محمد الفارس يكتب عن مدخل لقراءة العالم الشعري للسمّاح عبد الله :

السمّاح عبد الله
Alsammah63@yahoo.com

2012 / 9 / 22

مدخل لقراءة العالم الشعري للسمّاح عبد الله :
خديجة بنت الضحى الوسيع
محمد الفارس


في رحلته الشعرية، نتعرف على المشروع الشعري للشاعر " السمّاح عبد الله " من خلال دواوينه الشعرية المتتالية، ونتوقف مع ديوانه الأول " خديجة بنت الضحى الوسيع " الذي يمثل المدخل الأساسي لمعرفة مكونات مشروعه الشعري .

" خديجة " هي المعرفة التي أبدعت الشاعر السمّاح عبد الله، وهي التي جعلت الشاعر يعرفها بـ " الوطن الجغرافي "، الذي بجغرافيته صنع ويصنع التاريخ .

المكان مهد الديانات، وما قبل هذه الديانات، والزمان تاريخ صنعته الشعوب، في علاقة جدلية بين الغزاة والمصريين القدماء، من غزو الهكسوس حتى صراع الإمبريالية مهما اتخذت من أسماء أخرى .

كان الشاعر يهمس بينه وبينه، داخل عالمه الداخلي في وجه المعاصرة، بعد أن جاء من جنوب النيل إلى القاهرة، فأحس أنه وحيد مغترب، وأحس أنها مدينة خاوية رغم زحام الناس، لذا دخل إلى نفسه باحثا عن هذا الشيء المفقود : " خديجة "

شماليةٌ
، ربما راودتها بلادُ الجنوبِ
، فوحَّدت النيلَ من أول النبعِ حتى نهايته
، واستعاضت عن السفر المتواصل
، بالسفر المتواصل
وضفَّرت الطميَ بالوجعِ القاهريِّ
، وخشَّتْ إلى زمني
، واصطفتْني .
( قصيدة " خديجة " ص 16 – 17 )

إذن، فشاعرنا العربي " السمّاح عبد الله "، وجد أن لا مفر في الحياة داخل دائرة مغلقة، ليبحث فيها عن وجودية الوجود وإنسانية الإنسان، يقول لها :

اطردي عشاقك المكتوب في دمهم تواريخ الطلوع البرتقاليِّ
، اطردي الزيتون والحاجات والعذراء والعسس الكثيرين
، البنادق والرصاص روائح البحر القديم وجثة الجنديِّ
، والطلقات كوني أنت واحدةً وقُصَّادٌ كثيرون اشتهوا أن يبصروك
، وما رأوا عينيك كوني أنت عاشقة وعشَّاقون توَّاقون
، دسوا في صدورهمُ هوى للبوح
، كوني أنت عاشقة وواحدة وكل الناس مجموعون
دمى سارٍ عصافيرا يجوب الأرض والحاجات مقصده
دمى شيخ تعبد فى بلاد الله والعذراء زوجته
دمى متغربٌ في الناسِ وحدك أنت بلدته
، دمى سارٍ بياقوت الخلـيِّين اكتسى بحنينه الصاحي
، وشُرِّبَ مهرجان الوجد كونى أنت واحدة
، أحاديٌّ أنا الآن انفردتُ وكنت مجموعا
أحاديون منذ الآن نحن
وكل سوف يهواك
بسكته الخصوصية
( قصيدة " ماذا يفعل الواحد " ص 124 – 127 )

شاعرنا العربي يدخل التضمين والتناص ( في بعض الأحيان ) مع التراث العربي والتراث الإسلامي كسيمائيات داخل أشعاره، فنرى خديجة دالة الأمومة والرعاية للمصطفى المختار محمد ( صلعم ) يتحول إلى دلالات متعددة، الواحد يتكثر يتجانس ويتوافق مع الشاعر الواحد الذي كان مجموعا، توحد ثنائية من ضدين : واحد يتكثر، ومجموع يبقة واحدا، هنا تتضح ماهية أسلوبية الصوفية في قصائده، بل تعود هذه الثنائية في الظهور بدءا من عنوان ديوانه ( أحوال الحاكي ، - ثنائيات ) .

من الدلالات المتعددة للمفردة " خديجة " دلالة اكتشاف النبل والسمو في أعلى درجاته، إنها قوة روحية بلا حدود، هي التي اكتشفت العالم الفوقاني عند الرسول ( صلعم ) قبل النبوة وقبل الرسالة السماوية، التي أنزلت لتحرير العبيد في ظل نظام قبائلي تجاري سيادي، يشتري العبيد لتحقيق مآربه الرأسمالية حسب هذا الزمن وقتذاك .

الفرق بين النبوة والشعر أن أي نبي مكلف بتبليغ رسالة من السماء إلى البشر، بينما الشاعر مكلف بتبليغ رسالة من ذاته إلى البشر، الفرق بين الرسالتين، أن رسالة النبي والرسول من الخالق، وأن رسالة الشاعر من مخلوق .

وفي الدلالات المتعددة، تتحول أيضا خديجة، إنها بنت الضحى الوسيع، تتحول إلى دوال أخرى : الأرض / النماء / الخصوبة / إيزيس، كذلك تتحول إلى دال الأرض التي منها وعليها نعيش وفيها ندخل بعد انتهاء حياتنا التي كنا فيها ونحن أحياء، أرض العروبة والإسلام من المحيط إلى الخليج بما فيها فلسطين، إنها الأرض والحياة والمرأة، الواحدة والكثرة ذات الدلالات والمدلولات داخل التاريخ، تتحدى التشيؤ، إن " خديجة " – أيضا – طريق إلى الفوقاني، حيث العدل الحقيقي والحق الحقيقي والجمال الحقيقي، وهو أيضا طريق إنزال هذا العالم إلى الواقع بكل تناقضاته، أي أنه طريق صاعد ثم طريق نازل .

يقول الوحيد خلال رحلة التفرقة بين الشاعر والنبي :

إن خديجة تهمس لي أن نبقى في بلد واحد
حسنا سأزوج كل مدارات الفلك
للكرة الأرضية
يا بلدا عطّشني
يا بلدا غرّبني
يا بلدا خلاني بردانا طول العام
إن خديجة تكره سكنى الأدوار العلوية
أقسم - يا بلدا عطّشني –
، بِتَسَكُّنِهَا في أحد الأدوار العلوية
سأصالح بين ضفائرها والعشب .
( قصيدة خديجة تكره سكنى الأدوار العلوية ص 82 – 83 )

يقول المغترب السمّاح عبد الله إنه سوف يصالح بين ضفائرها والعشب، ( سيماء البراءة والطزاجة )، فالواقع واقع اغترابي نتيجة تحول الإنسان إلى شيء ورقم، إن خديجة تشي بالنبل والكشف عن المخبوء، الذي لم يأت بعد، يرى الشاعر إمكانية المصالحة بين ضفائر محبوبته والعشب، من أجل تحقق عملية الصعود والهبوط السابق ذكرها، ليحقق انتصار الإنسان على عالم الأشياء والمادة وقهر الإنسان، كيف ؟ حين يكون النبل / الطزاجة / الشعر، حين يكون الشعراء الأطفال ، حين يكون الشاعر والنبي مسيطرين على المادية والأشياء، يقول السمّاح عبد الله :

، تنهض الأرض حين أكون أنا فوقها مالكا
، وتمور البراكين يهطل مزنٌ تدك الجبال
عندها سأحطك بين الحواجب وشما
، ليعرفني الله يوم القيامة
إننى مالك يا إله
اشتريت خديجة منك ومن سفر الناس
، من غضبة البحر من مهرجان الرحيل
صارت الأرض مملوكة والمماليكُ
، هذى علامة بعثي أقولك بين يديه
، ويسألني عن صلاتي أقولك يسألني عن صيامى أقولك
، يسألني عن هواي أقولك يسألني وأشير على حاجبىَّ
، أقول له : وشمها يا إله
سوف يعرفني فافرحي .
( قصيدة عندما تستحيلين لي ص 43 – 46 )

يعمق شاعرنا العربي السمّاح عبد الله رؤياه في عالمه الشعري ويكثف دلالاته وسيمائياته داخل فضاء قصيدته، ويكون ديوانه الثاني ( مكابدات سيد المتعبين ) ثم الثالث ( الواحدون ) الذي كل قصيدة فيه باسم واحد متوحد أمام هذا العالم الجهم مثل المعري ولوركا وسلفادور دالي وأبي ذر الغفاري والحلاج وسيزيف وأوديب ( هذا الذي يهيم في برد الصحارى محتميا من الصقيع بالصقيع ) وقيس بن الملوح ( تعبت وصرت أسير التباريح، والذي تتصيده قبض ريح ) .. هذا الديوان قهر للتشيؤ داخل الوحدة / الحزن / التطهر / الصعود / الهبوط .

محمد الفارس



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن