فاتخ ماي، وقضايا الشغل

عذري مازغ
odrimazigh@yahoo.es

2012 / 4 / 26

كيف أثر التطور التكنولوجي، ثورة الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تركيبة الطبقة العالملة؟
لاشك أن الأثر كبير جدا، الثورة الصناعية في القرن 19 كان مضمونها على مستوى اليد العاملة هو هذه العملية من التكيف مع أسلوب الإنتاج الآلي، صاحبه تطور في الفنية الإنتاجية للعامل بانتقاله من المهارات اليدوية إلى المهارات التقنية، ولا يهمنا هنا وضع استغرابه مع الآلات بقدر ما يهمنا هذا التحول في المهارة، تخلق الآلات وفرة في الإنتاج، تزيح الكثير من الطبقة العاملة إلى العطالة، يتمدد الرأسمال ليكتسح أسواق جديدة، يتمدد ليبحث عن موارد جديدة للصناعة، يخلق معامل جديدة، يخلق فرصا للشغل جديدة في نطاق تمدده والنتيجة انه يعيد عملية توزيع أنساق الشغل بما يسير تمدده واكتساحه وسيطرته على العالم، فإذا كانت الطبقة العاملة هي النقيض الثوري للرأسمالية، فالوضع هذا يطرح إشكالا ابالنسبة للرأسمالية يتجلى في مقاومتها لهذا الخطر، هو خلق طبقة غير منتجة أو طبقة وسطى كما يغرد الكثير من الحداثيون، لقد أدى تاريخيا هذا الإشكال إلى تحويل الصناعات إلى خارج تمركز الرأسمال وخلق طبقة وسطى هي طبقة الخدمات في الدول الرأسمالية التي تعمل على هامش فائض الربح العالمي المتمركز في دول الرأسمالية، تراجع دور النقابات في هذه الدول بشكل أصبح خطابها الإيديولوجي رهين لما يمثله موضوعيا في تركيبة المجتمع الجديد الذي يهيمن فيه موضوعيا قطاع الخدمات ولاشك أن هيكل التنظيمات النقابية التي تعرف رسميا كونها النقابات الكبيرة ليعبر موضوعيا على هيمنة القطاعات الخدماتية، بينما ظهرت في المقابل نقابات بديلة أخذت في اتجاهها الإيديولوجا طابعا قوميا، يعبر صراحة على هيمنة قطاع من الشغل في منطقة معينة كوجود معمل ما او هيمنة قطاع إنتاجي ما: القطاع الزراعي مثلا بالأندلس افرز وجود نقابة كنقابة العمال المزارعين التي تمثل قوة ضاربة في الأندلس، وعموما فإن الهيكلة الكلاسيكية للنقابات الكبيرة تأخذ هذه الأشكال القطاعية، كقطاع الموظفين العموميين وقطاع السياحة والصحة وما إلى ذلك، وهي عمليا قطاعات تأخذ طابع شبه استقلالي حتى داخل هذه النقابات ذات الأغلبية التمثيلية وليس بين هذه القطاعات تناقضات مهمة يمكن ان تتفجر على مستوى المركزيات النقابية على عكس نظيراتها في العالم الثالث التي تستوجب تحليلا مختلفا مع وجود نسق هيكلي بنفس معايير النقابات الأوربية أقصد الهيكلة اللينينية ذاتها التي تلعب فيه المركزية النقابية دور تليين التناقضات وتوحد المطالب بشأنها بالخضوع اللينيني نفسه لتقييم قطاعات الإنتاج وفق سلم الأولويات في نظام الإنتاج الرأسمالي، وهذا طبعا يناقض التحليل الماركسي الذي يعتبر وقت العمل المبذول في الإنتاج اساسي في تقييم أي عمل وهذا جدل آخر يرتبط براهنية العمل كونه عملا يخضع لأفق التطور الرأسمالي الذي يعتبر السوق فيه هو المحدد لقيم المنتوجات والذي بدوره يحدد سلم قطاعات الإنتاج ويحدد أيضا الأجور فيه. ومن هنا انطلق لأقول: تكمن ثورية ماركس في هذا المبدأ الذي استنادا إليه يجب أن نحدد قيم التقنية والتكنولوجية العالية، توفر التكنولوجية وفرة في المردودية وفي الوقت، تزيح العمال فقط بمنطق رأسمالي، اما الحقيقة فهي تقلص وقت العمل جهد الإنسان بالتحديد، وهنا سأفتح قوسا وهو انه عوض تقليص وقت العمل لتوفير شغل أكبر عدد من العمال يتم ضدا لهذا إزاحة عمال للإبقاء على نفس ساعات العمل التي تقررت منذ قرن ونيف، لصالح فائض الربح الذي يحتكره الرأسمالي وحده، ويعبر امتداد الرأسمال للهيمنة على العالم شكل اختفاء هذا التناقض، فاستغلال شعوب وامم بعيدة يبقي التاريخ ظاهريا متوقفا ( وهذا أصلا ما عبر عنه بنهاية التاريخ) في انتظار أن تستوعب عملية الإستغلال عالميا، او لنقل للدقة إن شكل التمدد التاريخي للرأسمالية هو في الحقيقة شكل استنفاذ عملية تملك أشكال استغلالها، برغم الكثير من الجهد المبذول في إطالة عمر هذا التمدد بالتحكم في عمر المواد المنتجة بجعل عمرها يتناسب ودينامية التسويق بمعنى أن هذه العملية تتحكم في صنع المنتوج بعمر محدد وصنع المستهلك الذي يجد نفسه مضطرا لإعادة شراء هذا المنتوج المتجدد ولعل المنتوجات الشرق أسيوية لخير دليل على هذه الدينامية باستنادها إلى هذه الخاصية حيث تعتمد الوفرة والكم عوض الجودة، تعتمد منطق إغراق الأسواق بالمنتوجات بأثمنة في متناول الجميع بعائد ربح يستخلص من كم المنتوجات المباعة.
إن التاريخ لا يتوقف بل يتراكم عمليا في أفق تطوره، إن عملية التمدد بلغت أوجها، خلقت فائض ربح يقاس بتحكم 20 في المائة من سكان العالم في ثروة 80 في المائة من الإنتاج العالمي حسب إحصائيات كانت في نهاية التسعينات، يتوزع هذا الفائض في خلق نمط اشتراكي رأسمالي في دول المركز هو ما يعبر عنه بالرفاه الإجتماعي، يأخذ شكل امتيازات اجتماعية كما ياخذ أيضا شكل اجور مرتفعة في قطاعات غير منتجة كالتي بالغرب الرأسمالي، وهذا بالتحديد ما يحكم صمت المركزيات النقابية في الغرب محكومة بأنا حضارية تتبجح بالغنى كما لو كان قدرا غيبيا.
لقد ساهم التطور التكنولوجي في المواصلات والمعلوميات في إزاحة قطاع كامل هو قطاع البريد مثلا الذي أصبحت المراسلة فيه تقل عن الصفر سنت بشكل استطيع القول بأنه تجاوز الامر إلى تبخيس المراسلة لتصبح مجانية لولا تحكم الرأسمليون في هذا القطاع ليبقى موردا خاضعا للإبتزاز، إن ادوات هذا القطاع لها خاصية مقتنايات او سلع لها خاصية التملك لكنها ترتبط افقيا بطابع احتكاري هو ما يعبر عنه عادة بالملكة العقلية أو حق الإختراع، ثم إن عمر هذه الآليات (الحواسيب، هواتف نقالة وما إلى ذلك، أضف إليها كل الآلات التكنولوجية العالية التصنيع) محدود سلفا بما يبقي عملية الإنتاج متواصلة، فهي تعتمد التواصل المباشر للمستهلك اعتمادا على ذاته، وهي ازاحت ألاف العمال كما أشرت، وفتتت قطاع المواصلات بشكل تتوزع خدماته بين المستهلكين بشكل ذاتي وشركات التوزيع التي لها خاصية بيع الهواء كما أثرت عمليا بسبب خاصية التحكم الذاتي للأفراد على قطاع الصحافة الذي أصبح مهددا بشكل كبير، حيث بإمكان أي مواطن ان ينتج المعلومة وينشرها.
انطلاقا من هذا النموذج الأخير بدور التكنولوجيا في مسح الحدود الوظيفية التي كانت سائدة سابقا يترتب وضع ما يعتبره الوعي اليومي حسب تعبير مهدي عامل تحلل الحدود الطبقية، والحقيقة أن الذي تحلل هي الحدود الوظيفية، فالصحفي صاحب السلم العاشر في الترتيب الوظيفي السابق لتوزيع الأجور، أصبح ينافسه في الوظيفة صاحب السلم صفر، بمعنى ينافسه أي عاطل في الشغل أو أي مواطن عادي، وهذا يترتب عنه من جهة انهيار المعيار القيمي البنيوي لهذه الوظيفة على مستوى وظائف العاملين بهذا القطاع وعلى مستوى الدور الإيديولوجي الذي يلعبه هذا القطاع الذي كان يخضع لهيمنة مطلقة للفكر السائد، وبالتالي انهيار التحكم في قيمة المعلومة، ومن جهة أخرى ظهور صحافة غير مهيكلة تنتمي إلى الصحافة الشعبية وتتحكم في المعلومة بالشكل الذي يخدمها وهذا نقاش آخر. والحاصل أن قطاع الصحافة كان بامتياز قطاعا تتحكم فيه البرجوازية لخدمة مصالحها، وأصبح الآن قطاعا تتحكم فيه الطبقات المسحوقة ولا يعني هذا إطلاقا انتقال الطبقات المسحوقة إلى موقع الطبقات البرجوازية بقدر ما يعني اقتساما للوظيفة وتحولا كبيرا في صياغة المعلومة. وعليه وبدرجات متفاوتة يمكن تقييم باقي القطاعات إستنادا إلى القانون الماركسي الذي صاغه بشكل جنيني في تلمس دور الآلات في مرحلة الثورة الصناعية، في الوقت الراهن تساهم الورشات الصناعية الصغرى مجهزة بمعدات التكنولوجية المتطورة في ان تؤدي بفضل حاسوب مبرمج ومرتبط بروبو أوبآلات تؤدي وظائف مختلفة بالقيام بعملية إنتاجية دون وجود عمال وهذا يعني أن القيمة الزمنية التي تحتويها هذه الآلات وهي قيمة تراكمت زمنيا وتاريخيا بفضل المجهود الفكري والعلمي والعملي المبذول فيها، يجب أن توزع فائدتها الإستعمالية على حل معضلة العيش لأولئك البؤساء ممن ازاحتهم وحلت محلهم، وبما أن المسألة تاريخية تختزل الجهد الإنساني المبذول، فإن هذه التكنولوجية يجب أن تكون وريثة لأحفاد هؤلاء الذين ضحوا في سبيل تقدم الإنسانية، إن الإنسان يصنع التكنولوجيا ليسيطر على الطبيعة، لتخفف أعباء جهده في العيش وليس لكي يكون عبدا لمالكيها. وهذا يرتبط بالسؤال الثاني من اسئلة الحوار المتمدن
ــ هل ترى ـ ين تراجعا لدور الطبقة العاملة التقليدية في عملية الإنتاج، في مقابل دور شرائح اجتماعية وسطى وتحلل الحدود الطبقية القديمة؟
بأي معنى هذا التراجع؟ بمعنى استفحال البطالة، نعم هناك تراجع لصالح المعدات التكنولوجية المتطورة، ولصالح مالكي هذه المعدات، لكن ليس بمعنى تحلل الطبقات او بمعنى تنامي دور شرائح اجتماعية وسطى، يبدوا جيش العاطلين لا دور لهم في عملية الإنتاج وهذا طبيعي، لكن هذه الشريحة ليست إطلاقا طبقة وسطى بل طبقة تعيش التهميش البنيوي، في أوربا يبدوا وضع التعاقدات الموسمية القصيرة المدى، أو التعاقدات القصيرة لأجل تنفيذ عمل معين، يبدو هذا الوضع مثيرا للشفقة. ان هذه الشريحة تؤدي اعمالا تنتسب لقطاع الخدمات الذي هو قطاع الطبقات الوسطى في التقسيم السابق للطبقات، مدراء، مهندسون، محامون وصحافيون وما إلى ذلك، هؤلاء في التقسيم السابق يتمتعون بعمل قار، في التقسيم الجديد بأثر إيديولوجيا البرجوازية المسيطرة تبدو هذه الطبقة طبقة وسطى، والحقيقة أن هذه التعاقدات تتيح البقاء لها حتى لا تموت جوعا وهو وضع خاص بالدول الرأسمالية حيث التعويض عن البطالة مضمون استنادا إلى أيام الشغل في السنة واستنادا إلى القوانين المنظمة لهذا، في أوربا عادة يطلق على وضع هذه الشريحة الإجتماعية مفهوم سوسيولوجي دقيق هو: la precarité، هذا الوضع من التهميش في أوربا هو ما تطرقت له في السؤال الأول، بأنه يأخذ، إلى جانب احتوائه من قبل مؤسسات التعاضد الإجتماعي يلعب دور صمام الأمان في السلم الإجتماعي وهذا ما تحاوله الإيديولوجية السائدة في أوربا حين تحدده على أن الفئات المنتمية إليه تحظى بوضع الطبقات الوسطى، ويحدده أحد زملائنا الأعزاء في الحوار المتمدن (أظنه رعد الحافظ) في كثير من تعليقاته وبشكل ساخر، بأن ما يفهمه من حالة التعاضد في السويد هي الإشتراكية نفسها، إن جميع فقراء أوربا باختلاف شهاداتهم التعليمية والتكوينية ينتمون إلى هذه الطبقة، فماذا عن هذه الشريحة الإجتماعية في بلدان الهامش حيث هذه الخدمات غير مهيكلة ولا تحظى بأي قانون تعويضي تعاضدي؟ ماذا عن هذه الشريحة فيما يسمى بالوطن العربي؟ يرمي السؤال إلى أن دور هذه الفئة "الوسطى" هو محرك ما أسميه شخصيا بأضحوكة الربيع العربي، لكن السؤال يحاول سيرا على التعريف السائد أن يضع لها قاعدة طبقية، هذه الطبقة هي جزء من احتياط الطبقة العاملة، نتيجة إعادة تقسيم علاقات الشغل في الرأسمالية الجديدة: تلعب التكنولوجية المتطورة دورا أساسيا في وفرة الإنتاج يستفيد منها مالكيها، وتنشأ عنها بسبب من الترف الفاحش حاجة إلى خدمات سخرية (من السخرة). بهذا الوهم الطبقي يتشبث الكثير من المعطلين ذوي التكوين الجامعي بخرافة الوظيفة وفقا لسلم الأجورالمعتاد، يتحدد تصنيفه وفقا لمعادل شهادته الجامعية في سلم الوظائف وهو بذلك برجوازي بالوهم، وبسبب من هذا الوهم أيضا حرف مسار الثورات العربية ليجد مقامه الأخير في مسألة شكلية اخذت طابع التهليل بالديموقراطية. أي أن مسار الثورة لم يأخذ على عاتقه مسألة التشغيل بشكل يراعي كرامة الأشخاص من حيث أن مستويات الوظائف بدأت تتقارب أو بمعنى أدق بدات حدودها تتحلل..

ــ البطالة آفة اجتماعية واقتصادية كبيرة جدا في العالم العربي، كيف يمكن مواجهتها وإيجاد الحلول المناسبة لها؟
في العالم العربي، يجب اولا تحرير الإقتصاد الوطني وجعله في خدمة التنمية البشرية الإجتماعية المحلية، وتحريره يعني نزعه من لدن الشركات الرأسمالية المتحكمة فيه، وحتى لو افترضنا شكلا إصلاحيا في نطاق نفس النظام الإقتصادي الإجتماعي والسياسيي، شكلا يضمن شروطا مخالفة لجشع الربح الذي يهيمن على شركات الإستثمار، بحيث تكون فيه شروط الإستثمار تتضمن هذا البعد التنموي المحلي، بإلزام الشركات بتوظيف عدد مهم من العمال، رفع الاجور إلى مستويات تتكيف ومستوى الأسعار، احترام قوانين اصلاح مدونة الشغل بشكل تتيح بعض الكرامة للمشغلين، فإننا لن نحصل إلا على هروب مضطر لهذه الشركات إلى حيث الدول التي لا تشترظ مثل هذه الظروف، ثم إن أغلب السياسات حتى في الدول التي تخلصت نسبيا من حكام الإستبداد السياسي كتونس ومصر ترفع شعار خلق طبقة متوسطة، أي هذه الطبقة نفسها التي قلنا بأنها تلعب دور صمام الأمان في السلم الإجتماعي، مع أن هذه الدول في مسعاها السياسي لا تلامس في خلقها لهذه الطبقة شروطا يتأسس عليها هذا المسعى، الذي من اولوياته خلق مؤسسات التعاضد الإجتماعي، وخلق آلية التعويض عن البطالة مثلا والتأمين الصحي وما إلى ذلك، وهي شروط تتأسس على وجود طبقة رأسمالية وطنية كما في المركز الرأسمالي، وغير ممكنة في العالم العربي، الذي أغلب رأسمالييه يدخرون اموالهم بفوائد هامة في الأبناك الأجنبية او ان أغلب الإستثمارات فيه تنتمي إلى الشركات المتعددة الجنسية حيث فائض الربح المستخلص من استثماراتها يعود إلى خارج البلد ومعنى هذا ان وهم خلق طبقة متوسطة في العالم العربي يتأسس على نفس الوهم لدى حاملي الشهادات المعطلون. إن أشكاليات التشغيل اعتبارا للتطور التكنولوجي الهائل يفترض تخفيضا دوليا في ساعات الشغل بشكل يسمح بتوظيف عدد كبير من العمال وهذا وحده كفيل بخلق دينامية اقتصادية كبيرة لأن بخلق وظائف التشغيل يتم تشجيع الإستهلاك وتنشيط الأسواق وما إلى ذلك وهذا بطبيعة الحال غير ممكن في إطار سياسات رأسمالية تحكمها انانية المركز الرأسمالي محكومة بدورها بغريزة الإحتكار، وعليه فإن الثورات العربية كان يجب أن يحكمها منطق تحرير الإقتصاد الوطني بهدم العلاقة الكولونيالية التي تربطها بالمؤسسات الدولية وخلق دينامية تراعي في بعدها البعد التنموي المحلي على مستويه الإقتصادي والبشري، أي كان على الثورات العربية أن تأتينا بحلول للأزمات التي يعيشها المواطنين وليس بحاكم جديد يوزع علينا وعودا فارغة.
ــ لماذا لم تحقق الثورات العربية اهدافها لصالح الطبقة العاملة والجماهير الكادحة التي كانت القوة الرئيسية لتلك الثورات؟
لم تتأطر جماهير الثورة بما يلزمها من وعي سياسي، في تونس ومصر كان يمكن أن تاتي الثورة باكثر من رئيس جديد ولعبة سديمة ومملة عند الشعوب التي مارستها لقرون أقصد اللعبة الديموقراطية، عند خنق النظام كان على الجماهير أن تحتل مؤسسات الإنتاج ونزعها من أصحابها وتسييرها تسييرا ذاتيا وهذا ما يحصل الآن في بعض دول أمريكا اللاتينية، ويحصل الآن بالأندلس بإسبانيا في عملية طمس إعلامية فادحة تغاضى الطرف عن احتلال بقعة ارضية من طرف سكان المنطقة بمنطقة قرطبة تسمى لامونتي، كانت خصصتها الحكومة الأندلسية بتفويتها إلى مؤسسة بنكية، احتلها السكان وبدأو بتشغيلها وهناك أراضي اخرى معرضة لنفس العملية بالأندلس... عموما حظيت هذه العملية بتأييد أوربي كبير رغم الطمس الإعلامي، فزيارة الوفود من مختلف أوربا لازالت حتى الآن تتواصل، وهناك نقابة أخذت على عاتقها هذه الأولوية أكثر من انتظار صدقات الحكومة، هي النقابة الأندلسية للعمال:sindicato andaluz de trabajadores، في العالم العربي لم تفعل النقابات العمالية أي شيء ومن المغالات في القول الإعتراف لها بجميل لم تصنعه.

ــ كيف تقيم ـ ين العلاقة بين الأحزاب اليسارية والطبقة العاملة ومنظماتها ونقاباتها، وهل لعبت تلك الأحزاب دورا في تقوية النقابات العمالية؟
العلاقة بين الأحزاب اليسارية والنقابات هي علاقة انتهازية لا أقل ولا أكثر، ثم إن الجماهير في انطلاقتها الثورية استندت بوعي تلقائي لمنطق الإستقلالية عن هذه الأحزاب وهذه المنظمات، ثم إن نظرة عامة لبنية هيكلة هذه الأحزاب وهذه النقابات تكفي لاستخلاص المنطق المتحكم فيها فهي يحكمها منطق البناء اللينيني للحزب حيث يتمركز القرار السياسي في المؤتمر العام ويفرضه رأسيا على باقي الأجهزة وهذا يشل في أساسه ما نسميه بالمبادرة المحلية مع اعترافنا بالتشكيك في طريقة اختيار المؤتمرين وطريقة المصادقة على قرارات الحزب ودور الأمانة العامة فيه التي تأخذ طابع الهياة المقدسة في الحزب أو في النقابة وترتبط بيروقراطيا بمؤسسة الدولة سواء في علاقة الهيأة مع الدولة او في علاقتها مع منخرطيها حيث يختزل فعلها في دور تحدده مؤسسة الدولة: وكيل مفاوض، وخير دليلنا في الأمر ما وقع مؤخرا بالمغرب بنقابة الإتحاد المغربي للشغل: طرد تيار ديموقراطي كامل منتخب بشكل شرعي وفرض لجن مؤقتة غير منتخبة للتسير معروفة أعضاؤها بالإختلاسات المالية وانعدام النزاهة فيها: تم هذا فقط على خلفية توضيح حول مقال منشور بجريدة مستقلة يتعرض فيه لاختلاسات تورط فيها بعض قياديي النقابة وهو مقال يستند إلى معطيات رقمية.
إن هذه الأحزاب وهذه الهيآت تحتقر المواطن ومن ثم لا سبيل إلى التحدث عن دور لها مع أن الموضوع يثير إشكالية السياسي بالنقابي الذي يتحول في ممارسة هذه الهيآت عندنا إلى إشكالية ضيقة الأفق هي إشكالية النقابي بالحزبي: كيف يخدم النقابي الحزبي او العكس بالعكس وهو ما يحيل ضمنيا إلى التعدد النقابي في موازات بالتعدد الحزبي، إن دور الحزبي بعلاقته بالنقابي، هو بفهم ما تشتت النقابي، الطبقة العاملة لاتحتمل التشتت، يمكن للنقابة الواحدة أن تتوزع وتتنوع بتنوع علاقات الشغل في قطاعات وظيفية معروفة ، تلعب النقابة دور تليين التناقضات الوظيفية للقطاعات لتكون المطالب موحدة، لكن ان تتوزعها الأحزاب حتى وإن كانت يسارية فهذا ليس تقوية بل تشتيت تلعب النقابة الموالية لحزب ما، تلعب فيه دور ورقة قوة أو ضغط في يد الحزب في مساوماته السياسية، فالعلاقة إذن هي علاقة انتهازية بعيدة عن هموم الطبقة العاملة، هكذا في الممارسة اليومية للأحزاب والنقابات تتحدد علاقة جدلية السياسي بالنقابي من خلال جدلية النقابي بالحزبي وهي تأخذ طابعا انتهازيا في توظيف بعضهما للبعض من خلال تشتيت النقابي في التعدد السياسي الحزبي، فالحزبي يلجأ إلى النقابة لخلق آلية ضغط في تحسين موقعه في النظام السياسي وهذا ما يفسر ظاهرة أن لكل حزب سياسي نقابته، فالعلاقة إذن وبهذا المعنى هي علاقة استلاب وإضعاف للطبقة العاملة وليست علاقة تقوية



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن