الظروف الاجتماعية للجالية العربية في السويد- ق2- ف1-ف2

عبدالوهاب حميد رشيد
wahabrashid@gmail.com

2012 / 10 / 30

القسم الثاني
ترجمة:عبدالوهاب حميد رشيد
الفصل الأول- واقع وتطور الجالية العربية
تشكل الهجرة الخارجية ظاهرة عالمية واسعة، ويصل عدد المهاجرين سنوياً إلى أكثر من خمسين مليون إنسان. ومن الطبيعي أن تكون الهجرة من البلاد الطاردة- الفقيرة- المبتلية بالحروب وعدم الاستقرار والبطالة، إلى بلاد مزدهرة، بحاجة إلى أيدٍ عاملة وتجديد هيكلها السكاني. من هنا، فالأكثرية الساحقة من الهجرة السنوية هي من آسيا وأفريقيا إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
وقد نقلت شاشات التلفزيون، مرات عديدة، قوافل الشباب الأفارقة وهم يخاطرون بحياتهم، في طريق التسلل، عِبر المغرب، إلى إسبانيا وفيما بعد إلى أوروبا. وهناك حالات إنسانية موجعة حيث تقوم الدول الأوروبية بطرد مهاجرين "غير قانونيين" بالقوة إلى أوطانهم الأصلية. كما هاجر أكثر من مليون عراقي في عهد النظام العراقي السابق، وتصاعدت هجرة العراقيين إلى موجات بشرية ملايينية بعد الغزو/ الاحتلال، ولا زالت مستمرة في غياب الأمن والاستقرار. وما دامت مناطق واسعة من العالم تعاني من الحروب الأهلية والعرقية في سياق أنظمة حكم دكتاتورية دموية، والبطالة، فسوف تستمر الهجرة القانونية وإلى جانبها تستمر كذلك الهجرة "غير القانونية"(1).
بدأت الهجرة من البلدان العربية إلى الأمريكيتين في القرن الثامن عشر واتسعت أكثر في القرن التاسع عشر، هرباً من الفقر والجوع، وأيضاً هرباً من البطش العثماني وأخْذ الشباب بالقوة إلى الخدمة في الجيش العثماني.
وتشير الإحصاءات إلى وجود أكثر من خمسة ملايين من أصل عربي في الولايات المتحدة، والهجرة العربية مستمرة إلى الولايات المتحدة. كذلك يزداد باستمرار العرب في كندا، أستراليا، وأوربا، علاوة على كل دول أمريكا الجنوبية، إذ أن بعضها كبير ومؤثر في الحياة العامة، كما في تشيلي والبرازيل(2).
شهد القرن العشرين موجات متتابعة من المهاجرين العرب إلى أوروبا والأميركتين، حيث أدت الحرب الأهلية اللبنانية إلى هجرة مئات الآلاف من اللبنانيين والعيش في فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية. كما أدت ظروف المعيشة الصعبة في أقطار المغرب العربي إلى اندفاع مئات الآلاف من الشباب المغاربة إلى العمل والعيش في فرنسا وبلجيكا وهولندا. أما الحرب على العراق فقد أدت خلال عقدين من الزمن إلى تفريغ العراق من معظم كفاءاته العلمية والثقافية، علما بأن عدد العراقيين المقيمين خارج العراق يعدّ بالملايين، كما هي موضحة في الجدول نهاية هذا الفصل.

الهجرة إلى الغرب شهدت تراجعاً ملحوظاً في العقد الأخير من القرن العشرين جرّاء عودة مئات الآلاف من اللبنانيين إلى لبنان، وبروز مواقف يمينية متطرفة تجاه العرب في عدد من الدول المضيفة مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا.
وفي حين تصاعدت الهجرة العربية لأسباب معيشية وسياسية، ظهرت موجة جديدة من الهجرة المترفة المسوقة بأسباب غريبة عجيبة، إذ أن عشرات الآلاف من رجال الأعمال وأساتذة الجامعات والأطباء والمهندسين يتهافتون للحصول على الجنسيات الكندية والأميركية والأسترالية والبريطانية والفرنسية والألمانية، وغيرها من الدول الغربية المماثلة، بدعوى أن تأمين واحدة من هذه الجنسيات هو ضمان كبير للشخص نفسه ولأولاده تجاه غوائل الزمن، والرغبة في التمتع بامتيازات التأمين الصحي والراتب التقاعدي، علماً بأن معظم المتجنسين العرب بالجنسيات الكندية والأسترالية والأميركية مقيمون بصورة شبه دائمة في أقطارهم العربية، ولا يقطعون هذه الإقامة إلا لأغراض ملحّة جداً(3).
ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج، خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية، تُشكل خطراً كبيراً على النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، وقَدّرت التقارير أن الهجرة التي تأخذ منحاً تصاعدياً وتتسبب في خسائر مالية تتجاوز 200 مليار دولار.
ووفقاً لمؤتمر القاهرة الذي انعقد مؤخرا برعاية مركز بحوث الدول النامية بجامعة القاهرة، وبمشاركة العديد من الباحثين وأساتذة الاقتصاد والاجتماع لمناقشة هذه الظاهرة، فقد توصل المؤتمرون إلى أن هذه الهجرة شملت كوادر متخصصة في مجالات حرجة ودقيقة، وأن استفادة الدول العربية من هذه الهجرة ضعيفة للغاية مقارنة باستفادة إسرائيل من مثل هذه الهجرات، مؤكدين على ضرورة التصدي بكل الوسائل لوقف هذا النزيف الذي يلحق الضرر بالتطور الاقتصادي الوطني والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية. ويلاحظ أن لمصر، على سبيل المثال، 824 ألف مهاجر من الكفاءات وفقا لآخر الإحصاءات المتاحة للعام 2003 من بينهم نحو 2500 عالم.
وتعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد الوطني وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية. وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين، خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة. وتتمثل أهم الآثار السلبية في حرمان هذه الدول الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتعاني الدول العربية من آثار هذه الظاهرة، وتشير الإحصاءات إلى أن مصر قدمت نحو 60% من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الاميركية، وأن مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 10%، بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5%.
كما وتشير إحصاءات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية وبعض المنظمات المهتمة بهذه الظاهرة إلى أن الوطن العربي يساهم بـ %31 من هجرة الكفاءات من الدول النامية، وأن 50% من الأطباء، 23% من المهندسين، 15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص، بينما 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون إلى بلدانهم، ويشكل الأطباء العرب في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها، وأن ثلاث دول غربية غنية هي أميركا وكندا وبريطانيا تتصيد نحو 75% من العقول المهاجرة العربية.
أكد الدكتور عبدالسلام نوير- مدرس العلوم السياسة بجامعة أسيوط- أن الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وأن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 450 ألفاً من العقول العربية المهاجرة، في حين بلغت الخسائر الاجتماعية نتيجة هذه الظاهرة بحدود 200 مليار دولار.
وأضاف الدكتور نوير أنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول، فإن اسرائيل تستفيد من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة إليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية. وقال أن مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق، ففي أمريكا حوالي 318 كفاءة مصرية في: كندا 110، استراليا 70، بريطانيا 35، فرنسا 36، ألمانيا 25، سويسرا 14، هولندا 40، النمسا 14، إيطاليا 90، اسبانيا 12، اليونان 60. وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءات والعقول العربية وبنسبة 39% مقابل: كندا %13.3، إسبانيا 1.5%. وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة. وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والستراتيجية: الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالإشعاع، الهندسة الألكترونية والميكرو إلكترونية، الهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة، الفيزياء النووية، علوم الفضاء، الميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية، مضيفاً أنه حتى في العلوم الإنسانية مثل، اقتصاد السوق والعلاقات الدولية، هناك علماء عرب متخصصون.
وأشار الدكتور نوير إلى القنوات الرئيسة لهجرة الكفاءات العربية إلى البلدان الغربية، تتقدمها الطلاب في الجامعات الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية، ويُقدرعدد من تخلف من مبعوثي مصر في العودة اليها منذ بداية الستينات وحتى مطلع العام 1975 بحوالي 940 مبعوثا وبنسبة 12% من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة، وتركز معظمهم في أمريكا، كندا، فرنسا، بريطانيا. وكانوا من المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية. وخلال الفترة 1970-1980 لم يعد إلى مصر 70% من مبعوثيها في الولايات المتحدة.
وعن أثر العوامل الاقتصادية لهجرة الكفاءات أكد الدكتور سعد حافظ- أستاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي- أن هناك أسبابا مشتركة وراء الهجرات السكانية سواء أكانت داخلية أم خارجية، أهمها الفقر، حيث لا يقتصر على مفهوم واحد، لكنه يمتد ليشمل فقر الإمكانات والقدرات، وليعكس نقص الخدمات الأساسية، وانخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة معا. ويرتبط الفقر بهذا المعنى بنقص التشغيل، البطالة، التهميش، وضعف أو انعدام فرص الحراك الاجتماعي، وهو المحرك الأساس لانتقال الناس مكانياً، إضافة للاضطهاد وعدم الاستقرار السياسي لأسباب إيديولوجية، عرقية، ثقافية، أو دينية، تلعب جميعها دوراً هاماً في الهجرات الجماعية، إلى جانب التعرض لأشكال القهر، بدءً بالحرمان من الحقوق السياسية، الاعتقال في غياب القانون، كبت الحريات، لغاية التعذيب والتصفيات الجسدية(ف8/ق1).
ويضيف الدكتور سعد أنه قد تكون الأسباب العامة دافعا للهجرة، ولكن هناك أسباب أخرى لهجرة العقول والكفاءات، وهي في الغالب خاصة، تتلخص في توفر إمكانات البحث العلمي في الدول التي تتم الهجرة إليها سواء مايتعلق بمناخ البحث العلمي السائد أو الإمكانات المادية من معامل ومختبرات وتمويل وفرق متكاملة للعمل البحثي. ويركز الدكتور سعد على أثر انخفاض مستويات الدخل والمعيشة على هجرة الكفاءات من مصر، حيث تنشأ الكفاءات المصرية المهاجرة منها نتيجة الخلل في البيئة المعيشية، إذ تصنف حسب دليل الفقر البشري ضمن مجموعة الدول المتوسطة، ووفقاً لهذا الدليل فإن حوالي 3.10% من السكان لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الأربعين. ويرتفع معدل الأمية للقراءة والكتابة عن 50%، ويحرم 13% من السكان الحصول على المياه المأمونة، و1% على الخدمات الصحية و12% من الصرف الصحي، ويعيش تحت خط الفقر 23.3% من السكان. ووفق هذا التقرير يتراوح متوسط دخل الفرد في السنوات الخمس الأخيرة بين 1015 - 1400 دولار دونما اعتبار للفروقات الحادة في التوزيع.
وتندرج أغلب الكفاءات تحت ظل أصحاب الدخول الثابتة، ومع اضطراد معدلات البطالة السنوية ونمو الأسعار بمعدلات تضخمية، فقد تولدت عوامل طاردة لهجرة الكفاءات للخارج تعوزها الفرصة أو قبول دول المهجر. وحتى بالنسبة لمن أتيحت لهم فرص العمل من أصحاب الأجور، وعلى الرغم من تميز أجور قطاع الأعمال العام والخاص عن القطاع الحكومي، فإن معدلات الزيادة في الأجور تراوحت بحدود 1.1%-2.1% في حين زادت الأسعار بمعدلات تراوحت بحدود 2.8%-22.3%.
ويضرب الدكتور سعد مثلا بأجور الكادر الجامعي حيث تنضوي أجور العاملين بالجامعات والمعاهد العليا والمراكز البحثية في مصر تحت طائفة أصحاب الأجور الثابثة والمجمدة باللوائح الأجرية. وعلى الرغم من الارتفاع النسبي الظاهري للأجور النقدية لهذه الفئة فهي تقل عن نصف نظيرتها بالكادر القضائي وعن 15% من رواتب العاملين بالهيئات الدبلوماسية، ويضيف أنه بالرغم من زيادة معدلات الأجور الثابتة والمتغيرة خلال الفترة 1988 وحتى الآن بما يقارب 70% فإن معدلات ارتفاع المتوسط العام لأسعار المعيشة في الحضر قد سجلت بحدود 352%، بالإضافة إلى عدم حصول هذه الفئة على ما كانت تتمتع به من مزايا عينية، مثل الحصول على سكن ملائم وقريب من مكان العمل، بتكلفة إيجارية محدودة أو بقيمة مقبولة.
ومن شأن هذه العوامل أما استنزاف قدرات وطاقات الباحثين العلميين في تحسين مستوى المعيشة بكافة الأشكال، كالاشتغال بمهام وظيفية أخرى مدرة للدخل، وأما تفضيل الهجرة والتي تتوافق والعوامل الأخرى المشار إليها كالبيئة البحثية والإمكانات التمويلية والتقنية للعملية البحثية. وبذلك تشكل ظروف المعيشة أحد حوافز هجرة العقول. وفي حصره للخسائر الناجمة عن الهجرة أشار الدكتور سعد إلى أن هجرة الكفاءات سواء أكانت دائمة أو مؤقته والتي تقدر بنحو 50.4% من إجمالي العمالة المهاجرة والبالغة 276 675 3، قد كبدت الميزانية العامة للدولة خسارة في الاستثمارات المنفقة على التعليم الحكومي بما يتراوح ما بين 43.01 مليار و 62.349 مليار جنيه خلال الفترة من 1962- 2000، ولا تتضمن هذه التقديرات موارد إنفاق الأسرة على التعليم الخاص.
مع ملاحظة أن خطورة الأمر تكمن في أن الهجرة سوف يكون لها تأثير كبير على الأجيال الأصغر من كفاءات الدول النامية، خاصة من ينتمي منهم إلى الفئات الاجتماعية الأقدر، حيث يتيح لهم أن يكونوا أكثر استعدادا من خلال وسائل الاتصال والتعليم للهجرة إلى الخارج، الأمر الذي سيلحق مزيداً من الضرر بالدول المصدرة لهذه الكفاءات بدءً من الفاقد في الاستثمار بالتعليم وإنتهاء بإضعاف القدرة الذاتية للمجتمع على القيادة والإدارة ومروراً بإضعاف قوى التنمية في المجتمع.
وعن الجانب الاجتماعي لظاهرة الهجرة، أكد الدكتور محمود فهمي الكردي- أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة- أن المكاسب التي تجنيها الدول المتقدمة من جراء هجرة العقول إليها، هي نفسها وبصورة معكوسة تمثل الخسائر التي تمنى بها الدول الأقل تقدما نتيجة هجرة العقول منها. وتتكامل المشكلة حينما تسعى المجتمعات التي هجرها أبناؤها واتجهوا صوب المجتمعات الأكثر تقدما إلى الاستعانة بناتج عمل هؤلاء. وهم أبناؤهم، على سبيل المثال، في المبتكرات التكنولوجية التي أنتجوها أو السلع التي طوروها أو مجسداً فيهم شخصياً حين يعودون إلى بلادهم في زي الخبراء الدوليين.
ويضيف أن هجرة الكفاءات العلمية أصبحت ظاهرة لافتة للنظر ليس في مصر وحدها وإنما على مستوى بلدان العالم الثالث، وأن الخط النمطي المؤقت هو الشكل السائد لهجرة المصريين إلى الخارج رغم وجود نسبة من الهجرات الدائمة. ويرى أن كافة الشرائح والفئات المكونة للبيئة الطليعية معرّضة لعملية الهجرة بل ومُشارِكة فيها، أما الأسباب والدوافع فترتبط ببيئة المجتمع المادي وما يصاحبه من تدن في مستويات الحياة وبخاصة فيما يتعلق منها بكمية الغذاء ونوعيته وحالة السكن وأوضاع المرافق وأحوال البيئة. ويرى أن هذا النمط من الفقر لا يرتبط بالضرورة بانخفاض مستوى التعليم بل قد يكون العكس هو الصحيح، أحياناً، الأمر الذي يرفع من مستوى الطموح، فيدفع الفرد دفعاً إلى تغيير مكان الإقامة بالهجرة. ومن بين الأسباب الأخرى ضآلة فرص العمل، بل انعدامها، أحياناً، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أشكال متعددة للبطالة السافر منها والمقنع(4).
يتجاوز عدد المتجنسين العرب في السويد 300 ألف من بلدان عربية مختلفة ، يتقدمهم العراقيون، ويليهم: الصوماليون، الأرتيريون، الفلسطينيون، السوريون، اللبنانيون، المغربيون، التونسيون، والليبيون. وأقلهم عدداً الجزائريون، السودانيون، الأردنيون، المصريون، والموريتانيون(5).
تصاعدت في القرن العشرين موجات الهجرة الاختيارية إلى بلاد الغرب أفراداً وجماعات. ومع أن الهجرة والسفر كانت ومنذ قديم الزمن وستبقى من السمات الإنسانية منذ الأزل، لكنها في الزمن الحالي، صارت حالة إنسانية واجتماعية عامة بعد أن كانت حالة فردية. على سبيل المثال، لم يعرف العراقيون الهجرة الجماعية المتواصلة قبل ظهور النظام الجمهوري، لتزداد مع بروز الأنظمة الانقلابية لغاية النظام العراقي لما قبل الاحتلال، ولتتفجر على شكل موجات بشرية وبالملايين، بعد الاحتلال، بحيث أصبحت هجرة العراقيين تحتل المرتبة الثانية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ولقد هاجر عشرات الآلاف من العرب والمسلمين إلى دول الغرب طلبا للأمن السياسي أو الإقتصادي. حصل عدد كبير من هؤلاء المهاجرين على حقّ الإقامة فيها عن طريق: اللجوء السياسي، اللجوء الإنساني، الزواج من إمرأة غربية، أو بمساعدة أحد الأقرباء في سياق قانون جمع الشمل الأسري المعمول به في بعض الدول الغربية.
وصل الإسلام إلى السويد قبل نحو خمسين عاماً، كانت السويد مجتمعا أُحادي الثقافة والدين، ولم يكن يقطنها من أتباع الأديان الأخرى سوى عدد قليل من اليهود لا يزيد عددهم عن 10 آلاف شخص، غالبيتهم فروا من الإرهاب النازي، كما هاجر العديد من مسلمي تاتار القرم كتجار إلى السويد خلال الحرب العالمية الثانية، واستقروا بالعاصمة استوكهلم وأسسوا أول جمعية إثنية للمسلمين في السويد العام 1947، ومن هنا بدأ ينتشر الإسلام في هذه البلاد، ولا سيما في المدن الصناعية، بعد أن استقطبت السويد العمالة الإسلامية من تركيا، يوغسلافيا، وشمال افريقيا(6).
الاغتراب صعب على النفوس، بما في ذلك قطع آلاف الأميال من البراري والصحاري والبحار، سيما بعدما تبين لكافة المعنيين ما يحف بذلك من مخاطر، لكن ظروفاً اقتصادية، سياسية، أمنية، وتوترات- حروب أهلية وحروب خارجية، علاوة على العوامل الجاذبة بما في ذلك نوعية الحياة الأكثر تقدما ورخاءً في الغرب، تشكل بمجموعها عوامل دافعة وجاذبة لهجرة الناس من البلدان الأكثر فقراً والأقل استقراراً إلى تلك الأكثر غنى واستقراراً..
وتتنوع أشكال الهجرة الخارجية وفق فتراتها ودوافعها(7):
+ هجرة أبدية يستوطن فيها المهاجر بلاد الغرب في سياق إقامة دائمية، خاصة بعد أن يحصل على الجنسية الغربية في البلد الذي يقيم فيه، حينها لا يرجع هذا الإنسان للإقامة في الوطن الأصلي، وفي أحسن الأحوال يبقى مقتصراً على الزيارة الدورية إلى الوطن الأم، ووفق ظروفه المادية والوظيفية.
+ هجرة طويلة جداً تنتهي برجوع الأب أو الأم، ولكن بدون الأبناء. ماذا سيكون حال الأبناء حينها.. الأبناء الذين لا يعلمون إلا القليل عن وطن الآباء؟ عادة ما يستقر بهم المقام في بلاد الغرب، وإذا ما فكروا يوماً في الرجوع، عندئذ يصطدمون بواقع صعوبة التأقلم مع أجواء غريبة صعبة لم يعتادوا على العيش فيها، سيما بالنسبة للحريات الممنوحة في الغرب والخدمات والمعاملات القانونية المنتظمة والرفاهية، والمفقودة، إلى حد بعيد، في بلاد الآباء والأجداد.
+ الدراسة التي دفعت البعض من الشباب في الوطن العربي مغادرة مجتمعاتهم إلى المهجر، للإقامة المؤقتة في البلاد الأخرى- الغربية- لإشباع طموحهم من العلم وزيادة المعرفة والتحصيل العلمي. ويلاحظ أن أعداداً من هؤلاء استمروا في البقاء والعيش الدائم بعد إنهاء دراستهم.
+ هجرة متقطعة تقوم على تقسيم فترات إقامتهم في بلاد المهاجر الغربية وبين بلادهم الأم. وتحدث مثل هذه الهجرات لدى كبار السن والمتقاعدين ممن لديهم في بلادهم الأم الأصلية موارد جيدة للرزق وبيوتاً يملكونها أو اشتروها من أموالهم التي ادخروها في بلاد الغربة أو كانوا يملكونها سابقا.
+ هجرة محدودة الزمن تنتهي برجوع العائلة إلى الوطن بعد تحسن الظروف الأمنية والسياسية. وهذه الفئة هي الأقل بين بقية الفئات.. ويلاحظ أن الكثيرين ممن رجعوا إلى وطنهم، على أمل الاستقرار، عادوا مرة أخرى إلى بلاد الغرب.
تعتبر هجرة العرب والمسلمين إلى شمال أوروبا- الدول الاسكندنافية: السويد، النرويج، الدانمارك، فنلندا، وإيسلندا، حديثة العهد إذا ما قورنت بهجرة العرب والمسلمين إلى فرنسا أو القارة الأمريكية. تصاعدت موجات الهجرة الاختيارية إلى بلاد الغرب منذ القرن الماضي، حيث بدأت موجات الهجرة السياسية من العالم الثالث إلى العالم الغربي المتطور وإلى حد صار وجودهم يشغل حيزاً، ويترك آثاره الواضحة، سواء كانت سلبية أم إيجابية في المجتمعات التي يقيمون فيها.
في الثلاثين سنة الأخيرة إزدادت أعداد اللاجئين إلى السويد وباقي الدول الاسكندنافية والغربية، لتوفر الأمن والنظام، علاوة على مساحة كبيرة من الحرية السياسية والفكرية وحتى الدينية، وباقي مقومات الحياة الضرورية التي يفتقدها المهاجر في بلاده الأصلية.
بلغ عدد العرب والمسلمين في السويد، وفقاً لمصدر آخر، أكثر من نصف مليون نسمة، يملك معظمهم الجنسية السويدية ويتمتّعون بنفس الحقوق التي يتمتّع بها المواطنون الأصليون. ذكر الكاتب السويدي ساميلسون في كتابه: السويد والإسلام، بأنّ العرب والمسلمين سيشكلون رقماً صعباً في المعادلة السويدية سياسياً وسكانياً بحلول العام 2020 عندما يتقاعد 40% من السويديين.. هذا إذا ما تركوا البطالة والمخدرات(8).
الجالية العربية في السويد، كما هو حال معظم الجاليات المهاجرة التي تشكل صورة عن مجتمعاتها، قوامها نسبة ضئيلة من المثقفين وحملة الشهادات العليا ونسبة كبيرة من عامة الناس المهاجرين لضمان لقمة العيش بالإستفادة من قوانين الرفاهية الموجودة فيها من قبيل المساعدة الإجتماعية التي تُمنح للعاطل عن العمل أو صاحب العائلة.
تتسم ظاهرة الجالية العربية في السويد، كما في البلدان الغربية، بعامة، بجملة مفارقات أو تعارضات من حيث الأفكار والمناهج، العادات والقيم، الذهنيات العصبية: الطائفية، المذهبية، والقبلية، الطروحات الحزبية، وذلك مقارنة بالقيم البيئية الحضارية في السويد. ويمكن القول أن هذه التعارضات في مجملها تعود إلى اختلاف أو حتى تعارض البيئة الاجتماعية الحضارية بين بلدان اللاجئين العرب وبين الحضارة السويدية.
السويد دولة علمانية، أي أنها محايدة تجاه الأديان.. وتقوم العلاقة الاجتماعية فيها على ثقافة اجتماعية أساسها المصداقية، الصراحة، الأمانة، تقديس العمل، التعليم العلمي، وبما يقود إلى تحرير فكر الإنسان من الغيبيات والمحرمات، غياب أساليب النفاق والكذب والتحايل والعنف في سياق ثقافة حضارية تقوم على رفض العنف، المواطنة المتكافئة، واحترام القانون.. أمور ينشأ عليها الإنسان السويدي منذ طفولته باتجاه بناء الإنسان الواعي الملتزم والقادر على الاعتماد على نفسه منذ بلوغه سن الرشد. في حين أن البيئة الاجتماعية للجالية العربية، تقوم على الإسلام السطحي: بيئة عنيفة، ممارسة الغش والتحايل والكذب، التخلف العلمي والثقافي، مقابل الالتزام الشديد بالطقوس الإسلامية التي تبقى شكلية في ظروف الممارسة العملية البعيدة عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي تتلخص في "ثقافة التخلف".. ويرتبط بذلك إجمالاً عقول مصادرة للأغلبية الفقيرة معيشياً والفقيرة في مجال المستويات التعليمية، وفي ظل سيطرة الإقطاعيين-أصحاب العمائم- ممن صاروا مصدر التعليمات المعتقدية المتخلفة، ويشكلون فئة غنية طفيلية تقتات كالبعوض على دماء الفقراء..
وفي ظل هذه الفجوة وتمسك الجالية بنفس القيم والعادات والطقوس ودون تهذيبها باتجاه التكيف الاجتماعي مع الحضارة السويدية، عندئذ تنشأ المشكلات الحادة: عدم التوافق مع القوانين الجارية، الميل نحو تفضيل البطالة والمعونة الاجتماعية على الإندماج في سوق العمل، البطالة والجريمة، صعوبات إدارة الأسرة ومشاكل تتراوح من الطلاق لغاية حدوث جرائم عائلية بخاصة مع الإناث (جرائم الشرف)، معاناة وضياع الأطفال، وعدم اهتمام أغلبية الآباء تشجيع وحث أطفالهم على تكملة الدراسات الجامعية، رغم أهميتها العالية في بناء مستقبلهم، نتيجة غياب أو تدني المستوى التعليمي لأولياء الأمور أنفسهم، وعدم شعورهم بأهمية المستوى التعليمي في السويد لبناء المستقبل الطيب لأطفالهم. وعلى الرغم من المآسي الكثيرة في العالم، التي تدفع السكان في عدد كبير من البلدان إلى الهجرة، إلا أن العراق المحتل الذي شهد نزوح نحو 50 ألف عراقي في الداخل والخارج شهرياً خلال الفترة 2006-2007، لا يزال يعتبر أحد أكثر البلدان التي تصدر اللاجئين من مواطنيها إلى العالم(9).
ووفقاً لاحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة، فإن 41920 عراقياً تقدموا منذ العام 2006 بطلبات لجوء الى البلدان الاوروبية، نصفهم تقريباً في السويد. وفي العام 2006 وحده، سجلت دائرة الهجرة في السويد 36207 طلبات لجوء، 18559 منها مقدمة من لاجئين عراقيين. وبحسب وزير الهجرة توباس بلستروم، فإن بلادها تأوي بين 80 ألفا و120 ألف لاجئ عراقي، وتعتبر الجالية العراقية ثاني جالية أجنبية في السويد بعد الجالية الفنلندية. هذا مع ملاحظة أن عدد اللاجئين العراقيين في السويد بلغ 25124 خلال ثلاث عشرة سنة قبل الغزو/ الاحتلال، في حين أن عدد اللاجئيين العراقيين في السويد تجاوز الرقم المذكور ليصل إلى 27908 لأقل من ثلاث سنوات بعد الغزو/ الاحتلال. ووفق التقدير الحالي لبعض المصادر (الهامش 4)، فإن "مجمل العراقيين الموجودين في السويد يترواح بين 117 – 150 الف عراقي، وبحسابات تقنية نجد أن هناك ما يقارب 90 الف ناخب لهم حق التصويت في السويد، لكن هذا عدد تقريبي قابل للزيادة في عدد الناخبين من الدول القريبة من السويد كالنرويج وفنلندا الذين يصوتون عادة في السويد وقد يصل العدد إلى 100 الف ناخب".
والجدول التالي (رقم 15) يبين عدد العراقيين المهاجرين إلى خارج وطنهم.

جدول رقم (15)
أعداد المهاجرين من العراق إلى دول العالم
سكان العراق 26,783,383 العام 2006
الدولة المهاجرون العراقيون
سوريا 2,000,000
الأردن 1,000,000
المملكة المتحدة 450,000
البرازيل 70,000- 342,000
إسرائيل 250,000
إيران 203,000
مصر 150,000
ألمانيا 150,000
لبنان 100,000
الإمارات العربية المتحدة 100,000
اليمن 100,000
تركيا 60,000- 90,000
استراليا 80,000
السويد 70,000
شيلي 56,000
هولندا 43,000 (0.3%)
كوبا 40,000
اليونان 30000 (الأصل 5000!)- 40,000
الولايات المتحدة الأمريكية 37,714 (0.01%)
كندا 36,000
العربية السعودية 33,000
ليبيا 30,000
النرويج 26, 000 (2008)
برتوريكو 25,000
الجزائر 20,000
الكويت 13,000
الدنمارك 12,000- 15,000
المصدر: ورد هذا الجدول مُسرسل للباحث عن طريق الايميل من قبل dr.khalaf@al-tawil.com
حيث وصلته بدوره من hishmunir@yahoo.com.. تاريخ الإرسال 8 شباط/ فبراير 2010.

ومن الجدير بالملاحظة، غياب البيانات الإحصائية الدقيقة عن أعداد الجاليات، كل على حدة، وتوزيعاتهم في أهم المدن ومناطق البلاد، وهذا ما حرّم هذه الدراسة من استكمال تحليل واقع وجود وتركز الجالية العربية في مدن ومناطق السويد، رغم أن غالبيتهم، كما هو حال القاطنين عموماً، يعيشون في المدن الكبرى الرئيسة وسط وجنوب البلاد. وربما ترى السلطات


الرسمية السويدية في نشر مثل هذه الإحصاءآت إخلالاً لمبدأ المساواة- عدم التمييز وتحاشي التعصب- إلا أن توفر مثل هذه الإحصاءات تبقى ضرورة أساسية لدراسة مشاكل الجالية، عموماً، والتي سيتم التعرض لها مرة أخرى لاحقاً (ف3/ق2).

الفصل الثاني- حقوق وواجبات اللاجئين
من المفيد التذكير بأن الحاصلين على صفة المواطنة في السويد، علاوة على اللاجئين، ممن لديهم تصاريح الإقامة في البلاد، لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات.. أما الحديث هنا عن هذه الحقوق والواجبات، فهو من قبيل الامتيازات بأشكال مادية ومعنوية لفئة من القادمين الجدد ممن هم بحاجة إلى التعريف والتأهيل لممارسة حياتهم الاعتيادية، وبما يقود إلى بناء قدراتهم الفكرية والبدنية للمساهمة الإيجابية في حياتهم الجديدة بالعيش الكريم بعيداً عن كافة أشكال الخروقات المسيئة لحياتهم ولمجتمعهم الجديد الذي احتضنهم وأكرمهم وبما يُليق بهم من بشر متماثلين مع سواهم من المواطنين.
توضح إحصائية سويدية تابعة لإدارة الهجرة بأن مايزيد عن ثلثي أعداد الحاصلين على الإقامة في السويد تعود لطالبي الهجرة واللجوء وأقاربهم، وهو مايسمى بـ "لم الشمل"، ويصل إلى نصف عدد تصاريح الإقامة السنوية، أما باقي التصاريح فهي لـ: مواطني الدول الأوروبية 13%، الدراسة 6%، العمل 1%، وأسباب إدارية 1% وغيرها.. فالقوانين الإنسانية السويدية وسّعتْ من حلقات ودوائر الهجرة إلى السويد، وضمّت إلى قوانين اللجوء ما يسمى "لم الشمل"، ويتضمّن حق كل طالب لجوء الحصول على موافقة لم الشمل، فالأطفال اللاجئون من حقهم أن ينضم إليهم أحد الوالدين أو كلاهما ليلتئم شمل العائلة، كما وأن اللاجيء المتزوج من حقه أن يتقدم بطلبات لم الشمل مع باقي أفراد أسرته من زوجة وأولاد، ولم شمل والديه في حال ثبوت أنهما وحيدين عاجزين في الوطن الأم وليس لهما من معيل. من جهة أخرى، هناك حالات لاعلاقة لها باللجوء، تتعلق بمن تزوج بمواطنة سويدية في بلاده وتكون في الغالب عن طريق الاتصال السياحي أو عن طريق الأقارب، وهذا ينطبق تماماً على السويدي الذي يتزوج من مواطنة أجنبية. ومن أهم شروط هذا النوع من الزواج هو إثبات العزوبية لكلا الطرفين قبل زواجهما، بحضورهما إلى السفارة السويدية في البلد الذي تم فيها الزواج في حالة كونهما معاً، وتقديم دليل موثق على هذا الزواج بغية تسجيله لديها، وعند عودة الزوج أو الزوجة إلى السويد، تدرس إدارة الهجرة الطلب المقدم ثم ترسل الطلب ثانية إلى المواطن طالب الزواج/ الزوجة المقيم/ المقيمة في السويد لتأكيد استمرارية هذه العلاقة، ومن ثم يتقدم الزوج/ الزوجة بإثبات وجود سكن لهم. أما إذا كان المعني بالزواج في السويد وتم الإتفاق مع الطرف الآخر، فيمكن للطرف السويدي تقديم طلب إلى دائرة الهجرة لسحب الطرف الآخر إلى السويد بغية الزواج، وتتخذ الدائرة المعنية الإجراءات الأصولية، وعند التأكد من الحالة، تمنح الدائرة موافقتها لحضور الطرف الآخر، وتبعثها إلى كل من الطرف السويدي وسفارة السويد في بلد الطرف الآخر لتمكينه من الحضور وإتمام الزواج. وفي العادة تتأرجح مدد قبول الطلبات بين الأربعة أشهر والعام الكامل(11).
يتمتع كل اللاجئين ممن حصلوا على الإقامة الدائمة أو المؤقتة بكل الحقوق التي يتمتع بها المواطن العادي في السويد والذي يحمل الجنسية السويدية، عدا حالات محدودة جداً، كما في حصول المشارك بالانتخابات على الجنسية السويدية، علاوة على الإعانة المادية الخاصة فقط بالقادمين الجدد (جدول رقم 16)، مع ملاحظة وجود أشكال أخرى مماثلة من الإعانات التي تشمل كل مواطن في السويد فقد عمله أو لم يستطع الحصول على عمل ولاينتسب للنقابة، وكلها تدخل ضمن نظام الرفاه الاجتماعي، كما سبق الذكر، كي لا ينحدر المواطن السويدي أو المقيم إلى مستوى حدود الفقر. ومع تفاوت معدلات المساعدة المالية للاجئين الجدد، حسب نظام الكومونات، إلا أن هذا التفاوت يبقى في حدود نسب ضئيلة(12).
تُشكل المعونة المالية الشهرية للاجئ الحاصل على تصريح الإقامة المسألة الأولى الجوهرية التي تخص حقوق المهاجرين المقيمين(13)، وتشمل الفرد وعائلته فرداً فرداً إذا كان متزوجاً، إذ يحق لكل من حصل على تصريح اللجوء/ الإقامة الحصول على هذه المعونة شهرياً. والتالي بيانات (جدول رقم 16) توضح المعدل المتوسط لمبالغ وأصناف هذه المعونات، حيث تشكل كوميونة (بلدية) استوكهلم نموذجاً لها.
جدول رقم (16)
المساعدات الاجتماعية لمدينة استوكهلم للعام 2010- المبالغ.. كرون سويدي شهرياً
1- البالغون
البيان للزوجين (عائلة) للفرد بذاته
طعام 2640 1620
ملابس وأخذية 1050 520
ألعاب وتسلية 800 400
حاجات للاستعمال 130 110
الشئون الصحية 570 260
صحف، تلفون، تلفزيون 860 770
المجموع 6050 3680


المصدر: http://www.socialstyrelsen.se/ekonomisktbistand/forsorjningsstod
stod-och-radgivning/Forsorjningsstod/Fragor--svar-om-forsorjningsstod/


2- الأوطفال والمراهقون
البيان 0-3 4-6 7-10 11-14 15-18 البالغون
طعام 820 1060 1120 1290 1500 1530
ملابس وأحذية 400 430 470 490 520 520
ألعاب وتسلية 130 250 360 430 440 440
حاجات للاستعمال 100 100 100 100 100 100
الشئون الصحية 470 80 90 140 190 190
دعم نشاطات الطفولة والمراهقة 60 60 60 60 60 60
الأمور الثقافية 150 150 150 150 150 150
المجموع 2130 2130 2350 2660 2960 2990
المصدر، نفسه.
يلاحظ من الجدول مراعاة كافة أشكال ضروريات الحياة، كما وأن البالغين تحدد معوناتهم الشهرية وبشكل ثابت، على خلاف الأطفال، إذ تزداد معوناتهم الشهرية مع زيادة أعمارهم لغاية بلوغهم سن الرشد. يُضاف إلى هذا الجدول في صرف الإعانات، تكاليف الانتقال بالقطار أو الحافلات للوالدين داخل المحافظة، علاوة على أجور السكن، الكهرباء، العلاج والدواء، مع بعض النثريات والتي توزع أحياناً كهدايا خاصة للمولود الجديد.
ويتبين أيضاً أن نقدية الوالدين منفردة تختلف عنها في حال وجود الطرفين معا، حيث تنخفض قليلاً في الحالة الأخيرة. كما وأن الإعانات وبالكامل لا تصرف للوالد وإنما تصرف للأم، باعتبار أن النظام في السويد يقوم على المساواة بين الرجل والمرأة، وانطلاقاً من أن المرأة/ الأم/ الزوجة أكثر التصاقاً برعاية البيت والأطفال.. هذا مع ملاحظة أن هذا النظام يُنظر إليه من قبل الرجال الشرقيين المشبعين بالقيم القبلية والعادات الذكورية بأنه يحد من سيطرة الرجل (في ظروف تكافؤ الطرفين في النظام المجتمعي السويدي)، كما أنه تسبب فعلاً في العديد من الكوارث لغاية تدمير الروابط العائلية (الطلاق).
على رأس واجبات الدولة تجاه رعاياها عناصر رئيسة للحياة تتنافس سلطات الحكم المنتخبة المتعاقبة على تأمينها للمواطنين، ويُنظر إليها باعتبارها أعمدة حياتية في سياق ضمان الحاجات الأساسية، متضمنة: الطعام والشراب، السكن، التعليم، كما أن الطفل والصحة ركنان أساسيان من أركان السياسة السويدية بمختلف أحزابها وحكوماتها.
بخصوص الخدمات السكنية، فقد سعت الدولة إلى التوسع في برامجها السكنية، ونفّذت خطة اسمتها مشروع المليون سكن في الستينات بنيت على الطراز الحديث. وتقوم خطط الدولة في مساكنها وفق منظور الأمد الطويل المستمر وفي سياق ملاحقة التطور السريع للحالة الديموغرافية لنمو السكان وانتقالهم من الريف إلى المدينة، وإيجاد سكن مناسب لليد العاملة التي واكبت الطفرة الصناعية والتقدم التكنولوجي للسويد، علاوة على إشباع الحاجات السكنية للقادمين الجدد من الخارج(14).
ومع انعدام الأحياء السكنية العشوائية، إذ تقف الدولة بصرامة في وجه أي تجاوز لحقوق الملكية العامة، يساعدها في ذلك المستوى المتطور لوعي القاعدة الشعبية في السويد، فالبيوت السكنية في البلاد تمتاز بالحداثة والعصرية وسهولة إمكانية التجديد والتعديل، ويعتبر النظام السكني فيها أحد أفضل النظم السكنية في العالم. ونظراً لانخفاض الحرارة شتاء إلى درجات تجمد عالية، عليه زودت هذه المساكن أثناء بنائها بعوازل تحمي الساكنين برد الشتاء القارص، إضافة إلى توفر نظم التهوية الصحية، مع شبكة مياه لكل سكن- بيت/ شقة. هذا رغم اتساع مساحة السويد وتنوع تضاريسها وصعوبات ربط هذه الشبكة بالمنازل في ظروف الأرضية البازلتية في البلاد. وتعتبر هذه المياه واحدة من أنقى وأجود وأصفى مياه الشرب في العالم والأفضل مذاقاً. بالإضافة إلى شبكة المياه الباردة، فقد ربطت المنازل بشبكة مماثلة من المياه الساخنة. ومع كل هذه الإضافات، فشبكة التدفئة التي تغطيها الكومونات أيضاً تضيف الدفء إلى كل إنج داخل المساكن السويدية، ولا يكاد يحس ساكنيها بالبرد أبداً، رغم أن فصل الشتاء يمتد أحياناً لسبعة أشهر مديدة. ولهذا فان عجلة التقدم والصناعة والعمل لم تتعطل يوماً في السويد بسبب البرد، ارتباطاً بالظروف التي هيأتها الدولة في المساكن والمباني وأماكن العمل.. من هنا فقد انعكست البرودة خارج المنازل في شكل نشاطات رياضية متنوعة أصبح السويديون أبطالها في العالم، كألعاب التزلج والهوكي والسباحة في المياه الباردة وبناء فنادق الثلج التي صارت من رموز السياحة في السويد، إذ يتقاطر السواح الأجانب صيفاً على المدينة السويدية في أقصى الشمال (كيرونا) للتمتع بشمس منتصف الليل (المشرقة)- غياب الظلام- على مدى كامل اليوم) بدءً من الأسبوع الثالث من حزيران/ يونيو، علاوة على مشاهدة أو السكن في فنادقها الثلجية!
السكن المريح، رافقه أيضاً وجود غرف في البناء للتخزين والطواريء، علاوة على توفر غسالات عامة ومجففات وعصارات وكاويات للثياب داخل المبنى، يشترك في استخدامها كافة سكان المبنى وفقاً لنظام تحديد أوقات الاستخدام من قبل كل عائلة ساكنة فيها. ولهذا فقد "حُرِّم" السويديون من رؤية حبال الغسيل المنتشرة عل الأسطح والبالكونات والشرفات في بلدان العالم الثالث، بينما سمحت بوجود/ شراء غسالات خاصة من قبل مستأجري شقق المبنى، رغم أن غالبية السكان يكتفون بالخدمات التي توفرها الغسالات العامة، مع بعض الحالات الاستثائية للغسيل لدى المحلات الخاصة. كما ويتبع السكن أماكن للاستحمام في غرف حمام البخار الباستو/ سونار Bastu:sauna، وهناك باستو عام وخاص، فالعام هو أن يستمتع المستحم بقضاء وقته في الباستو مع جيرانه عارياً بالكامل، وهو تقليد سويدي قديم، أو أن يستحم في حمام خاص. ويفضل السويديون الحمام المتعدد الأشخاص بسبب الروح الاجتماعية التي تسود المستحمين في قلب موجات البخار الساخن.
ونظراً لتباين أشكال اللجوء إلى السويد، واختلاف ظروفه، من لجوء إنساني (اقتصادي/ اجتماعي)، وسياسي، عليه تختلف المزايا تبعاً لنوع الإقامة التي حصل عليها اللاجيء. فعندما يحصل على لجوئه بطرق مشروعة، عن طريق السفارات السويدية أو وكالة الأمم المتحدة للاجئين UNHCR، يختلف وضعه في نوعية المساعدات عن غيره ممن نال اللجوء داخل السويد (القادم عن طريق التهريب والحاصل بعدئذ على تصريح الإقامة)، إذ ينال الأول رعاية خاصة جداً، تؤمن له وزارة الهجرة السكن المناسب والمفروش قبل وصوله. ولدى وصوله مطار السويد تتولى الوزارة إرسال موظف خاص (موظف لدى الكومون) لاستقباله. ويتولى الكومون تحمل مسئولية رعاية اللاجئ وتوجيهه وتقديم الدعم المباشر له مادياً ومعنوياً، وتزويده بكتاب/ دليل يتضمن معلومات كافية عن الحياة في السويد وبلغته و/ أو يزوره باحث (باحثة) اجتماعي لإعطائه قدراً مهماً من المعلومات والنصائح. ومن ثم يبدأ الكومون بالإجراءات والترتيبات الخاصة من أجل الحاقه بالدراسة وتعلم اللغة السويدية ولمدة عامين في مدارس محو الأمية، وهو ما ينطبق على جميع الحاصلين على اللجوء سواء قبل أو بعد وصولهم إلى البلاد. وتكون المصروفات كافة في هذه الحالة من ميزانية الدولة العامة، حيث تتعاقد الدولة مع الكومونات التي ترحب باللاجئين، وتدفع لها مصروفات اللاجئ مقدما ولمدة سنتين، كمعدل. ولهذا تعمل الكومونات على مراقبة ضيوفها الجدد من حيث متابعة حضورهم للدراسة وتعلم اللغة من أجل بناء قدراتهم للحصول لاحقاً على أماكن العمل التي تسعى الكومونات بالتعاون مع مكاتب العمل واللاجئ نفسه لتأمينها. وتتحول آلية المراقبة بعد عامين إلى ضغط مباشر على اللاجئ من أجل إتمام دراسته أو التوجه إلى مكاتب العمل، ليبحث عن عمل يناسب مؤهلاته، وإن كان بلا مؤهلات فإن مهمة الكومونات تتركز على تأهيل الوافد الجديد بما يتناسب وقدراته من خلال دورات مكتب العمل، ويعفى من هذا الضغط أصحاب الحاجات الخاصة (المعوقون) والذين يحظون بمعاملة هي واحدة من أكثر المعاملات الإنسانية تطوراً في العالم.
يضاف إلى كل ذلك أن الكومون يتولى مساعدة اللاجئ بحصوله على قرض طويل الأمد من الدولة بغرض شراء الأثاث لمنزله. وقد كان القرض السكني سابقاً عبارة عن مبلغ مساعدة للتأثيث غير قابل للاسترجاع، ثم تحول إلى دين على صاحبه تسديده بأقساط شهرية بعد حصوله على عمل وبما يتناسب مع دخله الشهري.
ومن حق الحاصل على الإقامة، بعامة، الانتقال واختيار سكن آخر في أي محافظة في السويد على أن يبحث هو عن هذا السكن ويحصل على عقد الإيجار، ثم يتقدم بطلب المساعدة الحكومية من الكومون الذي استأجر السكن في حدوده. وعادة ما يطلب من القادم الجديد تثبيت عنوانه البريدي، ثم يخصص له الكومون موظفاً (باحث/ باحثة اجتماعية) يكون عامل ارتباط بينه وبين الكومون، ويتولى مساعدته وتوجيهه منذ مرحلة دراسته ولغاية الحصول على العمل أو مواصلة الدراسة. وتتدرج نوعية المدارس والتعليم السويدي للكبار وفقا للمرحلة الثقافية التي بلغها الحاصل على الإقامة، ومن حقه الحصول مجاناً على منح الدراسة- الإعانات الأولية ولمدة عامين، حيث تقع أيضا على عاتق الخزينة العامة للدولة- وتدفع إلى الكومون الذي يتولى صرف هذه الإعانات على الضيف الجديد، ويسعى لإرشاده نحو الطريق الأفضل للتعلم وتلمس خطى العمل في السويد.
كما ويتولى الكومون- منطقة سكن المقيم- دفع تكاليف الدراسة ثمناً لعدد الساعات التي درسها الطالب بعد إنقضاء عامي المنحة الحكومية للكومون، في الوقت الذي يحول فيه الطلبة الصغار إلى المدارس العادية، وتتولى هذه المدارس إيصال الطلبة الجدد ممن لا يعرفون اللغة السويدية إلى مستويات مقبولة لدمجهم مع نفس المستويات في المدارس العادية، وغالبا مايتم الإندماج السريع للطلبة وذلك نتيجة النظم التدريسية المتقدمة في المدارس السويدية والتي تتبع أفضل الطرق من أجل جذب الأطفال وجعلهم يستأنسون بدراستهم وأوقاتها وفق أساليب تعليمية حديثة تتطور بصفة مستمرة، يرافقها الكثير من الخدمات بما في ذلك ألعاب التسلية الترفيهية والتوجيهية ووجبات الطعام المختارة، مضافاً إليها معاملة إنسانية في غاية الرقي والاهتمام بهذا الإنسان الوافد الجديد. وسرعان مايتعلم الأطفال اللغة السويدية قبل والديهم.
لا يقتصر التعليم على محو الأمية وإنما ينال الفرد المقيم فرصته التعليمية في مدارس تعليم الكبار المتنوعة التعليمية والحرفية، ثم وفي حالة إنهاء مراحل التعليم الثانوي للكبار- الكومفكس Gymnasial vuxenutbildning :Komvux وعبورها، يحق لحامل الإقامة مواصلة التعليم العالي وحصوله أيضا على منح دراسية مع قروض ميسرة خاصة لاتُسترد إلا بعد الانتهاء من الدراسة وحصوله على عمل وبما يتناسب ودخله. أما من كان يحمل مؤهلاً تعليمياً عالياً فله أن يرسل شهاداته إلى قسم تعديل الشهادات في وزارة التعليم العالي ثم الالتحاق بدورة لغوية مكثفة، ومتابعة تعليمه العالي بعد استكمال إجراءات معادلة شهادته، بضمنها حالات المواد الناقصة في مجال اختصاصه(15).
وحفاظاً على كرامة المواطن الجديد، لا يطالبه الكومون بأكثر من الالتزام بالدراسة وتعلم اللغة بشكل جيد ريثما يستطيع الولوج إلى سوق العمل في السويد، وبعد تأهيلهم لغوياً، يدخلون سوق العمل أما عن طريق افتتاح شركات للعمل الخاص أو عن طريق العمل لدى إحدى الشركات/ المؤسسات، بمساعدة مكاتب العمل، وبما يتناسب مع مايحملونه من مؤهلات وخبرات. وفي السنوات الأخيرة جانب التوفيق العديد ممن حصل على الإقامة وتحطمت أحلامهم الوردية بسبب التراجع الاقتصادي العام الذي ساد العالم، خاصة الدول الأوربية.
يساهم الكومون وعن طريق مكاتب العمل دفع المقيمين الجدد إلى الدخول في مهن حرفية جديدة وشراء دورات خاصة لتعليم من ليس له حرفة لتمكينه الدخول في سوق العمل. وتتحمل الكومونات تكاليف باهظة من أجل هذا التأهيل، وأحياناً تذهب تلك التكاليف بلا طائل أمام نوعيات من المهاجرين لاتنفع فيهم الدورات أو التعليم، وممن برمجوا حياتهم على أساس الحصول على الإقامة والنوم المريح في مجتمع صناعي يكره الكسل ويستيقظ في السادسة صباحاً، مما يدفع الكومون إلى اتباع إجراءات مشددة تجبر هؤلاء على الحضور الإلزامي لمكاتب العمل وغيرها للبحث عن عمل، وتقديم قائمة شهرية للكومون تتضمن جهات العمل التي اتصلوا بها، وإلا قطعت عنهم الإعانة الاجتماعية.
وتبقى المعونة الشهرية بمستواها الموصوف عبارة عن مبلغ يشكل الحد الأدنى لتجنب الوقوع في مذلّة الفقر والتسول، وتعتبر إعانة غير مجزية. عليه فمن مصلحة المقيم بذل كل جهوده لتخطي مشكلة اللغة والتأهل للحصول على عمل كي يتخطى حدود الإعانة الاجتماعية، ويبدأ ببناء مستقبله الجديد، مع ملاحظة أن الكثيرين يرون هذه الإعانة نوعاً من أنواع التسول المهذب، ولهذا فالحصول عليها يرتبط عادة بالظروف القاهرة.
المجتمع السويدي مجتمع مسالم ومهذب للغاية، ويعتمد في سلوكه على التعايش المشترك. عليه فالتعامل بالأساليب العنيفة في السويد هو من الجرائم المنكرة، واستخدام الضرب في التعامل مع الآخرين جريمة كبرى وتنال احتقار المجتمع، ونادراً ما تقوم مشاجرة علنية، وغالباً ما يكون المتسبب بها شخص مقيم لعدم فهمه القوانين السويدية أو المشاجرة بين شخصين من أصول غير سويدية. وقد صدرت القوانين التي تحمي الأسرة ومنها تجريم ضرب الأطفال، ويُحْرَم الأب من أطفاله في حال ثبوت استخدامه العنف ضدهم، وكذلك فإنه يتعرض للسجن في حال ضرب زوجته، كما وتتقدم القوانين السويدية إلى الأمام لتعتبر حالات إجبار الزوج للزوجة على ممارسة الجنس نوعاً من أنواع الاغتصاب الذي يعاقب عليه القانون ويتشدد فيه. وتحظى الأم بمكانة كبيرة، بما في ذلك حق رعاية الأطفال حتى بلوغهم الثانية عشرة من العمر، ثم يُستشارون بعد ذلك في حال نشوب أي خلاف. وحتى المساعدات الاجتماعية، كما سبق الذكر، تُرسل لحساب الزوجة في المصرف لتقوم بتدبير أمور البيت ومواجهة المصاريف بما في ذلك مصاريف جيب ومصاريف المنزل، كما سبق الذكر.
الغرامات الكبيرة التي تفرض على مرتكبي المخالفات تحد كثيراً من ارتكابها، كما وأنها تراعي كثيراً الأعمار المختلفة لمرتكبيها. فعلى سبيل المثال يتصف التأمين على السيارات بأنه أعلى وأكثر كلفة لفئة الشباب من غيرهم وذلك بالعلاقة مع أعمارهم وميلهم نحو الطيش مقارنة بأصحاب الأعمار الكبيرة. كما أن العقوبات الجرمية التي تصدر بحق الشباب هي أخف من تلك التي تفرض على عتاة المجرمين من البالغين والمخضرمين.
يتمتع المجتمع السويدي بدرجة عالية من الأمن الإنساني والاجتماعي والمالي، ولهذا فحالات الإجرام في السويد نادرة للغاية مقارنة بالدول الأخرى عموماً. ولقد ضمن القانون السويدي الحماية لكل من المواطن المعتدى عليه والمعتدي، فلا يجوز في القوانين السويدية أبداً الدفاع المفرط عن النفس، إذ أوضح القانون صفات الدفاع عن النفس كالهروب أو وضع حواجز تعيق العمل الإجرامي ريثما يأتي رجال الأمن فيتولون حماية المعتدى عليه. إن فلسفة الدفاع عن المجرم في السويد هي فلسفة نابعة من أن هناك بعض الجنوح للجريمة في نفس كل شخص، بعامة، وهذا لا يعني أن الإنسان ولد مجرماً، وأن الانتقام المفرط من المجرم يسهل كثيراً في زيادة ردة الفعل الإجرامي. فقد تتحول جريمة سرقة إلى جريمة قتل لدى محاولة رد السارق عن سرقته. من هنا يُحرم القانون السويدي ورثة الضحية من حقوق التأمين فيما لو ثبت أن الضحية تعرض للسرقة فقاوم السارق، ثم بادر السارق بقتل الضحية، وبالتالي لا يُعاقب المجرم بجريمة القتل وإنما بجريمة السرقة. السويد بقوانينها الإنسانية تنظر إلى الطرفين أبناء لها، ولهذا فهناك قدر كافٍ من الفلسفة في هذا التعامل القانوني والذي يخدم شعباً مسالماً هو الشعب السويدي. ويبدوا أنه غريبٌ بعض الشيء، ووجه الغرابة أنه لايمنح المعتدى عليه أكثر من حق الدفاع عن النفس ضمن شروط حماية الآخر، أما في حالة ثبوت ووضوح هجوم وتعد لمجرم معروف مطارد من الأمن فالحالة تختلف، ومع ذلك فإنها حالات أقل من نادرة، وترك القانون السويدي للقضاء المرونة الكافية لمناقشة القضية من كافة جوانبها في حال ضرورة الرد المفرط على المعتدي(16).
السويد بلد تكافلي، وتأحذ الدولة الضرائب من الأغنياء لتساعد الفقراء، ولهذا فالحالة الاجتماعية تكاد أن ترضي الجميع. ولقد سادت العادات الاجتماعية المتجسدة في المساواة بين الجميع، ولا يوجد في السويد مجال لاسترقاق الآخر عن طريق العمل، ولا تمايز بين الغني والفقير في هذا البلد الذي احترمت فيه القوانين حق المساواة، فلا فرق أبداً في القوانين السائدة بين ملك البلاد والمواطن ممن حصل توأ على الإقامة.
وإلى جانب كل ذلك، فقد فرضت دولة العدل في السويد، من خلال تداول السلطة والحكم، نظام التكافل الاجتماعي لتضمن الأمن الغذائي/ الاجتماعي لمواطنيها. من هنا فقد راعت وشددت الدولة كثيراً على محو ظاهرة الفقر، ووضعت لذلك نظاماً للضمان الاجتماعي يتولى فيه الكومون إجراءات منح المعونة للأفراد والعائلات الفقيرة، ووضعت حدوداً دنيا ضمن نظام الرفاه الاجتماعي، ورفعت من سقف الدعم المالي لكل من هو دون هذه الحدود عِبر موظفين اختصاصيين في الكومون، وأتاح نظام الضمان الاجتماعي للمواطن الشكوى والتذمر واستبدال المشرف على المساعدات، بل والشكوى على الكومون نفسه عند محاكم خاصة. ومثل هذا النظام يحفظ للمواطن السويدي كرامته كاملة بعيداً عن مد يده للغير. عليه تنعدم ظاهرة الفقر والتسول وما يتبعها من الحالات المأساوية المنتشرة في العالم، بخاصة بلداننا العربية، في ظل نظام يجهد لتحقيق العدل وبما يخلق القناعة والرضا لدى عامة الناس، وضمان الحد الأدنى لمعيشتهم. والجدير بالملاحظة أن حالات المفقودات نادرة في السويد، فالنظام العام القائم يتمثل بترك الشيء (محفظة، دراجة، حقيبة..) في مكانه أو أخذه وتسليمه إلى أقرب دائرة للشرطة، إذ يتم تسجيل اسمه وعنوانه هناك، وإذا لم يحضر مالكه للشرطة وتوصيف المفقود لاسترجاعه خلال مدة قانونية معينة (40 يوماً)، يتم الاتصال بالشخص المعني لاستلامه وليصبح ملكاً له، بينما في حالة حضور مالكه، وعلى فرض أن المفقود مبالغ نقدية أو ثمينة عندئذ على المالك الحقيقي دفع 40% من تلك النقود أو قيمة المفقود لمن وجده وسلّمه للشرطة. والحصيلة المباشرة لهذا النظام بقاء المفقود في مكانه أو تسليمه للشرطة في ظل واقع يحترم فيه الأمانة ويقوم على القناعة بعدم مد اليد إلى حاجات الآخرين، وبما يقود إلى تقليل ظاهرة السرقات في المجتمع الساعي دوماً إلى تقاسم الكرون الواحد بين ابناء السويد. من هنا تعاظمت قناعة الناس ورضي كل فرد بما كسبت يداه. والحالات الاستثنائية من أعداد محدودة للسرقة هنا وهناك لا تمثل أبداً الوجه الحقيقي لهذا البلد العامل على نشر مقولة: دع الكرون يجري للجميع.. وهكذا صار المجتمع السويدي من القلائل في العالم، حيث يتميز بانخفاض أعداد الشرطة بالنسبة إلى جملة سكان السويد(17).
يتمتع الحاصل على اللجوء في السويد بمستوى من النظام الصحي لا يقل رُقياً عن نظام السكن والتكافل الاجتماعي في سياق خدمات رفيعة للمواطنين عموماً وفقاً للنظم القانونية التي أفاضت فيها تفصيلاً. هذا القانون المدهش الذي تراه يلاحق كل شيء فيؤطره ليجعل من الجميع ملتزمين ومحصورين ضمن سياق العمل به، يُساعد على ذلك المواطن السويدي نفسه في سياق ثقافته الحضارية وغياب الفساد الفردي والمجتمعي إلى حدود بعيدة راقية. ولقد وضعت سلسلة من التشريعات والنظم واللوائح والجزئيات للمساعدة على ضبط حالات التسيب والإهمال. وتتربع على قمة القانون السويدي ظاهرة تأكيد حق الجميع الحصول على الرعاية الصحية وبشكل متساو، وفُرضت العقوبات الكبيرة على كل طبيب يرفض علاج المرضى أو ممارسة التمييز في إختيارهم. كما وفَرض هذا القانون الصارم أخلاقياته الإنسانية على معالجة المريض حتى وإن لم يكن معه مقدم الكشف الطبي، حيث تُرسل له الفاتورة ليدفعها بعدئذ. وتنوعت فاتورة تكاليف العلاجات الصحية ومستوياتها على أساس توفير هذه الخدمات الصحية للجميع وعلى نحو متساو في ظل نظام خاص أوجد سقفاً سنوياً للمصروفات الطبية التي يتحملها المواطن السويدي، تم بموجبه تحديد مبلغ سنوي للمصروفات الصحية بقسميها: الكشوفات الصحية (1200 كرون سويدي سنوياً.. الدولار بحدود:7.5 كرون تقريباً/2010)، ومبالغ الأدوية (1800 كرون سنوياً) للعام 2010، ولدى وصول الدفع، في أي منهما أو كلاهما الى مستوياته المرسومة، عندئذ يحصل المريض على بطاقة مجانية الخدمات الصحية، سواء في مجال الكشوفات أو مبالغ الأدوية أو كلاهما ولبقية العام، وسواء تحقق هذا الحد الأقصى خلال أيام أو أكثر.
وبعد الوصول إلى هذا السقف، تتولى مؤسسة الضمان الطبي الدفع بالكامل نيابة عن المواطن، هذا مع ملاحظة أن مبلغ الكشف الطبي المحدد رسمياً عند زيارة المريض للطبيب قد يصل إلى 500 كرون في حقيقته، يتولى المريض دفع الجزء المعلن (150 كرون/ العام 2010)- أقل من الثلث- وتتولى دائرة الضمان الطبي استكمال الباقي. هذا رغم أن هذا الإجراء لا أهمية له بالنسبة للمريض، طالما أن ما يدفعه خلال السنة محدد بسقف أعلى، ومن المحتمل أنه أمر يخص القواعد المحاسبية السويدية في المجال الصحي(18).
وفي حالات الشيخوخة والإعاقة من أصحاب الحاجات الخاصة، تتضاعف خدمات الرعاية الصحية، لتبدأ برعاية المعاق وتدريبه وإعداده وإخراجه من عزلته والتجول معه برحلات سياحية داخل السويد، وهناك من يُصطحبه حتى إلى خارج السويد. بينما يحصل كبار السن على أجور التنقلات بواسطة التاكسي من حساب الضمان الصحي العام، وتصرف لهم أثمان الأدوية ويخصص لهم موظفون للرعاية والتنظيف داخل المنزل، علاوة على تخصيص موظفين لرعايتهم الجسدية والنفسية، وموظفات يقمن بأعمال التريض والمساج والغسل وقص الأظافر ومساعدة المريض العاجز لتغيير سراويله الداخلية وتنظيفه وتعطيره دون الحاجة أبداً لطلب العون من أقاربه. فمسئولية المريض ورعايته تتحملها الدولة بشكل كامل، حيث تدفع للقائمين بهذا الواجب الإنساني تكاليف العمل سواء كان القائم بهذه الخدمة أشخاص غرباء أو أقارب أو مؤسسات خدمية متخصصة. وقد يعمل بعض الأقارب في رعاية مريضهم على أساس ساعات العمل أو على أساس شهري، إذ تتحمل الدولة دفع الأجور المستحقة لهم(19).
تمتد اذرع الضمان الصحي والذي يشمل كل المواطنين لتغطي طب الأسنان المرتفع التكاليف في السويد. ولهذا فقد إلتزمت الدولة عن طريق المظلّة الصحية دفع نصف تكاليف العلاج للطبيب المختص. ويلاحظ أن الأمومة تنال نصيباً وافراً من الرعاية الاجتماعية والصحية. ويعتبر إنجاب طفل في السويد مشروعاً لايخص العائلة وحدها، بل مشروع وطني تتشارك فيه العائلة والكومون والدوائر الصحية. ويرتبط بذلك، علاوة على الوجه الإنساني لهذه المشاركة، كذلك ظاهرة إنخفاض نسبة الولادات مقابل تصاعد أعداد المعمرين، وما يعنيه من تهديد الهيكل السكاني والأمن الوطني، والحاجة إلى تشجيع الولادات. من هنا تستمر نقدية الطفل بغض النظر عن عدد المواليد في العائلة الواحدة.
كما أن المجتمع السويدي الذي يتميز بانصرافه إلى التمتمع بحياة فردية متنوعة الاتجاهات، جعل من الإنجاب مشروعاً ذا مكانة رفيعة من حيث أهميته والجهود التي تُبذل فيه والتكاليف التي تتطلبه، ومن ثم حاجته إلى التخطيط الدقيق من قبل العائلة/ الزوجين. عليه تحظى فكرة الإنجاب بدراسة وافية من قبل الزوجة والزوج معاً. وعند الإتفاق وبدء الحمل، تتوجه الزوجة إلى قسم الرعاية الصحية للاستفسار عن الحمل، مشاكله، أخطاره، وطرق الرعاية المثلى.. وحال ظهور علامات الحمل، تحظى الأم برعاية مباشرة من قسم رعاية الأمومة، وتُحال إلى قسم التاكد من الحمل، ثم تُعطى الإرشادات الخاصة بالطعام والشراب وأنواع الرياضة المفيدة، مع شرح التفاعلات الجسمية المحتملة وظواهرها على الحامل. كما وتُعطى كتيباً خاصاً مترجماً إلى أغلب اللغات في العالم لمن لا يعرف السويدية، وفي غير ذلك من حق الحامل طلب مترجم تدفع الدولة تكاليفه، ثم يقوم المركز بنقل الأم إلى قسم التصويرالايكوصوتي، لإجراء التصوير وتحديد صحة الجنين، وعمره بالأيام والساعات، وتستمر متابعة الرعاية لغاية الولادة. وقبل الولادة تخضع الأم إلى دورة في المستشفى فيما إذا طلبت ذلك، لتتعرف على المستشفى الذي ستلد فيه، وكيفية العناية بطفلها، كما ويتم إرسال سيارة إسعاف لنقلها إلى المستشفى بعد التاكد من أن أعراض الولادة صحيحة. وفي المستشفى وقبل وصولها تكون الممرضات قد أعددن غرفة الوافدة الجديدة والمجهزة وفق المستويات الطبية. ولدى وصول الحامل تستقبلها ممرضة تجري لها بعض الفحوص الضرورية، ثم تغتسل وترتدي ثياب الولادة، وتستلقي على السرير المخصص لها. وتتناوب الممرضات المتخصصات على مراقبة الحامل كي لا تشعر بالوحدة أو الإهمال، وتُهيأ غرفة عمليات طبية للاحتياط خوفاً من حصول أي طارئ. وتتم الولادة من قبل طاقم توليد مكون من ثلاث ممرضات من بينهن طبيبة توليد. وبعد الانتهاء من عملية الولادة يتم غسل الوليد وترقيمه ثم وضعه في حاضنة خاصة، وتُترك الأم لترتاح بعد عملية الولادة. وجرت العادة في اليوم التالي أن تقام حفلة بسيطة للأم في غرفتها ويحضر لها طبقاً من الحلويات والمأكولات يتوسطها العلم السويدي، ثم تُنقل الأم إلى غرفة خاصة خارج قسم التوليد مختص بالرعاية لمدد مختلفة. وأخيراً تعود الأم إلى بيتها مع المولود/ المولودة في سيارة تدفع تكاليفها إدارة المستشفى بعد أن يقوم طبيب مختص بفحص الطفل ووزنه والإشراف على عملية إرضاعه بعد تعليم الأم الطريقة الصحيحة للإرضاع. وفي البيت يقوم قسم الرعاية الخاصة بالأطفال الحديثي الولادة بالإشراف على الأم وطفلها في سياق زيارات منزلية. ثم تقوم الأم بمراجعة هذا القسم بمعدل مرتين شهرياً يراقب فيها نمو الطفل بدقة. ويكون الطفل ومنذ اليوم الأول قد حمل الرقم الوطني للبلاد والمكون من عشرة أصفار تصاحبه طيلة حياته. بينما تقوم مؤسسة الضمان الصحي العام بإرسال نقدية الطفل الشهرية. وهذه الحقوق يتمتع بها كاملة كل من حصل على الإقامة الدائمة أوالمؤقتة في السويد. أما المرأة الحامل المشردة، فليس لها حقوق رعاية فترة الحمل، رغم أن لها حق الولادة في المستشفى الحكومي، وبعد الولادة تبقى والمولود بدون حقوق. وهذا يختلف عن بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، إذ يعتبر الطفل المولود في حدودها مواطناً لحظة الولادة. والجدير بالذكر أن المرأة المشردة يكون لها حق تقديم طلب جديد للحصول على الإقامة بعد الولادة.
ربما من المفيد الحديث بإيجاز شديد عن الحقوق القائمة للمواطنين في البلاد العربية لا من باب المقارنة، بل لتذكيرنا بما هو واقع الناس هناك، وواقعهم في بلد المهجر الجديد، والواجب الإنساني والأخلاقي الذي يقع على الجميع للتعامل الإيجابي مع أنفسهم ومجتمعهم الجديد بغية بناء مستقبلهم ومستقبل أطفالهم في سياق حياة حرة كريمة.
إن الحديث عن حقوق مادية للمواطن في البلدان العربية هو حديث يدعو للشفقة بالعلاقة مع واقع حياة الناس في البلاد العربية. فاذا غابت الحقوق السياسية والسيادية التي تحمي المواطن من غول وتغول السلطات الحاكمة في هذه البلدان، عندئذ لا يمكن أن تسود حقوق سياسية و/ أو مادية. والجدير بالذكر والاعتراف أن الدساتير العربية، بعامة، تتميز بالحداثة واستفادة نصوصها من الدساتير الغربية، بخاصة تلك المتعلقة بالنصوص الواردة التي تؤكد حقوق الإنسان وفق المعاهدات الدولية، لكنها صامتة في مجال التطبيق.. يشهد على ذلك ما سيتم الحديث عنه فيما يخص الأحوال السياسية للمواطنين بدءً من أساليب الاعتقالات ولغاية التعامل في السجون الرهيبة للأنظمة العربية، بعامة (ف4/ق2).. أما الحقوق المادية للمواطنين: ضمان الحد الأدنى للمعيشة، السكن، الصحة، التعليم، علاوة على الخدمات العامة، وكما يُقال: فحدثْ ولا حرجْ.. أغلبية فقيرة تعاني من الإهمال والتجاهل الرسمي. المساعدة البيّنة محل المشاهدة، بخاصة في الشوارع، هي الاستجداء في ملابس رثة وبمختلف التنوعات: شيخ كبير يمشي بمساعدة عكازه أو مَنْ يعاونه، مرأة مع أطفال، أطفال مشردون، هذا دون استثناء حتى البلدان النفطية، رغم أنها أقل مشاهدة..
انتشار الصرائف، الأكواخ، بيوت الصفيح، الخرائب، وكل أشكال العشوائيات، مشاهدة عامة في ضواحي المدن العربية، بل وحتى عواصمها.. هذه الأماكن المحشورة والمزدحمة هي بيوت أكثرية فقيرة في ظروف البطالة والعوز. أما البيوت العادية التي تأوي، في الغالب، الفئات المتوسطة الدخل، فهي تخلو من شروط المباني الحديثة، بما في ذلك التدفئة والتبريد الصحية في مناخات تتصف عموماً بالبرد القارص شتاءً والحر الشديد صيفاً، بينما توصيلات الماء والكهرباء والتلفونات تتصف بالعشوائية.. علاوة على تخلف مرافقها الصحية، ونقص المجاري أو إهمالها وتجمع كميات من مياهها القذرة في العديد من الحارات.. مقابل ذلك علينا أن لا ننسى القلاع الفخمة لعائلات أعضاء السلطة وأتباعهم، وكذلك قصور الأثرياء في مناخات من سوء توزيع الدخل والثروة قلّ مثيلاتها حتى في دول العالم الثالث..
الخدمات الصحية العامة التي كانت مجانية في السابق، ونتيجة لتدهور الأوضاع في البلاد العربية، فقد تحولت أما إلى دفع الرسوم وشراء الأدوية من الصيدليات الخاصة و/ أو أنها أُصيبت بأمراض الفساد في فساد الكثير من الأدوية المقدمة للمرضى، وفساد العديد من الكادر الطبي والتمريضي.. ظاهرة الفساد هذه أصبحت منتشرة على نطاق واسع.. علاوة على تحول المؤسسات الصحية العامة من ظاهرة إنسانية إلى أدوات استغلال فقراء الناس، وفوق ذلك غياب النظافة فيها وازدحامها بالكتل البشرية المريضة التي تنتظر ساعات طويلة وهي ترنوا إلى العلاج..
وفي مجال التعليم، ورغم الاعتراف بالنسب العالية المخصصة من ميزانيات هذه الدول عموماً للتعليم، ومع وجود علاقة طردية بين زيادة نسب التعليم وبين زيادة الدخل الوطني والتقدم الاجتماعي/ السياسي والاقتصادي، إلا أن هذه العلاقة غير قائمة في البلاد العربية، لتخلف النظم والوسائل التعليمية بانتشار الغش والفساد والدروس الخصوصية، وحشو عقول الأطفال والشباب بالقيم المعتقدية وعبادة الشخصية، بخاصة شخصية الحاكم، وفي غياب أساليب التعليم الحديثة القائمة على تحرير عقل الإنسان من أشكال الخوف والغيبية لانطلاقه الفكري بعيداً عن القيود والمحرمات وباتجاه استخدام قدرته العقلية وفق المنطق العلمي، وبناء شخصيته المستقلة في إطار تقديس العمل..
وفي مجال الخدمات العامة، من مياه نقية وإمدادات كهربائية وخطوط الإتصالات، هناك تراجع في هذه المجالات، رغم تخلفها أصلاً.. مناطق كثيرة وبالذات في ضواحي المدن والأرياف محرومة في غالبيتها من هذه الخدمات، بل وحتى العديد من عواصم هذه البلدان تعاني من مشكلات الحصول على المياه النقية وانقطاعات الإمدادات الكهربائية وضعف خطوط الاتصالات..
وفي مثل هذه البيئة المشبعة بمختلف أشكال التلوت وانتشار الأمراض تعاني أغلبية الناس من البطالة والفقر مقابل أقلية تستحوذ على ثروات البلاد.. بيئة حاضنة لعدم الاستقرار، العنف، وانتشار الجريمة في ظروف انتشار القيم البالية: العصبية القبلية، الإثنية، الطائفية، الاستغلال الاقتصادي والديني/ المذهبي من قبل الطفيليين أصحاب السيطرة على التجارة والأسواق، وكذلك الطفيليين من أصحاب العمائم المزيفة ممن صادروا عقول الفقراء.. بيئة طاردة، يجد الأستاذ الجامعي، المعلم، المهندس ومختلف التخصصات إلى جانب العامل والفلاح والعاطل عن العمل والمعوز.. نفسه مضطراً، ويتحرق شوقاً للتخلص منها حتى لو كلّف ذلك ثمناً باهضاً قد لا يمكنه تعويضه.. هجرة الوطن والبحث في سياق محاولة إيجاد وطن بديل!!



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن