شركة الاتصالات تربح 150 مليون دولار وشبابنا يحترق؟!

عبد الكريم عليان
elkarim76@hotmail.com

2012 / 9 / 6


قبل أن نبدأ الحديث عن مرابح شركة الاتصالات ـ اللهم لا حسد ـ علينا أن نوضح أن حكومتنا المبجلة قد انتهجت في سياستها الاقتصادية ( سياسة السوق ) الليبرالية، وهذه السياسة لا تلائم مجتمعنا الفقير والغير منتج والذي يعتمد بالدرجة الأولى على المنح والمساعدات المقدمة من الدول العربية والعالمية، وإذا ما لم تتكرم تلك الدول علينا من فائضها، فإن الحكومة الفلسطينية تعجز عن تغطية رواتب موظفيها.. ربما تكون تلك السياسة مفروضة على حكومتنا من تلك الدول لأهداف سياسية.. إن كان كذلك فإن سياستنا ومشروعنا الوطني لن يتقدم خطوة إلى الأمام؛ فها نحن بعد سبعة عشر سنة من هذه السياسة وصلنا إلى حالة من الانحطاط على كافة الصعد سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا... أول مفاهيم السياسة التي تعلمناها منذ الصغر هي: "اقتصاد قوي يؤدي لسياسة قوية والعكس صحيح.." من هنا على حكامنا أن يتحملوا المسؤولية عن سياساتهم وقراراتهم.. إن الليبرالية المتوحشة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأغنى والأكبر إنتاجا في العالم قد تعرضت لهزات اقتصادية قوية لم تزل آثارها على العالم المتذيل لها رغم مرور عدة سنوات على الأزمة.. وتجدر الإشارة أن الأزمة لم تكن أزمة إنتاج؛ فالمجتمع الأمريكي يستهلك واحد من سبعة عشر من إنتاجه القومي!! فلماذا نحن نتبع نفس السياسة الاقتصادية المجنونة ونحن لم نعد دولة بعد..؟! ألم يبشرنا السيد رئيس الوزراء قبل أكثر من سنة بأن السياسة التي تنتهجها حكومته ستعمل على بناء الدولة؟؟ مضى عام 2011 وستمضي كثيرا من السنين دون دولة أو غير ذلك.. ما نختصره هنا في أن الحكومة وظيفتها الأساسية تكمن في القاعدة التالية، وهي: " تقديم كافة الخدمات للمواطنين بأعلى جودة ممكنة وأقل تكلفة ممكنة.." وهذا يتطلب أولا من المجلس التشريعي مراقبة عمل الحكومة حسب القاعدة، وعلى الوزراء أن يقيسوا قراراتهم وسياساتهم وفق مصلحة الجمهور والظروف التي نعيشها، أما أن حكومة قد فشلت في إدارة مشروع كهرباء، وهو مشروع صغير وصغير جدا أمام المشروع الوطني فلا أمل ولا جدوى من هذه الحكومة، والأفضل لها أن تقدم استقالتها بدلا من تدهور الأمور أكثر..؟! أما قطاع الاتصالات الذي يوفر ربحا كبيرا لا تربحه شركات مماثلة في دول غنية ودول كبرى فهذا يضعنا أمام أسئلة كبيرة؟؟
قطاع الاتصالات في فلسطين كما الكهرباء كان في السابق قطاع عام، صحيح أن ذلك قبل ثورة الاتصالات وقبل الزيادة السكانية، لكنه لم يكن يسعى إلى الربح الوحشي كما يسعى الآن! وبالمناسبة إننا في غزة الفلسطينية مؤخرا نشعر باستغوال، ووحشنة لم تسبق لها مثيل من قبل المؤسسات الاقتصادية الكبيرة والصغيرة ، والتجار كبارا وصغارا.. ناهيك عن البنوك وما تقوم به من سرقة وابتزاز للموظف.. الكل يريد أن يجمع أكبر قدر من الربح على حساب المواطن الفقير.. وللأسف الشديد كل هذه المؤسسات تدعي الوطنية وتساهم في بناء الوطن.. يا للغرابة ! هذا هو رأس المال لا أخلاق ولا ضمير ولا أخوّة ولا انتماء ولا وطن..
قال لي أحد المهتمين والذي عاصر غزة في حقب مختلفة: إن تجار وكبار غزة أو رأس المال الغزي ليس له علاقة بالوطنية إذ عملوا وتفاهموا هؤلاء مع الحكم المصري حتى عام 1967 وكذلك مع الحكم الإسرائيلي، ومن بعده مع الحكم الفلسطيني، وهاهم على أكثر وحشية مع الحكم الحمساوي الذي أسس حزبا فاشيا لحماية هؤلاء..؟ كيف يمكن أن نصدق بأن شركة الاتصالات تحقق ربحا صافيا في العام 2011 بلغ مائة وخمسين مليون دولار ـ حسب بورصة فلسطين ـ في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة نعيشها سواء في غزة المحاصرة أم في الضفة المخنوقة والمرتبطة بالاقتصاد الإسرائيلي؟؟ وبالتأكيد ما حققته من ربح شركة الاتصالات الفلسطينية لم تحققه شركة مماثلة في إسرائيل أو أمريكا.. لسبب بسيط ، وهو أن حكومات هذه الدول لديها سياسة ومفهوم وفلسفة مختلفة عن حكوماتنا، وتتلخص هذه السياسة بأن الاتصالات وما تبعها من منظومات تقنية تعتبر من البنية التحتية الأساسية لشعوبها حتى تنمو وتتطور فينعكس ذلك التطور على باقي المجالات والصناعات الأخرى.. من هنا جاء تقديم هذه الخدمات للمواطنين بأقل تكلفة ممكنة وأعلى جودة.. ولو قمنا بمقارنة بسيطة بين فلسطين والكويت وأمريكا وبريطانيا لأسعار خدمة الإنترنت سنكتشف فورا صدق ما نقول وهي موضحة كما يلي:
في فلسطين للوحدة 1MBتساوي 275 دولار سنويا ، أما في الكويت نفس الوحدة فإنها تساوي 23.5 أي سنويا،أي ما يقارب دولارين شهريا. أما أمريكا فأدنى وحدة لديها هي: 20MB وتساوي29.5 دولار سنويا أي ما يقارب دولارين ونصف شهريا. أما بريطانيا فأصغر وحدة لديها هي: 38MB وتساوي 27.4 دولار سنويا، ولنأخذ الدرجة الثانية في الأسعار في فلسطين للوحدة 2MB فإنها تساوي 480 دولار سنويا، وفي الكويت لنفس الوحدة فإنها تساوي 36.5 دولار سنويا، أما في أمريكا فالوحدة الثانية هي: 30MB وتساوي 68.4 دولار سنويا، وفي بريطانيا 36MB فإنها تساوي 49.5 دولار سنويا. أمام تلك الفروق المذهلة هل يمكن أن نقارن فلسطين مع الكويت أو أمريكا أو بريطانيا؟؟ ناهيكم عن مستويات دخل الفرد في تلك الدول مقارنة بنا؟؟ يا للعجب! مسكين المواطن العربي.. أليس في هذا المثال كذلك أمثلة أخرى في باقي القطاعات نتيجة السياسة الاقتصادية المتبعة في الدول العربية والتي دفعت بشعوبها إلى ما يسمى بالثورات بغض النظر عن نتائج تلك الثورات..؟؟
من المعروف أن شركة الاتصالات الفلسطينية المحتكرة لقطاع الاتصالات منذ زمن طويل كانت قد كونت رأسمالا ضخما من جيوب المواطن المسكين والمقهور من الاحتلال من جهة ومن أخرى من ينهب قوته يوميا، بعد أن كبرت هذه الشركة وتشعبت إلى عدة شركات هي الاتصالات الأرضية ويتبعها شركات لخدمات الإنترنت وعلى رأسها شركة حضارة، وكذلك شركة الجوال التي بقيت محتكرة للاتصال الخلوي حتى عهد قريب دخلت الشركة الوطنية في الضفة الفلسطينية، وبقيت الجوال محتكرة هذا القطاع في محافظات غزة إلى اليوم. إضافة لشركة بال ميديا التي عرفت حديثا أنها ضمن مجموعة شركة الاتصالات الفلسطينيةPALTEL ، وتحتكر هي الأخرى اتصالات الأقمار الصناعية والخدمات المقدمة للصحفيين من مونتاج وتحرير وبث عبر الفضائيات العالمية.. ولا نعرف إن كانت هناك شركات أخرى..؟ مثال الأسعار الخاص بالإنترنت ينطبق على جميع الخدمات الأخرى التي تقدمها شركة الاتصالات، وذلك لا يكفي إذا ما فحصنا جودة تلك الخدمات التي يشكي منها المواطن بشكل مستمر وهذا يقودنا إلى تساؤل جديد عن مدى جودة الأجهزة التي تبث الإنترنت عبر خطوط الشركة للمواطنين ومدى سعتها لتغطية حاجات الناس.. ففي حالة أو ظاهرة لدى غالبية المشتركين حيث السرعة المقدمة للمشترك والتي تجبي من خلالها الشركة مبالغ هائلة حسب تلك السرعة، وأي من المشتركين يقوم بفحص تلك السرعة إن كانت حقيقية كما هو يدفع مقابلها للشركة؟؟ وهل بمقدور المشترك فحص تلك السرعة ؟؟ أعتقد أن معظم المشتركين غير متخصصين في فحص السرعة.. ومن جهة أخرى نادرا ما تستمر الخدمة دون انقطاع، وإذا ما انقطعت لفترة طويلة يقوم المواطن بالاتصال بالإصلاح الفني والإعطاب، فيرد الفني من الشركة ويرهق المواطن بالقيام بخطوات عقيمة يصلح الإنترنت بعض من الوقت وإن استمر في ذلك اليوم دون انقطاع فأنه في اليوم التالي تعود نفس المشكلة وهكذا.. يستمر عذاب المواطن إلى درجة اليأس دونما يتدخل أحد لإنقاذه أو التخفيف عنه.. من جهة أخرى في غزة من المفترض أن يتلقى هذه الخدمة على مدار الساعة طيلة الشهر، لكن الكهرباء لن تصله أكثر من 400 ساعة في الشهر حيث يخسر أكثر من 320 ساعة شهريا أي أكثر من 44% شهريا فهل فكرت الشركة العظيمة التخفيف عن المواطن الغزي المقهور سياسيا واقتصاديا وثقافيا..إلخ على اعتبار أنه لا يستخدم الإنترنت لأكثر من ثلاثين في المائة حسب حصته من الكهرباء..
كان ذلك شيء بسيط من معاناة المواطن بالنسبة لخدمة واحدة من خدمات الخطوط الأرضية، أما باقي الخدمات فلا تختلف كثيرا عن خدمة الإنترنت مادامت سياسة الشركة هي الاستغوال في الربح دون حساب من أحد.. أما خدمات الجوال فحدث ولا حرج بدء من سوء الخدمة وانتهاء بالأسعار المرتفعة قياسا بدول أخرى محيطة ودول عالمية بعيدة.. فهي تشحذ الهمم وتخترع طرقا في السلب والنهب من جيوب الناس مستخدمة التكنولوجيا بحيث لا يشعر المواطن بذلك، وبدلا من أن تخفض أسعار المكالمات كي تتناسب وظروف الناس أبقت الأسعار كما هي وكأن شعبنا يعيش في بحبوحة من العيش نحسد عليها.. ولو ناقشتهم في ذلك يقولون : أن أسعارهم معقولة مقارنة بدول المنطقة.. ويقارنوها بالأسعار في الكويت أو السعودية أو الأردن ، ولا يقارنوها بإسرائيل المرتبطة بها اقتصاديا وتجاريا ـ إذ من المعروف أن أسعار المكالمات الخلوية والأرضية أرخص بكثير من كل الدول العربية، جدير بالذكر أن شركة جوال للاتصال الخلوي هي الشركة الوحيدة والمحتكرة للسوق الفلسطينية، وأن شخصيات إسرائيلية سياسية لها نفوذا قويا في إسرائيل تمتلك أسهما كبيرة في هذه الشركة، وقد يعزي هذا تأخير أو عدم سماح إسرائيل بإعطاء ترددات جديدة لشركة كويتية حازت مؤخرا على ترخيص جديد من السلطة الفلسطينية بتشغيل خطوط خلوية في غزة لتبقى شركة جوال تلتهم أكبر ربحا ممكنا من الناس.. وفي هذا ضغطا سياسيا إضافيا يضاف لسياسة إسرائيل العنصرية ضد شعبنا لتتراكم معاناة إضافية لمجموع المعاناة التي نعاني منها، أما سرقة الأموال بدون مقابل فقد تكررت ظاهرة خصم في حال استقبال مكالمة من الجوال المستقبل دون تفسير مقنع لهذه السرقة؟ وكذلك من يتتبع الخصم في كل مكالمة يقوم بها المتصل فإنها لا تتطابق والتسعيرة المنشورة من قبل الشركة بمعنى إذا كان سعر الدقيقة يساوي 0.34 شيكل للدقيقة فعندما تجري اتصال ما ولن يأخذ منك الاتصال ثواني معدودة وأحيانا يفتح الخط ويغلق فيتم الخصم كاملا؟؟ وأحيانا أخرى خصوصا وقت الذروة كما يسمونها فإن الخط يلتقط بصعوبة فمطلوب منك أن تقوم بإجراء أكثر من اتصال وفي كل مرة يتم فيها الخصم، لتصبح فتحة الخط دقائق وليست دقيقة واحدة؟؟ من يا ترى يعيد للناس أموالهم المسروقة وحقوقه المهدورة ؟؟ هل عندنا قضاة عادلين ونيابة أمينة ورقابة نزيهة وحكومة سديدة تستطيع أن تعطي الناس حقوقها ؟ أم أن الأمر سيان ويضاف إلى صعوبة تحقيقه .. كصعوبة التفاهم مع المحتل الغاصب ..؟!
الأمر الأخطر مما ذكر فيما لو عدنا إلى الحرب على غزة في العام 2008، وهو كيف استخدام الجيش الإسرائيلي لخطوط وأرقام المقاومين والنشيطين في مقاومة الاحتلال كدليل وإرشاد وتصويب صواريخهم الجبانة في اغتيال أبنائنا الأبطال .. إذ كان واضحا للجميع أن طائرات الاستطلاع صوبت صواريخها نحو الهدف عن طريق أرقام الأجهزة التي يحملونها المستهدفين وشعبنا في غزة أكد في حينها مئات القصص التي حدثت في عمليات الاغتيال عن طريق خطوط الجوال، وأقرب مثال على ذلك : هو كيف يمكن أن يصوب صاروخ من الجو نحو فرد يمشي على الأرض دون أن يخطئ هدفه ويختار الهدف من بين مئات الأفراد الذين يسيرون في الشارع كما حدث في اغتيال الشهيد القائد إبراهيم أبو علبة وكذلك الشهيد عبد الله الغصين في شوارع مخيم جباليا .. وبالتأكيد وصل مسامع الشركة العظيمة ! تلك القصص، لكنها لم تقم بتفسير ما جرى حتى اليوم..؟ لكن مهندسيها الأشاوس برعوا في تفسير مبررات سرقة أموال الناس بطرق متعددة ؟! وللأسف الشديد لم تقم هذه الشركة بالاحتجاج أو رفع دعوة ضد الجيش الإسرائيلي لاستخدامه لخطوط وتكنولوجيا مدنية وجدت لخدمة الناس وليس لاغتيالهم؟؟
اخترنا تلك النماذج من رأس المال العامل في ظل السياسة الاقتصادية الليبرالية المتوحشة في فلسطين التي ليست دولة بعد، وشعبها يعيش حالة من الضنك يعرفها الجميع أدت إلى شرذمة الصف الفلسطيني وتحويل المقاومة والثورة إلى شريحة من البرجوازية التي لا يهمها سوى جمع أكبر قدر ممكن من المال يحميها حزب فاشي حاكم لا يعنيه هموم المواطن الذي بدأ يشعل في جسده النار بعد غمرها بالبنزين مشكلا ظاهرة قاسية ومؤلمة تعبيرا عن الغضب الشنيع والخلاص من الحياة القاسية التي وصل إليها الشعب الفلسطيني.. فهل لدهاقنة السياسة الاتعاظ مما جرى ليقوموا بتصويب الأمور وقلب السياسة الاقتصادية من الليبرالية المتوحشة إلى اقتصاد مقاوم يحمي شعبنا ويقوده إلى التقدم وتحقيق أهدافه..؟!
ملاحظة: وصل الغليان في غزة ذروته مع ظاهرة الحرق مما لفت انتباه إسرائيل فقامت الليلة الماضية بالتصعيد من خلال استهدفها للمواطنين.. فتذكرت مقولة الكاتب والروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي، حينما قال: " عندما تغرق الحكومة الصهيونية فإن الفلسطينيين يمدون لها حبل النجاة والعكس صحيح.." وكان يقصد تفجيرات حماس داخل الكيان الصهيوني، وهاهي إسرائيل تسد الدين لحكومة حماس من التصعيد لإلهاء الناس وتحويل الأنظار كي تبقي على الانقسام أكبر فترة ممكنة!!
ملاحظة ثانية: الكهرباء في غزة متواصلة منذ يومين ولم تنقطع كي تخفف من الاحتقان والغضب بعدما احترق الشاب إيهاب أبو ندى، ومحاولات أخرى من الاحتراق في الوسطى..





https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن