إله راسه ناشف !

رياض حمادي
rnkaradi@yahoo.com

2012 / 7 / 24

في الثقافة الشعبية العربية تسود عبارة " أنا كلمتي متنزلش الأرض " (*) وهي عبارة يقولها الرجل العربي كناية عن أنه لا يغير أو يبدل كلمته مهما كلفه الأمر, فتبديل الكلام أو مخالفته بآخر في ثقافة الرجل العربي من سمات المرأة لا الرجل , وفيه إنقاص من قدره ومكانته . وربط الكلمة عند الرجل بالسماء , أو بعدم نزولها الأرض , يجعل منها كلمة مقدسة , فإذا نزلت الأرض تدنست أو قلت قيمتها.

وبهذا يكون كلام الله السماوي , عند هؤلاء الرجال , كلام مقدس لا يجوز أن يتغير أو يتبدل فإذا بدل هذا الإله كلامه سقط من مرتبة الإله الرجل إلى مرتبة الإله الأنثى أو الإله المرأة .
وهذا هو جوهر الاتهام الذي وجهه المشركين لإله محمد : إله يبدل كلامه عندما كان يبدل حكما بحكم :

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } البقرة 106

" ما نبدِّل من آية أو نُزِلها من القلوب والأذهان نأت بأنفع لكم منها, أو نأت بمثلها في التكليف والثواب, ولكلٍ حكمة. ألم تعلم - أيها النبي - أنت وأمتك أن الله قادر لا يعجزه شيء؟ " - التفسير الميسر .

وما زال هذا الاتهام قائما من رجال معاصرون لنا حتى اللحظة وهم بهذا يريدون إله " راسه ناشف " مثلهم لا يغير كلمته وإلا قلت قيمته بين العربان !
تبديل الكلام بآخر , من حيث المبدأ , قيمة سالبة عند العرب قديما وحديثا حتى لو كان في تبديل الكلام مصلحة أو نفع لهم ولغيرهم. والذي جعل من كلمة الرجل الشرقي العربي كلمة معلقة في السماء , مقدسة – لا تنزل الأرض - هو طبيعة الثقافة الذكورية الأبوية المسيطرة والتي تجعل من الرجل قيمة أعلى من قيمة الأنثى أو المرأة فالرجل محله السماء والمرأة محلها الأرض . وبالتالي كان من البديهي أن يستغرب هؤلاء تبديل الله لكلامه , أو استبداله حكماً بحكم آخر.

منهج تبديل الكلام/ الأحكام :

محمد أتى لكسر هذه الثوابت عند العرب حيثما استطاع إلى ذلك سبيلا , يخفق تارة وينجح أخرى وحكمه ومرجعيته في ذلك كله حركة المجتمع ومدى تقبله للأفكار الجديدة . ومن هذه الثوابت إمكانية أن يغير المرء - ذكرا أو أنثى - كلامه إذا كان في كلامه ما يتعارض مع الواقع المتغير أو إذا كان كلامه لم يعد صالحا للحالة أو للظرف التاريخي الذي أنتجه. وهو بهذا ينفي صفة القدسية عن كلام الرجل بنفيه لصفة القدسية عن كلام الله فالإله الذي يغير كلامه لا يريد لكلامه أن يصبح مقدسا بقدر ما يريد ترسيخ منهج تبديل الكلام (الأحكام) بكلام أو أحكام أنفع للناس وكلام الله الأنفع هذا أو حكمه الأخير لا يريد له أن يكون كلمته الأخيرة التي لا تنزل الأرض . فالذي جعل منه كلاما أو كلمة أخيرة – لا ثابتة - انقطاع الوحي أو توقفه وذلك لاكتمال المنهج وهذا المنهج قد أباح استبدال الكلام – الحكم - بآخر دون أن يعني بذلك تثبيت الحكم الأخير, وهذا ما سنه النبي محمد ثم الصحابة والتابعين المستنيرين من أمثال عمر بن الخطاب وغيرهم .

لم يُكتب لهذا المنهج أن يسود فمات بموت الرسول ومن تبعه من الصحابة المستنيرين وبدلا من ذلك ساد منهج (الناسخ والمنسوخ ) الذي جعل من الحكم الناسخ كلمة الله الأخيرة التي لا تنزل الأرض وبهذا المنهج أصبح الله رجلا عربيا شرقيا - رأسه ناشف - لا يبدل كلامه ويردد مقولة الرجل الشرقي ومرادفاتها التي تعني التمسك بالرأي وبالكلمة كمعيار للرجولة .

المقصود باكتمال الدين في الآية :

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } المائدة 3
إتمام المنهج لا إتمام النص فسياق آية المائدة أعلاه الحديث عن سياق طقسي تعبدي .

كنت قد أشرت في مقال سابق إلى أن منهج الناسخ والمنسوخ منهج مستحدث ولا محل له من الوجود في النص القرآني والمعنى من وجهة نظري أن الحكم الأخير لا يمثل نسخا للحكم السابق وإنما يمثل رأيا بديلا أو إضافيا وغير نهائي أو قاطع وإنما هو اجتهاد – إلهي أو محمدي لا يهم – يخص مسألة معينة ومحددة ومحكومة بسياق تاريخي متغير . النص القرآني كله محكوم بهذه العلاقة الجدلية بينه وبين الواقع فهو بذلك نص تاريخي وليس ميتاتاريخي أو متجاوزا للتاريخ. وهذا لا ينقص من قيمته طالما وفي منهجه ما يستوعب القضايا الجديدة ويبيح الخروج على الأحكام المتعلقة بالقديمة منها , أي تغيير حكم بحكم آخر .

تبديل الله لكلامه في هذه الحالة يكون ميزة لا عيبا وقيمة إيجابية لا سلبية حيث يجعل من كلامه يسرا ومرونة ويرسخ منهجا للتعامل مع القضايا المتغيرة المتبدلة وكأنه بذلك ينتج معادلة مفادها :

واقع متبدل = كلام أو حُكم متبدل .
___________________________________________________
هامش :
(*) ومرادفاتها العربية مثل : " كلمتي ملهاش اتنين , الراجل مربوط من لسانه " وغيرها من العبارات التي تربط بين الرجولة وتغيير الكلمة أو تبديل الرأي . فتجعل من ثبات الرأي قيمة إيجابية وتجعل من تغيير الرأي قيمة سلبية بغض النظر عن مدى صحة أو ختل هذا الرأي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن