انشقاق..أم انسلال

جمال الهنداوي

2012 / 7 / 14

لن نناقش هنا الانتقادات التي وجهتها القيادة المشتركة للجيش السورى الحر فى الداخل الى صمت العميد مناف طلاس وغموض موقفه –اوموقعه-من اطراف النزاع المحتدم على الارض السورية,ولكننا قد نستطيع ان نضع عدة خطوط لهذا البيان على انه نهاية متوقعة للانشغال المسرف للعديد من الدوائر الاعلامية والسياسية العربية والدولية بتناقل اخباره ورسم ملامح مستقبله السياسي وانعكاس"انشقاقه"على تماسك الجيش السوري ومستقبل النظام حد التصريح الاقرب الى التهليل من قبل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بحدوث اتصال"ما"بين بعض القوى المعارضة وبين العميد المنشق.
وهنا قد نستطيع تفهم هذا الاهتمام استنادا الى الرتبة الرفيعة التي يحملها السيد طلاس والى لقبه الذي تلصّق بمنصب وزير الدفاع لثلاثة عقود خلت والذي"ورث"من خلاله تدرجه السريع في صفوف الجيش وزمالته للوريث الآخر الذي كان اكثر حظا باستلامه"التركة"السياسية الكاملة في دمشق،وكذلك لقيمته الاعلامية الكبيرة في النزاع الغربي مع نظام الاسد,ولكن هذه الرتبة واللقب وتلك الزمالة لم تكن لتبرر عدم الفهم الدولي العميق لطبيعة وبنية النظام السوري وغيره من الانظمة العربية الشمولية مما قد ينذر باستمرار التخبط الغربي في محاولات دعم القوى الساعية لاسقاط حكم الوريث..
عدم فهم قد نجد ما يبرره من خلال اهمية الرتبة العسكرية التي يتقلدها السيد طلاس في الدول ذات الانظمة الطبيعية,على اعتبار ان الجنرالات-وخصوصا الذين ينحدرون من اسر عسكرية معروفة- يكونوا عادة من بين اهم اعضاء المجتمع وارفعهم شأنا بسبب قربهم من مراكز القرار السياسية ومكانتهم السيادية العالية..ولكن في نظام عائلي مغلق مثل نظام الأسد الوريث يكون شاغلي مثل هذه المناصب,خصوصا اذا كانوا افراد من خارج العائلة الحاكمة,مجرد اجراء لدى الحاكم ورموز لا يهدف من ورائها الا اضفاء بعض مستلزمات اخراج النظام القبلي الاسري على شكل دولة وحكومة وعلم..
ان الحكم السوري-والاصح العربي باغلبه الاعم- يعد من انظمة الاسر التي تمارس الحكم بدون اي تفويض شعبي او عن طريق انتخابات مزورة في احسن الاحوال,والتي لا تعترف بحقوق ابناء الشعب السياسية ولا تقر لهم بالمواطنة المتساوية العادلة,وتعتبر ثروة ومقدرات الامة من حق الاسرة الحاكمة وافرادها, ولا تؤمن بحق الشعوب في التنمية والسياسة,والعائلة هنا تكون هي مركز النظام ومحيطه,واي فرد من خارجها يكون موظفا عاديا يمكن له ان يركل الى الخارج في اي لحظة مهما كان خطورة وبريق العنوان الذي يشغله,ويمكن كذلك ان تحجب ترقيته او يبعد او يؤمر بالجلوس في منزله كالقواعد من النساء,كما حصل بالضبط للسيد مناف طلاس..
وهذا الابعاد بالذات,ممزوجا بالحس الامني الذي تحصل عليه من عمله الطويل تحت ظلال النظام والانتهازية التقليدية لرجال الاعمال, قد يكون السبب الوحيد الذي دفعه للقفز من سفينة النظام المتأرجحة من جراء القيادة الذهانية المهلكة للنظام متأبطا لقبه وزمالته وصوره مع بشار الاسد بضاعة مزجية مستفيدا من التقاطع الغربي مع نظام الوريث..
ان الاسراف في اسباغ الاهمية على "انسلال"العميد طلاس الذي لم نجد في سجله العسكري اكثر من "غزواته"وغواياته في مرابع دمشق وباريس,قد يكون ذو تأثير بالغ السوء على الجهد الاعلامي المناهض لنظام الاسد,وقد يشي بمدى القصور والضرر الذي تحدثه ردود الافعال المتعجلة وامكانية استغلالها عكسيا لاظهار قوة النظام وسطوته,والأسوا كان التوظيف الفاشل لقربه من النظام والترويج لانتماءه المذهبي كعلامة على استكمال الفرز الطائفي لاطياف الشعب السوري الذي تتلمظ له بعض الدول الخارجة عن التاريخ,دون الالتفات انه لو كانت العبرة بالقرب لكان لانشقاق العم رفعت الاسد تأثيرا مدمرا ولو كانت الحسم للانتماء الطائفي لكان لعبد الحليم خدام السبق في اسقاط النظام..
ان الحقيقة المؤلمة هو ان السيد العميد–وغيره من الضباط-لم يكن في عرف النظام الامني العائلي الا" بذلة عسكرية ورتبة لا أكثر ولا أقل"كما قال والده وزير الدفاع عن من هو اهم بكثير من مناف الا وهو العماد حكمت الشهابي,وان الرتب الكبيرة في هكذا انظمة قمعية مستبدة لا تزيد وزنا او حجما عن ضابط الامن او عنصر المخابرات..ان لم تكن تأتي بعدهم بمراحل..وهذا ما يجعلنا نخشى على اهلنا الكرام في ارض الشام من ان تصبح جراحاتهم وشظايا اجسادهم المسجاة على ارصفة الشوارع مشروع فرص سياسية لهذا الطرف او ذاك او ورقة مطوية في سجل الخلافات الاقليمية..
ان المجتمع الدولي يسرف في ارسال الاشارات الخاطئة للنظام من خلال التعاطي المشوش المرتبك مع تداعيات الازمة السورية وانعكاساتها على ابناء الشعب الاعزل الجريح المحشور بين زحام المشاريع والتقاطعات والمناكفات السياسية,وهو مطالب اليوم –وبقوة-بالوقوف العلني والواضح مع الشعب السوري البطل وحقه في التعبير عن خياراته السياسية الحرة وتقديم الدعم المباشر لقوى المعارضة وطلائعها الثورية الهادفة الى اسقاط النظام ومحاكمة رموزه وكل من أساء الى امن وحرية وكرامة الشعب عن الجرائم التي ارتكبت بحق الارض والعرض والانسان,وهذا الاصطفاف والانحياز يجب ان يكون من خلال اليات واجراءات فعلية وواقعية وقوية تمس النظام في مقتله الممثل بالرأس والقيادات والاذرع الامنية, وتطال كذلك جميع القوى المعادية لحرية الشعوب والتي تحاول التكسب من دماء السوريين.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن