انتهت ازمة تشكيل الحكومة... ولكن!

عدنان موسى الكاشف

2005 / 3 / 1

.. وأخيرا تنفس المواطنون الصعداء بعد تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة التكنوقراطية، ما يعني بداية مرحلة جديدة على طريق الاصلاح والديمقراطية والنزاهة والشفافية في العمل السياسي والرسمي الفلسطيني.

ولكن هل ما سبق تشكيل الحكومة من ازمة هو قدر الشعب الفلسطيني، أم أنه قدر زعمائه السياسيين، وهل يعقل ان يظل هذا الشعب يعاني من صراع النفوذ والقوى داخل المؤسسات الرسمية ، وكذلك داخل حركة فتح تحديدا.
أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة، وقبل موعد الانتخابات صرح مرشح حركة فتح في حينه، والرئيس حاليا أبو مازن، أنه سيبقي على رئيس الوزراء احمد قريع، رئيسا للحكومة المقبلة بعد الانتخابات. ولما كان أبو مازن يدرك مسبقا نتائج انتخابات الرئاسة وفوزه المؤكد، فلماذا لم يعمد في حينه على توجهه الجديد لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات؟.
لماذا لم تجر مشاورات جادة وحقيقية مع شخصيات وكفاءات من المجتمع المدني منذ ذلك الوقت، لتشكيل حكومة جديدة تنسجم في برنامجها وتركيبتها مع الشعارات التي طرحت أثناء حملة ابو مازن الانتخابية؟.
بماذا يمكن تفسير هذه المماطلة والتسويف في انجاز وتحقيق المهمة المطلوبة على أكمل وجه، والتي حتما ستساعد على بناء الثقة من جديد بين المواطن والمسؤول؟ لماذا كل هذا الجهد وهذا الاستنزاف الهائل من الوقت في مناقشة أمور بديهية؟ ما كان ذلك يمكن ان يحدث لو انطلق النقاش من ارضية تنبع من المصلحة الحقيقية للجماهير الشعبية التي تعاني في المدينة والقرية والمخيم؟
تعالت صيحات النواب في المجلس التشريعي في اليوم الأول لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة، وشاهدنا وسمعنا وقرأنا ما قاله هؤلاء النواب، نصدق البعض منهم ولا نصدق البعض الآخر، لأن فيهم من ساعد على الوصول الى ما نحن عليه اليوم، لدرجة ان العديد من المواطنين اقترحوا بإستغراب وتساؤل مدهش:" لماذا لم يتم تشكيل حكومة من 80 وزيرا"!
ولعل ما ذهب اليه النائب فريح أبو مدين في توجيه الانتقادات للمجلس التشريعي ولومه لهذا المجلس واتهامه بالتقاعس، ما يشير الى عدم جدية أعضائه في متابعة المجلس لقراراته التي يتخذها- وهنا نورد على سبيل المثال لا الحصر- عندما أمهل الحكومة مدة شهر للكشف عن ملابسات وغموض مرض ووفاة الرئيس الراخل ياسر عرفات، وقد مر الان أكثر من شهرين، ولا من سائل ولا مجيب!!
يبدو للأسف أننا نتخذ بعض القرارات إما بشكل ارتجالي، أو إرضاء مؤقتا لمطالب الجماهير العامة، ولكن هل تنسى هذه الجماهير !
إن الوضع المتأزم الذي ينشأ عند تشكيل كل حكومة جديدة، يعكس أزمة نهج مارسته حركة فتح أثناء قيادتها للسلطة، باعتبارها الحزب الحاكم، ونحن هنا عندما نتحدث عن فتح، لا نعني على الاطلاق التجريح او المس بهذه الحركة ذات التاريخ النضالي الطويل، بل لمصلحة فتح نفسها، ولعل ما قاله النائب صلاح التعمري لأنه ابن فتح وخوفا عليها سيصوت ضد الحكومة، والنائب داود الزير حين أعرب عن تخوفه بأن يؤدي هذا الاداء الى تحويل حركة فتح "حزب معارض ضعيف اذا تجاهلنا كافة الأمور".
لقد أعرب العديد من النواب عن وصفهم لما يجري اليوم، بما جرى أثناء تشكيل أبو مازن لحكومته قبل نحو عام ونصف واختلف مع الرئيس عرفات حول الصلاحيات، ويتكرر الأمر معه ( ابو مازن ) الذي يرى نفسه رئيسا منتخبا يواجه بقيود تتمثل بوجود رئيس وزراء يتيح له القانون انتزاع الكثير من الصلاحيات.
ان الخروج من مثل هذه الازمات وغيرها في النظام السياسي الفلسطيني، يتطلب سرعة واقرار المجلس التشريعي لقانون الاحزاب، وكذلك لمشروع القانون الانتخابي المختلط ( الدوائر+ النسبي) على طريق الوصول الى قانون انتخابي عصري يقوم على التمثيل النسبي، واعتبار الوطن دائرة انتخابية واحدة، والذي من شأنه ان يعزز دور الحياة السياسية من جهة، ويقضي على العشائرية والحمائلية من جهة أخرى، ويكرس الديمقراطية نهجا في الحياة السياسية الفلسطينية، لتصبح التعددية السياسية وتداول السلطة امكانية واقعية وليست حبرا على ورق.
وحتى لا يبقى ذلك مجرد أمنيات، فإن القوى السياسية الفاعلة في المجتمع الفلسطيني مطالبة بالعمل جاهدة على تحقيق ذلك، وفي اعتقادنا، ان أولى الخطوات والمؤشرات الايجابية في هذا الصدد، تكون في ممارسة الديمقراطية في الحياة الداخلية لتلك الاحزاب والقوى، عبر عقد مؤتمراتها العامة ، وخلق الآليات والميكانيزم التي تؤمن كل اشكال المشاركة السياسية وصنع القرار لاعضائها، والا يصبح الحديث والطلب من المواطنين والجماهير المشاركة في صنع القرار السياسي فارغ من مضمونه، ويستهلك فقط كشعار عند كل انتخابات في اية مؤسسة كانت.
واذا ما جرى ذلك بكل جدية، فإننا لم نعد بحاجة الى حوار وطني كالذي يجري بين فترة وأخرى، وتصبح الجملة الممجوجة ترتيب البيت الفلسطيني، من وراءنا ومن مخلفات الماضي القديم، ونلتفت الى قضايا ومسائل أكثر جوهرية تهم الوطن والمواطن، وأهمها التسريع في انجاز مهمة التحرر الوطني واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي طال انتظارها.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن