الخامس عشر من أيار يأتي ثانية

محمود فنون
mahf2000@hotmail.com

2012 / 5 / 16


لا يمكن ان تغيب المناسبات وتواريخ الذكرى من عقول وقلوب الشعب الفلسطيني ,فهذه المناسبات مقرونة بعاطفة عميقة من الحسرات والأحلام والأمنيات بالعودة الى الديار والأرض التي درجت عليها الطفولة .
وكلما هبت انسام مناسبة الذكرى كلما تراكمت شحنات جديدة في أرواح الجماهير الفلسطينية في اللجوء والشتات ,تجدد العهد وتعمق الامل وترفع صوتها القسم ,وتؤكد على توريث الحوافز والدوافع للنضال والعودة,وتعيد بناء التجربة الوطنية من جديد .
وقد أكد الفلسطينيون ان المبنى الروحي والعاطفي العميقان للشعب الفلسطيني والارتاط بالوطن والارض قد شكلا حوافز للفعل النضالي تجسد في المشاركة الواسعة في محطات الكفاح الوطني بعد النكبة كما كانا دوافع وحوافز للفعل النضالي والكفاح الوطني في مقاومة الاحتلال البريطاني والمشروع الصهيوني طوال ممارسات تجسيد المشروع الصهيوني قبل النكبة ومنذ بدايات القرن الماضي .
ولكن المشروع الصهيوني جسد وجوده على الأرض الفلسطينية رغم هذه الكفاحية الفلسطينية العالية في مواجهته .هذه هي الحقيقة .هذه هي الحقيقة التي يتوجب أن تظل ماثلة في الذهن ,ليس على سبيل التذكير أو التيئيس,بل من هنا نبدأ ,من أجل المستقبل .
المنهج الانتقادي الصريح:
يجب ان تحدد طلائع الفعل الفلسطيني نقاط البداية بشكل دقيق وصحيح وعلمي ,كي تكون نقطة البداية :
هي استمرار للفعل الفلسطيني المقاوم من جهة وتجديدا له وتطويرا عليه من جهة أخرى .تطويرا له وتجديدا عليه لكن في مستويات أرقى وبمناهج العمل الثوري غير المتصالح سلفا مع الاعداء والخصوم بل المستقل عن النظام العربي الرجعي في حاله الحاضر ,كي لا تنجرّ الحركة مرة أخرى للمستنقع الآسن الذي وصلت اليه التجربة الفلسطينية في مرحلتيها :تجربة ما قبل النكبة التي لم تتمكن من الحيلولة دونها ,وتجربة ما بعد النكبة التي لم تتمكن فيها من وقف تمدد وتطور المشروع الصهيوني ومع ذلك اندحرت من امامه.
اندحرت من أمامه محملة بالألقاب والمراتب والرتب والنياشين ,وباقية بالتنسيق الامني للحيلولة دون التغيير الثوري الذي يتوجب ان يتولد وينمو من رحمها وينفيها كما هي قوانين العمل الاجتماعي والسياسي والثوري .
لقد انطلق الفعل الفلسطيني الثوري والمقاوم للصهيونية قويا ومستعدا ومضحيا وواعيا ,ولكن الزعامات التي تربعت على رأس الهرم كانت انانية ومتساوقة وانتهازية وليست في مستوى الفعل الثوري المقاوم والعطاء غير المحدود .كانت على مسافة من الانجليز لا تغادرها ,وقد اندرجت مع التيار القيادي العربي وأصبحت جزءا منه ومندمجة فيه وتتوافق وتتناقض مع تراكيبه وتفكر ضمن العقلية العربية الرسمية وتتبع لها وهي لم تكن بمستواها.وكان حال القيادات العربية شبيه جدا بحالها في الحاضر واكثر تبعية للغرب الاستعماري بل ان التبعية أكثر صراحة من اليوم .
النظام العربي الرسمي:
ان النظام العربي الرسمي قبل النكبة و الذي نجح في اجتذاب القيادات الفلسطينية اليمينية بتياراتها وعائلاتها لم يكن مستعدا لمقاومة الاستعمار البريطاني ولا الوقوف في وجهه صراحة ,علما ان بريطانيا هي التي تولت تنفيذ المشروع الصهيوني وحمايته على الارض .والنظام العربي بعد النكبة تولى القضية الفلسطينية ,بعد ان كان قد استغنى عن قياداتها التقليدية مؤقتا. وقد حال بسهولة دون اقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة والتي بادرت لها شخصيات فلسطينية وشكلت حكومة عموم فلسطين . وقد ترك اراضي 1948 للعدو الصهيوني وأتبع القطاع لمصر والضفة الغربية للملكة الاردنية.
وحينما انقسم النظام العربي على نفسه وظهرت الحكومات التي تعلن رفضها للاستعمار وتراثه وظهرت الناصرية وحكومات البعث,مقابل الملكيات الرجعية .وظهرت تشققات في النظام العربي ,أخذت تتنامى طلائع الحركة الفلسطينية التي تبلورت بعد النكبة وتشكلت من الفصائل الفلسطينية والتي عادت والتأمت تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية الفضفاضة .
لقد ظهرت وتنامت خلال المد القومي الذي سهل لها وجودها .فمن جهة شكل النظام العربي في هذه المناخات منظمة التحرير كجزء منه ولكن لتتبع التيار القومي التحرري فيه, وفسح المجال لظهورالفصائل التي أخذت ارهاصاتها الاولى في الظهور قبل النكبة الثانية وانطلقت بعد حرب 1967.
الانخراط في النظام العري الرسمي:
وقبل ان تجذر تأثيرها في المشروع الصهيوني ومقاومته,سحقتها قوات الملك في الاردن ,تقاربت القيادة المتنفذة في الشعب الفلسطيني مع النظام العري الذي أعاد صياغة نفسه بعد حرب اكتوبر وانقلاب السادات على الناصرية وعقد مؤتمر جنيف في كانون الاول عام 1973م حيث دعيت المنظمة رسميا لتكون واحدة من مركبات النظام واعترفت بها الدول الرجعية العربية في مؤتمر قمة الرباط مملا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني وحولتها مع الزمن الى نسخة منها وعاملتها انها دولة وليست ثورة .
منذ ان انخرطت القيادة في النظام العري الرسمي بقيادة السعودية ومصر السادات دخلت الثورة الفلسطينية مرحلة تراجعية ,توجت باخراجها من لبنان حي تهدمت في الخارج وتحللت ولم يبق منها سوى هياكل مفرغة تجمعها المصالح والإنفاق المالي والحركة السياسية العامة. وتعمقت استعدادات القيادة لإعادة تأهيل نفسها بما يناسب دورها مع النظام العربي وإمكانية انخراطها في التسويات الجارية بحيث تتخفف الأنظمة الرجعية من أعباء القضية مكتفية بتقديم سيل من المال التخريبي.
التوجه للتسويات من خلال العراين والوساطات
لم تنجح الثورة بتراكيبها بوقف تمدد المشروع الصهيوني وبدلا من ان تكرس نفسها لمقاتلته ,كرست جل جهدها لتصبح مقبولة لعرابي التسويات وهم عرابي التنازلات والتراجع . ولم تنجح تيارات الرفض في لجم هذه السياسة وتكريس سياسة الكفاح الثوري ,وبعد ان انضم الاسلام السياي الفلسطيني الى الثورة في نهاية الثمانينات ظل سقفه الرفضي في الحدود التي وقف عندها من سبقه من الرفض م هو الآخر وصل الى السلطة.
وقد رأت القيادة الرسمية في الانتفاضة ليست اداة تحرير في سياق العملية الثورية بل أداة استخدام ضمن أجندة التسويات والتنازلات .
الجماهير كانت مخلصة لقضيتها وظلت مخلصة:
لقد اقبلت الجماهير الفلسطينية على العملية الثورية منذ البداية وانضم الاف وعشرات الآلاف للفصائل الفلسطينية وانضم مئات الآلاف في الداخل والخارج الى الفعاليات والى المؤسسات والمناشطات
ورأيي ان القيادة بمعناها الواسع لم تنجح في رص صفوف الجماهير وتوجيه طاقاتها لعملية التحرير ,ووضع العقبات في طريق تمدد المشروع الصهيوني .
هنا ظهر العجز الفلسطيني عن التقدم في ظل مناخات النظام العربي المعادية للعملية الثورية الفلسطينية وانحطاط العمل القيادي الفلسطيني الى ما دون استعدادات الجماهير الفلسطينية والعربية للتضحية .
وما ان خفتت الانتفاضة حتى دخل مسار القضية الفلسطينية في نفق أوسلو والحال كما هو معروف الآن .
الى اين المسير الآن:
من المؤكد ان التجربة السابقة قد وصلت منذ مدة طويلة الى الافلاس :
فالعدو يتقدم والقضية تتراجع والنضال متوقف الا من بعض المناشطات هنا وهناك .
واللاجئون يعانون من لجوئهم وفي لجوئهم
وفي نفس الوقت معاناة الشعب الفلسطينيفعل الاحتلال و متصاعدة اقتصاديا واجتماعيا .
والفصائل متناقضة بل قسمت الوطن فيما بنها من أجل ارضاء الرغبات في السلطة بعد ان عجزت عن تقاسمها بين فتح وحماس.
وهي عاجزة تماما عن تجديد الفعل الثوري بتراكيها المترهلة والمنساقة نحو الركود والامتيازات .
واليسار لم يتبلور من الاساس حيث تفرعاته باستناء الشعية كانت في الطرف المقابل ولم تنجح اية صياغة قط لبلورة تيار يساري بموقف سياسي وفكري يقوي الحركة .
ان الطلائع المخلصة والمستعدة لتصفية الحساب مع نهج التسويات ومع مجمل التجربة المنصرمة مدعوة لأخذ المبادرة والتفكير الجدي في اعادة بناء حركة وطنية تعيد الحياة للقضية الفلسطينية وتتمكن من بلورة وضع يقود الجماهير نحو الانتصار.
ان مناسبة الخامس عشر من ايار وكل مناسة وطنية فلسطينية هي مناسبة للوقوف امام هذه المحطة الرجعية في مسار القضية الفلسطينية في محاولة للخروج منها الى مسار جديد وتقدمي .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن