العراق: -العملية السياسية- _ إن بعض الظن إثم..!؟

باقر الفضلي
fadli.2012@hotmail.com

2012 / 7 / 14

[[ ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتـل بالمـاء ]]


محنة الشعب العراقي بعد عام/ 2003، لا تختلف في جوهرها عما قصده (الحسين بن منصور الحلاج) من مغزى بيت الشعر أعلاه؛ فكل شيء في العراق بعد ذلك التأريخ قد إختلط مع غيره إختلاطاً قلما كان له شبيهاً في حياة الشعب العراقي من قبل؛ مما أحال المواطن العراقي الى شخص مكبل أمام كل شيء، بل وحتى عاجز عن درء ما يحيق به من أذى أو خطر قد يداهمه حيثما حل أو أنى توجه؛ فبعد تسع سنوات من الإحتلال، ومع وجود حكومة منتخبة ومجلس نواب منتخب وبحضور دستور مصوت عليه من قبل أغلبية الشعب العراقي؛ لا زال السجال السياسي بين الكتل السياسية ذات الشأن، والتي أودعها المواطن العراقي ثقته وصدَّق إدعاءاتها، لا زال ينخر في الحياة السياسية وحياة المواطنيين العراقيين في أدق تفاصيلها، بل وبات يُعرِضُ أمنَهم وسلامتهم كل يوم لخطر إحتدامه الى ما لا تحمد عقباه نتيجة إستقطابه في كل صغيرة وكبيرة..!!؟


ذلك السجال الذي لا يبتعد في جوهره عن [[ صراع ]] طال أمده وإبتعد مداه، وتنوعت أشكاله ووسائله وآلياته بين تلك الكتل المتنفذة والمتسيدة في السلطة منذ تسع سنوات، لدرجة أصبح معها، لا يبعث على الملل حسب، بل أصبح يهدد مستقبل ما يدعى ب [[ العملية السياسية ]] نفسها؛ تلك العملية التي قبلها المواطن على مضض وإرتضاها على علاتها، حيث باتت تداعياته السلبية، على الشعب العراقي وعلى العراق كوطن موحد، تنذر بالإنحدار الى منزلقات خطيرة؛ [[ صراع ]] إذا ما تمادى في تصاعده بما هو عليه الآن، سيفجر تلك "العملية" من داخلها، بعد أن عجزت كل مشارب "التوافقات" بين تلك الكتل المتصارعة، من إيصالها الى شاطيء الأمان والسلام الموعود..!!؟؟


وكما هو الحال مع (الدستور الدائم/2005)، وهو ما يرتكن اليه الجميع؛ فهو الآخر لم يكن إلا نتاج تلك "التوافقات"، ومن السابق لأوانه القول؛ بأن هذا الدستور قد وجد طريقه لأن يصبح مرجعية قانونية "حاسمة" في حل الخلافات بين تلك الكتل السياسية، مع ما يتضمنه بين دفتيه من العديد من الأحكام التي تكرس بعض مباديء الدولة المدنية الديمقراطية، وفي مقدمتها مبدأ الفصل بين السلطات، ناهيك عن الموقف الداعم الذي تجلى بتصويت أغلبية المواطنين على إقراره، رغم ما يبطن في طياته من أحكام يشوبها الكثير من المثالب والتعارضات..!!؟


فالظروف التي في ظلها تم صياغة وإقرار الدستور، لم تكن في واقعها تمثل تلك الظروف الأنموذجية، بل ولا هي تعكس شكلاً من حالة إجتماعية عادية مستقرة، فأقل ما يقال عنها؛ أنها ظروف تميزت بنشاط ميليشيات الكتل السياسية المسلحة والمتصارعة، وبتفاقم الإحتقان الطائفي وفقدان الأمن، ناهيك عن الفوضى العارمة والضاربة أطنابها في كل مكان، فكيف والحال، وفي مثل تلك الظروف، أن يجد الدستور مكانه في التطبيق والإحترام من قبل تلك الكتل السياسية، في وقت تفككت فيه عرى الثقافة القانونية في المجتمع، وسادت فيه حالة التجاوز على النظام العام، وفُقدت فيه هيبة القانون وسلطة القضاء مكانتهما الرفيعة في المجتمع؛ في هذا الخضم العارم من الفوضى، والذي لم تأخذ فيه مؤسسات الدولة المستقلة والحديثة النشأة، طريقها الى ممارسة دورها الوظيفي في الحياة اليومية، بعد الدمار الذي شل مؤسسات الدولة على مختلف ضروبها نتيجة الغزو والإحتلال عام/2003..!!؟


فالشعب العراقي وبعد أن وجد نفسه مكبلاً ومكتفاً بحبال [[العملية السياسية]]، مطالب اليوم؛ أن يعترف ويقر، "بأنه يعيش في ظل حياة يسودها الأمن والإطمئنان والسكينة، ويرفل بالسلام والحرية، ويتمتع بالرفاه الذي تحف به أجنحة الديمقراطية، وينعم بكل خيرات ونِعَم " التغيير"، من سكن وملبس وماء نقي وكهرباء، وعمل يغطي نفقات العيش الكريم؛ أن يعترف بأن كل هذا قد جاء من بركات [[ العملية السياسية ]]، وفي مقدمتها؛ أفضالها في إقرار دستور دائم، وتعددية سياسية وتمثيل للمرأة في البرلمان، وإحتكام الى "صناديق الإنتخاب" في كنف "حرية الرأي والتعبير" ... يا للغرابة!!؟"


إن كل ما تقدم، لا يمثل إلا النزر اليسير مما تدعي به تلك الكتل السياسية المتنفذة ومن يمثلها أو ينطق بلسانها من نواب أو رجال إعلام، وحتى مستشارين لواجهات سياسية وحزبية من ذوي المكانات المرموقة؛ أما ما ينطق به ويعكسه واقع الحال، فهو وفي أقل صوره، لا يمثل إلا حالة من الريب والتشكك بما قدمته [[العملية السياسية]] بكل تجلياتها وعلى جميع الأصعدة والمقاييس، مما قيل ويقال من تقدم وتطور في حياة المواطن العراقي؛ أما بالنسبة لما تدعيه الكتل المتنفذة والمتسيدة منها على وجه الخصوص، فإن قولاً مثل هذا لا يعبر عندهم، إلا عن وهمٍ أومرضٍ في نفوس الذين يتشككون في مصداقية [[ العملية السياسية ]] أو ينتقدون بعضاً من جوانبها؛ فأي تشكيك أو نقد بشأن تلك المصداقية، أو أي طعن أو تقليل من شأن منجزاتها، لا يخرج في عرفهم عن مثلبة [[الظن]]، وهم يحاججون ويرددون بل ويتهمون منتقديهم درءً لذلك بالقول: (أن بعض الظن إثم)، على حد قول الآية الكريمة، وليكن بعد ذلك الطوفان..!!؟


هكذا يقف المواطن العراقي اليوم، مكتوفاً أمام جدارية عريضة من الشعارات السياسية التي تطلقها الكتل السياسية المختلفة، والتي يتصدرها وبخطوط عريضة شعار " الإحتكام للدستور"، بإعتبار [الدستور] هو المآل الأخير الذي ينبغي الرجوع اليه في حسم الخلافات التي تنشب بين الكتل السياسية، وكما يبدو أن هذا الشعار اليوم، باتت تتمسك به الكتل السياسية المتسيدة أكثر من أي وقت مضى، بل أن بعضها أخذ يجعل منه، شرطاً قاطعاً أمام الكتل الأخرى التي يختلف معها في حومة الصراع الدائر بينها في ظل (الأزمة) المتفاقمة على صعيد الحياة السياسية، إذا ما أرادت اللجوء الى دائرة الحوار لبحث القضايا المختلف عليها، رغم قناعاتها الذاتية بأنها تحتكم الى وسيلة لن تحضى بعد، بالإحترام المتبادل من قبل الجميع، كما وأنها لم ترق الى مكانتها العلوية المنشودة على صعيد بناء الهياكل القانونية للدولة، إن لم تكن وعلى عكس ذلك وفي ما تبطنه من مثالب ومآخذ تحتاج الى التدقيق والتغيير، فإنها ورغم تفردها كجهة للإحتكام في حل النزاعات، فلا يعفي من كونها تمثل أحد عوامل الصراع بين الكتل السياسية على الصعيد السياسي، ناهيك عن العوامل الموضوعية لأسباب الصراع نفسها، والتي شكلت أفخاخاً تثقل كاهل الدسستور منذ تشريعه، لتعكس من جانب آخر الخلل البنيوي في أسس بناء [[العملية السياسية]] نفسها، والذي باتت تداعياته السلبية تنخر في تلك الأسس بإنتظام..!!؟
13/7/2012



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن