الصراعات المرجعية في العراق ..بين التهميش والدعم الخارجي

مراد سامي
ie.muradsami@gmail.com

2012 / 5 / 20

بعد انهيار النظام العراقي السابق ودخول القوات الامريكية الى العراق اصبح للمرجعية الدينية الشيعية والسنية مكانا مؤثرا على سير الاحداث ، فنشط علماء اهل السنة واسسوا هيئة علماء المسلمين التي حملت على عاتقها الفتاوى الشرعية بمقاومة الاحتلال بكل اشكاله وتم تاسيس مجاميع جهادية ارتبطت بالهيئة من قريب او من بعيد ، وشيئا فشيئا انحرف المسار الذي اختطته الهيئة لنفسها فاصبحت المجاميع الخارجية تمارس عملها المقاومي ضد ابناء الشعب العراقي لا ضد الاحتلال ، وقد فسر البعض ان استهداف الطائفة الشيعية امر شرعي وليس اختياري او تطوعي ، فصارت هناك بوادر للفتنة الطائفية التي اجتاحت البلاد بعد تفجير مراقد ائمة الشيعة في سامراء .
وبالمقابل التف جل ابناء الطائفة الشيعية على بضعة رجال دين برزوا بعد الاحتلال ، الاول والاهم هو المرجع السيستاني الذي يتبعه اغلب اهالي الوسط والجنوب في العراق قبل الاحتلال وبعد الاحتلال والاخر هو السيد مقتدى الصدر نجل المرجع الراحل محمد الصدر الذي التف حوله الكثير من الشباب والاحداث نتيجة اسمه الذي يذكر بوالده ، رغم ان هذا الشاب ليس بمرجع دين او فقيه لكن حب الناس لوالده جعلهم يلتفون حوله وراحوا يقدسونه شيئا فشيئا حتى وصفه بعضهم بالامام المهدي الموعود ،الوضع في الوسط والجنوب يختلف نوعا ما عنه في مناطق ومحافظات شمال العاصمة والتي تكثر فيها الاغلبية السنية ، حيث التقت جميعها على جهة دينية واحدة التي هي (هيئة علماء المسلمين) ، اما في الوسط والجنوب فان ابناء الطائفة الشيعية التفوا حول اكثر من جهة دينية وتلك الجهات الدينية غير متفقة تماما فيما بينها من النواحي السياسية والفقهية ، اضافة الى اختلاف مواقفهم من الاحتلال ومقاومته ، فقد ذهب رجل الدين الشاب مقتدى الصدر الى ان المقاومة حق مشروع لان العراق بلد محتل فقام بتأسيس جيش اسماه بـ (جيش المهدي) الذي تبنى مقاومة المحتل عسكريا فنفذ العمليات العسكرية ضد المحتل وكبده خسائر جسيمة بالارواح والمعدات ولكنه انحرف كما انحرفت المجاميع الجهادية السنية حيث راح اتباعه بتصفية خصومهم ومن لا يؤمن بنهجهم وكان له دورا كبيرا في اشعال فتيل الفتنة الطائفية التي حدثت بعد احداث سامراء حيث احرقت المساجد كما احرقت الحسينيات من قبل المجاميع الجهادية التي توضح للكثير ارتباطها ودعمها الخارجي من قبل دول الجوار ، اما جيش المهدي فبقي يمول نفسه بالاموال التي تجبى لمقتدى الصدر كالخمس والتبرعات حتى التفتت ايران له ودعمته ماليا وعسكريا وضمنت لهم حماية قائدهم مقتدى الصدر من مذكرة الاعتقال التي اصدرها القضاء العراقي بعد مقتل مجيد الخوئي نجل المرجع الراحل السيد ابو القاسم الخوئي ، واتهام مقتدى الصدر واتباعه بقتله.
وهناك رجل دين اخر برز على الساحة السياسية العراقية بعد رجوعه من ايران وهو السيد محمد باقر الحكيم الذي لم يهنأ كثيرا بعودته حتى تم اغتياله في النجف الاشرف بسيارة مفخخة وصلت الى باب حرم الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ، فتسلم الراية اخوه الاصغر عبد العزيز الحكيم الذي انغمر في السياسة بكل ابعادها ومارس جميع الالعاب السياسية على الاخرين ، لكنه اصيب بمرض عضال توفي بعد بضعة سنين فتسلم القيادة السياسية نجله عمار الحكيم الذي تدور حوله الكثير من الشبهات وخصوصا ان اغلب العراقيين ممن لا يتبعونه يصفوه بـ (عدي الحكيم) نتيجة لتصرفاته ونزواته .
ايضا برز شخص اخر بعد الاحتلال الامريكي للعراق وهو السيد محمود الصرخي حيث استطاع ان يجمع عدد من المقلدين والاتباع ودخل في العملية السياسية بدعمه لحزب سياسي ، وكان اكثر اعتدالا من غيره الذين طغت عليهم سمة الطائفية وتجييش الناس لتنفيذ مبتغيات العملية السياسية ..فالسيد محمود الصرخي استطاع خلال فترة قصيرة نسبيا ان يكون له كيانا مرجعيا مستقلا غير تابع لايران الشيعية ولا لامريكا او دول الخليج ..حيث يحسب لهذا الرجل استقرار اراءه وافكاره بخصوص الاحتلال وبخصوص اقطاب العملية السياسية ،فلم يدعم احد من الساسة او الحكام وكذلك لم يتوافق فكريا مع الحوزة في النجف ، مما حدى بالجميع الى اتخاذ موقف مضاد منه، وربما كان الاولى به ان يكون معتدلا ايضا مع المرجعية الموجودة في حوزة النجف لكنه كان يرى بنفسه الاقدر على قيادة الحوزة فاستقل بكيانه وافكاره .
لقد دأب الاعلام العراقي على ابراز جهات دينية محددة لغرض دعم العملية السياسية واستحصال عدد من المكاسب الذاتية لكتلهم ، حيث تم توجيه الاعلام بصورة تامة لمرجعية السيستاني الذي كان له الفضل الاكبر في صعود جل هؤلاء المتربعين اليوم على كرسي الحكم .كذلك استطاع الاعلام ان يعكس عدم رفض السيستاني وحوزته للاحتلال الامريكي للعراق ولم يصدر منه اي رد فعل او بيان يطالب بخروج الامريكان من العراق .
بينما نرى الاعلام اخذ بالتعتيم وابعاد الجهات الدينية التي كان لها موقفا واضحا رافضا للاحتلال الامريكي ورافضا للعملية السياسية في ظل الاحتلال الامريكي بل ورافضا لكثير من سلوكيات مرجعية النجف ،ولعل من ابرز هؤلاء الشيخ الخالصي والسيد محمود الصرخي الذان كانت مواقفهما من الاحتلال واضحة ورافضة ومطالبة اياه بالخروج ليبقى التهميش سياسة حكومية تنفذ بواسطة الاعلام المسيس .

الدكتور مراد سامي
الولايات المتحدة / مشيغان
Muradsami63@yahoo.com



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن