تونس و مصر : غاب الحزب الثوري وغابت المجالس العمالية

المنصف رياشي
moncef14012011@hotmail.com

2012 / 7 / 17

حين ننظر اليوم إلى تعثر المسار الثوري في تونس أو في مصر رغم تواصل النضالات فإننا مطالبون بكشف الأسباب الموضوعية و الذاتية حتى يمكننا تجاوز أخطائنا و العراقيل التي تضعها الثورة المضادة البرجوازية لإستكمال المسار أو لإستخلاص الدروس من هزائمنا على الأقل . ضمن هذا الإطار يندرج هذا المقال الموجز .
في تونس كانت الجماهير سابقة للأحزاب حين تحركت منذ 17 ديسمبر 2010 رغم أن بعض الأحزاب والقواعد الوسطى و الدنيا للإتحاد العام التونسي للشغل قدموا العون التنظيمي لها في تحركاتها و انخرطوا في الحراك . بعد سقوط رأس النظام لم تسعى تلك الأحزاب إلى إسقاط النظام القائم إلا البعض منها كانت دعت دون القدرة على الفعل إلى اسقاط المنظومة الحاكمة ( الحكومة و أركان الحكم و أعضاء الحزب الحاكم ) دون أن تقصد إسقاط النظام الرأسمالي و القضاء على التقسيم الطبقي القائم . وفي خضم المسار الثوري تشكلت المجالس المحلية و الجهوية لتأمين حماية المواطنين في ظل الفراغ الأمني في مرحلة أولى ثم لبلورة المطالب الاجتماعية للفئات الشعبية لحكومات من نفس النظام الذي يحقق مصالح البرجوازية و يحمي مصالحها . إلا أن هذه المجالس كانت ضحية مناورات الأحزاب من اليمين إلى اليسار و لم تتشكل مجالس عمالية في مراكز العمل من مصانع و ضيعات ومؤسسات خدمية . لم تشكل المجالس تلك سلطة موازية للنظام المتواصل إلا في حدود ضعيفة و عابرة و حتى عندما تمت الدعوة إلى مؤتمر للمجالس المحلية و الجهوية بنابل في أفريل 2011 من أجل مجلس مركزي لعموم الجالس في تونس تصدى لتلك المهمة الملحة شرذمة الستالينيين الماويين ( الوطنيون الديمقراطيون ) و الستالينيين الخوجيين ( حزب العمال الشيوعي التونسي ) و منعو تبلور تلك المهمة الملحة . لم تظهر ازدواجية السلطة و لم تتمكن الجماهير الكادحة من بناء سلطتها . خيرت أحزاب اليسار الستاليني و الماوي الدخول في لعبة أسهل و اقل نضالا وهي الانتخابات المهزلة المضادة للثورة و سعت فيما بعد مثل باقي الأحزاب الرجعية و الليبيرالية إلى خداع الجماهير بطرق عدة و أبعدتها عن خيار ممارسة سلطتها المباشرة عبر مجالسها العمالية و طرحت نفسها وكيلا لها تمارس السلطة باسم الشعب دون ان يكون له الخيار إلا في اختيار مستعبديه و جلاديه عبر صناديق الانتخاب . لقد ظهرت المجالس دون أن تكون لها سلطة تصارع بها سلطة البرجوازية و لم تظهر بالتالي ازدواجية السلطة كتلك التي ظهرت في روسيا في 1917 . و بعد أن بان للجماهير الكادحة و العاطلة زيف الوعود التي قدمتها لها الأحزاب الفائزة و بعد أن فاقت من وهمها و ظهر لها جليا سعي هذه الأحزاب إلى تأسيس ديكتاتورية جديدة و مواصلة نهج التفقير و التهميش تحركت هذه الجماهير بدون دفع من الأحزاب المعارضة فتصاعدت الإحتجاجات و الإعتصامات في أماكن العمل و الطرقات و الشوارع و الساحات العامة و أمام الوزارات و كذلك عاودت الإضرابات الجهوية للظهور . مرة أخرى تظهر الجماهير أنها متقدمة على الأحزاب المعارضة التي تتوارى خلفها و لا تنتظر غير لحظة أخرى شبيهة بسقوط المخلوع حتى تقفز إلى الساحة السياسية و تصادر حق الجماهير الكادحة و المعطلة في تقرير مصيرها و بناء مجتمعها و تدعي المعرفة و ترميها بأبشع نعوت الجهل و الفوضى . نسجل هنا حضور بعض المناضلين الفوضويين ضمن ما أسموه هيئات العمل الثوري أو حركة عصيان كانوا يناضلون على أرض الميدان في الشوارع محرضين على الاعتصامات و رافضين للدور الذي لعبته الأحزاب . إن كل طرح فوقي يقوم على حلول فوقية من طرف الأحزاب و النخب هو فاشل و عاجز عن الوفاء لمطالب الثورة و أهدافها ما لم تشارك الجماهير بمؤسساتها القاعدية ( المجالس ) في صياغة القرار و تحديد السياسات و إدارة شؤونها و إدارة الصراع ضد البرجوازية . أما اجتذاب الجماهير ألى توكيل الأحزاب يمينها و يسارها في البرلمان و الحكومة أو في معارك دستورية و تشريعية فهو سعي إلى إلهاءئها عن اكتشاف طاقاتها الثورية و قدراتها المكبوتة في النضال الثوري من أجل تحررها و انعتاقها من علاقات الانتاج الرأسمالية . و نذكر هنا بالخديعة التي وقعت فيها الجماهير الكادحة و المعطلة حين اختزلت الأحزاب اليسارية المفلسة و حركة النهضة الاسلامية القروسطية مطالبها أثناء اعتصام القصبة 2 في اسقاط حكومة الغنوشي و فرض مطلب المجلس التأسيس الذي لا يصب في مصلحة الكادحين ما دامت كل الحلول المطروحة تظل داخل نظام الرأسمالية و خارج الإشتراكية عبر طريق نضالها عبر الحزب الثوري والمجالس العمالية . لقد أرادت الأحزاب الليبرالية و الدينية أن لا تتجاوز الثورة التونسية سقوط بن علي و أفرغت الثورة من محتواها الاجتماعي و جوهرها الطبقي و صورتها على أنها تستهدف اصلاحات سياسية و دستورية و تشريعية بينما لم تتجاوز رؤى أحزاب اليسار اليمينية اسقاط رموز حكم بن علي و حل حزبه دون التوجه لإسقاط نظام البرجوازية الرأسمالي و لم تذهب كثيرا في توضيح المحتوى الاجتماعي و الطبقي للثورة و اقتصرت على المطالبة بتغيير المنوال الاقتصادي للدولة من النظام الرأسمالي التابع إلى نظام رأسمالية الدولة حيث تتحتكر الدولة الجزء الحيوي من الاقتصاد و لم تدع أبدا إلى اسقاط الرأسمالية أي أنها طرحت اصلاح الاجتماعي داخل نفس النظام الرأسمالي . لم يستطع اليسار بل وقف ضد تطوير الصراع الطبقي أثناء المسار الثوري نحو آفاق انجاح الثورة التونسية حيث سعى إلى كبح استقلالية المنظمات الجماهيرية ( المجالس ) و مزق وحدتها .
في مصر كانت الثورة نتاجا لتراكم سنوات من نضال عمالي و كذلك نضال احزاب و نخب ساعية إلى دمقرطة نفس النظام الرأسمالي . و على خلاف الثورة التونسية فإن حراك المسار الثوري في مصر كان بدأ ته النخب و الأحزاب اليسارية و الليبيرالية المسحوقة بقمع السلطة الحاكمة التي زيفت انتخابات نوفمبر 2010 و لم تكن تلك الأحزاب لتقدر على فتح باب الثورة لولا تدخل الجماهير بكثافة حيث جذرت الثورة و أربكت حكم مبارك رغم القمع الشديد و فاتورة الشهداء إلا أن الضربة القاضية عليه و الحسم القاطع فيه كان و لا يمكن أن يكون إلا من طرف الطبقة العاملة بكل ثقلها حين أعلنت الإضراب العام لمدة ثلاثة أيام كانت كفيلة بكنس سلطة مبارك الديكتاتورية مثلما حسمت الإضرابات العامة الجهوية في تونس في مصير الديكتاتور بن علي . لكن لم تخرج الثورة من العفوية بسبب غياب الحزب الثوري و المؤسسات الجماهيرية و البرنامج الثوري .
بعد الإطاحة بسلطة مبارك لم يولى الإهتمام بسلطة الجماهير و بقيت الأحزاب و النخب تستدعيها إلى الإعتصامات و التظاهر في الميادين دون أن تؤسس هذه الجماهير مؤسساتها الخاصة المتمثلة في المجالس و ليس مجالس دون سلطة ( مجالس حماية الأحياء ) . ظلت النخب و الأحزاب التواقة إلى التغيير ترى أن هذا التغيير لن يكون إلا بواسطة النخب و الأحزاب و أن على الجماهير أن تدفع هذا الحزب أو ذاك إلى سدة الحكم و بقي الحفاظ على سلطة دولة رأس المال بحراسها العسكر و الأمن . وهذا الخيار أوصل الثورة إلى مطبات و أزمات و انتكاسات و طرق مسدودة و مؤمرات من العسكر و الإخوان و فلول الديكتاتورية و الأحزاب الليبيرالية وصلت إلى حد مخايرة الجماهير بين دولة دينية استبدادية أو دولة بوليسية عسكرية .
لم يستطع أو تلكأ اليسار في تونس و مصر في تطوير الصراع الطبقي أثناء المسار الثوري نحو آفاق إنجاح الثورة لأنه كان ضد هدم مؤسسات دولة البرجوازية و بناء التنضيمات البروليتارية القاعدية المستقلة و لم يكن ينتظر غير أن ينوب عن الجماهير الكادحة و المفقرة في مؤسسات البرجوازية السياسية و تبنى خيار الديمقراطية الزائفة و السعي وراء مواقع برلمانية و الخوض في معارك دستورية خاسرة حتى و إن ربحها . في تونس و رغم النضال العتيد للنقابات القاعدية و دورها في تجذير الثورة و دفعها إلى الأمام فإنالمركزية النقابية البيرقراطية الفاسدة تحالفت مع قوى اليسار الانتهازي و الديمقراطيين الزائفين و الرجعية الاسلامية و ممثلي البرجوازية من أجل خنق الثورة و افراغها من كل مضمون طبقي و سياسي راديكالي . في مصر و حيث لا يحوز الاتحاد الحكومي على ثقة الكادحين و الفئات الشعبية فقد عمدت النخب الليبيرالية و اليسارية الاصلاحية إلى تجنيد جماهيرالطبقة الوسطى في معارك دستورية صورية لتلهي عموم العمال و الفلاحين الصغار المطحونين عن الطريق الراديكالي الوحيد للتحرر من نير البرجوازية و تناست ضروررة بناء مجالس عمالية ذات سلطة فعلية تستجيب لتطلعات المستغلين . و قد فشلت هذه النخب المتحيلة في تحريك هام للطبقة العاملة و الجماهير المفقرة في معاركها الدستورية و التشريعية الطولية جدا ذلك للحس الطبقي للفئات الشعبية التي لا تزج بنفسها في معارك لا ناقة و لا جمل لها فيها و لا تتحرك إلا لمطالبها الاجتماعية الملحة . لقد فعلت التشويهات الستالينية و الليبيرالية فعلها في اليسار المصري مثلما فعلت التشويهات الستالينية و الماوية في اليسار التونسي . البرجوازية في تونس و في مصر عاجزة عن طرح اصلاحات اجتماعية و اقتصادية و كل ما يمكن أن تقدمه هو بعض الاجراءات السياسية الشكلية لا ترقى حتى لأن تكون اصلاحا سياسيا نخبويا . و رغم ذلك فقد كان رهانها دائما على الضعف التنظيمي سياسيا للطبقة العاملة التي لم تطرح مشروعها السياسي الجذري المعادي للبرجوازية و اقتصرت على بعض الاضرابات و الاحتجاجات المشتتة و هذا يعود إلى غياب قيادة ثورية في حزب عمالي ثوري .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن