اليد الخفية في الثورة العربية

جورج حزبون
g.hazboun@gmail.com

2012 / 5 / 19

رغم كل ما جرى ، وكل ما طرح من أفكار ، حول الانتفاضات العربية ، تظل أمورا كثيرة غير واضحة ، تحديداً فيما يتعلق بالغايات النهائية ، واضح إن الشعوب رفضت الظلم والاستبداد ، وهذا طبيعي ، وأسقطت حكومات ، وحتى تاريخه لم تزال أنظمة بعضها قائم ، فالتحركات الشعبية المتعددة لم تطرح برامج سياسية ، استقر الأمر فقط على إسقاط رأس النظام القائم حسب الشعار المركزي والتاريخي ، لكن إي نظام سنقيم لم يطرح احد مفهوماً له، سوى الحركات الإسلامية ، وهم يعرضون الشريعة والدولة الدينية ، ويرفضون الدولة المدنية ، حيث هي لا تقيم حكم الله ، رغم أنهم لم يكونوا المبادرين لإسقاط النظام او المستبد ، إلا ان الفراغ السياسي قدم للاسلامين فضاءاً واسعاً لطرح البديل ، إمام شعوب فقيرة متدينة تسود بينها الأمية .
خروج الحركات الاسلامية بهذا الزخم ، احتاج الى اسناد لوجستي ومالي كبير ، وقد توفر بسرعة ، في مصر وسوريا وتونس وليبا، يبدو ان الأمور مستمرة ولن تقف عن تلك البلدان ، وقد أظهرت الانتخابات التشريعية المصرية إنفاقا ماليا هائلاً لا يمكن ان يكون مصدره محلياً ، والتحركات الراهنة لانتخابات الرئاسة واضحة أيضا في الإنفاق والاهتمام ، مع ان تأثير الاسلامين تراجع في مصر بسبب انكشاف مقاصدهم وأهوائهم وأساليبهم وغاياتهم وارتباطاتهم ، والانتخابات الرئاسية ستبين ذلك ، وفي سوريا يبرز واضحاً دور المال السياسي دعما للاسلام السياسي ، فكيف وصل ؟ وعن اية طريق ؟ ولماذا ؟ ومن يقف خلف ذلك الدعم .
متذ بداية التاريخ الاقتصادي وضع مؤسس هذا الفكر ( ادم سميث ) في كتابه ( ثورة الامم ) وقرر ان مهمة الدولة هو حماية الذين يملكون من الذين لا يملكون ، ولكنه اصطدم بحصول مفاجآت تتحقق في السوق لا تفسير لها فأطلق عليها تسمية ( اليد الخفية ) ، والامر هنا يبحث عن اليد الخفية التي تتلاعب بثروة الامم والشعوب ، لغير صالح تلك الشعوب ، فهي تعمل على تنصيب حكومات وافراد وقوى تستطيع خدمة مصالحها خاصة وتحديداً الاقتصادية ، وتكون اداتها في صراعها على السوق والتلاعب بقوانينه ، وتاريخ الاستعمار بل ونشوئه ارتبط بالسوق والثروة ، ومع المتغيرات العالمية والتاريخية ، نشئت اساليب للاستحواذ غير تقليدية ، وليس ضرورياً الأركان الى المنافسة الشريفة فقط ، في حين وجود وسائل وادوات اخرى تحقق نفس الغابة ، وهنا يمكن دعم قوى محلية وباشكال متعددة تعمل بامرتها تحقق مطالبها ، وايضا ليس مجرد افراد او احزاب او قوى دينية بل أيضا ما يسمى منظمات غير حكومية .
يتركز الصراع الاقتصادي العالمي الراهن حول الطاقة ، ومع ارتفاع الاسعار تكدست ثروات مالية هائلة لدى الحكومات خاصة الخليجية لا تجد سبيلاً لانفاقها ، ولكنها ايضا قلقة على مصير واستمرار تلك الثروة ، وعلى ضرورة تأمين مكانتها واذ شئنا هيبتها في ظل عدم امكانية توفر قدرات بشرية وعسكرية لها ، فاتجهت لتحصين موقعها في الاقليم والتخوم ، بخلق نفوذ سياسي مؤثر ، وهنا بدأت عملية التحرك لاحتواء الحركات الدينية ، بعد ان تراجع دور اليسار في الإقليم العربي ، وتساقطت القوى القومية بفعل تناقضاتها المتعددة ، وبروز تيارات الاسلام السياسي التي شجعها الفراغ والاحباط الشعبي والفقر والبطالة ، بل وتمادت خاصة في أفغانستان حيث السعودية وأميركا تحالفتا على استنزاف الاتحاد السوفيتي هناك ، عبر حركات عسكرية إرهابية مقلقة للبعض ولتكن وسليه للبعض الأخر بتلك الغيبيات الدينية والفتاوى الاجتهادية الجهادية المزرية ، فيتم تحجيم سلطة او تغيرها ، فقد توفرت الاداة والوسيلة وتحالف الطامحون للسيطرة على الشعوب ومستقبلها ، وحققت تلك البلدان حضوراً قدم لها مكاناً بين صفوف طغاة التاريخ واساطين المال والثروة والسيطرة .
يقول الاقتصاديون ، ان الغاز اخذ يحتل مكاناً هاماً واساسياً في احتياجات الطاقة ، وتقول ، منظمة الطاقة العالمية ، ان قطر تحتل المركز الثالث كاكبر مصدر للغاز في العالم بعد روسيا وايران ، فهي تملك 14% من احتياط الغاز العالمي ، وهنا يتضح أكثر دور اليد الخفية للتلاعب بالأسعار والاسواق ، اكبرها نفوذاً هو عالم الطاقة ، ويكون للغاز الدور الاكثر اهمية ، بعد حصار ايران ،بحيث يتركز التنافس السوقي بين روسيا وقطر ، والاخيرة ترغب في خروج روسيا من الاقليم ، حتى لا تكون له محطات نقل مربحة ومريحة عبر قزوين وميناء جيهان التركي وسواها من خطوط يجري العمل على إقامتها او تصميمها ، وتطرح قطر نفسها كجهة قادرة على سد الاحتياجات والهيمنة الاقتصادية في الاسواق الاوسطية ، واذا كانت تعوزها القوة العسكرية القادرة على الحماية والهيبة ، فان قوة نفوذ الاسلام السياسي تستطيع سد تلك الثغرة فقط عبر إنفاق مالي يعتبر بالنسبة لها بسيطاً مهما بلغ ، وهذا يفسر شدة التوتر السياسي مع روسيا في المحافل الدولية وغيرها .
قديماً قبل سقوط بيزنطية كان أهلها يتناقشون ويختلفون حول / طبيعة الملائكة ذكر ام انثى / وفيما سقطت الاندلس ودول وملوك الطوائف يتنازعون ويتحالفون مع الاسبان ضد بعضهم البعض ، واليوم تنهار قيم الامة ومقدراتها ، وتنهار مفاهيم القومية ، ويتراجع مفهوم المواطنة ، على مذابح الطاقة !!؟ وهي مسؤولية للقوى الثورية العربية التي دفعت ثمن باهظ لنهجها البطريركي ، واستقلايتها واملاكها للحقيقة ، جميعاً من شيوعين وقومين ويسارين فكراً ونهجاً ناضلوا واخطائوا وواصلوا تمسك بالموقع ورفض التجديد حتى التكلس ، ولا شك ان تلك التحركات الاسلامية السياسية المتلفعة بالدين والعاملة على تطويعه لإغراضها لن تستطيع الثبات في معركة ليست معزولة عن حركة التاريخ والحرب الدائرة بين قوى النور وقوى الظلام ، ليس الامر هنا متدين وغير متدين وليس الدين يطلب من يفرضه بالقوة والاكراه ، فهو حال بين العدالة الاجتماعية والاستبداد ، واقامة المجتمع الانساني المحكوم بالمساواة والعدل بلا يد خفية وليست محاولات استخدام الإسلام السياسي جديدة ، خاصة لدى السعودية التي تأسست فيها عام 1912 أول حركة للإخوان المسلمين الوهابية اصطدمت بمؤسسها عبد العزيز عام 1931 ، ثم قامت حركة حسن ألبنا عام 1928 ، وكانت الغايات دعم السلطة السياسية بالسلطة الدينية ، واستخدام الدين كعامل لمنع التطورات السياسية ، ودفع الناس للتشكي للسماء من حيث هي المسئولة عن حالتها وليس النظام القائم .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن