذهنية الأكاديمية - إن صح التعبير- السائدة و ذلك من حيث أن الترجمة كعمل أكاديمي لا تزال لا ترقى في المتخيل العربي عموما إلى مستوى الابداع الفلسفي الحقيقي ومنه عزوف اغلب المشتغلين في حقل الفلسفة و الفكر عموما عنها و انشغالهم بالتأليف " الإبداعي "، فمن المؤسف أن لا يساهم مفكرونا الكبار من أمثال حنفي، العروي، تيزيني، طه عبد الرحمان... و هم الأجدر و الأحق بذلك، في ترجمة أعمال الفلاسفة المعاصرين و لست ادري إن كان هذا العزوف يرجع إلى التعالي عن الترجمة أو هو عجز عنها. و سواء أرجعنا الأمر إلى هذا السبب أو إلى ذاك، فان الأكيد هو أن واقع الترجمة عندما يحتاج اى جهود اكبر بكثير من الجهود المبذولة الآن و يكفي فقط الرجوع إلى أرقام منظمة اليونسكو حول الترجمة في العالم العربي ليدرك المرء مدى تخلف هذا النشاط مقارنة بباقي شعوب العالم.
و بالعودة إلى سؤالك حول عدم ترجمة مؤلفات هابرماس، فانني اعتقد ان الأمر يرجع إلى حداثة الاشتغال بفكر هابرماس، فالموجة الهابرماسية لم تبدا في اكتساح الفضاء العربي الا بداية الالفية الثالثة كما سبق و ان قلت و منه فان نتائج هذا الاهتمام لم تظهر بعد إلى العيان و قد ابدو لك مبالغا في التفاؤل اذا قلت لك ان اغلب كتابات هابرماس ستكون متوفرة للقارئ العربي بلغته الام في غضون سنوات قليلة.
في سياق الدفاع عن الحداثة يبرز اسم هابرماس, ماذا عسانا أن نستفيد منه في العالم العربي؟
من المهم ان نلاحظ هنا اننا نحن العرب بل و كثير من شعوب ما يسمى العالم الثالث لم نعرف ابدا نتائج الحداثة الاوروبية في جميع المجالات، بمعنى انه اذا كانت اوروبا قد توصلت الى فك السحر بتعبير ماكس فيبر عن تفكيرها و ممارساتها و مؤسساتها.. فاننا لا نزال نعاني من سطوة السحر دائما بتعبير فيبر على حياتنا نحن شعوب العالم الثالث، و يشكل هابرماس في نظري فرصة ثانية لنا للاستفادة من انجازات الحداثة سواء في شكلها الأوروبي أو في شكلها العام. تشكل كتابات هابرماس في عمومها ترياقا فعالا ضد حالة التمزق و التيهان التي يعيشها الإنسان العربي المعاصر الذي لا يزال في بحثه عن ذاته حبيس انتماءاته الفئوية المنغلقة و بتعبير هابرماس فهو لا يزال حبيس النظرة الميتافيزيقية و التقليدية للعالم، فلا تزال اغلب القضايا السياسية العلمية الدينية ... لا تطرح الا بحساسية بالغة و هو ما يجعل طريقة تناولها و التعامل معها من الصعوبة بمكان.
ما دور الفلسفة السياسية في مواكبة تحولات الربيع الديمقراطي؟
اريد اولا ان الفت النظر الى حقيقة أساسية و هي ان الفلسفة في الوطن العربي على قدم تعليمها لا تزال تخطو خطواتها الأولى، و ربما خير دليل على ذلك هو ان اغلب معاهد الفلسفة في الوطن العربي لا تزال تدرس الفلسفة في منظورها العام و ليس المتخصص و منه لا يمكننا الحديث عن فلسفة سياسية كتخصص قائم بذاته له برامجه و ادواته الخاصة كما لا يمكننا الحديث عن الابستمولوجيا و فلسفة اللغة... كتخصصات قائمة بذاتها بل فقط من حيث هي مقاييس تدرس في ميدان الفلسفة العامة و فقط.
اما بخصوص سؤالك عن مواكبة الفلسفة للحدث في الوطن العربي فانني اعود هنا مرة أخرى إلى الحداثة بمفهوم فيبر لاؤكد ان ما يشكل خصوصية الثقافة الغربية الحديثة هي انها في اعتمادها الكلي على العقل و المنطق لا تترك مجالا للسحر، و هو ما يفسر المفارقة التي يعيشها العالم العربي بحيث ان الأولى هو التساؤل حول ما اذا تطابق الربيع العربي مع ما سطرته له الفلسفة السياسية و ليس العكس، و هو ما يطرح مسالة علاقة النظرية بالتطبيق و ايهما يسبق الأخر. ان الهوة القائمة بين النظرية و التطبيق لتطرح على مستوى التفكير العربي الكثير من الأسئلة، و مثل هذه الهوة تجعل كل ممارساتنا خاضعة لمنطق دعوها فانها مامورة.
في الأخير ما هي مشاريعكم المستقبلية؟
انا الآن بصدد التحضير لرسالة الدكتوراه حول الديمقراطية الليبرالية و التداولية كما أنني بصدد الإعداد لترجمة كتاب جماعي بعنوان : " هابرماس. الاستعمال العمومي للعقل " Habermas. L’usage public de la raison الذي اشرف على إصداره المترجم المتميز الراحل راينر روكليتز Rainer Rochlitz .و كذا ترجمة مجموعة من كتب المفكر الكندي بيارن مالكفيك Bjarne Melkevikو الذي تعتبر أعماله من أحسن القراءات الانجلوسكسونية للفلسفة التواصلية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن