وكوكب أيها الشامخُ تُهديك السلام

أمل جمعة
amalwehda@yahoo.com

2012 / 7 / 5

زمان كنتُ أسمعُ أمي تقول:"في بقلبي غصة مُرّة" وكأنني ما نضجت حينها بما فيه الكفاية لأفهمَ ما تتركهُ الغصّات من شعور بالخواء التام والمرارة ،لاحقاً عرفت من الغصات والإختناقات والمرارة ما أوجع قلبي وروحي.
لكن هذا اليوم تحديداً أحسُّ بقلبي ينفلت مني ويتفتفتُ بلا جدوى ،ليست رسالة بؤس أو شحن الهواء بالألم والأسى ...ببساطة أكاد أنفجر..
ليس فقط بسببِ حكاية السيّدة كوكب ضيفتي اليوم في برنامجي الإذاعي "ضد الصمت" ، وليس بسبب أنني أجهلُ كيف أعرفُ كلمةَ "حيّاة" وليس فقط بسبب اكتشافي أن حصتي من هذا الوطن لا تتعدى سوى فعل الدفاع اليومي أمام هجوم من كل الجِهات (علماً أنني تحديداً لا أدرك الترجمة الفعليّة والصفة اللازمة واستحقاقاتها لكوني مواطنة ) .
يولولُ الكلّ بإتجاهك ،تقضي النهار في ردّ التهم عنك وطبعاً عليك أن تفرزَ تهماً جديدة لمن يتهمّك.
عندما يصير الوطن سيلاً من الإتهامات والتشكيك والتخوين والضيق ،وأنت لم تدركْ بعد حدودهَ الفعليّة ،وتقسم ,بحدوده التاريخية ،أنك من هنّا،والله العظيم يا عالم أنا ابنة هذا البلد .يصيح الجميع في وجه الجميع ويختصمون ويطلقون الأحكام (الكلُّ قضاة والكلُّ متهمون والجميع جلادون )...أناديك أيها الوطن ! فردَ عليّ ،علنّي أرد عليهم وأرد عنّهم ما يضنيني ويضنيهم .
ليس الموقف شخصيّاً أبداً وشخصيّاً جداً في ذاتِ اللّحظة،والدليل هذا الشعور بالمرارة التي لا تطيق مرارتها ،فعندما أحدق حولي في الشوارع تنتابني الغربة،وعندما أنحني لأقطف أول ثمرة خِيار ناضجة من حديقتي أحسُّ بيتي ووطني ،لماذا صعب تفسيرك إلى هذا الحد أيها الوطن ؟وكيف تأتي في لحظة سلسلاً وبسيطاً وعادياً كوجّه أمي ؟
ولكن هل هذا يكفي ؟هل تكفينا حديقة لتترجم لنا جمالية الوطن ؟ لا بأس غاضبة جداً أنا ومقهورة."خلّوني في همّ الحجّة كوكب"
تحكي وهي في الخامسة والسبعين كيف لفظها ذوي القربى ومن ربتّهم في حِجرها لسنوات وسنوات ، عندما اشتد عودهم "تذكروا" أن هذه السيّدة ليست جدتهم البيولوجية ،عندما لاحَ في الأفق مليون دولار- ثمن بيت العائلة - اكتشفوا جميعاً أن لا رابطة دمّ تربطهم بها لذا فلا حصةَ لها في الأملاك الكثيرة ،وحجتّهم ورقةً صغيرةً تقول أن الجدّ (زوج الحجة كوكب) قد باع جميع أملاكه لابنته الوحيدة من زوجته الأولى ،متجاوزاً عروسه الجديدة(الحجة كوكب ) وابنتها التي تحبو بين أب بيولوجي وشقيقة كبرى في الأربعين من العمر ،مات الزوج تاركاً زوجة وابنتين ،كل الاملاك باسم الابنة الكبرى من زوجته الأولى ،ماتت الابنة -والتي وعدت طوال الوقت برعاية أختها الصغيرة ووالدتها - مورثة كل أملاكها لأبنها الوحيد ،تَجَبَّر الابن طارداً جدتّه (غير البيولوجية) ناسياً أنها رعتْ أطفاله لسنواتٍ وسنوات ،غافلاً عن بكاء طفلين كانا يتخاصمان صغاراً من ينام بحضن الجدة ،كبر الصغار وتجبروا وشهدوا لصالح والدهم وووو و
الحجّة كوكب طردت ،صارت في الشارع ومن ثم في خيمة لمدة اسبوع ،رَمَمَ أهل الخير قليلاً من الواقع المؤلم وضغطوا على الحفيد(غير البيولوجي ) فرماها في واحد من أملاكه المهترئة والآيلة للسقوط ...بيت قديم يتساقط سقفه .
تصعدُ وتهبطُ تسعين درجةً كلما احتاجت لأمر حياتي يومّي ،ترعاها ابنتها (المحرومة أيضا من ميراث أبيها) من بعيد حيث تسكن في أمريكا وتدرس وتعمل هناك ،أين وطن الحجّة كوكب وأين حصتها من هذا الوطن؟ وهل عليها هي الأخرى أن تنزل للشارع وتضرب عن الطعام وتصرخ بصوتها الضعيف :"قتلتني حُسّن نِيّتي ووثقت بحضني ومن تربى بدفئه ،خدعتُ لأن لي قلباً لم يشككْ ولم يخوّنْ وصدق الكلام ".
سبعة وأربعون عاماً عمر نكبتنا الكبيرة ونكبتها الخاصة لم تراجع الحجة كوكب سواد الحِبّر في أوراق زوجها وابنته وابن ابنته وأحفادٍ جحودين، واكتفت ببياض سريرتُها . فهل تكفيّها الحياة عازة الناس وتعيش ما تبقى من حُلم كريمةً في هذا الوطن .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن