عناوين ثقافية

سلمان مجيد
salmanmajeed69@yahoo.com

2012 / 7 / 19

من المقولات الشائعة في المحيط الثقافي ، خلال سبعينيات القرن الماضي ــ في العراق ــ بان ( القاهرة تالف ، وبيروت تطبع ، و بغداد تقرا ) وحتى تلك القراة ــ انذاك ــ لم تكن قراة سلبية ، بل كانت قراءة ايجابية ، اي ان القارئ العراقي كان يتفاعل مع المادة المقروئة ، ان كان ذلك في المعاهد العلمية او في المنتديات الثقافية ، الرسمية منها او الشعبية ، كالمقاهي الادبية ــ مثلا ــ كمقهى ( الزهاوي ) و ( البرلمان ) ، وكان المتداول من الموضوعات ، متسعا بسعة مساحة المتغيرات الفكرية ، من سياسية و ادبية و فنية و اجتماعية و دينية ، وكان من نتيجة ذلك بروز ( مثابات ) فكرية ، ان كانت افرادا او جماعات ، تطلق على نفسها مسميات تتوافق وتخصصها او الفترة او المرحلة التي يعيشها افراد تلك الجماعات ، ولقد تحقق ذلك عند الشعراء و الفنانين التشكيلين وكتاب القصة ، وكذلك الجمعيات العلمية المتخصصة ، ولكن مهما اتسعت دائرة تاثير ذلك ( الفرد المفكر ) او تلك الجماعة الفنية او الادبية او العلمية ، لم تتحول الى ظاهرة ، لان ( الفرد او الجماعة ) حتى يكونوا ظاهرة ، لابد ان يطغي ( فعلهم ) على ــ ليس ــ الساحة الخاصة بهم ، بل يجب ان يستحوذ على كامل الساحة الفكرية وبكل روافدها ، الا ان مثل هذا الامر لم يحدث ، وحتى لو حدث ، فانه لايتجاوز جزآ من موسم ثقافي ، ولا يتجاوز الموسم الثقافي بكامله ــ في احسن الاحوال ــ و سبب ذلك ( الاثراء ) المتدفق من تيارات و اتجاهات جديدة ، هي تعبير عن تلاقح الافكار و الثقافات المحلية و الخارجية . ثم جاءت مرحلة الثمانينات فالتسعينات ، التي تعد من وجهة نظر البعض من اسوء المراحل التي مرت على العراق ، حتى انها لاتقارن باي فترة مظلمة مرت بها امة من الامم ، ومن ملامح هذه الفترة ــ ليس فقط ــ فقرا بالانتاج الفكري و الثقافي ، بل حتى بالادوات و الوسائل التي تعد من المستلزمات المادية الضرورية لذلك المنتوج ، كالورق و الاحبار و ادوات الطباعة وغيرها ، وتعبيرا عن هذا السوء الذي تمثل ايضا بشحة جلب و استيراد الانتاج الفكري والثقافي من المحيط الاقليمي ، او ابعد من ذلك ، حتى المؤسسات العلمية كالجامعات ، واكون غير مخطئ ان قلت انها غير قادرة على جلب حتى بعدد اصابع اليد الواحدة من الكتب العلمية الصرفة ، خلال الموسم الدراسي الواحد ، فما بالك بالكتب الفكرية و الثقافية التي تعد مثار ختلاف في المواقف و وجهات النظر ، وان هذا الواقع لم يقتصر على المنتوج الفكري و الثقافي ( الحديث ) بل امتد ذلك الحصار الثقافي حتى الى المنتوج الفكري و الثقافي السابق ، بل حتى الى المنتوج ( التراثي ) بكامل فروعه ( الفلسفية و الفكرية و الدينية و التاريخية ) حتى ان تداول هذا المنتوج ، كان يتم بالاعارة او البيع و الشراء تحت ستار من التكتم و السرية ، ان كان ذلك في ( شارع المتنبي ) او في اي مكان اخر ، ونتيجة لذلك كله ، تم استنزاف المنتوج الفكري و الثقافي بكل مراحله و روافده ، حيث سادت حالة من السكون ، بل قل الجمود الفكري ، ( فمنتج ) الثقافة غير قادر على شحذ الفكر للتعلمل مع الواقع ، لانه لم يعد واقعا ــ بالنسبة له ــ بل حالة جامدة و مستنسخة عن صورة ( القائد ) الذي اختزل المحيط ( بطبيعته و بشره ) باسمه ، اضافة الى انه تسلل الى الثقافة و الفكر ــ مدعيا ــ لا اقول خلسة ، بل بكل صلافة وعنجهية وبكل الحراب التي روؤسها شياطين ، كانه الليل الابدي الذي اسدل اطرافه على كل شئ ،وكان لا نهار بعده ، ولكن سنة الحياة كانت عصية على ذلك ( القائد ) ، حيث بقت هي الفاعل ، ما دام هناك بشر ، وتغيرت الاحوال لتآول الى ذلك الفتق الذي لم تقف في وجهه قيود او حواجز قانون او انسانية ، وانطلق الخير و الشر ، يتسابقان باشتباك وبكل عنف ، لاثبات الوجود ، ولكن باسلحة غير متكافئة شكلا و مضمونا ، وكان من نتيجة ذلك محاولة اغتيال الفكر و الثقافة ، حيث تفجير ( شارع المتنبي ) ، لتستمر المواجهة بين ( العقل ) و ( العضلات ) ليثبت ( العقل ) انه الاحق بالبقاء ، لتبدا من جديد مسيرة الفكر و الثقافة ، بترميم ( العربة ) دون تجديدها ، ويبقى ( حصانها ) خلفها ( محلك سر ) لا ( سير ) ، وعادت المقهى ( الشهيدة الحية ) مقهى ( الشابندر ) ، و عادت بعض المنتديات ( كمنتدى مؤسسة المدى ) ولكن باي مضمون عادت ، انه استرجاع لما سبق من المنتوج الفكري و الثقافي ــ الا القليل ــ كان ذلك فكرا او شخوصا ، وهذا لا ضير فيه ، فانه يمثل كعودة طائر ( الفينيق ) الثقافي ، من تحت رماد الكتب المحترقة ، في شارع المتنبي ، وتمثل ذلك بتوقيع بعض ذلك الانتاج الثقافي ، او الاحتفاء برموز الفكر و الثقافة ،الاحياء منهم و الراحلون ، كذلك العائدون من الغربة ، والبعض يرى ان هذا يمثل استمرارا للركود الفكري و الثقافي ، لانه يمثل حالتين ، احداهما اسوء من الاخرى ، الاولى / هي : ان المنتوج الفكري لهؤلاء ، والذي ينتمي الى عدة عقود سابقة ، لازال يشكل ضرورة فكرية و ثقافية ، وهذا يعني ان البيئة الفكرية و الثقافية ، لا تنتمي الى زمنها ( الاني ) ، وانما الى زمن سابق ، فهي متاخرة ــ على اقل تقدير ــ عن البيئات الفكرية و الثقافية المعاصرة ( الخارجية ) الثانية / تتمثل بعجز البيئة الفكرية و الثقافية من انتاج مفكرين و مثقفين جدد ، قادرين على احتواء الواقع الفكري و الثقافي الجديد للمجتمع العراقي ، وان اول من يسال عن هذا ، المؤسسات العلمية الرسمية ، كالجامعات ومؤسسات المجتمع المدني ، كالجمعيات و المؤسسات العلمية التخصصية ، ومن ثمار هذا الحال المزري ، المشابه لانتهازية بعض السياسين ، هو اعادة انتاج المنتوج الفكري و الثقافي السابق ، بحلة جديدة براقة ، بالمضمون ذاته ، الذي لا ينتسب الى الحاضر ، الا باعتباره ارثا من الماضي ، يستحق منا كل احترام وتقدير ، الاانه لا يغني عن ذلك الفكر المطلوب و الثقافة الضرورية ، لكي يستجاب لمتطلبات الحياة الجديدة ، ومن امثلة ذلك الاسترجاع ، هو اعادة انتاج المرحوم ( علي الوردي ) الذي يستحق منا كل احترام و تقدير لذكراه العطرة ، ولكن هل من ( وردي ) جديد يتناول هذا ( الزلزال الاجتماعي ) بالبحث و التحليل ، وهل ان المجتمع العراقي بقى على ما كان عليه في فترة ( الخمسينات و الستينات من القرن الماضي ) حتى نبقى ندور في مكاننا ، لمعالجة التغيرات الاجتماعية على ضوء ( نظرية البداوة ) و ( ازدواج الشخصية ) ، اذن اين الجامعات و اقسام علم الاجتماع ، من ذلك كله ، اين طلاب هذه الاقسام ــ اقولها فقط ــ وانا من طلاب المرحوم الوردي ــ اننا كنا نكلف من قسم الاجتماع في كلية الاداب ، و من اساتذة القسم باجراء بحوث نظرية و ميدانية ، على شكل ( فردي ) او ( جماعي ) ، اي فريق بحث ، قد تصل فترة انتاج ذلك البحث لفصل دراسي كامل ، ولم يكن هناك وسائل تكنولوجية ، تساعد الباحث للوصول الى المعلومة ، كما هو الان ، كالانترنيت المتاح حتى لطلاب الابتدائية ، وحتى اكون صادقا ، اقول : نعم كان هناك ( حاسبة الكترونية ) و لكن قل لي اين هي ، ومن الذي يتاح له العمل عليها ، بل قل مشاهدتها ، انها الحاسبة الالكترونية في وزارة التخطيط ــ انذاك ــ و كانت تشغل طابقا كاملا ، من البناية التي لازالت قائمة الى الان ، وكفاءة حاسوب الجيب ــ الان ــ اكثر من كفاءة تلك الحاسبة ، حيث انتظرنا ما يقارب الساعة ــ للمشاهدة ــ لتخرج لنا تلك الحاسبة بصورة ( لراس النظام ) انذاك . اخيرا من حق كل سائل ان يسال ، اين انتم ايها المفكرون ، اين انتم ايها المثقفون ، في الداخل و الخارج ، الا نحتاج منكم ظهورا اكثر فعلا ، وهل يكفي ان تتواجدوا ايام ( الجمع ) في شارع المتنبي ، للبحث عن كتاب ، يفترض ان يكون في مكتباتكم منذ حين مضى .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن