ادب الاطفال من الخارج

احمد هيبي

2005 / 3 / 14

أدب الاطفال من الخارج
3 مميزات لأدب الأطفال
د. أحمد هيبي - حيفا

مقدمة
في السنوات الأخيرة, خضنا نحن الكُتّاب, تجربة الكتابة للأطفال. وقد جرّب معظم الكُتاب المعروفين عندنا حظهم في الكتابة للاطفال. ولا أظن أننا بقينا مُقصّرين في هذه الناحية, من ناحية الكم على الأقل. فرفوف مكتبات رياض الأطفال والمدارس الابتدائية, تحوي كمّا لا بأس به من مؤلفات خيرة الكتاب عندنا في هذا المضمار.
وكنت أنا من أوائل الذين أدلو دلوهم في الكتابة للصغار. اذ كنت محظوظا حينها, فقد أشرفت على تحرير مجلة للصغار هي "المنبر الصغير". وقبلها ألزمني القراْء بزاوية للصغار في مجلة المنبر (للكبار). ثم خضت هذه التجربة مع غيري, من خلال مركز أدب الاطفال في حيفا, الذي شجع هذا النوع من الكتابة, وأذكى روح المنافسة بين الكُتاب, حين أشرف على طباعة وتوزيع عدد لا بأس به من كتب الصغار.
ولم تتأخر الكتابة النقدية عن أدب الأطفال في المجيء. وقد أدلوت بدلوي في هذه الناحية ايضا, ونشرت بعض المقالات في جريدة "الاتحاد", عرضت من خلالها تصوري لمثل هذا الأدب, أو عارضت تصور الآخرين له.
في هذا المقال القصير, سأدوّن بعض الملاحظات حول أدب الأطفال, كما تبدو لمراقب من الخارج, وهي ملاحظات أو خواطر تخطر لأي مهتم بأدب الأطفال, سواء كان كاتبا أو مُربيا والدا, او حتى بائعا لكتب الاطفال.

1- قاريء غير متحيز!
وأول هذه الملاحظات تختص بالمُتلقّي الصغير. فمثل هذا القاريء لا يبحث عن اسم الكاتب, عندما يختار كتابا لنفسه, كما يفعل الكبار. بل ان اسم الكتاب, شكله, وطريقة عرضه, هي الأمور التي تشدّ الولد الى كتابه. وهذه حقيقة مشجعة, تعني أن الطفل هو قاريء غير متحيز, في المقام الاول – كل هذا بشرط أن يعطى الطفل حرية, ولو جزئية في اختيار كتابه.
ويلزم عن ذلك أن أسماء لامعة في عالم الكتابة, قد لا تكون ذات قيمة عظيمة في عالم الأطفال, بينما قد ينجح كتاب مغمورون نجاحا عظيما في حيث يفشل المشاهير.
واذا كان اسم المؤلف هو أوّل ما يهتم به القُراء الكبار, والذين يعتمدون في اختيارهم لكتابهم على تجربة سابقة, أو على الشهرة الواسعة لكاتبهم المفضل – في كثير من الاحيان, فان القراء الصغار لا يملكون هذه التجربة. وهم أقل تأثرا بالدعاية التي تثار حول الكتاب أو الكاتب.
وبالتالي فان أمورا أخرى تلعب دورها في اختيار القاريء الصغير لمادة قراءته. ومن هذه الأمور المظهر الخارجي للكتاب, حجمه وألوانه وصورة الغلاف, ونوع الورق الذي صنع منه, وملمس هذا الورق, وربما رائحة الكتاب. وكل هذه أمور تتفوّق على اسم الكاتب أو شهرته.
ولا بد من اشارة خاصة الى عنوان الكتاب. فقد درج المؤلفون الناجحون على اختيار على اختيار عنوان جذاب لكتبهم, وهو أمر يلعب دورا رئيسيا في كتب الكبار. فكم بالحري في كتب الصغار, حين تكون الغلبة لعنوان الكتاب على اسم المؤلف وشهرته.
طبعا لا ننسى أن الذين يقومون بعملية اختيار الكتب للصغار هم الكبار غالبا. وهؤلاء قد يروّجون لكاتب بعينه, ويصبحون جزءا من مادة الدعاية لكتاب أو مؤلف. ولكننا لا ننسى أن هؤلاء الكبار ينظرون الى كتب الصغار بأعين الصغار أنفسهم, ويأخذون بالاعتبار الشكل الخارجي للكتاب, كعنصر مهم في عملية اختيار الكتاب. وهناك أمور أخرى تقلل من تحيز الكبار, اذ غالبا ما يرافقهم الصغار ويشاركونهم عملية اختيار الكتب.
2 - بين الكتاب والتلفزيون
الملاحظة الثانية تخص المنافس الأول للكناب في عالم الصغار , وهو التلفزيون أو الكمبيوتر. وكما في عالم الكبار, فان اعدادا متزايدة من الناس تنأى عن عالم الكتاب الى عالم الشاشةالالكترونية, لأنها تجد في الأخيرة عالما أشد اثارة وأكثر تنويعا واعتمادا على المؤثرات الحسية, من الكتاب.
ولكن على الرغم من الغني الحسي في التلفزيون, فينبغي أن نعلم الكتاب هو أكثر واقعية, وبالتالي أكثر قربا الى الناس. فالصور في التلفزيون زائلة, ولا يمكن الاحتفاظ بها, أو اعادة استعمالها, وبالتالي امتلاكها, بهذا المعنى الذي يجيز للمالك اعادة استعمال ما يملك.
وما عدا جملة المؤثرات الصوتية والمرئية التي يتفوق بها التلفزيون, فهناك أيضا الجاهزية الكبيرة لهذه الآلة في البيت. والولد ينشأ على مشاهدة التلفزيون والادمان على هذه المشاهدة, حتى قبل أن يضطلر الى الاختيار بينه وبين الكتاب. وسهولة الوصول الى هذا الجهاز وفتحه وتقليب محطاته, كلها أمور تلعب في صالحه. ولكن ليس أكثر من ذلك. فمشاهدة التلفزيون هي عملية سلبية, مقارنة بقراءة كتاب. فالشخص ينبغي أن يكون مشدودا الى التلفزيون فترة أطول, ولا يستطيع أن يتركه ويعود اليه متى أراد, كما يفعل مع الكتاب. فالقاريء يستطيع أن يفتح الكتاب متى يريد على الصفحة التي يريد.
وعلى هذا الاساس, كانت مشاهدة التلفزيون أكثر ارهاقا للعينين, وادعى الى استرخاء عضلات الجسم, وأكثر مجلبة للنعاس, ومن ثم الكسل والنوم, بالاضافة الى عادات الاكل البطيء التي يتبناها مدمنو التلفزيون أثناء مشاهدتهم.
والجلوس الى الطاولة للقراءة وتسجيل الملاحظات هي أجلب لحالة التيقّظ والتركيز الذهني من المشاهدة. ولهذا السبب يستطيع معظم الناس مداومة القراءة فترة أطول من مشاهدة التلفزيون, خصوصا وانهم يستطيعون الخروج الىاستراحات اختيارية اثناء القراءة, دون أن يؤثر ذلك على ما يقرأون.
وعلى الرغم من غنى التلفزيون في المؤثرات الحسية كما أشرنا, فان هذا لا يستجلب فائدة اكبر من الكتاب كما يظن الناس. فقراءة الكتاب تترك مساحة أكبر من الحرية الشخصية والخيال. فالتلفزيون يقدم هذه الأشياء جاهزة, وهذا هو سر امتعاض القراء الذين يرون روايتهم المفضلة وقد اصبحت فيلما من الافلام. فهم يرون على الشاشة عكس ما تخيلوا, وأضيق. والمخيلة الانسانية هي أكثر اتساعا بكثير من أية عملية اخراج محدودة الامكانيات.
ولا أظن في النهاية, ان جميع ما سقنا هنا من حجج تجعل الناس يرتدون من عالم الشاشة الذهبية الى الكتاب. فقد فازت الشاشة على الكتاب, ولم يعد ثمة رجوع الى الوراء. وعليه, فان على الكتاب أن يلائم نفسه للوضع الجديد, وأن يجد لنفسه مكانا في العالم الاكتروني الجديد. وعلى المربين والاهل أن يدركوا هذه الحقيقة, والا يدركوها متأخرين. فليحاولوا اذن أن يقرنوا أفضلية القراءة في كتاب مع الميل الطبيعي للتلفزيون. واحدى الامكانيات هي ظهور الكتاب كاملا في برامج التلفزيون. أو طرح الكتاب في الكمبيوتر, بحيث يستطيع الوصول اليه الكترونيا ملايين الاطفال.

3 - مواضيع الكنابة للأطفال
يعتقد معظم الذين كتبوا للأطفال أن الكتابة للأطفال أكثر صعوبة من الكتابة للكبار. وقد سبق أن عارضت هذا الرأي (في مقال بعنوان"حول صعوبة الكتابة للأطفال" نشر في جريدة الاتحاد). وكثيرا ما يلجأ كتاب الأطفال الى الاستعانة بقصص التراث والحكايات الشعبية أو النقل عن آداب عالمية – وهي كلها ظواهر مباركة - من أجل مداراة هذه "الصعوبة" ولتعويض "الفقر" الذي يعانيه كُتاب أدب الاطفال. وهي ظاهرة قائمة أيضا في الآداب العالمية, فأنت تستطيع أن تجد روايات شكسبير مثلا في الانجليزية, وقد تحّولت الى أدب أطفال.
وثمة سوء فهم آخر: اذ يظن معظم كتاب الصغار, أن أفضل ما نقدمه للصغار هو قصة, بالمعنى الضيق للكلمة. والمقصود حكاية فيها شخوص وحبكة في الحوادث وبداية ونهاية. والصحيح أنه يمكن تنويع الكتابة للأطفال, بحيث تشمل الشعر والخاطرة أو حتى المقالة المبسطة, أو غير ذلك من أنواع الكتابة للكبار.
ويطرح البعض فكرة أن كاتب الصغار ينبغي أن يكون طفلا بمعنى من المعاني. وهذا غير ضروري قطعا. كاتب الأطفال ليس طفلا كبيرا ولا طفلا توقف نموه, بل هو بالغ يهتم بما يهتم به الصغار ويبحث عما يثيرهم.
واذا جربت الكتابة للأطفال مرة, فسوف تفاجئك اهتمامات الصغار. تماما كما قد تفاجئك اهتمامات الناس الآخرين الذين تختلف عنهم. وحين كنت محررا لمجلة المنبر مرة, فوجئت باهتمام القراء المتعاظم بالكتابة عن الأبراج. وكانت هذه بالنسبة الي أعظم السخافات.
وهذا بالضبط ما ينبغي لكاتب الصغار أن يأخذه بعين الاعتبار: اهتماماتهم البعيدة عن اهتماماته. وقد كنت أحكي لطفلي مرة نكتة عن الاشخاص الثلاثةالذين تعلقوا بجناح طائرة مقلعة, بعد أن رفض الطيار أن يأخذهم على متنها. وفي الطريق أخذهم الطرب, فرفعوا عقيرتهم بالغناء. فبدأوا يغنون ويصفّقون, ناسين أن تصفيقهم سيؤدي الى سقوطهم وحتفهم. وكان طفلي يثيره رغبة هؤلاء المجانين بالتصفيق ويضحك ملء فمه, فيطلب مني أن أعيد هذه الحكاية – النكتة مرة بعد مرة.
ان عالم الاطفال هو اكثر تنويعا من عالم الكبار. والقصص والنكات التي لم تعد تستطيع أن تغير مزاجنا المكفهر, تثير الاولاد وتضحكهم. والمؤثرات التي تثير الاطفال حتى في الموسيقى, هي أكثر من المؤثرات التي تثير الكبار. ولذلك فان كُتّاب الصغار هم أوفر حظا من كتاب الكبار, بسبب هذه الحقيقة بالذات.
وكنت ارافق أطفالي مرارا في رحلات مشي صغيرة حول القرية, واستمع الى أحاديثهم فيما بينهم بنوع من الاهتمام, لاكتشف كم هي المواضيع المثيرة (بالنسبة لهم), وكم هي متنوعة, وكم هي سخيفة (بالنسبة لي). وكثير من المواقف التي لا ننتبه لها عادة نحن الكبار, تصلح بالفعل أن تكون مادة جيّدة – بعد اضافة أنواع البهار – في الكتابة للصغار.
هذا ما وددت أن أذكركم به.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن