لماذا المقاومة المدنية تنجح وتحقق الإنتقال إلى دولة ديموقراطية؟

خلف علي الخلف
khalaf88@hotmail.com

2012 / 10 / 10

هناك نظرية شهيرة في الإدارة تسمى "نظرية القرود الخمسة" تقوم على استخدام أسلوب العقاب الجماعي لاحداث الردع، عبر نشر "الرعب من العقاب" لدى من تستهدفهم، ينطبق ذلك على البشر كما على الحيوانات، والنظرية باختصار تتحدث عن خمسة قرود في قفص وعنقود موز معلق وسلم يقود إليه، إذ تعاقب القرود جميعها برش الماء البارد حينما يحاول أحدها اعتلاء السلم للحصول على الموز بتكرار مستمر. وعند استبدال أحد القرود بقرد جديد سيحاول فورا القفز الى الموز لكن بقية القردة ستعاقبه دون أن يكون هناك ماء بارد ودون أن يعرف لماذا؟ وعند استبدال قرد آخر سيكون القرد الذي لم يعاصر الماء أول من المتحمسين لعقاب القرد الجديد عندما يحاول الصعود على السلم.. وهكذا سيكون في نهاية التجربة خمسة قرود لم تعاصر رش الماء (العقاب الجماعي) ولاتعرف لماذا عوقبت عندما حاولت اعتلاء سلم الموز لكنها ستمنع أي قرد يحاول اعتلاء هذا السلم وتعاقبه حتى يرتدع.

طبق النظام السوري هذه النظرية على السوريين طوال أكثر من نصف قرن، حتى وصل المجتمع السوري إلى المرحلة التي "يعاقب" فيها من يصعد إلى سلم الحرية، وبعد أعوام طويلة من حفلات رش الموت والتغييب والسجون وتدمير مدن وأحياء مارسها النظام بحق الجميع. أصبح السوريون يواجهون مستقبلا بلا أمل.

لكن الثورة قامت، كان ذلك مفاجأة للسوريين أنفسهم وللنظام أيضاً، الذي اعتقد أن روح التمرد انتهت عند السوريين، ومن يتمرد سيكون شخصا معزولا بلا أنصار، حتى من عائلته. لكن السوريين وباستلهام لروح الثورات العربية تمردوا متضامنين، لم يكونوا أفرادا هذه المرة بل كانوا جماعة قررت أن تهاجم أسّ السلطة "الطاعة"، تلك التي تجعل الحاكم يحكم فبدون طاعة من المحكومين لايمكن تنفيذ القرارات.

في مقابل نظرية القرود الخمسة هناك أسطورة "سيد القرود"، إذ يروي جين شارب في كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" الذي أصبح أشهر من أن يُعرّف في حقل المقاومة السلمية، أسطورة "سيد القرود" وهي أسطورة صينية قديمة من القرن الرابع عشر للمؤلف ليو جي تحكي عن رجل عجوز كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية، وكان أهالي تشو يسمونه جو غونج أي سيد القرود. وقد استطاع هذا الرجل البقاء على قيد الحياة من خلال احتفاظه بقرود لخدمته، فقد كان يجمع القردة كل صباح ثم يأمر كبيرهم أن يقودهم لجمع الفاكهة من الأشجار والعودة به إليه، وكان يعاقب كل قرد لا يلتزم بذلك بجلده، دون رحمة، وكانت معاناة القرود عظيمة ولكنها لم تجرؤ على الشكوى! حتى كان صعود قرد شاب من بين هذه القرود خاطبهم متسائلا: هل زرع هذا العجوز جميع أشجار الغابة؟ ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة منها دون استئذانه؟ فأجابوه: نعم نستطيع.. فأجابهم: لماذا إذا نعتمد على الرجل العجوز ولماذا علينا أن نخدمه؟
يعقب شارب قائلا: فهمت القردة جميعا ما كان يرنو إليه القرد الصغير، حتى قبل أن ينهي جملته، وفي نفس الليلة وعند ذهاب الرجل الهرم إلى فراش النوم، وغط في سبات عميق، مزقت القردة قضبان أقفاصها واستولت على فاكهة العجوز المخزنة، وأخذتها إلى الغابة ولم تعد إليه أبدا، وتركته حتى مات جوعا!
وكما يقول يو لي : "يحكم بعض الرجال شعوبهم باتباع الخدع، هؤلاء الحكام يشبهون سيد القردة، فهم لا يعون تشوش أذهانهم، ولا يدركون أنه في اللحظة التي يدرك فيها الناس أمرهم ينتهي مفعول خداعهم".
تختصر هذه الحكاية مفهوم السلطة ومصدرها ومكمن قوتها، فمكمن قوة السلطة هو طاعة الناس لها. في اللحظة التي يعي الناس أن هذا النظام لا يمثلهم ولا يريدونه أن يحكمه، ويقرروا عدم طاعته، فإنهم يجردونه من منبع السلطة التي يتمتع بها. هذا هو الأساس الذي تستند إليه المقاومة المدنية.

مفهوم المقاومة المدنية:

يمكن إجمال أساليب التغيير بثلاثة أساليب:
- الأسلوب الدستوري القانوني وهو الذي يتم تحت سقف الدستور والقووانين وعبرها ويستخدم الادوات التي يتيحها، بمافيها الاحتجاج والمظاهرات والإضرابات... ذلك يحدث في الدول الديموقراطية لكنه لايكون فاعلاً في الدول الديكتاتورية لأنه ليس هناك احترام للدستور والقوانين من قبل السلطة الحاكمة.

- أسلوب العنف المسلح وهو الخيار الذي يستخدم فيه الراغبون بالتغيير القوة المسلحة ضد خصومهم لإحداث التغيير وإزاحتهم من السلطة بالقوة العسكرية، ويحدث ذلك في الدول الديكتاتورية والديموقراطية على حد سواء سواء عبر الانقلابات العسكرية أو المواجهة المسلحة من كتلة من السكان مع السلطة الحاكمة والكتلة السكانية التي تقف إلى جانبها (حروب الاستقلال - الحروب الأهلية - الطائفية - الاثنية ...)

- أسلوب الكفاح السلمي أو اللاعنفي وهو الأسلوب الذي يقوم عن "الامتناع" عن طاعة السلطة، والقيام باعمال تخترق قوانينها وتعارضها وتستخدم لقضايا جزئية كالإضرابات الفئوية لمطالب محددة، كما تستخدم في القضايا المصيرية، للحصول على الاستقلال من دولة محتلة، ولاطاحة حكم ديكتاتوري وبناء دولة ديموقراطية.

من الطبيعي أن يبدو هذا العزل نظرياً فقد تتداخل أساليب ووسائل التغيير في نضال أحد الشعوب، فقد شهد التاريخ حركات مقاومة سلمية بجناح عسكري، وفي إطار النضال اللاعنفي الذي نركز عليه في هذه العجالة هناك شيوع لفكرة أنه يعني اللاعنف المطلق، لكن ذلك فكرة شائعة وفقط، فحتى غاندي الأب الروحي لهذا التعبير يقول "اللاعنف الكامل نظري تماماً كخط إقليدس المستقيم... فاللاعنف المطلق مستحيل". ومن هنا الحاجة لبلورة مفهوم "المقاومة المدنية" كبديل لمصطلحات أخرى لأنها توحي لفظياً باستخدام "القوة"، والتي قد تصنف عنفية وفق تنظيرات عديدة في هذا المجال.

ومن الواضح أن أسلوب المزيج، بين خيار المقاومة المدنية ووجود جناح عسكري أصبحت أمراً واقعاً في الحالة السورية، فالمسألة هنا لم تعد نظرية بحتة بقدر ماهي نظر لعناصر الواقع كما هو الآن، وإذا كانت المقاومة المدنية ليس من فلسفتها استخدام الخيار المسلح، فإنها تستخدم العنف، لكنه عنف خاص لايقود إلى إزهاق الأرواح ولا يهدف إليه، بل إن هدفه ضبط العنف المضاد المستخدم ضد الشعب المطالب بالتغيير، والحد منه، ويرى لويس بيرنيرت إلى النضال اللاعنفي الذي يختلط بالعنف بأنه "لا يتعلق بعنف السلاح، لكنه لايقل تدميرا عنه من حيث القوة". وفي ظل الثورة السورية التي هي خلفية هذه الورقة تبرز الحاجة إلى صياغة تعريف موجز للمقاومة المدنية:

"هي أحد أساليب النضال التي تستخدمها الشعوب من أجل التغيير، وتستخدم فيها جميع وسائل الكفاح السلمي اللاعنفي، إضافة لعنف غير مسلح وفي أدنى الحدود وبتصميم خاص يضبط العنف الموجه ضد مستخدمي الكفاح السلمي ويحد منه في إطار حركة شعبية عامة"

ويحدد شارب في كتابه هذا مصادر السلطة، لكنه كذلك يحدد مايسميه "نقاط ضعف الديكتاتوريات" ويذكر أربع طرق أساسية لإحداث التغيير هي : -الإقناع بالتغيير. - الضغط البسيط. - الإجبار علي تقديم تنازلات. - تفكيك النظام ، و هو أكثر الوسائل خطورة وصعوبة كذلك.

ويضيف شارب أن استخدام آليات "النضال اللاعنفي" تتيح تحويل المجتمع السياسي إلى مجتمع ديمقراطي بعكس أساليب العنف، بما تمنحه من وسائل إبداعية حرة للشعب للتعبير عن مطالبه، ذلك يحيد ويحرم السلطة من استخدام الوسائل العنفية في قمع الثورات، كما تساهم البدائل اللاعنفية في دعم وتأسيس المجموعات المستقلة عن الدولة، هذا رغم تعقيدات النضال اللاعنيف.
وتتدرج أساليب التغيير من اللاعنف الأقصى إلى الحرب العسكرية، إي من الاستهداف المعنوي البسيط إلى الاستهداف المادي عبر السلاح.

ولايمكن للمقاومة المدنية أن تعطي ثمارها في التغيير دون تبني مفهوما موحدا لها من "الحركة الشعبية" إذ يؤكد شارب على مسألة الخطة الاستراتيجية المحكمة للوصول لهدف التغيير المنشود، فلا يكفي لنجاح الثورات قوة العاطفة أو التمسك بالهدف بقوة، أو التركيز فقط على القضايا الفورية دون إستراتيجية بعيدة المدى وفي ظل هذه الاستراتيجية المحكمة يمكن ابتكار الاساليب الخلاقة والمبدعة وفق ظروف كل شعب وظروف سلطته الديكتاتورية.

لماذا المقاومة المدينة؟:

التأمل في مسار ثورتنا وفي خياراتها الأساسية، يجب أن يدفعنا لاختيار أسلوب المقاومة الذي يتسق مع الهدف النهائي المنشود لهذه الثورة وهو إقامة دولة ديموقراطية مدنية، هذا الاختيار يجب أن لايقوم على "الخيارات النظرية" والتي يجب أن تحددها أي خطة استراتيجيّة تتوخى الفاعلية، بل أيضاً يجب أن تلحظ الإمكانات المتاحة لهذه الثورة لإنجاز هدفها.
من الواضح بالنسبة لمسار الثورة السورية إن المسار الواقعي لها حاليا يمضي باتجاه تفكيك النظام، والتفكيك يقوم على استرتيجية طويلة المدى نسبياً، ويقوم بشكل أساسي على سحب الاعمدة التي يتشكل منها وتلك الأعمدة الساندة لها. ونرى أنها تتشكل من: - قوى الأمن – الجيش وقوات النخبة - - الجهاز البيروقراطي للدولة - أصحاب المصالح مع النظام - الكتلة البشرية الموالية للنظام - الكتلة البشرية الخائفة من البديل - غير المعنيين بمسألة التغيير - شبكة العلاقات الخارجية. وسنتحدث في هذه الورقة عن الأعمدة الأكثر تأثيراً.

بين المقاومة المدنية والعنف المسلح:

بشكل نظري مسلم به فإن السلطات الدكتاتورية هي من يحتكر أدوات العنف الفاعلة فهي لديها قوات الأمن والجيش وهي قوات مسلحة جاهزة، وفي ظل قيام مقاومة مسلحة تصبح مسوغات النظم الديكتاتورية في استخدام عتادها العسكري المنفلت من أي ضابط دستوري أو قانوني أو حتى أخلاقي أعلى بكثير منها في حالة المقاومة المدنية، فالعنف واستخدام القوة العارية لإكراه الشعب على الخضوع هو ملعب هذه الإنظمة، وعندما تقرر حركة شعبية التسلح لمواجهة عنفاً وقتلاً متوحشاً هذا يعني الذهاب إلى ملعب الخصم. إضافة لذلك في حالة اتخاذ قرار بالمواجهة المسلحة، وبغض النظر عن هذا المسوغ ، فإنها ستواجه نظاما جاهز العدة والعتاد بينما ستحتاج وقتا طويلا لبناء قدراتها البشرية والعسكرية لكي تكون قادرة على إلحاق الهزيمة به، وتحتاج وقتا لتدبير تمويلا كافيا لعملياتها المسلحة ومصادر للسلاح كذلك، فهو ليس سلعة يستطيع شرءها من لديه المال بل يحتاج موافقة دول لاسلطة عليها سواء تلك التي تبيع السلاح أو تلك التي ستسمح بمروره من أراضيها. وبمقابل هذا فإن العنف والقتل عندما يبلغ منتهاه في مواجهة حركة مقاومة غير مسلحة سيصبح مشلولا وعاجزاً عن إخمادها. وسنعقد مقارنة رئيسية بين الخيارين بناءاً على عوامل متعددة.

عامل النجاح:

مامن شك أن أي ثورة سواء كانت سلمية مدنية أو مسلحة أو مزيج بينهما، تقوم لأنها حسمت أمرها في إمكانية النجاح، ولاتقوم ثورة شعبية سواء نجحت أو فشلت إلا لأنها وجدت أن خيار تغيير النظام الذي تناهضة أصبح قابلاً للنجاح.
يوضح كتاب صدر مؤخراً للكاتبين ماريا استيفان وإيركا شنويث بعنوان «لماذا تنجح المقاومة السلمية، المنطق الاستراتيجى للصراع السلمى»، ويعرض تحليلات لـ 323 ثورة وانتفاضة وتمرداً رئيسياً من أجل الحصول على حق تقرير المصير وعلى الحكم الديمقراطى منذ سنة 1900حتى 2006. أن المقاومة المسلحة لم تنجح إلا بنسبة 26٪ فقط من الحالات، بينما وصلت نسبة نجاح حركات المقاومة السلمية إلى 53٪،قامت بها شعوب في أفريقيا وشرق أوروبا، و تحدت أنظمة من الحكم الشيوعي إلى الدكتاتوريات العسكرية اليمينية، ضمن بيئات جغرافية وثقافية وتاريخية متعددة.
هذه النتيجة تعطي مبرراً آخراً غير الإلتزام الأخلاقى أو الروحانى أو حتى السياسي نحو المقاومة المدنية، وهو أن المقاومة السلمية أثبتت قدرتها على النجاح. بعكس المقولات الشائعة عن أن الأنظمة الديكتاتورية لا يمكن الإطاحة بها سوى بقوة السلاح. ووفقا للكتاب المذكور فإن فرص نجاح المقاومة المدنية وفقا لتحليل إحصائي أكثر بست مرات من المقاومة المسلحة
وفي العودة لاستراتيجية التفكيك فإن جزءا أساسيا من النجاح هنا، سينتج عن إحتمالات الانشقاق في القوى الأمنية والجيش التي تزيد 23 مرة عندما تواجه مقاومة المدنية عنها في حال مواجهة مقاومة مسلحة وفقا لنفس المصدر. وعلى سبيل المثال فإن ثلاثة دول هي الفلبين وتيمور الشرقية وبورما فشل فيها الخيار المسلح في فرض التغيير بينما نجح خيار المقاومة المدينة لاحقا في كل من الفلبين وتيمور الشرقية.

عامل المشاركة:
إن المقاومة المسلحة ستكون حكراً على من هم قادرين على حمل السلاح، وبالتالي سيتم تحييد فئات كبيرة من السكان من الأطفال إلى الشيوخ إلى النساء وهو ما يخفض احتمالية النجاح، لانخفاض نسبة المشاركين من السكان من جهة ويحرم هذه الفئات من المشاركة في الثورة التي هي مختبر لتشكل الوعي السياسي وتعزيز ثقافة التمسك بالحقوق في مواجهة احتمالية عودة الاستبداد.
ومن الواضح أن مشاركة غير الحاملين للسلاح وغير الراغبين بحمله تكاد تنعدم في الصراعات المسلحة مهما كانت درجة الظلم الواقعة على الطرف الذي يدافع عن التغيير، ومهما بلغت درجة التعاطف معهم، فخطورة العنف هنا ليس فقط بما يحدثه بل في رفض التجاوب معه من كتلة كبيرة من السكان، فالنظرة العامة للحركات المسلحة تراها "متطرفة" بعكس المقاومة المدنية التي ينظر إليها على أنها مسالمة أو في الحد الأدنى أقل تطرفا. إضافة لهذا فعندما تقوم المقاومة المسلحة باستخدام القتل ضد جزء من السكان حتى لو كانوا مؤيدين للنظام فإنها تخسر التعاطف الشعبي، وبالتالي تقل إمكانية سحب أعمدة كثيرة من النظام تلك التي يعول عليها في تفكيكه. كالكتلة البيروقراطية لجهاز الدولة والمؤيدين الخائفين من البديل وغير المبالين بالتغيير، بل إن هذه الكتل ستلتصق بالنظام أكثر عندما يندلع العنف المسلح. فالمقاومة المدنية لاتشكل تهديدا بالتصفية لاعضاء وأنصار النظام الديكتاتوري، وبالتالي تزيد فرصة إنضمامهم للثورة أو تقل مقاومتهم لها في أدنى تقدير. وتكون قادرة بشكل حازم على إحداث تحولات في الولاء داخل أعمدة النظام.

عامل المخاطر:
إن أكثر الأقول الشائعة تواتراً هي القول إن استخدام السلاح هو لحماية المدنيين العزل من بطش الانظمة الديكتاتورية، ومحاولة إيقاف القتل الوحشي والعشوائي لهم، وبغض النظر عن مشروعية الدفاع عن النفس أخلاقيا وقانونياً، فإن أدبيات المقاومة المدنية تقول إن مقابل كل 4 ضحايا في الثورات المسلحة يقابله 1 في الثورات السلمية ، كما أن 63 بالمئة من ضحايا النزاعات المسلحة هم من النساء والأطفال.
وحتى لو سلمنا بتساوي عدد الضحايا في الحالتين فإن النزاعات المسلحة ينتج عنها "التهجير" بعكس المقاومة المدنية التي يكون احتمال التهجير فيها معدوماً تقريبا.
وكذلك فإن تدمير الممتلكات العامة والخاصة والنهب لايحدث إلا في النزاعات المسلحة ويحدث في إطار ضيق ومحدود فقط عند استخدام وسائل عنفية مقننة في المقاومة المدنية. وينتج عن الثورة المسلحة حتى لو نجحت بلداً منهكاً.
مقابل هذا من الواضح أن نسبة ومعدل الاعتقال في المقاومة المدنية هي أعلى منه في الصراعات المسلحة.

عامل القدرة الذاتية والعوامل الخارجية:
تعتمد المقاومة المدنية على إمكانات الشعب الذاتية، وقدرته على إحداث التغيير، وتحدث المقاومة المدنية التي تواجه بالعنف من قبل النظم الديكتاتورية تعاطفاً شعبيا مؤثراً من شعوب العالم وتحظى بتغطية واسعة من وسائل الإعلام، ويتحول هذا التعاطف في الغالب إلى "قرارات" تصدرها الدول المؤثرة كل على حدة أو عبر المؤسسات الدولية، بالمقاطعة السياسية والاقتصادية والعزل، والتي تساهم على المدى البعيد في عزل النظام، وإفقاده شرعيته الدولية التي لايمكنه العيش طويلا دونها، مع التسليم في كثير من الأحيان فشل هذه العقوبات لوحدها في إسقاط أنظمة ديكتاتورية. لكن لا يمكن إغفال أنها عوامل مساعدة
لكن المقاومة المسلحة سترهن مصيرها للتدخلات الخارجية، بدءاً من تمويل السلاح إلى إيجاد مصادره إلى موافقة الدول على مروره. وبالتالي يلعب الدعم الدولي للمقاومة المسلحة عاملا حاسما في قدرتها على الاطاحة بالنظام من عدمها.إضافة لذلك ستقع البلاد تحت كلفة هذا الخيار وتسديد كلفته سياسيا ومادياً.
وبمقابل هذا يصبح التعاطف الشعبي الدولي أقل وتغطية هذا النزاع في وسائل الإعلام أكثر هامشية ويقتصر في كثير من الأحيان على ذكر أعداد القتلى. كما يزيد من عوامل التصاق أعمدة النظام به عندما يصبح الأمر أحد أشكال الاعتداء الخارجي، فكثير من معارضي النظام الصربي وقفوا ضد قصف قوات الناتو له في التسعينات وبالنهاية لم يسقط تبعا لهذا العامل بل عبر مقاومة مدنية داخلية.

عامل الزمن:
أحد ميزات الربيع العربي هو قدرته على إنجاز التغيير السريع، ذلك كان عاملاً نفسياً مؤثراً إيجابيا على شعوب كثير من الدول للخروج بمظاهرات مطالبة بالتغيير، لكن هذا يجب أن لا ينسينا أن هناك ثورات شعبية استمرت عقوداً في مواجهة أنظمتها المستبدة والديكتاتورية، ووفقا للدراسات فإن عمر متوسط الثورات هو 3 سنوات بينما يزيد عمر الثورات المسلحة إلى ثلاثة أضعاف هذا الرقم أي 9 سنوات.

تحقيق الهدف من الثورة:
من الواضح أن هدف ثورة شعبية ليس مجرد الاستيلاء على السلطة بل بناء دولة ديموقراطية مدنية تتيح الممارسة السياسية وفرص المشاركة والرفاه للشعب.
وتظهر دراسات الى أن الفترة اللازمة للانتقال إلى دولة ديموقراطية بعد ثورة سلمية ناجحة هي 5 سنوات بينما هي 10 سنوات لثورة مسلحة ناجحة. ويقول أدريان كارتانايسكي وبيتر أكرمان في دراسة لهما بعنوان "كيف تربح الحرية: من المقاومة المدنية إلى الديموقراطية المعمرة" أن 50 ثورة مدنية استطاعت أن تنقل دولها إلى الديموقراطية من أصل 67 ثورة مدنية ناجحة بينما من أصل 20 ثورة مسلحة ناجحة فقط 4 استطاعت الانتقال إلى دولة ديموقراطية.
كما تصل احتمالات اندلاع عنف مسلح بعد الاطاحة بالنظام القائم عسكريا إلى 80 بالمئة وتنخفض إلى 18 بالمئة في حالات الثورات المدنية الناجحة.

الخلاصة:
وفقاً لأدبيات المقاومة المدنية فإن أي مقاومة ناجحة تعتمد على تنظيم صفوفها ، لأن القوة الجماعية هي أساس أي مقاومة مدنية، لذلك فإن إيجاد إطار حركي منظم لها، وبناء رؤية استراتيجيّة واعية للحراك لا تقوم على ردود الأفعال التي يقوم بها النظام بل يعتمد على الفعل وجعل الخصم دائما في حالة دفاع، تعتمد على الاستمرارية بذات الزخم وحماية الانشطة ومراكمة الخبرات التي اكتسبها النشطاء خلال حراكهم، والانحياز للسلوك الحضاري في إعطاء الناس دافعا للتغيير وتقديم المثل أو النموذج الوارد بعد التغيير.
وفي ظل كل هذا علينا أن نتذكر أن هدف المقاومة المدنية هو اجتذاب الناس بكل تياراتهم وانتماءاتهم ووظائفهم حتى الوصول إلى عصيان كامل أو مؤثر على السلطة. وهذا منوط بنشطاء حركة المقاومة وإطارها التنظيمي وله وسائل واستراتيجيات يمكن بنائها وفقا للظروف الموضوعية لكل بلد.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن