الرهان على سوريا لبنانياً

فؤاد سلامة
f.salame@hotmail.com

2012 / 8 / 1

لم يكن الرهان على الخارج امراً طارئاً أو مستهجناً في السياسة اللبنانية. فلكل فريق لبناني خارج يتكىء عليه في الملمات ويستقوي به على خصومه وقت الحاجة. هل يبدو الرهان على سوريا من أجل إحداث فتحة في جدار السياسة المغلق في لبنان مقامرة, أو رهاناً خاطئاً في الأساس لأنه رهان على الخارج وإغفال لأهمية الداخل في أي تحول نحو الأفضل, في لبنان؟ هناك نوعان من المراهنين على سوريا في لبنان: فريق الممانعة الذي يراهن على صمود "سوريا الأسد" وانتصار النظام على أكثرية شعبه, وبذلك يتم ترسيخ التوازن الهش القائم حالياً في بلد الأرز لمصلحة محور الممانعة الإيراني ـ السوري ـ اللبناني. الفريق الثاني المراهن على انتصار المعارضة السورية يضم في لبنان جماعة 14 آذار ووسطيين أقل وزناً معارضين لمحور الممانعة. لا شك أن نجاح هذا الفريق في رهانه سيكون له انعكاسات في الداخل اللبناني كما سيكون لنجاح الفريق الأول انعكاسات لا تقل أهمية.
على الصعيد الخارجي فإن هزيمة النظام السوري قد تمثل ربحاً تكتيكياً للمحور الغربي ـ السعودي على المدى القصير, من دون أن يعني ذلك خسارة لقضية التحرر العربي على المدى الاستراتيجي البعيد. الخبراء الاستراتيجيون لمحور الممانعة يفسرون هزيمة النظام الاستبدادي السوري كخسارة لقضية التحرر العربي لأنهم لا يولون في "استراتيجيتهم" أهمية لمفاهيم الديمقراطية والعدالة والحرية للشعوب. بينما يجدر اعتبار انتشار هذه المفاهيم في العالم العربي ـ الإسلامي كمؤشر أساسي على تقدم قضية التحرر العربي. تلك ولا شك نقطة الإختلاف "الفكرية" الجوهرية بين فريق الممانعة وفريق المؤيدين من دون تحفظ للربيع العربي بمختلف محطاته.

في المحطة اللبنانية يبدو الأفق السياسي محكوماً بالإنتظار من قبل الأفرقاء كافة. الكل يراهن على الخارج وينتظر انجلاء غبار المعركة الدائرة في سوريا بشكل أساسي, لتقرير الخطوة التالية. لا يفيد هنا انتقاد أطرف الصراع لمراهنتها على عوامل خارجية بدل ايلائها الأهمية للعوامل الداخلية, ذلك أن الوضع في لبنان أصبح مقفلاً منذ فترة طويلة على احتمالات التغيير, ومفتاح الأقفال موجود في سوريا وإيران وقطر والسعودية, كما لا يخفى على أحد. هل يجدر بنا أن نحزن لذلك ونرثى لحالنا, أو أن نكون واقعيين ونرضخ لما تمليه موازين القوى من دون حزن أو فرح؟ في سوريا, يبدو أن من سيقرر مصير المعركة هناك هو في نهاية الأمر الشعب السوري بغض النظر عن القوى الخارجية التي تتصارع عبر قوى الداخل السوري, وهذا فرق جوهري مع الوضع اللبناني حيث أن التغيير يبدو معلقاً على حبل الخارج وحده. في سوريا يأخذ الصراع بعداً ملحمياً شأنه شأن الصراعات الكبرى في التاريخ البشري, كما حدث في الماضي في فرنسا وأمريكا وروسيا وفيتنام وإيران ,على سبيل الذكر لا الحصر وبغض النظر عن المآلات النهائية للثورات في هذه البلدان ونكوصها في بعض الحالات نحو الديكتاتورية. في كل هذه المحطات كان العامل الحاسم هو الداخل بالرغم من التأثيرات القوية للخارج.
في الصراع ضد قوى ديكتاتورية عاتية ومتجذرة كما في سوريا, مدعومة من قوى خارجية عاتية وراسخة بدورها, فإن الرهان على انتصار الشعب السوري بإمكاناته المحدودة والدعم الخارجي المحدود بدوره, يبدو ظاهرياً رهاناً على المستحيل. وبناءً على الظاهر من الأمور يجوز اعتبار رهان قوى التغيير اللبنانية على انتصار الشعب السوري مجازفة غير محمودة العواقب. في حال الفشل فإن الإنتقام الذي يلوح في الأفق سيكون مرعباً, كما تتوعد قوى الممانعة في لبنان وسوريا. وأما في العمق فكما أشرنا بداية, فإن المراهنة على انتصار الشعب السوري لا تبدو ضرباً من التنجيم والمجازفة, نظراً لأوجه الشبه الكثيرة بين المعركة الدائرة في سوريا والمعارك الكبرى التي دارت في أماكن عدة في العالم, في الماضي البعيد والقريب كما أشرنا, والتي كان الإنتصار فيها معقودا للشعوب في نهاية الأمر, رغم قوة نيران الديكتاتورية وداعميها الخارجيين, وضعف قوة نيران الثوار وداعميهم الخارجيين.
في مجتمع منقسم تاريخياً كلبنان, متميز بهشاشة بنيته الدولتية وقوة مداميكه ما قبل الدولتية العشائرية والطائفية, يكون مفهوماً صعوبة الإتكاء على المجتمع المدني من أجل قيام إجماعات وطنية راسخة وعابرة للإنقسامات الهوياتية الفرعية, إجماعات تحمي الوطن من الهزات وتحول دون اندلاع الصراعات الدورية الدامية. الرهان على سوريا متحررة من الديكتاتورية ومن طموحات حكامها الإقليمية الواسعة التي تجعلها دائماً خائفة من لبنان, الأخ الصغير المشاكس, ليس رهاناً طائشاً بل يبدو الرهان الأكثر واقعية. ولكن هل ينحصر الأمر في لبنان بقوة أو ضعف النفوذ السوري لكي نأمل برؤية وطننا متحرراً مستقلاً ومعافى؟ سيبقى هذا الوطن الصغير عاجزاً عن الوصول إلى التعافي الكامل من دون مساعدة حقيقية من الشقيق الأكبر سوريا وذلك بالتحديد بسب ضعف المجتمع المدني فيه وقوة الولاءات الأهلية البدائية وقدرة الخارج على اللعب على التناقضات الأهلية. من هنا يبدو تلازم المسارين اللبناني والسوري ووحدة مصيرهما ضرورة لتقدم الديمقراطية واستقرارها في البلدين الشقيقين. إن وحدة كونفدرالية تدريجية بين البلدين تبدو ضرورة استراتيجية لمواجهة الأطماع الخارجية من جهة أولى ولحماية السلم الأهلي من جهة ثانية في ظل نظام ديمقراطي يقدم أفضل الضمانات للأقليات المتواجدة في البلدين. هذا ما يدفعنا لطرح فكرة الوحدة الفدرالية أو الكونفدرالية كحل مثالي وواقعي لمسألة الصراع في لبنان, حول لبنان الذي نريد وفي سوريا حول سوريا الأفضل للسوريين واللبنانيين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن