في الأول من أيار .. الطبقة العاملة نظرة من الداخل

جمال ابو لاشين
jamal-67-lash@hotmail.com

2012 / 4 / 26

هناك عاملان أثرا بشكل حاسم على دور الطبقة العاملة في العالم , وأولهما انهيار النظام الاشتراكي الحاضن الرئيسي للطبقة العاملة والمدافع عن حقوقها واحتكار وتفرد الرأسمالية العالمية في ظل غياب هذا الحاضن , والعامل الثاني هو الثورة التكنولوجية بما صاحبها من احتكار للمعلومات والمعارف بحيث باتت ثورة الاتصالات وعالم الفضائيات مجال رحب لاختراق عقول الناس و أدمغتهم وأصبح الإنسان يعتمد عليها اعتمادا كليا في ثقافته ووصوله للمعلومة وبذلك بات كالاسفنجة يتشرب كل ما يعطى له , ومع تكرار المشهد اليومي قل تفاعله الاجتماعي والسياسي مع كل القضايا خارج نطاق عالمه الشخصي وان تفاعل فيكون تفاعله محدود ومؤقت .
لذلك نجد أن شعار ( يا عمال العالم اتحدوا ) الذي كان يجذب كل أبناء الطبقة العاملة في الماضي لم يعد له هذا الصدى فقد تفكك الاتحاد والتحالف الإنساني والروحي العالمي الذي جمع تلك الطبقة فيما مضى لذلك أصبحت أضعف في مطالبها وانجازاتها , فهي تزداد كماً وتقل نوعاً , وتتغير يوميا فكرا وممارسة عما اعتدناه فيها في الماضي .
فالطبقة العاملة فيما مضى كطبقة كادحة تستغل في عملية الإنتاج تميزت كطبقة اجتماعية تجمعها نفس المشكلات والمطالب , وكانت أقدر على فهم وحدة مصيرها ومعاناتها وذات رؤية واضحة دفعتها مرارا للدفاع عن حقوقها ولو بالحد الأدنى ومارست الإضرابات كشكل من الاحتجاج والضغط على الرأسمالي الجشع لنيل حقوقها .
أما اليوم فالطبقة العاملة أصبحت بلا حدود واضحة والسبب الأساسي أن الطبقة العاملة التقليدية والتي تبيع قوتها في عملية الإنتاج لصالح صاحب العمل قد دخل عليها تغيرات عدة من أهمها دخول مهن كثيرة إلى العملية الإنتاجية لا يضطر فيها العامل إلى بيع قوته وصارت تندرج تحتها شرائح اجتماعية وسطى أقرب للتفكير الرأسمالي منه لتفكير الطبقة العاملة وهذه المهن هي إفراز من إفرازات التكنولوجيا وثورة المعلومات . لذلك تراجع دور الطبقة العاملة التقليدي وتحللت حدودها القديمة ليقف على تلك الحدود أصحاب مهن وسيطة قد يرون في الطبقة العاملة مصلحة لهم كما هي العلاقة مع الرأسمالي لذلك أصبحت الطبقة العاملة تضم داخلها ( رأسمالي صغير ) .

ولأن البطالة مشكلة تعانيها أغلب المجتمعات نتيجة لاستخدام التقنيات الحديثة , وعدم التخطيط في الجامعات للتخصصات المطلوبة للعمل نجد أن العالم العربي يعاني زيادة على ذلك من عدم استغلال موارده بشكل جيد , وقصوره في عملية التنمية , كذلك اعتماده على إنتاج السلعة الواحدة , وعدم استصلاح الأراضي الزراعية بالإضافة لاستخدام عدد كبير من جنسيات أجنبية في سوق العمل العربي المعتمد على الاستيراد بشكل كبير , وعدم التعاون في مواضيع التنمية بين الدول الغنية والدول الفقيرة .
لذلك في الوقت الذي يتجه العالم كله لتنمية مجتمعاته وتطويرها والاستفادة من كل الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة وجب على العالم العربي
أن يسير على نفس الاتجاه بتشجيع الاستثمارات التي تحد من البطالة , وبتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على الإنتاج الواحد كما هو حاصل في دول الخليج العربي , والاستفادة من الكفاءات والتخصصات المختلفة في تنمية اقتصاد متطور في العالم العربي , وأن تزيد الدول العربية من مراكز الدراسات والأبحاث الجادة والفاعلة وتمولها بشكل أفضل لما لذلك من مردود اقتصادي وعلمي يستفاد منه في حل المشكلات المختلفة في العالم العربي , والاستغناء عن الاستيراد الكبير من دول العالم بتشجيع الاستثمار في الدول العربية الفقيرة حتى يصبح هناك تكامل اقتصادي يعوزه الوطن العربي .

ولأن الطبقة العاملة كانت على الدوام المحرك الرئيسي للثورات في العالم ( فليس هناك ما تخسره ) رأينا أنها كانت مشارك رئيسي في الثورات العربية وعنصر مهم في تفجرها واستدامتها , وذلك لأنهم ملكوا دوافع حقيقية وصادقة لتغيير أوضاعهم المتردية للأفضل فهم من يعاني ويتألم باستمرار أمام توفير قوتهم اليومي ومستقبل أبناءهم المظلم .
ورغم ذلك فقد خسرت تلك الطبقة أحقيتها في تفجر الثورات العربية لتحلل دور تلك الطبقة الذي ذكرناه , ولافتقارها إلى قيادة شعبية تمكنها من أخذ دورها الذي تستحق لذلك وجدنا الحركات الأكثر تنظيما وتماسكا هي من حصد ربيع تلك الثورات , وجير انجازاتها لنفسه ولجماعته , في حين عاد العامل إلى حياته السابقة كما كان في السابق يراقب وينتظر أن يحقق آخرون مطالبه وبذلك ابتعد عن دائرة الفعل والضغط وفقد حيوية اللحظة, حتى الشباب منهم عادوا لدائرة العتمة مرة أخرى فرغم حيويتهم وطاقتهم لا زالوا يفتقرون إلى التجربة والقيادة .

فالأحزاب اليسارية في غالبية الدول العربية تبنت قضية الطبقة العاملة وشكلت منظماتها ونقاباتها على هذا الأساس إلا أنها أهملت عاملين , أولهما عامل الشباب ومدى تأثيرهم في وقت تتطور فيه التكنولوجيا والتقنيات الحديثة والتي انفتح عليها شريحة الشباب بدرجة كبيرة وأمكن الانتفاع بهم كثيرا في هذا المجال , وثانيهما عامل القيادة حيث لم تفسح القيادات التاريخية لليسار للشباب دخول تلك التجربة على اعتقاد منهم أنهم أصحاب تجربة صغيرة , لذلك فقد اليسار جماهيره وشعبيته مع الوقت فلا دماء جديدة تضخ في أحزابهم ولا قيادات جديدة تضفي حيوية وتجديد في فكر اليسار ومواكبتهم للعالم الجديد وعليه ضعفت مؤسسات اليسار ونقاباته .



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن