الحركة العمالية والحركة الإسلامية

المنصور جعفر
almanssour@hotmail.com

2012 / 5 / 16

مقال بسيط عن بعض الجوانب في جدل الحركة العمالية والحركات الإسلامية، وكينونات الإستغلال والصراع والطبقي



1- الرمز والتجسيد في الحكم الإسلامي:

الدعوة الذائعة الحاضرة لتجسيد الرمز الإسلامي في المجتمعات تحدث كثيراً عن ما تسميه (الحكم الإسلامي) بينما لا تقدم أي تعريف قاطع محدد أو عمومي للحكم الإسلامي، ومهماته الإقتصادية الإجتماعية والثقافية أو لتكييفه السياسي هذه المهمات.

فمن النواحي الإقتصادية الإجتماعية والثقافية، فالسياسة الإسلامية في كل مذاهبها مشرعة الأبواب لكل التكييفات البشرية لأحوال المجتمع وإقتصاداته. حتى إن بعض هذه التكييفات في العصر الحديث تشمل الإفادة من الأنظمة الشيوعية، والأنظمة الرأسمالية، والانظمة الخليط منهما، بيد إن الحال العملي للسياسة الإسلامية وتاريخ حكمها المعروف بالفردية في نظام "الخلافة" يربطها في الاذهان بمذهب التملك الفردي لموارد المجتمع، أو على الأقل إنفراد القائمين عليه بالتقرير فيه ما دام الملك لله.

والتملك الفردي لموارد المجتمع أو الإنفراد بتقرير شؤون هذا الملك طور من أطوار السيطرة البشرية مشتبه في تحقيقه المصلحة العامة، أو فيه قولان وأكثر، لكن مع إلفة الناس إلى حالة تملك بعض الأفراد موارد حياة المجتمع ووسائل عيش أفراده، إلفة إرث منحدرةً من ما آلفه الأباء والأجداد، يتم في زماننا (تشريع) إستغلال خيرات هوامش البلاد بواسطة مركز الدولة والقائمين عليه، وكذلك (تشريع) إستغلال جهود الطبقة العاملة وجموع الكادحين إستغلالاً صرفاً لمصلحة مُلاك موارد ووسائل الإنتاج في حالة إستعمار محلية يمكن تعريفها بإسم "ربا العمل" حيث تبخس قيمة عمل المنتجين حين الإنتاج بينما تضاعف قيمة المنتجات عند البيع، ربحاً للمالك الرسمي من هذا الفرق الجسيم بين تبخيسه حقوق العمال كمشتري منهم وهم في حاجة ماسة إلى ما يقيم الأود، وإفاضته عائدات جهدهم وتحويلها لمصلحته الخاصة وحده كمحتكر لهذه الجهود الإجتماعية يبيعها إلى الناس في ظروف صحة وأمن وإنتقال ونقود خلقها المجتمع.



2- الحركات العمالية الحديثة وإتجاهات حركة الإسلام السياسي:

تبلورت الحركات العمالية الحديثة في العالم بتفكك نظام طوائف الحرفيين (Guilds) القديم بسماته الأسرية والعائلية والجغرافية والثقافية المغلقة، وموت أكثر الطوائف الحرفية في القرنين الثامن العشر واالتاسع عشر ونشوء الإتحادات المهنية والنقابات وإتحادات النقابات ومؤتمراتها وتفتح الأحزاب الإشتراكية والعمالية والشيوعية كعصب أو كضفاف لتقدم الحركات العمالية في عملية منظومة للحرية من نظم القهر والسيطرة والإستغلال والتمييز.

هذا التقدم الإجتماعي من الطائفة الحرفية المغلقة إلى النقابة زامن نهاية الإنحدار والتدهور التاريخي للكينونة المألوفة عند الناس للسياسة الإسلامية مع تدرج أحوالها من ثورة مستضعفين ضد جبروت قريش وطاغوت الروم والفرس إلى حال دولة وملك عضوض، ثم من هذه الدولة الكبرى وملكها إلى دولة سلطانية عثمانية عجوز تم الإستغناء عنها في سنة 1923 وتبديلها بحالة إستعمارية أوربية صريحة ثم بحالة إستعمار حديث، وبين الإستعمارين القديم والحديث شهدت المنطقة الإسلامية حالات نهوض قومي ووطني وطبقي خديجة ولم تكتمل، وذلك لأسباب عدداً منها: الخلافات بين أقطابها، توالي ونشاط حركة السياسة الإسلامية مع الإمبريالية العالمية ونشاطهما ضد حركات الحداثة القومية والوطنية والطبقية والنسوية بطبيعتها العلمانية الأصيلة، وضد السياسات الإجتماعية والإشتراكية، وضد الإشتراكية العلمية ودولها.

تسنم المسلمين وصعودهم للمسؤوليات الكبرى في إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية (سوفييت = مجلس عمل) (حيدر علييف، جوهر دوادييف، رسول حزاتوف، وكل روساء الدول السوفيياتية الإسلامية) لم يمنع الحركات الإسلامية السياسية في الشرق الأوسط من التوالي مع الإمبريالية العالمية بقيادتها الصهيونية ونشاطهم بقوة ضد الشيوعية منذ أول الخمسينيات، ومع إختناق وتفكك الإتحاد السوفييتي، وزيادة الأزمة الرأسمالية العالمية تحولت الإمبريالية إلى حالة سيطرة دولية عالمية مباشرة ونهب علني لموارد المجتمعات المهمشة والمُستغَْلة، بسم "حرية السوق" بما في ذلك نهب وخصخصة موارد دول مجتمعات المسلمين، بالتعاون مع قوى الإسلام السياسي.

من الجدل والصراع الطبقي بين الحالتين السياسيتين العامتين في الشرق الأوسط: حالة تآلف وتناقض القوى السياسية الإسلامية السلفية الشكل والحداثية الشكل مع بعضها ومع الإمبريالية وحالة تآلف و تناقض قوى الحرية من الإستعمار والإستغلال القومي والطبقي ومن التخلف مع بعضها ومع الدول الإشتراكية الرائدة في التحرر المتكامل، ظهرت في سياسات الشرق الأوسط المعالم المعروفة للوضع الطبقي والسياسي في الحرب العالمية الباردة ضد الإشتراكية العلمية وأحزابها ودولها والقوى النقابية التي تمثل فيها دور العصب النابض.



3- بعض معالم الوضع السياسي بـعد نهاية الحرب الباردة:

1- إستمرار التآلف والتوالي بين حكومات الشرق الأوسط ودول المراكز الإمبريالية،

2- تحول نظم الإستبداد الطلق في الشرق الأوسط إلى حالة (تحول ديمقراطي) تحول فيها الإنسجام الكبير بين المنظمات الجماهيرية الإسلامية وكثير من الحكومات المسيطرة إلى حالة تنافر بسيط،

3- زيادة تحكم الإمبريالية في موارد وجهود وخيرات مجتمعات المسلمين وغيرهم مسببة تهميش وإفقار وإملاق العدد الأكبر من المسلمين في جهة، وثراء وسفه الأقليات الحاكمة والمالكة موارد مجتمعات المسلمين في جهة ضد،

4- إرتفاع دور إجتماع جنيف لحقوق الإنسان في الضغط الدبلوماسي الشديد على بعض دول الشرق الأوسط دون بعضها الآخر بكشفه بعض المظالم السياسية المعروفة، (وقد نشط ذا الدور بين 1992-2003) وإنخفاض فاعلية النقابات والأحزاب الشيوعية في التصدي للسياسات الرأسمالية القائدة والمنتجة والمجددة لهذه المظالم، بل وتشرذم بعض قواها نتيجة الإختلافات الآيديولوجية ونتيجة الصراعات المرتبطة بهذه المنظمات،

5- تنوع وتفتت الحركات الإسلامية السياسية لأسباب شتى عملية ومذهبية، خاصة مع صعود أجيال جديدة إلى قيادتها وتخديمها الأساليب الحديثة في التنظيم، والتمويل، والإعلام، والديبلوماسية، والإعلان، ثم أخيراً تقديمها الخطاب السياسي المعز لحريات التعبير والتنظيم ومدنية وعلمانية الحكم،

6- تقارب بعض النشاطات الإسلامية السياسية للمهاجرين في دول المراكز الإمبريالية في أوربا وأمريكا مع بعض النشاطات الشيوعية المضادة للإمبريالية وحروبها ضد أفغانستان والعراق وإيران، وتآلف بعضها الآخر مع ذات الحكومات الإمبريالية عبر إتجاهات التفاهم بين النشاطات الدينية لإقرار السلم في المجتمعات الأوربية وفي الشرق الأوسط . مع ملاحظة أن حكومات أوربا وأمريكا وإن كانت حافلة بنفوذ صهيوني إلا إنه نفوذ متباين ففي السنوات العشرة الأخيرة زادت تباين هذا النفوذ بتوالي الإنقسامات في الحركات اليهودية جهة الإستقلال عن النفوذ الحكومي الإسرائيلي وحتى عن المركز الصهيوني الرئيس، وتقارب كثير من جماعات المنقسمين مع إقتراح دولة واحدة لكل مواطنيها أيما كانت عقائدهم أو قومياتهم، أو مع إقتراح دولتين واحدة للفسلطين وأخرى لإسرائيل ).

7- زيادة الضغط السياسي والإعلامي على العناصر الرئيسة في التفكير الإشتراكي في جهة أولى، حتى بعد إرتفاع وتيرة الفكر الإصلاحي والسياسي الليبرالي في خطابات بعض الأحزاب الإشتراكية والشيوعية، وإرتفاع رفض الجماهير العفوي والمنظوم لسياسات الإستبداد السياسي والرأسمالي في جهة أخرى، وتحول بعض الإسلاميين من حالة معارضة المعارضة إلى حال التوافق أو التحالف مع بعضها في جهة ثالثة.




4- النشاط الثقافي ليس بين الحركة العمالية والإسلام السياسي:

بتأثير تطور وإنتشار تقنيات الإتصال تحول جزء كبير من التعبير الثقافي في العالم إلى مجال الإنترنت، في أشكال مكتوبة وأخرى سمع بصرية، وتتسم الوتيرة العامة لهذه الأشكال بالتنوع والحركة في شكلها ومضمونها وفي قرائها والمتعاملين معها وتحولها في كثير من الأحيان إلى حالة ردود فعل قصيرة، وحتى إلى مهاترات، بيد إنها تفوقت في الحساب الإجمالي لذيوعها على الإذاعة السمعية، وعلى الصحافة المطبوعة، وعلى الكتب، وتنافس التلفزيون.


النشاطات الثقافية الملتزمة بحرية الطبقة العاملة عمالاً وكادحين من الإستغلال وموبقاته الإجتماعية، تواجه حرباً عالمية وبعضها يواجه حركات إسلامية متنوعة بعض منها نشط لثني نشاطات الثقافة الإشتراكية العلمية وحرفها عن مهمتها وإخضاعها لإرادة القائمين على ما يسمى (نشر الدعوة الإسلامية) وهي حالة لترديد وتكرار رموز الدين الإسلامي وتوكيد قداسة الإيمان أكثر مما هي حال لإزالة الظلم والإستغلال الطبقي وأشكاله الهادمة كل إيمان في المجتمع. وبعض أخر من إسلام الإنترنت يركز فقط على سرد تكراري لبعض رموز الدين الإسلامي وفق هذا المذهب أو ذاك، مما يؤثر كتكرار وقيم رمزية مجردة من التجسيد العملي تأثيراً سلباً على عقلية ووعي المتلقي العمالي وحتى مراود الوعي الثوري، ويرجع الحال الثقافية العامة في المجتمع من حالة الحقوق الطبقية إلى حالات تشظي (النقاش) الديني حول تفاصيل التفاصيل في تفاصيل إختلاف الفقهاء في أمور الفرد وبالأكثر في أمور سياسة الجماعة.

من المهم ملاحظة أن التأثير المذهل فعلاً لأفلام اليوتيوب في تكوين الحالة الثقافية وجانب في الوعي السياسي يسمح أيضاً للفنانين الإشتراكيين بتجاوز كثير من العراقيل والموانع العملية والنظرية التي تواجه حرية العاملين وتقيد إسهامهم في الوعي الطبقي. واليوتيوب هو المجال الحديث للصراع الثقافي في العالم، مما لا يستطيع الإسلاميين ذخره بأفكار أو صور معبرة عن القضايا الحقيقية لجماهير العمال والكادحين والمهمشين والنساء.


رغم تمايز الثقافة العمالية القائمة على الحساب والمصلحة الإجتماعية والنضال النقابي والثوري عن الثقافة الدينية القائمة على الطاعة والتقليد والتوكل فإن النشاط الثقافي العام ليس معركة بين حركة عمالية وأخرى إسلامية في بعض أجهزة الإعلام بل هو الآن جزء حرب قديمة طويلة بين القيمة الإجتماعية المتفتحة لعمل الإنسان في الأرض والسماء وقيمة عمل الناس عند طبقة مُلاك وسائل العيش والحياة في المجتمع، بين كون المجتمع حراً سيداً لمعاشه ومصيره وفق صالح أغلبيته الكادحة والمهمشة وبين أن تكون هذه السيادة للرأسماليين المدججين بإدعاءات إن الملكية الرأسمالية أمر طبيعي أو إلهي أو دولي لا حق للبشر في تثقيفه وعدله.



5- الثورة والسياسة:

الثورة كتغيير شامل جذري لأحوال المجتمع إقتصاداً وثقافة عيش وحكم تختلف عن السياسة في بعض الأمور منها إن "السياسة" ليست إلا كلمة جاملة لأمور أو أساليب إصدار أو تلقي أو تنفيذ قرارات حكم، أو بإختصار: جمع أو تفريق لمجموعة من الناس، وإن كانت "الثورة" كلمة مفردة موصولة بالممارسة الجمعية والتغيير الكبير الشامل، فإن "السياسة" محكومة بالأفراد وبأداء بعض مهمات الحكم وإجراء بعض التغييرات الجزئية والسطحية وبالمراوحة بين موقفين ثلاثة لا تفترق عنهم كثيراً، ولكل منهما زمان ووقت، بيد إن قراءة التاريخ العام للحكم الإسلامي تجده ككل تواريخ الحكم الأخرى مشطوراً بين "الثورة" و"السياسة" وفقاً لتوزع القوة السياسية في كل وقت، من ثورة الإسلام على مظالم قريش وروما وفارس، إلى تأسس الدولة الكبرى بكل مظالمها التي كشفتها ثورات مصر والعراق ضد الحكم المركزي في عهد الخليفة عثمان بن عفان وعهد الأمويين، ثم الثورة والدولة العباسية، ثم الثورات والدول الفاطمية، فإنقلابات الأيوبيين والمماليك، فالإمبراطورية العثمانية، فالثورات العرابية، والمهدية والسنوسية، والبوسنية.. إلخ ضدها.

في عهدي الإستعمار القديم والحديث توالي نشاط التحرر الوطني والطبقي بأقدار ونجاحات شتى في مختلف انحاء العالم، ولكن من سيطرة المنشفيك على الإتحاد السوفييتي بداية من المؤتمر العشرين 1956 وإهرائهم للنشاط الشيوعي العالمي زاد الإختلاف والتباين بين تيارات التحرر الوطني وتيارات التحرر الطبقي وتيارات التحرر والوحدة القومية، ولعل من هذا التباين أو لأجله تضخمت تيارات التدين السياسي وضعفت تيارات الثورة الإشتراكية بالضرورة، كحالة ملازمة -في نظرية الأواني المستطرقة- لقصور التجسيد عن الرمز في موضوعات الإستقلال والحرية والإشتراكية والوحدة، وزيادة بعض التناقضات الجزئية والذاتية في منظمات التقدميين ونشاطاتهم وغلبتها على التناقض الرئيس ضد توالي الإمبريالية العالمية والرجعية الإسلامية الذي تجسده حرية تملك بعض الأفراد لموارد ووسائل وجهود الإنتاج في المجتمع وإحتكار خيراته.



6- العمل:

من هذا العرض البسيط يبدو أن المهمة الرئيسة لمقاومة مظالم حرية السوق لا تتمثل في تكرار مناكفة الإسلاميين بالعلمانية التي بدأوا في تشريعها والإحتكام لمؤسساتها، ولا في الاحاديث الفضفاضة عن الحقوق والعنف بل في تشديد النضال وبمختلف الأشكال ضد حرية بعض الأفراد في تملك موارد المجتمع، وضد التجارة بالمقومات المادية لحقوق الإنسان (مؤسسات: المياه والكهرباء والطاقة، الأراضي، المصارف، الزراعة، الصناعة، التعليم، الصحة، الإتصالات، المواصلات...إلخ ) فجميع هذه الموارد والخدمات العامة الرئيسة لهذه الحقوق رغم ضرورتها لحياة الناس وتقدم المجتمع صارت مواردا وخدمات مملوكة لقلة أغنياء في المجتمع بعضها متملك بسم الدين وبعضها متملك بخصخصة الدولة. وهذا النضال ضد حالة ملكية بعض الأفراد وسائل حياة المجتمع يمثل من ناحية دينية إسلامية المعركة الرئيسة والحرب الفاصلة ضد التنظيم الربوي الرأسمالي لموارد حياة الناس، لئلا يكون مال المجتمع دولة بين الأغنياء.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن