2012 / 7 / 2
ابن رشد ذلك الفيلسوف المجدد , ذلك الفقيه المالكي المتأثر بالفقه الظاهري .
يقول الغربيون أن طوماس الأقويني هو من أخرجهم من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة , عصور العقلانيّة و التجديد . و طوماس الأقويني هذا فيلسوف غربي تبنى الكثير من آراء ابن رشد . اذا القول الصحيح هو ان ابن رشد من أوائل المفكرين شرقاً و غربًا الذين اسهموا في القرون الوسطى بصفة علمية في تجذير العقلانيّة و الإنسانيّة و الحدّاثة .
و لإبن رشد كتاب مهم , لم يأخذ حظه من الدرس عندنا , كتابٌ اسمه بداية المجتهد و نهاية المقتصد . و هذا الكتاب هو كتابٌ فقهيٌ نقدي . و قد هجره أهل العلم , أولاً , لكبره , فالكتاب الكبير شرّ كبير كما قال الشّاعر الإسكندري كاليماخوس , و ثانياً , لأنهم رأوا أن بداية المجتهد كتاب تنقصه الأصالة و الابداع . و قد رأى عبد الرحمان بدوي أنه يجب أن ندقق في نسبة هذا الكتاب لابن رشد الحفيد , فلربّما يكون لجده أو لأحد من أفراد عائلته الّتي عرفت باشتغالها بالعلم . فابن رشد ـ العائلة ـ أميل إلى العلم من أي شيء آخر .
و هذا الكتاب , أي كتاب بداية المجتهد و نهاية المقتصد , كتاب اهتم بعلم عملي و هو صناعة القانون . فمن هو المجتهد؟ و من هو المقتصد؟
لنجيب على هاذين السؤالين لا بد من العودة إلى حجر الزاويّة في الفكر الإسلاميّ و هو التنزيل الحكيم . لا بد من العودة إلى الآية التاليّة : " ثم أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه و منهم مّقتصدٌ و منهم سابقٌ بالخيرات باذن الله ذلك هو الفضل الكبير " ( فاطر , 31 ) .
فهم ابن رشد من هذه الآية أن الله أورث الكتاب لثلاثة فئات من المسلمين هم :
1/ فئة الظالمين
2/ فئة المقتصدين
2/ فئة المجتهدين السّابقين بالخيرات
فالمجتهد هو السابق بالخيرات . و هو عند ابن رشد كل شخص مكلف وهبه البّاري اللطيفة الرّبانيّة الّتي بها يتحصل الإنسان على السعادة . هذه اللطيفة هي العقل .
و ابن رشد في كتابه بداية المجتهد مال لفقه ابن حزم الذي يرى أن المقلد عاص و المجتهد مأجور . و كما أنه لا يعذر شخصٌ بجهله للقانون , فإنه لا يعذر مكلف بجهله لالتزاماته .
و عند ابن رشد أن المجتهد المكلف يجب أن تتوفر فيه شروط , مثل أن يكون عدلاً فالعدل أمّ الفضائل و لا يكون العدل إلا بالاعتدال و العفة و النزاهة . و قد نقل ابن فرحون في تبصرته نقلا عن ابن رشد ما يلي : العدالة هيئة راسخة في النّفس تحث على ملازمة التّقوى , باجتناب الكبائر و توقي الصغائر و التّحاشي عن الرذائل المباحة . كما أن الشجاعة من الصّفات الّتي يجب أن تتوفر في المجتهد المكلف من اجل أن يواجه المقتصد المقلد . يظهر لنا هنا أن المجتهد المكلف شبيه بحي بن يقظان الذي خرج إلى الجمهور ليواجهه و يعلمه . و لكن ابن رشد في كتابه الآخر فصل المقال , الّذي أتى بعد كتاب بداية المجتهد , يعلن عن رأي مخالف و هو أن المجتهد المكلف أو المتوحد المتدبّر ينبغي أن يبقى في عرشه العاجي .
ان الثورة الرّشديّة في الفقه كما في الفلسفة قامت على العقل و البحث العلمي الحرّ . انّها ثورة قامت على أساس العقلانيّة . ان ابن رشد في كتابه بدايّة المجتهد و نهايّة المقتصد يتحدث عن دعوة الإسلام المتمثلة في الاجتهاد في استباق الخيرات .
ختاماً , تأثر طوماس الأقوبني بابن رشد , فكان عصره بداية لعصر جديد . عصر أشرقت فيه شمس العقل و العلم من الغرب ليتحقق بذلك حديث الرّسول الأعظم : طلوع الشّمس من مغربها .
ان الغرب استبقوا الخيرات فدخلوا لعصر التّنوير . أمّا نحن فانقسمنا إلى فئتين : الفئة الأولى : الظالمون لأنفسهم . و الفئة الثانية : المقتصدون . و غاب عنا المجتهدون السابقون للخيرات .
ـــــــــــــــــــــ
مراجع :
ـ الأفق الكوني لفكر ابن رشد , منشورات الجمعية الفلسفية المغربية , الطبعة الأولى , ص : 217
https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن