وهم الدولة الواحده في التغريبة السورية 3

الحلاج الحكيم
aslmh10@yahoo.com

2012 / 10 / 21

وهم الدولة الواحده في التغريبه السوريه 3
سلسله من اربع مقالات
المقالة الثالثة الاستقلال
أصبح الاستقلال حقيقيا منذ عام 1942 وفعليا في 16 شباط عام 1946
قدم المندوب الأمريكي مشروع قرار بجلاء الجيوش الاجنبيه عن سوريا ولبنان .
صوت أعضاء مجلس الأمن على هذا القرار بما فيهم مندوبا بريطانيا وفرنسا
كانت فرحة عامة شملت كل مواطنين سوريه الصغرى التي استقرت أخيرا بشكلها الحالي .
تميزت فترة الاستقلال من عام 1943 إلى عام1946 بالنشاط السياسي لسورية وقد تمحور حول ثلاثة مواضيع
دعم استقلال سوريا بشكله الحالي .
العمل من اجل قضية فلسطين
العمل من اجل الوحدة العربية
قاد التحرك السياسي في هذه المرحلة الرئيس شكري القوتلي .وعندها قام بأول زيارة رسمية للمملكة العربية السعودية في 8
شباط 1945
ثم قام بزيارة إلى مصر .
لم يقم بأية زيارة للعراق أو الأردن . ومن هذا التاريخ .كان التوجه دائما نحو السعودية ومصر

لم يتوقف الضغط الهاشمي على سوريا كان يحرك المظاهرات ويوزع المنشورات والبيانات التي تدعو لمشروع سوريا الكبرى
في عام 1947 ظل مشروع سوريا الكبرى الهاجس الأهم عند الملك عبد الله فأعلن يوم 7اذار عيدا قوميا في الأردن وهو اليوم الذي أعلن فيه المؤتمر السوري استقلال سوريا بحدودها الطبيعية على أساس النظام الملكي النيابي
17 آب 1947 اجتمع في قصر بيت الدين رئيسا الوزارتين السورية واللبنانية واصدرا البيان التالي
اتفق الجانبان تمام الاتفاق .في كل ما تناولته مباحثاتهما ومنها بيان الملك عبد الله المؤرخ في 14 آب 1947 الذي كان موضع استغرابهما واستنكارهما لتدخله في شؤون هاتين الدولتين .
31 آب 1947 أصدرت الحكومة السعودية البيان التالي
وصل علم المملكة بيان نسب إلى جلالة الملك عبد الله دعا فيه أهل سورية دعوة صريحة لتغيير دستور البلاد وأعقب ذلك بإيفاد مندوب شخصي سلم رسالة بهذا لخصوص إلى رئيس الجمهورية السورية
إن الحكومة السعودية تعرب عن أسفها لهذه الدعوة المنافية للقوانين وميثاق جامعة الدول العربية وتعتبرها تدخلا في شؤون سوريا .
ملاحظه للتاريخ
لماذا تقف السعودية ضد هذه الفكرة بالتوحيد ؟ أليست الملكية المطلقة هي صلب نظامها ولماذا دعمت لاحقا الملك عبد الله في الأردن والملكية في العراق .؟
بمناسبة افتتاح أول مجلس للنواب في سوريا بعد الجلاء 29 أيار 1947 اصدر هذا المجلس قرارا باستنكار مشروع سوريا الكبرى الذي تتستر وراءه إطماع شخصيه .
من حق مجلس النواب أن يقرر ما يراه أعضاءه المنتخبين .ولكن أين نحن في هذا الكلام من سوريا .الكبرى التي تغنى بها القوميين . وحشونا بان الشعب السوري في سوريته الكبيرة هو شعب واحد .ويرفض المجلس حتى نقاش موضوع سورية الكبرى ولم يمض أكثر من ستة وعشرين عاما فقط على المؤتمر السوري الذي اقر بوحدة سوريا والملك فيصل ملكا عليها
والهستيريا إن النداء بوحدة عربية قد بدأ واخذ يحتل وجدان وأحلام الشعب .ويرفض حتى النقاش بوحدة سوريا الاساسيه
في نهاية آب 1947 كتب الملك عبد الله إلى وزير الخارجية (بيفن)
تتوالى علينا من سوريا طلبات لتحقيق وحدة البلاد السورية تحقيقا لميثاق البلاد القومي المعبر عن الإرادة السورية العامة إن موقفنا لا يسمح ببقاء شرق الأردن في حجمه ووضعه الراهن نحن في ضرورة لتحقيق وحدة سوريا الطبيعية لأنها بقاءنا وكرامتنا .
لم يكن مخطئا الملك عبد الله .من حيث تأييد الكثير من السوريين لوحدة سوريا ولكنه كان مخطئا من حيث ضرورتها .فلم تكن هذه الوحدة قائمة على مدى عمرها .
انتهت أحلام عبد الله بعد حرب 1948 وانتهت أحلامه إلى ضم الضفة الغربية إلى الأردن بالتعاون مع اليهود .وحتى هذه لم ينجح بها .ولم يستطع انجازها .فأصبحت الضفة الغربية فلسطينية لها حكم ذاتي .وبقي الأردن بشكله الحالي
أين هي سورية الواحدة شعبا وأرضا إذا كانت اقرب الشعوب إلى بعضها شرق الأردن وفلسطين لم تتوحد بل شهدت حروبا دامية .لا مثيل لها في أيلول 1970
فكيف هي دولة واحدة مع العراق وسوريا ولبنان . إنها المتاهة والكذبة التاريخية .بأوضح تجلياتها
إن البهرجة الاستقلالية .وحياكة مؤامرات عن الأطماع الهاشمية .والاحتفالات بالاستقلال مترافقا مع احتفالات السكان بأعيادهم التاريخية كعيد الرابع لدى العلويين والذي يتوافق مع السابع عشر من نيسان والاحتفالات التي عمت البلاد وتباري الشعراء والأدباء على مدح الاستقلال .والتغني بانجازه واستحضار الشخصيات الوطنية والتي كان لها دور بالثورات السورية .أجج مشاعر الناس .وجعلهم يتفقون على توحدهم مع هذا الاستقلال .
إن الدور الذي لعبته البورجوازية السورية بإشراك مكونات الشعب السوري كله .في الانتخابات النيابية ووصول نواب لأول مرة ليمثلوا ناخبيهم كان له الدور الأكبر في استمرار الوحدة السورية بشكلها ما بعد الاستقلال .ولا ننكر فضل فرنسا في تهيئة هذه البورجوازية .لتتمكن من إجراء مثل هذه الانتخابات التي سنبكي عليها في المستقبل .
إن المرسوم الذي صدر عن رئيس الجمهورية شكري القوتلي بتثبيت النواب 10 تموز 1947 كان على الشكل التالي كنماذج منه
عن دمشق
جميل مردم بيك مسلم
حبيب كحاله روم ارثوذكس
جورج صحناوي روم كاثوليك
فريد ارسلان ارمن ارثوذكس
فارس الخوري الاقليات الغير ممثله
قضاء القامشلي
عبد الرزاق الحسو مسلم
الياس النجار سريان ارثوذكس
قضاء السلميه
سليمان العلي مسلم اسماعيلي
محافظة اللاذقيه
اسعد هارون مسلم
محمد سليمان الاحمد مسلم علوي
عشائر البدو الرحل
فواز الشعلان بادية الشام
جبران غزال موارنه
مع الرحمة للجميع ذكرت البعض فقط للإشارة إلى ذكر طوائفهم في المرسوم وكان هذا طبيعيا بل هو الوطنية بعينها التي تحترم الجميع والتي كما ذكرت يسجل للبورجوازية السورية ورجالاتها الوطنيين فهمهم للحالة الوطنية التي أسسوا عليها
في هذا الجو من الحرية .ومن الانفتاح ومن احترام الحقوق الأساسية للمواطنين تشكلت الأحزاب السياسية
حزب الشعب انسلخت بعض الشخصيات من الكتلة الوطنية وشكلت حزب الشعب وكان له أجنحة مثله مثل أي حزب في وضع سياسي سليم كانت سياسته تميل إلى الوحدة مع العرش الهاشمي
الحزب الوطني هو الوريث الشرعي للكتلة الوطنية بعد انسلاخ بعض زعمائها ووفاة سعد الله الجابري استند على دعم الرئيس القوتلي .وكان له جناحان أيضا والأقوى كان الجناح المؤيد لمصر والسعودية والذي كان بقيادة الرئيس القوتلي
الحزب القومي السوري الاجتماعي
الحزب التعاوني الاشتراكي
الحزب الشيوعي السوري
حزب البعث الاشتراكي
الأخوان المسلمون
في هذا البلد المضطرب اجتماعيا وبشريا .لم يكن أبدا أن تستمر الحالة السياسية الصحية .وخاصة بعد تشكيل الجيش السوري .وظهور ضباط .لهم علاقة بالسياسة .
الانقلاب الأول 30 اذار 1949 وقاده الزعيم حسني الزعيم
الانقلاب الثاني14 آب 1949 وقاده حسني الحناوي
الانقلاب الثالث 19 كانون الاول 1949 وقاده أديب الشيشكلي واستمر بشكل حكم مزدوج يتقاسمه الجيش ممثلا بضباطه والسياسيين ممثلين بأحزابهم وشخصياتهم واهم الشخصيات كانت هاشم الاتاسي وخالد العظم الذي شكل اول وزارة في عهد الانقلاب الثالث ومن ثم ناظم القدسي ومن ثم معروف الدواليبي
تفاقمت الاضطرابات وعدم الاستقرار وتوزيع ضباط الجيش وحل مجلس العقداء وكان المتحكم به أديب الشيشكلي .في هذه القترة بدا استغلال فلسطين في السياسة حيث زج العقيد بأهمية محاربة اليهود وقيام بعض الاستفزازات على الجبهة ليمكسها ورقة ضاغطة تتيح له الانفراد بالسلطة وإقصاء السياسيين عن مسرح الأحداث ولكن تطور الاحداث وكثرة الاضطرابات
ظهرت بوادر فرز طائفي بين الضباط وحادثة اغتيال العقيد محمد ناصر آمر سلاح الطيران

حيث أظهرت برقية من المفوضية العراقية بدمشق الى الخارجية ببغداد .

"التاريخ 15 شباط 1950

زارني اليوم حسني البرازي واخبرني عن حصول اختلاف بين العقيد محمد ناصر والعقيد عزيز عبد الكريم والضباط العلويين من جهة، وبين جماعة الشيشكلي من جهة أخرى. وذكر بأنه بلغه بصورة موثقة عن استعداد الأولين للتقرب الينا إذا ما استميلوا بالمال، يرى لزوم وضع خطة للعمل في حالة اصطدام الجيش السوري بالمجلس التأسيسي، يؤكد ضرورة تخصيص مبالغ مناسبة لتسهيل العمل
ففي يوم الثلاثاء 1/8/1950 أذاع راديو دمشق ما يلي: "وقع اعتداء أثيم في الساعة العاشرة والنصف من مساء الاثنين الواقع في 31/7/1950، ذهب ضحيته أمر سلاح الجو السوري محمد ناصر، إذ هاجمه مجهولون يمتطون سيارة وأطلقوا عليه عيارات نارية وذلك بالقرب من مفرق كيوان، وقد نقل إلى المستشفى العسكري حيث أجريت له عملية جراحية توفي على أثرها في الساعة الثالثة والنصف من صباح الثلاثاء، وقد تولى القضاء العسكري التحقيق في هذه الجريمة.

كل هذه الاضطرابات دفعت بالعقيد أديب الشيشكلي للقيام بانقلابه الرابع في 2كانون أول 1952
وصدرت المراسيم بتولي الأمناء مناصب الوزراء
حل البرلمان اعتبارا من 2كانون أول 1951
إلغاء جميع الأحزاب السياسية
توحيد الصحف
صدر عنه 257 مرسوما خلال ستة أشهر أهمها فرض الضرائب التصاعدية والإصلاح العقاري والعلاقة بين المالك والمستأجر وأخر للإصلاح الزراعي ومشروع تجفيف سهل الغاب .ومشروع مرفأ اللاذقية .
برز الشيشكلي المدافع الأول عن قضية فلسطين ساعدته على ذلك تهديداته المتكررة لإسرائيل
أهم ما قام به الشيشكلي إحباط أحلام نوري السعيد لإلحاق الأردن وسوريا بالعرش العراقي ومنح الثقة للعرشين المصري والسعودي .
إنها الهستيريا السورية بأجمل تجلياتها
ابتدأت الحركات التمردية .وابتدأ ضباط الجيش الصغار بالتململ وخاصة من القوميين ومن الأقليات التي بدأت بالانخراط بالجيش .
تمردت بعض وحدات الجيش في حلب .كنتيجة منطقية لتململ ضباط الجيش الصغار وعدم رضاهم عن العقيد والاهم بداية اقتحامهم عالم السياسة .
ومن ثم آزرت باقي الوحدات تمرد حلب ووصلت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية مما حدا بالشيشكلي الى تقديم استقالته .ومغادرة البلاد وبقيت الدولة باضطراب إلى أن وعد الزعيم شوكت شقير بإعادة الجيش إلى ثكناته .
أعيدت الحياة النيابية وتم تحديد 20 آب موعدا للانتخابات 1954
فاز فيها حزب البعث ب18 مقعدا والقومي السوري ب2مقعد والشيوعي بمقعد والكتلة الاسلاميه ب5 مقاعد
على الرغم من كونها التجربة الديمقراطية الأكثر نصوعا في تاريخ سوريا والتي قادتها الأحزاب السياسية و اعتمدت على الفكر السياسي والبرامج السياسية . والاسوء كانت بداية للتأسيس لنهوض التيارات القومية التي تؤمن بالانقلابات .في ظل متغيرات كبيرة أهمها تزايد أعداد الضباط القوميين في الجيش . ودخول مصر جمال عبد الناصر بقوة في السياسة السورية واستلهام ثورة الضباط الأحرار .كمنقذ وخلاص للأوطان .
في هذا التاريخ من 1954 وحتى 1956 انشغل الناس بالمؤامرات واكتشافها .والمحاكمات التي أجريت .وكل هذا يدل على الاضطراب المريع في تلك الفترة
عاشت الجماهير العربية نشوة الانتصار المصري في حرب السويس .والملايين ترفع رايات القومية وتبارك انتصار مصر وتنادي بالوحدة الفورية مع مصر .وتعاظمت الصداقة مع الاتحاد السوفييتي بعد إنذار بولفانين .ومهدت الأحداث لقيام الوحدة المستعجلة بين سوريا ومصر .
اعتبر البعض ان الوحدة المصرية – السورية التي أعلنت في 22 شباط من العام 1958، كانت نتيجة المطالبة الدائمة لمجموعة من الضباط السوريين، في وقت كان فيه قادة حزب البعث العربي الاشتراكي قد قاموا بحملة من اجل الاتحاد مع مصر. اذ يرى الصحافي باتريك سيل... ان جمال عبد الناصر لم يكن متحمسا لوحدة عضوية مع سوريا، ولم يكن يطمح لإدارة شؤون سوريا الداخلية ولأن يرث مشاكلها. كان بالأحرى ينادي بـ التضامن العربي الذي بموجبه يقف العرب وراءه ضد القوى العظمى، وكان يحتاج بصورة خاصة إلى السيطرة على سياسة سوريا الخارجية
على الرغم من الارتياح العام والقبول الشعبي للوحدة كانت هناك مواقف ملفتة لما حملته من رؤية سياسية متميزة .كموقف خالد العظم عندما نظر إلى الوحدة من خلال الإبقاء على الكيانات ولهذا طرح مشروع اتحاد فيدرالي .لم يقنع أحدا من حملة القومية العربية .الذين فشلوا بتحقيق الوحدة السورية .فتنطعوا لتحقيق الوحدة العربية .فكان الإخفاق ملازما لهم .
في 22 شباط 1958 تم الاستفتاء في سوريا ومصر على انتخاب رئيس الجمهورية فجاءت النتيجة 99.9%

أصبح الرئيس عبد الناصررئيسا للجمهورية العربية المتحدة واول ما فعله قام باقتلاع أحشاء السياسة السورية، وكان قد وضع شرطين لقيام هذه الوحدة، أولهما أن يمتنع الضباط عن ممارسة العمل السياسي، حل الأحزاب في سوريا ومن بينها حزب البعث، وهذا ما اثأر نقمة عدد كبير من البعثيين الذين لم يتوقعوا استبعادهم من الوحدة وهم من صانعيها. وفي رأي بارتيك سيل، ان قادة حزب البعث كانوا يتوقعون أن يصبحوا المعلمين العقائديين للجمهورية العربية المتحدة، وان يزودوا عبد الناصر بعقيدة متكاملة، ويعلموا العروبة لمصر نفسها. ولكن كل ذلك لم يكن سوى أحلام يقظة. فبدلاً من الحياة الحزبية الجاهزة التي كانت قائمة في سوريا انشأ عبد الناصر تركيباً كان في الوقت نفسه سلطوياً وكسيحاً مخلع الأوصال. فكل القرارات كانت تتخذ عنده في القاهرة، حيث كان يعمل بواسطة مجموعة صغيرة من الضباط ورجال الأمن. أما في دمشق فكان اعتماده على رجل امن صموت هو العقيد عبد الحميد السراج الذي رفعه وجعله وزيراً للداخلية.
مهما قيل في تجربة الوحدة وفي أسباب انهيارها بعد ثلاث سنوات في 28 أيلول 1961 فان رؤيتها من الناحية السورية كانت هروبا إلى الأمام .حاول السياسيين والضباط المندسين بالسياسة الهروب بهذا البلد من فتنة وخلافات عميقة لا حل لها وتجنبا لحرب أهلية بدأت تلوح بالأفق وذلك بتحميلها لمصر جمال عبد الناصر الذي كان في ذلك الوقت حالة عربية ناهضة بقوة ومتمددة على الصعيد العالمي .
ففي 28 أيلول 1961، قامت مجموعة من الضباط السوريين بقيادة المقدم عبد الكريم النحلاوي (مدير مكتب عبد الحكيم عامر)، و بدعم أردني - سعودي، و بمؤازرة من رجال الأعمال السوريين الساخطين بسبب قرارات التأميم، بانقلاب عسكري في أجواء متأزمة من كافة النواحي. و فوجئ الرئيس عبد الناصر بأنباء التمرد السوري فأمر بإرسال قوة من ألفي مظلي مصري إلى سوريا لسحق هذا التمرد. ولكن مواقف قيادات الجيش في اللاذقية و حلب المؤيدة للمتمردين دفعت عبد الناصر إلى نقض أوامره علماً إن الطليعة المصرية المؤلفة من 120 مظلياً كانوا قد أعلنوا الاستسلام بعد هبوطهم. و كان عبد الحكيم عامر قد غادر دمشق حوالي الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الانقلاب إلى القاهرة، وكان صلاح البيطار و أكرم الحوراني قد أيدا الانفصال و كانا من بين السياسيين السوريين الموقعين على الوثيقة الانفصالية في 2 تشرين الأول 1961.

وفي اليوم التالي لانقلاب 28/9/1961 عهد الى مأمون الكزبري تشكيل الحكومة، ثم أجريت انتخابات مجلس نيابي تأسيسي وإقرار دستور لسورية، وانتخب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، وكلف معروف الدواليبي تشكيل الحكومة التي سعت الى تعديل قانوني الإصلاح الزراعي والتأميم بما يتوافق مع مصالح الملاك والرأسماليين، ولقي هذا المسعى تشجيعاً من عبدالكريم النحلاوي الذي وصف هذه القوانين في البلاغ الرقم (9) بـ «قرارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب».

انتخب الدكتور ناظم القدسي رئيساً للجمهورية، وكلف مأمون الكزبري بتشكيل أول حكومة انفصالية. وفي مرحلة الانفصال كان الحكم الفعلي بيد العسكريين، واللافت في هذه المرحلة أنها كانت مترعة بالأحداث، إذ سرعان ما بدأ الخلاف يذر قرنه ما بين الضباط الذين قادوا عملية الانفصال، وتجاوزت الانقسامات صفوف الجيش إلى البرلمان فنشأت خلافات حادة بين الأحزاب التقليدية والمحافظة والكتل العشائرية، وأعلن بصعوبة عن تشكيل حكومة جديدة برئاسة معروف الدواليبي، ألغت قوانين التأميم وأدخلت بعض التعديلات على قانون الإصلاح الزراعي، وأمرت بتسريح عدد من ضباط الجيش بسبب انتماءاتهم القومية، الأمر الذي أدى إلى سخط شعبي عارم، تبعه قيام بعض وحدات الجيش بالتمرد، وأسفرت المصادمات عن سقوط قتلى وجرحى، وكادت البلاد أن تدخل في حرب أهلية
كان لحزب البعث دورا كبيرا في قيام الوحدة .ولكنها كانت اتكاسة عظيمة له .شتت شمله وقسمته الى مجموعات متنافره مختلفه مما دفع بالحوراني الذي رعى الدور البعثيّ في الجيش، وكان أباً لضبّاطه، خارج البعث تماماً، لكنّ الأخير وجد نفسه يلملم من الصفر أجزاءه التي سبق أن تناثرت بسبب حلّه، فحين أعيد توحيد الحزب، بدا الأمر أشبه بتجميع كتل تفرّقت وتناثرت وكادت تنهار القواسم المشتركة القليلة التي تجمع بينها.
فهناك «جماعة عفلق»، وفي عدادها شبلي العيسمي وعبدالله عبدالدائم وإلياس فرح، وجماعة البيطار كمنصور الأطرش وخالد الحكيم، وهناك المحيّرون بين البعث وعبدالناصر، كجمال الأتاسي وسامي الدروبي وعبدالكريم زهور وسامي الجندي وسامي صوفان، وكذلك المحيّرون بين البعث والحوراني كرياض المالكي ووهيب الغانم.
لكنّ أهمّ الكتل كانت بالتأكيد كتلة العسكريّين التي لم يفتر حقدها على الأساتذة الثلاثة، بمن فيهم أبوهم الحوراني، بسبب موافقتهم على حلّ الحزب وما استتبعه الحلّ والوحدة من تشتيتهم بإبعادهم إلى مصر، ومن بؤرة الحقد هذه تطوّرت مواقف انقلابيّة ضدّ الأساتذة تأخذ عليهم تقليديّتهم وكونهم، هم أيضاً، من بقايا النظام القديم.
وكان الأقرب إلى عسكريّي البعث كتلة القطريّين، وهم مدنيّون تأثّروا بشعارات يساريّة وخلائط ماركسيّة وشعبويّة كانت رائجة في عموم العالم الثالث حينذاذاك، وقد تزعّم هؤلاء أطبّاء ثلاثة تطوّعوا للخدمة في الجزائر إبّان حربها الاستقلاليّة، هم نور الدين الأتاسي ويوسف زعيّن وإبراهيم ماخوس.
ففي مصر، إبّان الوحدة، شكّل خمسة من الضبّاط البعثيّين ما عُرف باللجنة العسكريّة لتكون ذراعهم في الإمساك بالحزب ومن ثمّ التدخّل في الشأن العامّ، ومن دون أن تكون الأمور مصمّمة على نحو تآمريّ مسبق، قضى تركيب الحزب أن يكون ثلاثة من قادة اللجنة العسكريّة علويّين، أبرزهم محمّد عمران وثانيهم صلاح جديد، ثمّ حافظ الأسد، أمّا الاثنان الآخران، عبدالكريم الجندي وأحمد المير، فكانا إسماعيليّين. وبالطبع توسّعت تدريجاً اللجنة التي حافظت على سرّيّتها لتضمّ الضبّاط البعثيّين من سائر الطوائف، كأحمد سويداني ومصطفى طلاس من السنّة، وحمد عبيد وسليم حاطوم الدرزيّين، إلاّ أنّ قيادتها الفعليّة بقيت في أيدي المؤسّسين الخمسة.

.
انقلاب آخر في 28 آذار 1962 بقيادة العقيد النحلاوي وعبد الكريم زهر الدين

تمرد في حمص وعصيان وفتنة في حلب ردا على انقلاب 28 آذار 1962.

أعلن العميد بدر الأعسر قائد المنطقة الوسطى في حمص بعد ثلاثة أيام من انقلاب الثامن والعشرين من آذار مقاومته لهذا الانقلاب ، طالبا وضع حد لتسلط النحلاوي وجماعته على قيادة الجيش في دمشق، ووجوب مغادرتهم سورية فورا، فاضطرت قيادة الجيش في دمشق الى ارسال لجنة من الضباط في اليوم نفسه الى بعض المدن السورية لاستطلاع آراء الجيش في مختلف القطعات ولبحث هذا الموضوع الخطير وتسوية الخلافات بين ضباط الجيش الذي عقدت قياداته بتاريخ مؤتمرا في حمص تقرر فيه بالاجماع ما يلي 1 اذار 1962

أولا : اقصاء المتسلطين على الجيش (النحلاوي وجماعته) على أن يغادروا البلاد في اليوم التالي قبل الساعة الخامسة مساء.

ثانيا: تشكيل قيادة جديدة.
ثالثا
رفض اعادة الوحدة مع مصر فورا، والموافقة على تحقيق وحدة مشروطة ومدروسة، على أن يستفتى بها الشعب
رابعا العفو عن الذين اشتركوا بالتمرد والعصيان

ولكن بعض الضباط البعثيين والناصريين بقيادة جاسم علوان في حلب تابعوا عصيانهم وأعلنوا عدم قبولهم بهذه المقررات فرفعوا علم الجمهورية العربية المتحدة وطلبوا المؤازرة من مصر ولم يلبث عصيانهم ان باء بالفشل بتاريخ 4/4/62 وكان حصيلته استشهاد الضباط : نصوح النعال، كامل عرنوس، جميل قباني، صفوت خليل.

أصدرت محكمة أمن الدولة التي نظرت في جرائم هذا العصيان الاحكام التالية بتاريخ 17/1/1963

الحكم بالاشغال الشاقة المؤبدة على العقيد المتقاعد جاسم علوان.

الحكم عشر سنوات على الرائد حمد عبيد.

الحكم بالاعدام على الملازم الأول محمد ابراهيم العلي.

الحكم بالسجن المؤبد على الملازم الأول سعيد الدباح.

الحكم بالاعدام على العسكري المتطوع محمد مصطفى يوسف، والسجن بين سنة وعشر سنوات مع التجريد من الرتب والحقوق المدنية لباقي المتهمين، وتبرئة من لم تثبت عليه تهمة الاشتراك في القتل والعصيان.


حاول العقيد عبد الكريم النحلاوي مرة ثانية العودة الى سوريا والقيام بانقلاب اخر في 13 كانون ثاني 1963 ولكنه فشل ايضا وفر الى خارج البلاد وما زال .
في 8 آذار 1963 قام الضباط البعثيون بانقلاب مشابه لما قام به العراقيون في 8 شباط 1963
بيد أنّ الضبّاط البعثيّين لم يكونوا من غير شركاء، فقد لعب زياد الحريري دوراً بارزاً في تنفيذ الانقلاب، وهو ضابط مغامر كان مقرّباً من أكرم الحوراني قبل أن يبدأ العمل لحسابه الخاصّ، كذلك كانت هناك إسهامات ملحوظة لضبّاط ناصريّين، كجاسم علوان وراشد القطيني ومحمّد الصوفي، قادتهم بساطتهم إلى الظنّ أنّ استعادة الوحدة مع مصر سوف تتمّ في أيّام قليلة مقبلة.
والتوازنات هذه انعكست على التركيبة السلطويّة الجديدة، فعيّن لؤي الأتاسي، الضابط القريب من البعثيّين والذي يكنّ في الوقت نفسه عواطف ناصريّة، رئيساً لمجلس قيادة الثورة، وسُميّ زياد الحريري رئيساً لأركان الجيش، بينما كُلّف صلاح الدين البيطار بتشكيل حكومة هي مرآة القوى المشاركة في الانقلاب، لكنّها أيضاً مرآة الكتل البعثيّة الكثيرة والمتنافرة.
فقد مُثّل الناصريّون فيها بنهاد القاسم وعبدالوهاب حومد، وبمحمّد الصوفي الذي سُلّم وزارة الدفاع، وبسامي صفوان الذي انشقّ عن البعث وأسّس حركة ناصريّة أسماها «الوحدويّين الاشتراكيّين»، فضلاً عن هاني الهندي وجهاد ضاحي القياديّين في «حركة القوميّين العرب» المستظلّة يومذاك بمظلّة الناصريّة
ووُزّر من البعثيّين جمال الأتاسي وسامي الدروبي وسامي الجندي وعبدالكريم زهور ومنصور الأطرش وشبلي العيسمي والوليد طالب وإبراهيم ماخوس وأحمد أبو صالح وغيرهم، وهم يتوزّعون على تكتّلات البعث العديدة. لكنّ ما فاق الأسماء والحقائب أهميّةً كان منح الضابط البعثيّ أمين الحافظ حقيبة الداخليّة، فالوزير الجديد الذي جيء به من الأرجنتين، بعدما أبعده «النظام الانفصاليّ» ملحقاً عسكريّاً في بوينس أيريس، عُرف بخليط من الخفّة والدمويّة بوّأه، بعد أشهر قليلة، أرفع المناصب في دولة البعث الوليدة.
وبالفعل كان الحافظ أوّل أدوات البعث في صبغ وجه سورية الجديدة بالدم، ساعده في ذلك الإنجاز الأكبر والأطول عمراً لـثورة 8 آذار حالة الطوارئ والحكم العرفيّ .
بعد الانقلاب .بأربعة اشهر تم تصفية الناصريين والمستقلين واستتب الأمر للبعثيين .
يقول الدكتور نيقولاوس فان دام صفحه 130
كان انقلاب الثامن من آذار نقطة تحول أساسية في تاريخ سوريا المعاصر، حيث برز الدور السياسي للأقليات الطائفية، وخاصة طائفة النصيريين، وقد تلاه ضمور في دور المسلمين السنة.

1964 قامت احداث حماه .وهذه هي المرة الاولى التي تقف فيها الجماهير ضد سلطة الجيش كانت هذه الجماهير مسلحه ايديولوجيا بفكر آخر مناهض لفكر البعث .ونقيضه بكل شيء . على خلاف الأحزاب الأخرى التي تتنافس معه بالاشتراكية أو الوحدة أو قيادة الجماهير الكادحة والفقيرة .كانت حركة قوية تتمسك بإيديولوجيتها الدينية .تحمل ردا طائفيا على سيطرة بعض الضباط من الأقليات على مفاصل الجيش الهامة .كانت بداية الانشقاق الشعبي والجماهيري بين الذي يحمل فكرا إسلاميا والآخر الذي يحمل فكرا قوميا ومتحررا
لقد ظهرت أثناء قمع الحركة في مدينة حماه أعراض الأمراض الطائفية بين ضباط الجيش فقد حاول بعض هؤلاء الانتقام من مدينة حماه الأمر الذي افتضح داخل سورية وخارجها
بتاريخ 24/4/64 كتبت جريدة الحياة

إن المطلعين على مجرى الأحداث في حماه يقولون إن الذي قصف المدينة بالمدفعية هو العقيد حمد عبيد آمر سلاح العشائر، وانه اغتنمها فرصة للانتقام بسبب قصف جبل الدروز في عهد الزعيم اديب الشيشكلي بقيادة المقدم فؤاد الاسود
.
كما حذرت الصحيفة في العدد نفسه من السرطان الطائفي الذي يزيد المشكلة السورية تعقيدا ولقد أثارت محاولات الضباط الطائفيين الانتقام من مدينة حماه، ردود فعل لدى بعض الضباط السنة الذين التمسوا من الحافظ خلال الأحداث أن يسمح لهم .بالبطش بهم ولكن الحافظ وعدهم بأنه سيضع حدا لتصرفاتهم الانتقامية
في 23 شباط 1966 جرى انقلاب آخر أطاح بأمين الحافظ وقاده صلاح جديد وحافظ الأسد وسليم حاطوم دفع بضباط الاقليات أكثر إلى سدة اتخاذ القرارات .
في 28 ايلول 1966 قاد سليم حاطوم تمردا لم ينجح
يقول منيف الرزاز إن رائحة التوجه الطائفي داخل الحزب بدأت تظهر، بعد أن كانت همساً .. ثم تطورت هذه الأصوات إلى اتهامات لا تفتقر إلى الأدلة الكافية (التجربة المرة: ص 159، د. منيف الرزاز)
في هذه المرحلة على صعيد الجيش كان هناك ضباط من مختلف الاتجاهات الحزبية
وعلى الصعيد المدني .كانت الأحزاب السياسية تملأ الشارع والبيوت وتخيم بشكل كبير على الحياة الاجتماعية والسياسية .
من يصف هذه المرحلة بالطائفية واتخاذ الضباط توجها طائفيا هو يعكس وجهة النظر الوحيدة التي يهمها هذا التوجه وهي الحركات الإسلامية المتشددة التي بدأت تعلن عن نفسها وتنخرط في الشارع مستخدمة الخطاب الطائفي ضمن أجواء جماهيرية طائفية تساندها .
كانت القيادات السياسية والعسكرية . في هذه المرحلة تعكس وجهة نظرها ورؤيتها للمجتمع وإيمانها بأفكار طوباوية طهرانية في الثورة الاشتراكية وسيادة الديمقراطية الشعبية .وتحقيق العدالة الاجتماعية .والقضاء على الفقر وتحسن وضع الفلاحين والعمال المعيشية .ومحاربة البورجوازية المتسلطة والإقطاع الظالم .كانت مدعومة من حزب سياسي هو حزب
البعث الذي يضم بصفوفه مناضلين من كل الطوائف وبأغلبهم متجاوزين المسألة الطائفية .لإيمانهم بهدف اكبر وأسمى هو الوحدة العربية .
في هذه المرحلة الزمنية .كانت الأقليات الطائفية .بأغلبها منخرطة بالسياسة وبالأحزاب .ومن المنطق أن تكون أحزابها غير دينية .ففي البيت الواحد كانت تجتمع أغلبية الأحزاب . ويسجل التاريخ لمختلف الأقليات الطائفية في سوريا عدم انتظامها في حزب أو منظمة تعتمد فكرا طائفيا على عكس الطائفة السنية التي انخرط الكثير من أبنائها في حزب سياسي طائفي هو الإخوان المسلمون وانضم الكثير منهم إلى مجموعات طائفية أكثر تشددا من هذا الحزب
في هذه المرحلة بدأت تطفو وبشكل واضح وفاقع امراض وتناقضات الدولة السورية الصغرى .واشكالية مجتمعها المتناقض واستحالة السيطرة عليه .
على الرغم من تحمل الرئيس جمال عبد الناصر مسؤولية النكسة وخطف أضواءها عن حكام سوريا .إلا أنها أسست لردة فعل على المستوى الفكري والثقافي .والبت الناس على التفكير بأسبابها ومن يتحمل مسؤوليتها .ليأتي الرد البعثي أن النصر كان حليفهم لان إسرائيل كان هدفها من الحرب إسقاط الثورة ولكنها فشلت في هذا الهدف .
زاد الطين بلة .والمجتمع انقساما انقلاب حافظ الاسد على رفاقه .في 16 تشرين الثاني 1970 وايداعهم السجون .والانفراد بسلطة بدأ بتفصيلها على مزاجه وحسب رغباته . وبما تقتضيه حاجته للبقاء في الحكم . مؤسسا لمرحلة جديدة كانت الأسوأ في تاريخ هذا البلد القائم على الانقسام والتشظي .والاختلاف .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن