العمال والجهل بالثورات

ميشيل نجيب
michnet2000@yahoo.it

2012 / 4 / 29

تشكل الطبقة العاملة الكتلة البشرية الأكبر فى أى مجتمع إنسانى، وبالنظر إلى مجتمعاتنا العربية فى ضوء الثورات التى قامت فيها لم نلاحظ تواجد حقيقى للعمال إلا للمطالبة بحقوق فردية مثل زيادة مرتباتهم، ويمكن أن نرجع ذلك إلى أسباب عديدة منها أن النقابات العمالية تم سرقتها والأستيلاء عليها من القوى الدينية منذ عهد النظام السابق، لأن مجتمعاتنا مازلت تفتقر إلى المنظمات التى تدافع عن حقوق العامل والمخاطر التى يواجهها فى عمله والإلتزام بوسائل ومعايير الأمن والسلامة العالمية، وتعريفه بتلك الثقافة الأمنية والحقوقية التى تحمى العامل من الحوادث وتفادى آثارها الخطيرة على حياته وأن يكون على علم بحقوقه وبالقوانين التى تحميه وتدافع عن أمنه وسلامته فى مكان العمل.

دفعت المجتمعات العربية الثمن فى تخلفها عن مواكبة التطور والإبداع الإنسانى، عندما فرضت الأنظمة الدكتاتورية سياسات أبعدت مجتمعاتها عن المجتمعات العصرية وعانت تلك الشعوب من الإنغلاق والإنعزالية مما أفقدها القدرة على رؤية التحديات التى يواجهها إنسان العصر الحديث، وأدى ذلك إلى إهمال تنمية الموارد البشرية بما لا يتفق والتغيرات العالمية السريعة، مما أحدث فجوة زمنية بينها وبين المجتمعات التى عاشت الثورة الصناعية وتعيش الآن الثورة التكنولوجية وثورة الإتصالات والمعلومات.
ثورة الإتصالات والتطور التكنولوجى الحديث الذى أحدث ثورة فى المعلومات، مازالت فى مرحلة المهد لمجتمعاتنا المستهلكة للتكنولوجيا التى تنتجها الشعوب التى آمنت بالتغيير وأمسكت بمشعل التنوير حتى أصبحت منارات علمية، بينما مجتمعاتنا غير قادرة على التواصل الحقيقى مع
الواقع العلمى العالمى بسبب التراث الدينى الذى يجذبه بأستمرار إلى العصور الماضية والحلم بأسترجاعها ليعيشها من جديد.
المنتجات التكنولوجية الأمريكية والأوربية اليابان والصين وغيرها من الدول العلمية والصناعية، هى نتاج عقول أتخذت طريق العلم والإبداع سبيلاً لهم، فى حين عقول مجتمعاتنا توقفت عند حاجز تعاليم الأديان لتحجب عنها قدراتها الإبداعية وتتجه إلى الأمور والممارسات الدينية التى يعتبرون أهميتها تشغل المركز الأول فى حياتهم، مما جعلهم يتجهون إلى الإبداع فى إظهار أن أديانهم هى الحق وقادرة على مواجهة الفساد الغربى، وأعطوا لأنفسهم الحق فى حصر القيم الإنسانية فى العلاقات الجنسية وتناسوا منتجات العقل الحقيقية المطلوبة من كل إنسان عليه العمل ليحيا حياة كريمة يكون فيها مسئول عن نفسه وأسرته فقط وهذا هو النجاح المطلوب فى المجتمعات الإنسانية الحقيقية.

فى المجتمع المصرى مثلاً وجدنا أن العمال كانوا منقسمين ولم يكون لديهم إهتمام بالثورة بقدر إهتمامهم بإستغلال الإنهيار السياسى والأقتصادى للدولة للقيام بإيقاف العمل والخروج فى مظاهرات والإعتصامات للمطالبة بزيادة الأجور، مما سمح للقوى المضادة بالقيام بأعمال الشغب حتى تنسب إلى العمال باطلاً كما حدث مع مظاهرات الشباب الثورى فى مصر، وهذا يؤكد أن الثقافة العمالية هى ثقافة منفصلة عن واقع المجتمع لا تشعر إلا بمشاكلها الخاصة بعيداً عما يحدث فى الوطن من ثورة أو تغييرات سياسية ينبغى لهم المساهمة فيها بالنصيب الأكبر.
مما لا شك فيه أن ظروف العمل فى دول الثورات العربية تفتقر إلى أبسط شروط الأمن والسلامة والقصور الواضح فى نيل حقوقهم المهنية، وهى كلها مشاكل تعود للحقبة السابقة الحاكمة ولا تستطيع الثورات أن تصلحها فى وقت قصير خاصة أن الثورات والنقابات نفسها أصبحت مدعومة من قوى غير ثورية أو عمالية، قوى تعمل على تغيير الخريطة المهنية والسياسية بما يخدم أهداف تلك القوى الشمولية التى أستغلت جهل السواد الأعظم من الشعب بالسياسة ومزايا التقدم المجتمعى، وقامت بتجييشه ضد الحداثة وصور المدنية وأعتبروها من وسائل وأشكال الفساد التى يتآمر بها الأعداء على وطنهم لتخريبه أخلاقياً وهو الجانب الذى يهتمون به فى سياساتهم الحقيقية.
الواقع العمالى لم يشعر بأن هناك ثورات قامت حتى يتضامن معها مما أدى إلى ضعف الكوادر الثورية القادرة على الأستمرار فى قيادة الثورة، وعدم وجود الدعم من الحركات العمالية مما أوقعها فى حالة من الفوضى خلقتها وعملت من أجلها قوى الثورة المضادة التى عملت بكل الأساليب للأستيلاء على الثورة وتزوير الواقع الثورى بكل ما لديهم من إمكانيات ووسائل إعلامية وإجتماعات دعائية، ولم يوجد طموح ثورى قادر على نقل الثورة إلى كل مجالات المجتمعات التى حدثت فيها، بل كانت قوى الثورة لا تطمح فى أكثر من الإطاحة بالنظام القائم.

بلا شك أن العالم أجمع يعيش فى أزمات إقتصادية ونسب كبيرة للبطالة وليس فقط دول الثورات العربية، لكن ذلك لا يعطى الحق لأكبر شريحة مجتمعية أن تتراخى عن مساندة الثورات وتقديم الدعم المعنوى مما أدى إلى سرقة الثورات ووقوعها فى أيدى لا تهتم بمصالح الأفراد والمجتمع بقدر إهتمامها بمصالح الآلهة والأديان، ووقوع غالبية شرائح المجتمع وخاصة العمالية فى شراك اللعبة الدينية التبشيرية بالصحوة الإسلامية، وسلموا قيادتهم لهم تحت شعار نصرة الدين والإله.
لذلك فى هذه المرحلة الفاصلة فى حياة الشعوب نحتاج إلى نهضة عمالية قادرة على التعبير عن القيم والمبادى التحررية التى قامت من أجلها الثورات العربية، وإدخال ثقافة حقوقية عمالية تهتم بأحوال العامل وتوفير أجواء مناسبة للعمل، إلى جانب الإهتمام بعلاج مشكلة البطالة وللحد من آثارها تحتاج المجتمعات إلى تحرير أفرادها وإعطاءهم الحرية فى العمل وإستحداث صناعات جديدة تتفق وروح العصر، وحرية الفرد هى مقدمة أساسية لنجاح الدول فى تحرير الأقتصاد من القيود والمشاكل التى تعوقه عن التقدم والإنفتاح على العالم الذى يتطور ويتقدم ولا ينتظر من يفكرون بعقلية وثقافة الغيبيات التى تسرع بهم إلى الماضى وتتجاهل المستقبل وعلومه الإنسانية.
الثورات العربية التى قامت لم يكن فى قدرتها تحقيق أهداف كثيرة بل كان هدفها الكبير هو الإطاحة برأس النظام السياسى القائم، وعندما تم لهم ذلك سارعت القوى الدينية إلى الإستيلاء على الثورات لتحقيق أهدافهم التى لا علاقة لها بالوطن أو المواطن، مما جعل الحديث عن تحسين أحوال الطبقة العاملة أو علاج مشاكل الجماهير الكادحة هو محض هراء، والدليل على ذلك ما نراه فى تونس وليبا ومصر خاصة من إنتهاك لحرية الإبداع والحريات الشخصية والإهتمام بالشكليات من الأمور الغيبية وإهمال المشاكل الإقتصادية ومشاكل الوطن الحقيقية.

الواقع العربى يقول بكل صراحة أنه يحتاج إلى ثورة كل فرد على نفسه وعلى جهله حتى يشعر بأنه إنسان عليه أن يحترم عقله حتى يدخل إلى مجتمع العلم والحضارة الإنسانية.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن