اوزار اليقظة

مقداد مسعود
m.mookdad@yahoo.com

2012 / 6 / 14

أوزار اليقظة ..أو...السرور بالكيفية الشعورية ..
الشاعر علي محمود خضير
في (الحالم يستيقظ )
مقداد مسعود
قبل أكثر من عام، حين أختاروني كمقدم جلستهم الشعرية في نادي الشعر في إتحاد أدباء البصرة
الشعراء صفاء عبد العظيم/علي محمود خضير/ حسام البطاط / هيثم جبار/ حسن هاني / منصور الريكان / وعذرا جميلا إذا نسيت صوتا متألقا منهم..
حين سمعت قصائدهم غمرتني سعادة المطمئن على مستقبل القصيدة البصرية . ..هكذا كان
شعوري تلك الليلة..لاأعني ان قصائدهم كانت مكتملة..بل لمست قوة الدافع الشعري في نصوصهم ومن خلالها
عرفت اننا لن ننقرض شعريا فثمة جيل طموح يريد المساهمة بمشاكساته وطموحاته ونرجسياته وهل ثمة جيل
لم يباهل بهذا النسق الثلاثي من القوة الدافعة ؟؟.. تبهجني انشطتهم داخل الشعر وخارجه ..صادقون وهم يخيطون جروحنا بأبداعاتهم...وها أنا آلآن احاول تفعيل اتصاليتي بين (تكلم النص) و(مكالمته)
من خلال نماذج من قصائد(الحالم يستيقظ) للشاعر علي محمود خضير..
(1)
في قصيدة (إذ تعكس الشمس أحمر شفاهها)...

فاتحة القصيدة..يستعملها الشاعر علي محمود...لينقضها عشرات المرات وسيكون النقض
شعري ألإجراء..من خلال تركيم الحالات النقيض..
(فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة/43ص)..هكذ تبدأ القصيدة ..توهمنا..عبر
توظيف ذكي لموجز انباء لحظتنا العراقية..أنها قصيدة بحنجرة مبحوحة..وهي فعلا بداية تغوي الحنجرة
لتشغيل لافتاتها السياسية..لو كانت القصيدة لغير الشاعر علي محمود..بعد هذه الفاتحة الشعرية،يقوم الشاعر
بعملية منتجة(مونتاج) لينقل القصيدة ،عبر عين الكاميرا الى تفعيل لقطات هي البديل الموضوعي عن عنف
مشهد المفتتح الشعري: يذيعون/ فرق تناحر / بيارق تهتز/ وعود مفزعة....
وستكون اللقطات ضمن فضاء مفتوح للحب حصريا :
1* تبدو المروج ممتدة كالمدى
2* تبدين زاهرة هذا النهار
3*لنعدُ خلف سعاداتنا ،بين القصبات النحيفة،الخجولة لكن الطيبة
4*لابد للسماء أن تفرش غيوما حانية.
5*وتمد يدا ودودة تضحك بألوان سبعة
6*لنجر حد ألأعياء
7*نخط ذكرى في قلب الشجرة العجوز أعلى التلة
8*ترى كم من العصافير على أصابعها الطويلة؟
9*وكم منها ترقص في عينيك؟
10*سنغمر قمصاننا بالعشب،
11* نتيه عن الوقت،عن النهر الذي يفصل اتحادنا، جوهرة تلتمع في تيه العدم.
12*ستصافح النسمات جديلتك العابثة ولن تنقضي الساعات إلا ونحن منهكون بين
الحطبات والخراف الطيبة
13*أركضي وأنا خلفك،وحاذري أن امسك بك.
...
14*لنذهب جهة الشاطىء،نحضن زرقته بأحداقنا،
15*نكتري زورقا بقلبينا المرتجفين لأمواج تصخب.
16*سنحيا كما نشاء.
17*كيف يقال الحب؟ أهمس،..تنصتين.
18*كم منك في؟ تهمسين..أنصت.
19*ستكلمينني عن أقراطك الطويلة،عن ألأب الصارم،
إدامانك القهوة.
20*سأطلب لروحك نهارا هائنا،نهارا دون بيارق ووعود.
21* سيجافينا الملل. ولن أسأل عن يديك الملتبستين كالفجر.
(2)

تأملات في أحمر شفاه القصيدة
في عنونة القصيدة..دعوة هادئة للمشاركة في تأنيث العالم،للشمس وظيفة مرآوية ..ذهب الشمس يعكس المحذوف كتابة
والمشار اليه علاماتيا / لونيا: (أحمر شفاهك)..الطبيعي يناصر ألأنوثي..تتزامن فاعلية الشمس ألإشهارية ،مع ما يفعل
عالم الذكورة ،في واقعنا المعيش..وإذا كان المعنى يظهر بقدر طاقة القارىء وكل قارى يذهب الى النص بطوقه أو طاقته* فطاقتي ترى : وظيفتين للعنوان : العنوان كثريا ، اما الوظيفة الثانية فشخصيا اراه السطر ألأول من القصيدة..وها انا قرأ القصيدة هكذا: إذ تعكس الشمس أحمر شفاهها،فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة..
*هندسة القصيدة:
من خلال البيت ألأول(فيما يذيعون عن فرق تتناحر وبيارق تهتز بوعود مفزعة)
والسطرماقبل ألأخير:(سأطلب لروحك نهارا هانئا،نهارا دون بيارق ووعود)
هاهي القصيدة بين قوسين من البيارق والوعود...في القوس ألأول البيارق والوعود موجودة
في القوس الثاني..محاولة لحذف البيارق والوعود من نهار هانىء..
لايتم الحذف ،دون تأثيل العالم البديل..وهنا يومض صوت الذكورة هامسا خضلا بتأنيث العالم لتخليص لحظتنا العراقية
من تجاعيدها كلها... ومضات العشق تحاول بكل ازهرارها ان تزيل أحتدام فضاءالسطر ألأول من القصيدة.
(3)

* المعادلة بطرفيها..
يشكل فضاء ألإحتدام سطرا واحد من القصيدة / يقابله واحد وعشرون سطرا من الدعوة الى تأنيث العالم عبر العشق.
*الذكورة/ ألأنوثة: في هذه ألأسطر صوت الذكر هو الذي يدعو ألأنثى..للمشاركة في تأنيث العالم ..في (21) من الجملة
الفعلية..للذكرعشرين سطرا شعريا..للأنثى سطر واحد: (كم منك في؟ تهمسين..أنصت) وحتى السطر الشعري هذا الذي
تعود عائديته للآنثى هو سطر منفعل لافاعل / يتموضع كمعلول لعلة السطر الذي يسبقه( كيف يقال الحب ؟ أهمس ..تنصتين) والذكر سيقول الأنثى كلاما بعد سطرها الوحيد( ستكلمينني عن أقراطك /ص 44) هل يمكن إعتبار القصيدة
منولوغ ذكوري ..و(عن الذكر تستظهر ألأنثى حدود فاعليتها ومفعوليتها)*..
أراني كقارىء أمام بوح ذكر حيال أنثىا ه..من خلال الحضور العارم للعاشقة في البنية الداخلية والخارجية للنص ..
لكن الذكر لايريد من أنثاه وظيفة الصدى..بل فاعلية الصوت..( أركضي وأنا خلفك ،وحاذري أن أمسك بك )
ومابين القوسين شفرة شفيفة ولاتحتاج مفتاحا دلاليا بل ..همسة عشق ناصعة لتنفتح بأسترخاء عذب .
فضاء القصيدة ينداح بمعنى مغاير لما ألفناه في قصائد العشق ....لاصفة مبالغة في توصيف الحبيبة
ولايعد الحبيب حبيبته بوعود غير واقعية..هذا التعامل الحداثي مع العشق.. يضعنا في كيفية إتصالية ندرك من خلالها
المتغير الجمالي الموائم للحظتنا العراقية،والمؤدي الى توليد دلالي في افق مختلف للمألوف الشعري..
أفق مزدوج القيمة : تشع منه جماليات النص وعمق الدلالة العشقية.
ومن خلال تكرار قراءتي لقصائد الشاعر علي محمود اتساءل ،ألأ تشير قصائد الشاعر الى تفكير شعري مختلف ؟

إذا كانت الذاكرة الشعرية ، تطوق طاقتي كقارىء، عبر إتصالية : تفكير / تذكر...فأني سأبحث عن مديات قصيدة
(..أحمر شفاهك ) في آفاق قصائد أخر..ربما سأجد ضالتي الشعرية في القصيدة التي تسبقها والقصيدتين اللتيين ،مابعدها.
في (صورة فوتوغرافية) يتوالى البوح الشفيف بمجازاته آلآسرة ،عبر منولوغ شعري لذيذ ،يستعيد الذكر فيه زمنا خضلا
أقتسمه مع انثاه : نلاحظ كيف يتم تصعيد كرستال المجاز:
(هل ورطت الندى حين قارنت بينكما ذات غربة ؟
وهل بغيرك يلوذ فراش البرية ؟
وحيدة قضت ليلتها شجرة آلآس
وأصص الدفلى
لم تتركي شيئا لعصافير الشرفة الصيفية )...
الحبيبة هنا..تتفوق جماليا على طراوة الندى،وازهرار آلآس والدفلى ورشاقة عصافير الصيف .
ثم تتنامى سيرورة القصيدة صعودها عبر إتصاليات الجميل ومظاهاته ،في لغة شعرية صادمة للوعي الشعري التقليدي
(أفتح قميصي، عله يهرب
النرجس الذي تزرعينه على صدري
وحتى أغيض أشتياقي
لاأبتدىء نهاري إلا بصورك الفوتوغراف
كم سألتك حينها
من وشى للعصافير بمكانك؟
من هرب قوس قزح ليرتمي شريطا بين خصلاتك ؟
ومن أين جاءت كل هذه الفراشات ؟ )..
(4)
إذا تكلمنا بلسان (طوق الحمامة)..فأن هذا النص الشعري في إنزياحاته الآسرة ،يجعلنا نشارك الشاعر سروره
بالكيفية الشعورية.إننا في هذه القصائد في حضرة (نزعة ألإشتداد )..العشقي..المبثوثة ،حين نرى
الى القصيدة ككائن تتحقق كينونته في ديمومة مديات التكلم..أليست القصيدة كينونة/ لغوية / متكلمة ؟
نعم القصيدة كينونة ..تحيلني كمصطلح الى كلية الوجود تلك الكلية بأتصاليتها الثنائية: جسد / روح..
جواني / براني..معنى / مبنى../ هامش / مركز..

في قصيدة (رسالة ستضل عنوانها أيضا ) محاولة شعرية لأستعاد زمن عشق انتهى على وفق إتصالية تضاد
(لك أن تعيشين كما ترغبين
ولي أن أحلم )...
وهاهي حاضرة أو مستحضرة عبر حلم يقظته الشعري عبر ثنائية إتصال
(صرت مجذافا كلما صارت زورقا)
(شارعا كلما أزدحمت بالآخرين )
(ألأشياء حولنا تتماوج بين حضور وغياب)
(5)
*أمتياز ألأنثى..
يرى العاشق أنثىاه بعين القلب ، وفي عمق الحبيبة يتحرر العاشق من عقال عقله فيمحو (هم) من أعراسه محلقا في ملكوت حرية لاتنفذ..يراها ملء: التجلي وهو يفرط لها القلب رمانة... مطلق ألأنوثة ،فلاتفي مفردة (علاقة)
بالمعنى المقصود من الصلة بين ألأنوثة والذكورة..حيث تتقدم مفردة (نسبة) لما تحمله من معنى القرابة الباطنية ،هنا يتحد العاشق بالمعشوق داخل الموجود نفسه وهكذا تنبني وحدة العشق على تركيبة من نسبتين متماهيتين..*
لنحاول إحصاء وجيز امتيازاتها:
(تصب الحياة مركزة في فمي، بعد أن تصفيها شيئا فشيئا عبر قلبها المرتعش بحيرته)
(كان السؤال ثقيلا بالمرة ،وكانت تتجاهله بما لها من عيني طفل ورائحة ملاك )
(وحدها كانت تمنح ألأشياء لونها ومعناها العتيق وتبدد عبث الوقت وبلاهته )
(كورقة خضراء في حديقة ،وبعيدة كسحابة )
(ماتجرأت أن أطعنها برحيلي إلا وأنا محتدم فيه )
وإذا كانت أنثى قصيدة (..أحمر شفاهك ) تجيد ألاصغاء ،فأن ألأنثى هنا
(وليس كأية أمرأة، كانت تجيد القول:
ألامنية..عذاب الروح
الألم أخرس ولايحسن النطق )
المرأة منتجة قول هنا والرجل يكررإنتاج قولها بكتابته
(كنت أدون ماتهمس ...تدوين ملاك يصارع جحيمه الخا ص، مثقلا بذنوب غفلته )


-6-
*إتصالية ألألم ..
ألأنثى في(رسالة تضل...) يرصد الذكر وهي...
( تنوء بجرحها القديم، مخفية ما أستطاعت حبات من دمعها ألأسود ينزل سريعا، فتخذله المناديل )
الذكر في قصيدة( دهشتي كلها) يعلن ..
(لأني غائر بسحنة الخجل
صحت بألمي لاتنكسر
أجلسته على دكة المخذولين
وقلت له أنتظر
ستحط على شرفاتنا فواخت ألأفراح )
ألأنثى تخذل دمعها المناديل ------------ الذكر يجلس ألمه على دكة المخذولين ويطالبه بأنتظار اجنحة الفرح

كلما اعاود قراءة قصائد الشاعر علي محمود خضير..أتساءل (من منا لايفتدي هذه التجربة الممتلئة بالحرارة والحياة
بجزء كبير من ساعات عمره الرتيبة الرصينة المتكررة الباردة ! هذه هي سنة الإشتداد أو سنة العشق ومن سار على
سبيلها وهداها رفض التعقل وألإعتدال وألإتزان بالتطرف وبالشغف بالأخطار والمغامرات..)* وهنا تكمن قوة التغيير
الشعري..وهي تنقلنا من رمادية التنظير الى الفارعة الخضراء الخضلة...: شجرة الحياة ..
*علي محمود خضير / الحالم يستيقظ / دار(الغاوون) / بيروت / 2011
*(تكلم النص) و(مكالمته) أقترضناهما من د.عبد الواسع الحميري / في آفاق الكلام وتكلم النص /ط1/2009/ دار الزمان / دمشق
*وعن الذكر تستظهرألأنثى.../ ص47/ يسرى مقدم / الحريم اللغوي / 2010/ بيروت / شركة المطبوعات للتوزيع والنشر
*رسائل أبن حزم ألأندلسي / طوق الحمامة في ألألفة وألالاف / المجلد ألأول / تحقيق الدكتورإحسان عباس /المؤسسة العربية للنشر / 2007
*من منا لايفتدي هذه التجربة.... ص38/ صادق جلال العظم / في الحب والحب العذري / منشورات نزار قباني/ بيروت / 1968



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن