خرافات دينية (2). طيور الابابيل و فيل ابرهة

محيي هادي
muhyee.hadi@gmail.com

2012 / 7 / 5

کیف یمکن آن یقتنع المتعلم بخرافات فارغة و يعتبرها حقائق علمية حقيقية؟!! يسألني صديقي متعجبا.
قأجيبه: و كيف لا يؤمن متعلم متدين بالخرافات؟ و قد شـُبـِّع دماغه بها منذ صغره إلى كبره، من المهد إلى اللحد! و هو يرغب بها و يطرب لها. إنه كالسكران الذي يفرح بسكرته و هو ناقص الوعي.
إن الخرافات هي ترسبات متتالية و دائمية على ذهن الفرد المتدين. و كلما ازداد الفرد تدينا كلما ازدادت هذه الترسبات أكثر التصاقا.
كيف يمكن أن تقول لهذا المتدين أن هذه هي الخرافات بعينها؟ و هو يقرأ هذه الخرافات في كتابه المقدس: قرآنا كان أو إنجيلا أو توراة!! إنه يؤمن بها و يعتبرها بأنها منزلة من السماء السابعة و موقعة بتوقيع الله و مؤيدة بشهادة الملائكة في الأعلى و بشهادة الانبياء على الأرض.
و كيف يمكن أن تُزال هذه الترسبات؟ و هو يسمعها من شيخه الذي يتبعه، كطفل لإمه، ليشبعه بالخرافات نهارا و ليلا؟

لقد وصلني إيميل عن روضة أطفال في مدينة كربلاء يقوم المعلم المتدين بتدريب الاطفال على كيفية اللطم و المسير في المسيرات الدينية التي تنتشر في هذه المدينة. إن الطفل في هذه المدينة و منذ رضعته الاولى لا يرضع إلا الحزن ، و عند فتح أعينه على الدنيا، لا يعرف إلا اللطم و التطبير و البكاء في المسيرات الدينية ، و مضافا إلى كل هذا سماعه للخرافات الدينية التي يقولها هذا الشيخ أو ذلك. كيف يمكن لهذا الطفل أن يخرج من قوقعته الخرافية و هو يمص و يرضع بخرافات مستمرة؟

إن الخرافات لا توجد فقط في طيات الكتب الدينية بل أنها تحولت، بفعل شيوخ الدين و قراء المنابر الحسينية و ما أشبه، إلى أدمغة الناس المتدينين فقولبت أدمغتهم فيها.
لنبدأ مثلا بحكاية فيل ابرهة التي كتب عنها كُـتاب القرآن، و جاء بعدهم المفسرون ليزيدوها ملحا و بهارا و رونقا خرافيا عجيبا.

-------

إن سورة (الفيل) تبدأ بـ "ألم تر"، و على الرغم من أنها موجهة من كتاب القرآن إلى النبي فإن المفسرين يحاولون تعميمها على باقي البشر. و هكذا و على طريقة (أحچـيلچ يا بنتي و أسمعچ يا چـنتي) نجد أن هناك محاولة لتخويف الناس بقصة حملة الفيل.

فلننظر إلى هذا القصة التي يقصها القرآن في سورة الفيل في خمس آيات صغيرة "نزلت" ، كما يقولون في مكة، و يفسرها المفسرون و هم مختلفون في تفسيرها اختلافا كبيرا، وقد نشروا تفسيراتهم و كتبوها في صفحات كثيرة.

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)

و يجد القارئ أن اللحن الموسيقي القرآني يتعثر في الآية الثالثة من هذه السورة، فحرف اللام الأخير فيها منصوبا بالفتحة في الوقت الذي نجد لامات الأحرف الأخيرة من الآيات الباقية مجرورة بالكسرة. و لكن الكثير من قراء القرآن يقرأون هذه الآيات و يسكِّنون الحروف الأخيرة منها فتسمع على لحنٍ واحد.

-----------------

إن بطل قصة الفيل هو ابرهة الحبشي الذي وصل إلى اليمن، كما يقول مفسرو القرآن، لأن ذا نواس و كان آخر ملوك حمير و كان مشركا قد قتل أصخاب الخدود الذين كانوا نصارى و كان عددهم حوالي عشرين ألف فلم يفلت منهم إلا (دوس ذو ثعلبان).
فذهب (دوس) مستغيثا إلى قيصر ملك الروم الذي كان نصرانيا. فكتب قيصر له إلى النجاشي ملك الحبشة، لكونه أقرب اليهم. فبعث النجاشي مع (دوس ذو ثعلبان) أميرين: أرياط و ابرهة بن الصباح أبا يكسوم في جيش كثيف فدخلوا اليمن فجاسوا خلال الديار و أسلبوا الملك من حمير. و هلك ذو النواس غريقا في البحر. و استقل الاحباش بملك اليمن.

و يؤكد مفسرٌ قرآني أن الأحباش كانوا قوما نصارى. لكنه في الوقت نفسه، يحاول طعنهم إذ ذكر: بأن دينهم كان إذ ذاك أقرب حالا مما كانت عليه قريش من عبادة الأوثان، و لكن كان هذا من باب الإرهاص و التوطئة لمبعث رسول الله.
ثم يتكلم هذا المفسر، و كأنه لسان قدرة الله، فيقول: "و لسان حال القدرة يقول: لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم و لكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه و نعظمه ببعثة النبي محمد"

--------

و إذا كان المفسر أعلاه يذكر بأن الطيور الأبابيل قد قتلت الاحباش كـ "توطئة لمبعث رسول الله" فإن الدميري كتب في كتاب (حياة الحيوان الكبرى) أنه كان هناك في الماضي كاهنان: (شق) و (سطيح). فكان شق له يد واحدة و رجل واحدة و عين واحدة. و كان سطيح ليس له عظم و لا بنان إنما كان يُطوى كالحصير. كان الاثنان أخوين لهما علم في التنبؤ.
و نقلاً عن (سيرة ابن هشام) ذكر الدميري أن الجد الأعلى الجاهلي (مالك بن نصر اللخمي) قد رأى رؤيا هالته. فبعث يطلب شق و سطيح ليفسرا له هذه الرؤيا. فتنبآ له.

فقال سطيح: أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، و ليملكن ما بين أبين إلى جرش.
فقال له الملك: و أبيك يا سطيح! إن هذا لغائظ موجع، فمتى يكون دلك أفي زماني أم بعده؟
فقال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين، ثم يُقتلون و يخرجون منها هاربين.
قال الملك: و من الذي يلي ذلك، من قتلهم و إخراجهم؟
قال: يليه ابن ذي يزن، يخرج عليهم من عدن، فلا يترك أحدا منهم باليمن.
قال: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟
قال: بل ينقطع.
قال: و من يقطعه؟
قال: نبي زكي. يأتـيه الوحي من ربه العلي.
قال: و ممن هذا النبي؟
قال: من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر.

و بعد سطيح جاء دور شق فقال: أحلف بما بين الحرتين من إنسان، لينزلن أرضكم السودان، و ليغلبن على كل طفلة البنان، و ليملكن ما بين أبين إلى نجران.
فقال الملك: و أبيك يا شق، إن ذلك لنا لغائظ مؤلم! فمتى يكون ذلك؟ أفي زماني أم بعده؟
فقال: بل بعده بزمان. ثم يستنقذكم منه عزيم الشان، و يذيقهم أشد الهوان.
فقال الملك: من هو العظيم الشان؟
قال: غلام من غلمان اليمن، يخرج من بيت ذي يزن.
فقال الملك: أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟
قال: بل ينقطع برسول، هو خاتم الرسل، يأتي بالحق و العدل، بين أهل الدين و الفضل، يكون الملك في قومه إلى يوم الفصل.
فوقع ذلك في نفس الملك، لما رأى من تطابق شق و سطيح. فجهز أهل بيته إلى الحيرة فرِقا من سلطان الحبشة.

و أترك للقارئ أن يفسر هاتين النبوأتين اللتين ذكرهما الدميري عن لسان شق و سطيح، و ما الذي كان يريد بهما كاتبهما، و متى كتبهما. إلا أنني أذكر هذه النقاط:
أولا: أن الاسلوب يشبه اسلوب القرآن في عهده المكي. و شق و سطيح، حسب الرواية، كانا مسيحيين.
ثانيا: أراد الكاتب أن يكون العرب المسلمين و من بعدهم بقية المسلمين خاضعين، و إلى الموت، إلى حكم قريش عائلة النبي.


----------

إن قصة الفيل تبدأ بعد أن بنى (ابرهة) المسيحي الحبشي كنيسة في صنعاء اليمن سماها (القليس). و حاول أن يوجه أنظار الناس إليها ليحجوها. و يقول بعض المفسرين لكي يحجوها بدلا من كعبة مكة الحجازية. ... وهنا تظهر لنا أن قضية ابرهة ليست قضية دين و عبادة بل أن القضية هي قضية تجارة و ارتزاق و تطفل و عيش على حساب ما سمي بـ (الدين). الدين المسيحي الحبشي بدلا من الدين الوثني المكي. و معروف عن مكة أنها كانت مركزا تجاريا يجتمع فيه العرب، ليبيعوا و يشتروا.

و هناك رأي لأحد المفسرين بأن ابرهة لم يقود الجيش بنفسه نحو مكة بل أنه بعث (الاسود بن مقصود) على كتيبة معهم الفيل و لم يذهب ابرهة إلى مكة.

و كانت كنيسة (القليس) هائلة رفيعة البنيان عالية الفناء مزخرفة الأرجاء و سميت (القليس) لارتفاعها لأن الناظر اليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه بسبب ارتفاع بنائها.

إذن إن أحد أسباب توجه ابرهة نحو مكة هو لتغيير أنظار الناس من مكة نحو صنعاء و هو سبب أول حسب رأي المفسرين المسلمين لـحكاية الفيل، و هناك اسباب أخرى يقول بها هؤلاء المفسرون المسلمون أيضا:

* السبب الثاني:
أن أحد الأعراب من بني نسأة قد غضب لما عزم عليه ابرهة فدخل الكنيسة و تغوط فيها مما جعل ابرهة أن يغضب و يقرر غزو مكة وهدم كعبتها.

* السبب الثالث:
أن ابرهة بعث برسول إلى بني كنانة يدعوهم إلى حج كنيسته. فغدرت بنو كنانة برسول ابرهة و قتلته. مما جعل ابرهة، على الرغم من حلمه حسب المفسرين المسلمين، يغضب و يهيئ جيشه لغزو مكة.

* السبب الرابع:
أن فتية من قريش دخلوا كنيسة (القليس) فأججوا فيها نارا و كان يوما فيه هواء شديد فاحترقت و سقطت على الأرض. أي أنها دُمرت تماما.
و بموجب هذا القول فإن توجه ابرهة نحو مكة لم يكن لكي يجبر الناس على حج كنيسته التي احترقت و سقطت على الأرض ، بل هو ثأر منه لكنيسته التي أحرقها فتية من قريش.

و لم يعزم ابرهة حرب قريش بل عزم على هدم كعبتها و بسبب حلمه فلم يكن بحاجة إلى دماء قريش بقطع رقاب أبنائها. إن الرغبة إلى في قطع الرقاب و الفرح بسيلان الدماء هي رغبة اسلامية عبر عنها المسلمون عبر تاريخهم و مثال على هذا هو التاريخ الدموي للقائد الاسلامي الذي نعتوه بـ "سيف الله المسلول". إن هذا الدموي لم يقتل مسلمين من بني جذيمة في أيام النبي محمد، الذي لم يعاقبه بحكم، بل أنه أيضا قتل الصحابي المسلم مالك بن النويرة و نزا على زوجته في ذات ليلة الغدر بزوجها. و كان ذلك أيام الخليفة أبو بكر.

.....................

و بيـَّن المفسرون أن هناك قبائل عربية قد أصبحت لابرهة دليلا لإيصاله إلى مكة، و كانت له على سمع و طاعة.

* فهذا (ذو نفر)، فإنه بعد أن هُزم أمام ابرهة قال له: "ايها الملك! لا تقتلني فإنه عسى أن يكون بقائي خيراً من قتلي". فتركه ابرهة من القتل، و حبسه عنده في وثاق. و كان ابرهة، حسب قول مفسر القرآن "رجلا حليما".

** و هذا (نفيل بن حبيب الخثعمي) يقول:
"أيها الملك لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، و هاتان يداي لك......". و خرج معه يدله.

*** و عندما مر ابرهة بالطائف خرج إليه (مسعود بن متعب) في رجال من ثقيف، فقالوا له: "أيها الملك، نحن عبيدك، سامعون لك و مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، و ليس بيتنا هذا الذي تريد –يعنون اللات- إنما الذي تريد بمكة..." . و بعثوا معه أبا رغال.

إن مصلحة ثقيف كانت تتفق مع مصلحة ابرهة في هدم كعبة مكة إذ أن الأخيرة كانت تنافس كعبة ثقيف.

.............

و هناك روايات ذكرت بأن (تبع) ملك اليمن قد قام في وقت مبكر على رأس حملة للسيطرة على يثرب، إذ كانت له حروب مع الاوس و الخزرج، و على مكة لتهديم الكعبة، فمنعه من ذلك من كان معه من أحبار اليهود.
و كذلك كانت هناك محاولات من ملوك حمير التبابعة لبسط سيطرتهم على شبه الجزيرة العربية، و على مكة بالذات.

-----------

لم يحدد عام الفيل. فمن المفسرين لهذه السورة قول:
* بأن عام الفيل كان قبل مولد النبي محمد بأربعين سنة.
** و قال آخر: إنه كان قبل مولد النبي بثلاث و عشرين عاما.
*** و هناك مفسر أراد أن ينهي مشكلة الشك في هذا العام فنسب حديثا إلى النبي بأنه قال: "ولدت عام الفيل". و المعروف عند المسلمين أن حديث النبي لا جدال فيه.
**** و لم يكتف المفسرون بتحديد العام بل ذكر مفسر آخر حديثا للنبي قال فيه: "ولدت يوم الفيل".
***** وذكر مفسر آخر بأن النبي ولد يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول. و كان بعد الفيل بخمسين يوما.. و وافق من شهور الروم العشرين من أسباط (أطنه يعني شباط) ، في السنة الثانية عشرة من ملك هرمز أنو شروان.
****** إلا أن أبا جعفر الطبري قد حكى بأن مولد النبي كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك أنو شروان.
******* و لكون المسلمين يضبطون تواريخهم ،مواليدهم و وفياتهم، (ضبط العگــال) فإن هناك من قال أن آمنة قد حملت بابنها محمد في يوم عاشوراء من المحرم. وولد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ; فكانت مدة حمله ثمانية أشهر كملا ويومين من التاسع . وقيل : إنه ولد يوم عاشوراء من شهر المحرم.

----------

و إذا كان مفسرو القرآن لم يعرفوا تحديد عمر النبي محمد فإنهم كذلك لم يعرفوا تحديد عدد الأفيال التي صاحبت ابرهة في زحفه إلى مكة.:
* فمنهم من قال فيلا واحدا.
** و منهم من قال ثمانية.
*** و منهم من قال إثنا عشر.
إن قصة الفيل، على الرغم من دلالاتها المقدسة للمسلمين و على الرغم من نزول آيات فرآنية تذكرهم بها فإننا نرى مفسري المسلمين لم يستطيعوا تحديد عدد الأفيال كما أنهم لم يستطيعوا، كما ذكرت آنفا، تحديد عمر نبيهم من قبل.

و الظريف في هذا أن أحدهم قال: كانت قصة الفيل فيما بعد من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت قبله وقبل التحدي .


----------

و ذكر مفسر لهذه السورة أن ابرهة عندما وصل إلى مكة بعث رسولا اليها ليقول الى ساكنيها:
"إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت"، و يقصد به كعبة مكة، " فإن لم تعرضوا لي بحرب فلا حاجة لي بدمائكم..."
و العجيب من أمر المسلمين، فيما بعد، أنهم يدافعون عن كعبة مكة الوثنية ضد كنيسة ابرهة المسيحية. و المسلمون كانوا يعتبرون الديانة المسيحية نوعا من الديانات الالهية السماوية و لو أنهم فيما بعد قالوا عنها أنها حرفت مثلما حرفت الديانة اليهودية.

بعث ابرهة رسوله (حناطة) يبحث عن سيدها و شريفها، الذي كان حسب الحكاية (عبد المطلب بن هاشم)، فذهب عبد المطلب حتى وصل معسكر ابرهة. و حين الوصول الى المعسكر سأل عبد المطلب عن (ذي نفر)، و كان في محبسه. فقال: يا (ذا نفر)، هل عندك من غناء نزل فينا؟
فقال له (ذو نفر): و ما غناء رجل أسير بـِيـَدَي ملك!! ينتظر أن يقتله غدوا و عشيا. ما عندي غناء في شيء مما نزل بك.
الغريب في هذه الحكاية أن عبد المطلب كان يعرف أن (ذا نفر) كان موجودا في المعسكر و لم يعرف أنه كان أسيرا. هذا أولا. و ثانيا يسأل عبد المطلب ذا نفر عن غناء فيما نزل فيه!! أو فيهم.
فهل كان قد نزل شيء من قبل في عبد الطلب؟ أو هناك شيء ما سينزل به و يحول إلى غناء؟
إن لسان حال (ذي نفر) يقول إلى البطران عبد المطلب: "عرب وين و طنبورة وين!!". و هذا مثل شعبي عراقي يُضرب في ثقيل الدم. هكذا يذكره عبود الشالجي في كتابه (موسوعة الكنايات البغدادبة)

----------------

و قال مفسر أن عبد المطلب كان أوسم الناس و أعظمهم و أجملهم، فلما رآه ابرهة أجلـَّـه. و أعظمه عن أن يجلسه تحته. فنزل ابرهة عن سريره فجلس على بساطه و أجلسه معه إلى جنبه.

رجع عبد المطلب من المعسكر إلى مكة، بعد أن استطاع أن بسترجع جمالا له كان قد سيطر عليها ابرهة....إن عبد المطلب لم يطالب إلا بما كان عائدا إليه، حسب ما يذكره المفسرون، و لم يعط أية أهمية للمطالبة بما سيطر عليه ابرهة من أملاك تعود إلى الآخرين، على الرغم من أن عبد المطلب كان سيد مكة و شريفها و مسؤول عن سكانها. إن القائد الجيد هو الذي يبقى حتى النهاية أما مثل هذا القائد فهو يمثل الذين ينهزمون من البداية.
و موقف عبد المطلب هو نفس موقف أتباع النبي موسى عندما قالوا له: ... فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ... و لم يقعد عبد المطلب في مكة بل انهزم منها هاربا نحو الجبال.

----------------

و لما عاد إلى مكة أخذ عبد المطلب بحلقة باب الكعبة و قام معه نفر من قريش يدعون الله و يستنصرونه على ابرهة و جنده.
و لم يحدد مفسروا السورة من هم هؤلاء النفر من قريش الذين كانوا يدعون الله أن ينصرهم, هل كانوا وثنيين؟ أم كانوا مسيحيين؟ أم كانوا يهودا؟...

و يقال أن ورقة بن نوفل عم خديجة زوجة النبي محمد كان مسيحيا. و كان هو الملهم الأول لمحمد في "تنزيل" القرآن.
فهل كان ورقة واحدا من المستنصرين بالله و الداعين له مع جد النبي عبد المطلب؟

و من أهمية دور ورقة في الاسلام أنه بعد وفاته لم ينزل الملك جبرائيل على النبي لمدة ثلاث سنوات، و لم يحمل له أية آية. فهل كان جبرائيل حزينا على ورقة أيضا مثل النبي محمد؟

بعدها انطلق عبد المطلب بن هاشم هاربا مع عشيرته نحو شعب من جبال مكة، فاحترزوا فيها.

---------------

فلما أصبح ابرهة تهيأ لدخول مكة، فهيأ فيله (محمود)، و عبأ جيشه، عازما على هدم الكعبة ثم الانصراف إلى اليمن بعد إتمام مهمتهه. و لكنه عندما وجهوا هذا الفيل نحو مكة أقبل ( نفيل بن حبيب) حتى قام إلى جنب الفيل ثم أخذ باذنه فقال: "ابرك محمود" (اسم الفيل)، و ارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام" ثم أرسل أذنه فبرك الفيل. و خرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد إلى الجبل.
و لم يبين المفسر:
* كيف هرب (نفيل) من الأسر؟
** و منذ متى يعرف نفيل لغة الأفيال؟
*** و على أي دين كان نفيل يؤمن بالله؟

-----------

برك الفيل و لم يقبل أن يتوجه نحو مكة. فضربوه ليقوم فأبى. و ضربوا رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى. و أدخلوا محاجن لهم في مراقه، فبزعوه بها ليقوم فأبى.
إن الفيل لم يقبل الذهاب إلى مكة. فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول. و وجهوه نحن الشام ففعل مثل ذلك مهرولا. و وجهوه نحو الشرق ففعل ذلك أيضا. إلا أنه كان يأبى التحرك عندما يوجهوه نحو مكة.

----------

لقد فسر البعض كلمة أبابيل في الآية الثالثة من سورة الفيل على أنها "طير الأبابيل" ليدل بذلك على أن نوع و جنس طيور القصة هي طيور الأبابيل، التي يجعلها البعض بأنها طيور السنونو المعروفة، و من هؤلاء نجد الدميري في كتاب (حياة الحيوان الكبرى).
و لطائر السنونو قدسية معينة لأنه، حسب الحكاية، كان قد رجم بحجاراته جنود ابرهة.
و للحمامة أيضا، و كذلك العنكبوت، قدسية لأن المسلمين يعتقدون أنهما قد حفظتا النبي محمد من أعدائه القريشيين عند لجوئه إلى غار في جبل بعد هروبه من مكة مهاجرا إلى المدينة.

و عندي إعجاب كبير بهذا الطير الذي يبني عشه في أعالى الجدران و في السقوف أيضا. و هو يذكرني دائما ببيتنا في العراق حيث كان لهذه الطيور عدة أعشاش في بيتنا. و كنا نحافط على الاعشاش و لا نؤذي هذه الطيور. و رؤيتي لها تزيدني شوقا لبيت طفولتي و حنينا إلى الوطن.

------

يذكر أحد المفسرين بأن الله قد أرسل عليهم، أي على جيش ابرهة، طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف و البلسان. مع كل طائر منها ثلاثة أحجار: حجر في منقار و حجران في رجليه، أمثال الحمص و العدس، لا تصيب منهم أحدا إلا هلك... ثم تابع المفسر: و ليست كلهم أصابت.
و ذكر آخر بأن الحجر هو نوع من الحصى كحصى الخذف. و أنه كان مكتوبا على كل حجر اسم صاحبه المقتول به. و على الحجر مكتوب أيضا: من أطاع الله نجا، و من عصاه غوى,
و لم يذكر هذا المفسر بأية لغة كانت الكتابة على الحجر: عربية أم عبرية أم آرامية أم حبشية؟
و قد ذُكــِر أن الطيور قد وصلت في العشية. و كانت الطيور موزعة في عدة فرق أمام كل فرقة طائر يقودها، أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق.

وكتب أحد المفسرين عن ( أبي صالح) : رأيت في بيت أم هانئ بنت أبي طالب نحوا من قفيزين من تلك الحجارة، سودا مخططة بحمرة. و لم يذكر هذا المفسر إن قال له أبو صالح إن كانت هذه الاحجار منقوشا عليها اسماء جنود ابرهة، و فيما إذا كانت الاحجار قد ضربت جنديا من الجنود أم أنها من الاحجار التي أخطأت هدفها.

------------

كتب الدميري في كتابه (حياة الحيوان الكبرى)، و تحت عنوان (عجيبة) أنه:
"حكي أن بمدينة رومية شجرة نحاس، عليها سودانية من نحاس، في منقارها زيتونة، فإذا كان وقت الزيتون، صفرت هذه السودانية فلا يبقى في تلك النواحي سودانية إلا جاءت، و معها ثلاث زيتونات: في منقارها واحدة، و في رجليها اثنتان، حتى تطرحهن على رأس السودانية من النحاس، فيعصر أهل رومية ما يحتاجون اليه من الزيت عامهم كله.
ثم يضيف الدميري فيكتب: "الظاهر أن السودانية هي الزرزوز"

إن هذه الخرافة التي كتبها الدميري تحت عنوان (عجيبة)، لأنه يشك في صحتها، كانت ستصبح (معجزة إلهية) لو كان قد قرأها في كتاب ديني اسلامي أو سمعها من شيخ يتمشيخ في هذا الدين.

--------------

و تحدث الكاتب (روبرت غريفز) في كتابه (الميثولوجيا الأغريقية) عن العمل السادس الموكل إلى (هيراكليس)، ألا وهو طرد الطيور آكلة لحوم البشر المكرسة إلى الاله ( آريز)، إله شهوة الدم و القتل الوحشي. هذه الطيور التي كانت تملك منقارا و أجنحة و مخالب من البرونز. و بسبب رعبها من ذئاب وادي الذئاب في طريق (أوركومينوز)، فإنها هربت إلى مستنقع ( أستينفالوس)، حيث كانت تتكاثر فيه و تسبح أيضا في النهر الحامل لنفس الاسم- (أستينفالوس).

و من حين لآخر فإن هذه الطيور كانت تطير في جماعات لكي تقتل الناس و الحيوانات مُـسلطة عليهم، كالمطر، أرياشا من البرونز و في نفس الوقت كانت تطلق ذرقها السام فتؤذي و تدمر به محاصيل الحقول.

إن طيور المستنقع (أستينفالوس) كانت بحجم طيور الكركي و كانت تشبه طير (أبي قِردان)، و مناقيرها لم تكن معوجة، بل كانت بها مستقيمة تستطيع بها اختراق أي درع معدني.

و كانت أيضا تعيش في صحراء شبه الجزيرة العربية حيث كانت هناك تسبب أذى و أضرارا كبيرة أكثر مما تسببه الاسود و الفهود و الذئاب، لأنها كانت تنطلق بسرعة نحو صدور المسافرين و تخترقها.
و تَـعَـلـّم الصيادون العرب لبس دروع واقية، من قشور أشجار على شكل ضفائر، حيث تتشابك و تحتبس فيها هذه المناقير القاتلة، لتعطي في الوقت ذاته القدرة على القبض على هذه الطيور و لَـي أعناقها.
و من المحتمل أن تكون مجموعة من هذه الطيور قد هاجرت من جزيرة العرب إلى مستنقع (أستينفالوس)، و هذا المستنقع قد أعطى اسمه لهذا الجنس من الطيور.

-----------------

و كالعادة فإن مفسري القرآن لم يتفقوا، بل اختلفوا، في معنى (أبابيل). فمنهم من قال:
* إن أبابيل تعني فِــرق.
** و منهم من قال أنها تعني: يتبع بعضها بعضا.
*** و منهم من قال: هي الأقاطيع. كالإبل المؤبلة.
**** و مفسر قال: متفرقة.
***** و آخر قال: الزمر.
****** و آخر ذكر: هي شتى متتابعة مجتمعة.
******* و آخر: هي الكثيرة.
******* و منهم من قال: أنها تعني المختلفة. تأتي من ها هنا و تأتي من ها هنا. أتتهم من كل مكان.

في كل هذه الآراء المختلفة لتعيين معنى كلمة (أبابيل) لا نرى واحدا يؤكد على أنها طيور السنونو المسكينة التي تفيد الناس في أكلها الحشرات. لقد جعلوا من هذه الطيور حاملات قنابل تضرب رأس ابرهة و رؤوس جنود جيشه. لقد حولوها من طيور وديعة إلى طيور حربية اجرامية.

--------

أما عن أشكال طيور سورة الفيل فإن المفسرين المسلمين للقرآن لم يبتعدوا عن عادتهم في عدم الاتفاق، وهكذا فقد اختلفوا في تحديد لونها. إذ أن هناك من قال:
* كانت بيضاء
** ليأتي آخر و يقول: كانت سوداء. أو هي طيور سود خرجت من البحر في مناقيرها و أظافيرها الحجارة.
*** و جاء آخر ليقول: كانت خضراء. أو هي طيور خضر خرجت من البحر.
**** أو أنه كان لها خراطيم كخراطيم الطير، و أكف كأكف الكلاب.
***** و يأتي آخر و يقول: كان لها رؤوس كرؤوس السباع.
***** و قال آخر: هي طيور خضر لها مناقير صفر تختلف عليهم.
****** و قال آخر: إن حمام مكة منها

-------

و بدأ قصف الطيور فكان يقع الحجر على بيضة أحد الجنود فيخرقها، ويقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة، ويغيب الحجر في الأرض من شدة وقعه. و أمام هذا القصف العجيب في رعبه و شدته خرج جنود ابرهة هاربين يبتدرون الطريق التي جاءوا منها، ويسألون عن (نفيل بن حبيب)، ليدلهم على الطريق إلى اليمن.

فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته : أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب.
و الأشرم هو ابرهة.
وقال أيضا:
حمدت الله إذ أبصرت طيرا......... وخفت حجارة تلقى علينا
فكل القوم يسأل عن نفيل............. كأن علي للحبشان دينا

فخرج الجنود يتساقطون بكل طريق، ويهلكون بكل مهلك على كل سهل.
أصيب ابرهة الحبشي في جسده. و خرجوا به معهم يسقط أنملة أنملة. كلما سقطت منه أنملة أتبعتها منه مدة تمث قيحا ودما ; حتى قدموا به صنعاء وهو مثل فرخ الطائر , فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه.

ألم يقول المفسرون بأن الحجارة " الطيرية" ماكانت تصيب واحدا من جيش ابرهة إلا وأهلكته!! أهذا الهلاك كان في نفس الوقت ، أم بعد الاصابة بمدة؟

و قد ذكر مفسر لهذه السورة بأن عدد جنود جيش ابرهة كان ستين ألفا، لم يرجع منهم إلا أميرهم (أي ابرهة) و"معه شرذمة لطيفة". فإذا حسبنا بأن كل طير كان يحمل ثلاثة أحجار، حجر واحد لكل حبشي مكتوب اسمه عليه، فإنه على أقل تقدير سيكون هناك عشرون ألف من الطيور القاصفة لجيش ابرهة.

و يذكر أحد المفسرين أن عائشة الزوجة الصغرى للنبي محمد كانت قد رأت في حداثة سنها قائد الفيل وسائقه أعميين يستطعمان الناس .

---------------

لقد ذكر مصطفى عبد الله في كتابه (الوهم الاسلامي) أن ما حدث من ارتفاع النجم المكي و صعوده بعد حملة الفيل على الكعبة و فشلها و ما صاحب ذلك من قصص مكذوبة و روايات تعظم من الكعبة، و إن الذي هزم جيش ابرهة الحبشي و فيله –هو الله- في حين أن الذي هزم هذا الجيش و الفيل هو مرض الجدري. و يؤكد على ذلك الاستاذ عباس العقاد في كتابه (طوالع البعثة المحمدية) قائلا: و قد حدث بعد ذلك ما حدث مما لاشك فيه و هو فتك الجدري بجنود ابرهة و انهزامه عن البيت. و إن الجدري الذي فشا سنة 569 مثبت في تاريخ بروكوب الوزير البيزنطيني المعروف.

و نجد في موسوعة ويكيبديا أن الجدري هو أول مرض ينتصر عليه البشر. لقد فتك الجدري وشوه وسبب العمى لملايين الضحايا عبر تاريخه الطويل.
و ينشأ الجدري نتيجة للعدوى بفيروس ينتقل من المصابين إلى الأصحاء. ويظهر طفح يشبه البثور على جلد المريض، ثم تتكون قشرة على البثور ما تلبث أن تسقط تاركة ندبة في مكانها. وليس للجدري علاج. كما يموت 20% من ضحاياه، ويصاب الباقي بتشوهات مستديمة، ويصاب البعض بالعمى. وفي سنة 1796، قام الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر بتحضير أول لقاح ضد الجدري. وبحلول أربعينيات القرن السابق، اختفى الجدري من أوروبا وأمريكا الشمالية. وفي سنة 1967، بدأت منظمة الصحة العالمية في تنظيم حملة للقضاء عليه. وفي سنة 1977، ظهرت أخر إصابة بالجدري في الصومال؛ وفي سنة 1980، أعلنت المنظمة أنها نجحت في القضاء على المرض.

---------------

ملاحظة
اعتمدت، بشكل أساسي، لكتابة هذه المقالة، عن الخرافات، على تفاسير القرآن لكل من:
* ابن كثير
** الجلالين
*** الطبري
**** القرطبي.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن