الحرب على عزة حرب للإجهاز على كل مقاومة في فلسطين وفي كامل المنطقة العربية

بشير الحامدي
bechir44n@gmail.com

2012 / 11 / 19

الحرب على عزة حرب للإجهاز على كل مقاومة في فلسطين وفي كامل المنطقة العربية

ليس هناك ربما من مقولة أكثر دقة لتوصيف طبيعة سياسات الدولة الصهيونية العنصرية من مقولة " الحرب مواصلة للسياسة ولكن بطرق أخرى ". إن هذا التوصيف الذي ينزل بالسياسة إلى مصاف الممارسة الإجرامية والجريمة الكاملة ينطبق كل الانطباق على سياسة هذا الكيان العنصري السرطاني المزروع في أرض فلسطين وعلى طبيعته. كيف لا وهي تكاد تكون الدولة الأولى في العالم التي في سجلها التاريخي أكبر عدد من الحروب القذرة الاجرامية ضد الشعب الفلسطيني وضد شعوب المنطقة ككل.
من هذا المنطق يجب أن نفهم أسباب وأهداف الجريمة الجديدة ـ الحرب الجديدة على الشعب الفلسطيني في تلك الرقعة الصغيرة من الأرض حيث مليون ونصف من السكان معرضون للإبادة الجماعية بأعتى أسلحة الدمار أرضا وجوا وبحرا.
عندما تصبح الجريمة مشرّعة ما عاد يجب أن نبحث عن شرعية الذرائع.
في كل الحروب القذرة ولتحقيق الهدف تصبح كل الأكاذيب والجرائم جائزة.
سياسة الحرب سياسة نتائج وسياسة فرض الأمر الواقع بالقوة وفرضه كحقيقة لا يمكن تبديلها أو النزول عنها وتحديدا في الحروب القذرة غير المتكافئة.
ما تمارسه الدولة الصهيونية في فلسطين منذ 48 وكل الحروب التي تلت حرب 48 داخل حدود فلسطين التاريخية أو مع بلدان الجوارـ سوريا مصر لبنان ـ لم تكن إلا لفرض واقع جديد جزئيا أو كليا حسب الظروف وموازين القوى في علاقة مع الإستراتيجية الصهيونية وراعييها من البلدان الاستعمارية أمريكا بريطانيا والحلف الاستعماري الغربي بمجمله.
الحرب الدائرة الآن في عزة ضد الشعب الفلسطيني لا تخرج عن هذا السياق وهي الشكل الأكثر فجاجة وسفورا في سياسة تركيع شعوب المنطقة أكثر فأكثر.
لم يكن مطلوبا من القوى الإستعمارية التدخل العسكري بشكل مباشر في تونس أو في مصر إبان إنطلاق الصيرورة الثورية في البلدين. لقد كان التدخل للإنقلاب على الحركة الثورية لا يتطلب ذلك الأسلوب . لا يتطلب حضورا مباشرا بقدر ما كان يتطلب تدخلا ناعما وترتيبات إستخباراتية مع القوى العميلة الداخلية لبلوغ الهدف خصوصا والحركة الثورية لم تكن بالدرجة الكافية من القوة والتنظّم لتقطع هذا الطريق على تلك القوى.
الأمر مختلف في عزة .
الأمر مختلف في فلسطين كلها.
السياسة هناك أولا وأخيرا سياسة حرب وتدمير سياسة إستعمار مباشر. سياسة حرب.
الهدف السياسي هناك لا يمكن بلوغه بغير الحرب .
وقد تكون الحرب فقط لوضع هذا الهدف موضع التنفيذ بعد أن يكون قد اتفق حوله كل الشركاء وهذا ما يقع بالتدقيق.
الحرب الدائرة الآن في غزة والتي يدفع الشعب الفلسطيني والذي لا يمكن أن يكون إلا شعبا أعزل مقارنة بما للدولة الصهيونية من آلة عسكرية وما تحوزه من وسائل تدمير ليست إلا لإخراج هذه المسرحية المعدة سلفا فصلا فصلا.
رؤية العدو الصهيوني واستراتيجيا القوى الاستعمارية رؤية شاملة للمنطقة وهذا ليس بجديد فما كانت يوما فلسطين والسياسة الإستعمارية الصهيونية ـ ساسة الحرب وسياسة السلام ـ المفروضة في فلسطين المحتلة بمعزل عما يخطط للمنطقة ككل وللشرق الأوسط ككل.
الحرب على غزة الآن جزء من مخطط لم تعد تكفي لتمريره جولات التفاوض ولم يعد يكفي لفرضه مخطط أوسلو وحده .
ما حدث في المنطقة في 17 ديسمبر في تونس وفي 25 جانفي في مصر فرض على القوى الإستعمارية و الصهيونية رؤية أخرى و معالجات أخرى في نطاق نفس الإستراتيجية الإستعمارية.
الهدف السياسي المباشر من حرب نوفمبر 2012 على غزة والذي يتجلى كجزء من الهدف الإستراتيجي الأشمل ليس إلا نفس الهدف الذي تسعى القوى الإستعمارية لفرضه في كامل المنطقة ألا وهو توطيد الوضع أكثر فأكثر لفرض الحليف الجديد للصهيونية و القوى الإستعمارية: حركات الإسلام السياسي.
الحرب على غزة من هذا المنظور حرب أهدافها ستتحقق ربما أولا في تونس وفي مصر وسوريا لاحقا. الحرب على غزة أحد أهدافها فرض حركات الإسلام السياسي المتأمركة المتصهينة على شعوب المنطقة.
الحرب على غزة تهدف إلى نزع آخر أوراق التوت على هذه الحركات التي أوصلتها السياسات الانقلابية إلى الحكم ووضعها على محك التسليم بالأمر الواقع وما الأمر الواقع إلا مزيد التبعية والرضوخ لشروط الحليف الراعي وتنفيذها بأقل التكاليف.
الحرب على غزة هدفها المباشر و الإستراتيجي بغض النظر عن بعض التفصيلات ليس إلا القضاء على كل مشروع مقاومة قائم الآن أو يمكن أن يقوم.
هذا هو المعنى الدقيق لما يسرب الآن من كلام عن هدنة طويلة الأمد في غزة.
وهذا هو المعنى الدقيق لما يسرب الآن من شروط لوقف القصف على غزة .
ـ هدنة طويلة الامد اكثر من 15 سنة .
ـ وقف دخول الاسلحة الى غزة فورا واي اسلحة جديدة تعتبر خرقا للهدنة .
ـ وقف اطلاق الصواريخ من حماس والفصائل وكذلك استهداف الجنود الاسرائيلين على الشريط الحدودي .
ـ من حق اسرائيل المطاردة الساخنة حال تعرضت للهجوم او لديها معلومات عن هجوم .
ـ رفع الحصار عن القطاع يتم من خلال رفح وبتنسيق بين مصر وحماس وليس من خلال معابر اسرائيل.
هكذا إذن وككل مرة المطلوب هو المقاومة.
ليس هناك من شك في أن السلطة الفلسطينية في غزة ستقبل أخيرا بهذه الشروط وستجد ألف طريقة وطريقة لتسويق هذا القبول.
قد يكون تسويق القبول بالهدنة تحت إملاءات الواقع واقع الحرب غير المتكافئة أمرا سهلا لكن الأعسر هو تنفيذ هذه الشروط.
إن قبول الهدنة وما يتبعها سيجر بالتأكيد إلى مزيد من القتل والتقتيل . لا أعتقد أن القبول بالوضع الذي ستفرضه الحرب سيؤدي إلى وضع داخلي مستقر فكثير من الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة ستجد نفسها مجبرة بموجب هذا الإتفاق على وقف كل نشاط عسكري خاص بها وهو ما سيجر في حالة رفضها لذلك إلى حرب أهلية ستكون آخر أدواة تدمير المقاومة .
إن ذلك لهو هدف ثان من أهداف الحرب على غزة . إغراق هذا الجزء المأهول جدا بالسكان في دائرة حرب أهلية قد تقضي على كل إمكانية لتصلب عود المقاومة الفلسطينية في المستقبل.
ويبقى السؤال الأهم دائما هو كيف يمكن إفشال مثل هذا المخطط.
لئن كان ذلك يبدو اليوم صعب المنال نظرا لعدة إعتبارات متعلقة بالقوى الذاتية للمقاومة وبدرجة تسلحها وبتوحدها ليس في فلسطين فقط بل في كامل المنطقة إلا أن الأوضاع ليست محكومة فقط بعامل التفوق العسكري فلاشك أن الواقع واقع الأزمة وواقع الإذلال الطبقي والقومي وعوامل أخرى كثيرة ستفعل فعلها لتغيير ميزان القوى لصالح شعوب المنطقة ولصالح إتجاه المقاومة الثورية.
إنه مطروح على قوى المقاومة وكل القوى المعادية للصهيونية أن تسعى إلى تغيير ميزان القوى لصالحها وفي كل قطر عربي إنه من مهامها المباشرة ربط نضالها ضد الصهيونية بالنضال ضد الديكتاتوريات المحلية وكيلة راس المال والصهيونية في كل بلد.
إنه من مهامها أن يكون لنضالها هدف مباشر لا يقل عن إسقاط هذه الأنظمة الوكيلة لرأس المال والصهيونية.
إن قوى المقاومة الثورية وفي كل قطر مطالبة وبشكل مباشر
بفرض إسقاط كل الأحلاف والاتفاقيات العسكرية مع الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الأوروبية و العمل على تنظيم حركة تضامن شعبية مقاومة وجماهيرية فهي وحدها القادرة على تغير موازين القوى بين الشعوب العربية من جهة وأنظمتها وبين الإمبريالية والشعوب العربية من جهة أخرى.
إن المطلوب الآن هو:
ـ النضال لإسقاط كل الاتفاقيات والشراكات الاقتصادية والعسكرية التي فرضتها الأنظمة العربية الدكتاتورية على شعوب المنطقة لصالح الإمبريالية الأمريكية وحليفتها الأوروبية.
ـ النضال ضدّ سياسات التسوية وضدّ كل المشاريع الاستسلامية والتمسك بنهج المقاومة وإسقاط كل السلطات الديكتاتورية العميلة للصهيونية والوكيلة لرأ س المال.
هذا هو المطلوب اليوم من كل القوى المعادية للصهيونية في كل قطر وعلى امتداد المنطقة العربية.
فهل تقدر هذه القوى على التحرك في هذا الاتجاه و التقدم بالمشروع الثوري لفرض ميزان قوى جديد ؟
هذا هو السؤال الذي يبقى مطروحا في انتظار إجابة عملية ملموسة من هذه القوى.
ـــــــــــــــــــــ



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن