تأسيس الدولة، واللعب في الوقت الضائع

آکو کرکوکي

2012 / 4 / 3


تعج صفحات النت، وتغص نشرات الأخبار، وتصريحات الساسة، بحديثٍ ساخن، عن (إعلان دولة كوردية أو دولة كوردستان)، في جنوب كوردستان، المُلحق بالعراق.

وقبل الغوص في تفاصيل هذهِ الضجة الإعلامية، وتقيّيم فُرص نجاح، أعلان أي دولة، في جنوب كوردستان. دعونا ننظر الى الطّرق التي تأسست بها، الدول القائمة الآن.

تُعتبر الدولة القومية، من نتاجات عصر الحداثة، التي أفترضت وجود دولة لكل أمة. على فرض إن الأمة هنا، تعبر عن جماعة بشرية، تجمعها مُشتركات ثقافية، وجغرافية، وتأريخية، وقد نجحت، في الوصول الى درجة عالية، من التكامل الإقتصادي، والإجتماعي بين أفرادها.

بالرغم من تفرد كل دولة بتجربتها، وظروفها الخاصة، إلا إن المُتابع، يمكنهُ أن يُصّنف، التجارب تلك، وبشكلٍ عام، الى مجموعتين أثنتين.

مجموعة أولى من الدول، والتي تأسست فيها الأمة، قبل الدولة، كمثل ألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية.

ومجموعة ثانية، والتي تأسست فيها الدولة، قبل الأمة، والتي أخذت الدولة، على عاتقها، بناء الأمة لاحقاً، مثل العراق، والكثير من الدول العربية الأخرى.

التجربة أثبتت، إن المجموعة الأولى من الدول، هيّ الأكثر إستقراراً، وقابليةً للأستمرار. فيبدو فيها وكأن الدولة، قد جاءت، كتكملة طبيعية، وتحصيل حاصل لبِناء الأُمّة. أما المجموعة الثانية، فهي الأكثر قابليةً للتعرض للقلاقل، وحتى الفشل.

إنَّ ما يُميز بناء الأُمّة، إنها تعتمد بالدرجة الأساس، على العامل الداخلي فقط. أي تستلزم إرادة، وعمل الجماعة فقط. أما مايميز بناء الدولة، سواءاً بوجود الأمة أم عدمهِ، هو الإعتماد على العامل الداخلي، والخارجي معاً. فأعلان الدولة تستلزم في النهاية، إعتراف المجتمع الدولي لها، كفرد من أفراد أسرتهِ.

هذا يقودنا الى: أفضلية إتخاذ العمل، على العامل الداخلي، كأولوية، وقبل السعي، لِضمان العامل الخارجي، حتى.

الظروف الجيوسياسية، الصّعبة، والمُحيطة لدولة كوردستان المنشودة، شاهدة للعيان، ومعروفة للجميع. إلا إنها تبقى ظروف صعبة، وليست مُستحيلة.

ففي ظل المُعطيات، والمُتغيرات المُستجدة، في المنطقة، هناك رئيٌ، فيه الكثير من المعقولية، يتحدث عن توفر فرصة، وظروف تأريخية، نادرة في المنطقة، ظروف مشابهة للتي كانت سائدة، بعد الحرب العالمية الأولى، والتي أفرزت حينها، عن ولادة الكثير من الدول الحالية.

ظروف، من المحتمل أن تنشأ، نتيجة الفراغ المتوقع، بعد سقوط النظام في سورية، وإنشغال العراق، بالإنقسامات الطائفية، وصراع السلطة، وإنشغال إيران، ببرنامجها النووي. ومساندة الدول الكبرى، للثورات وحركات التحرر.

إلا إنه ورغم معقولية، وتفائلية، الرأي السابق، تبقى هناك تساؤلات جدية، لم يتم الإجابة عنها. فمثلاً :
ماذا عن الموقف التركي، والأمريكي، من إستقلال كوردستان؟

من الضروري الإشارة هنا، إن التوقف عند هذا السؤال، أو بالأحرى التوقف عند الجغرافية السياسية، المُحيطة بكردستان، أو بتعبيرٍ أكثر دقةٍ، التوقف عند العامل الخارجي، وكما جرت العادة، لا يعني أبداً، نهاية المطاف، بالنسبة لمشروع دولة كوردستان.

فهناك العامل الداخلي، الذي يُمكننا الشروع به دائماً، وهيّ لا تستوجب الموافقة التركية أو الأمريكية أو الخارجية، على إفتراض إلتزامنا كلنا، ببرنامج وطني بحت. بل تستجوب فقط، القليل من الإخلاص، والإرادة الجماعية، والشجاعة، والكثير من العمل الدؤوب.

الفرصة والأجواء لهذا العمل، كان متوفراً منذ سنة 1991، حين أصبح جزء كبير من كوردستان، تحت الإدارة الذاتية، وهي مازالت موجودة، عالرغم من دخولها الوقت البدل الضائع الآن.

وقطعاً هذا العمل كان يُفترض بهِ، أن يُقاد أليهِ من قبل النخبة السياسية السائدة، وهما الحزبين الكوردستانيين، الديمقراطي، والإتحاد، قبل 2009، ومعهم أحزاب المعارضة، بعد 2009.

من هنا كان دور هذه النخبة، وخلال السنين السابقة، وحتى الآن، أن تجهد في المجالات الواردة أدناه:

أولاً: بناء جيش كوردستاني موحد، يحفظ الأمن، والدستور، والحدود. لا تقسيم القوات المسلحة، على مستوى الأحزاب، وحتى على مستوى الأفراد المتنفذين، في داخل تلك الأحزاب. أو توريطهِ بحرب أهلية مُخزية، أو إستخدامهِ، كقوة حزبية صّرفة، وأداة قمعية ضد المُعارضين والمُتظاهرين، أو أداة لترهيب الناخبين.

ثانياً: بناء مؤسسات دولة، ووزارت مهنية، وجهاز قضائي مستقل. بعيد عن الهيمنة الحزبية، تستطيع أن تؤدي مهامها، حتى بدون وجود الأحزاب.وتعمل على سيادة القانون، وضمان تكافؤ الفرص، ومنع التمييز، على مستوى الإنتماء الحزبي، وتعمل على تقليل الفوارق الإجتماعية. وتُشعر المواطن، بالطمائنينة، والإستقرار، والإنتماء.

ثالثاً: الحفاظ على الحد الادنى من إستقلالية الإقتصاد، وبناء حد أدنى من الإكتفاء الذاتي الإقتصادي، على الأقل، في توفير المواد الغذائية الضرورية، عن طريق إنعاش المشاريع الزراعية، أو حتى الأستثمار في مجال السياحة. هذا ناهيك عن واردات الموارد الطبيعية، كالنفط، والغاز.

رابعاً: الحفاظ على وحدة التراب الكوردستاني، وتحديد، وحماية، حدوده. لا تقسيمه الى أقليمين، ومناطق نفوذ لكل حزب. ولا للتفريط بهِ، عن طريق تسويفه، في بنود وقوانين دستورية، وإهمال عدم تطبيقه.كما حصل للمناطق المستقطعة، والمشمولة بالمادة 140، من الدستور العراقي، وخلال الـ 9 سنين الماضية.

خامساً: الحفاظ على الوحدة الوطنية. لا تقسيم المجتمع الى مجاميع حزبية مُتعصبة، للحزب والقائد، ضيقة التفكير، والإنتماء، تكره إحداها الأخرى. أو الى مجاميع إنتهازية، تبيع ذمتها مقابل فُتات يرمى لها، أو مجاميع مَرّعوبة، وخائفة، ومسلوبة الإرادة. ومجاميع أخرى حانقة وحاقدة. فهذه الإحتقانات، والإنقسامات، والمنافسات، كان مكانها البرلمان، وليس الشارع، كما أختلقتهُ، الأحزاب التقليدية الموجودة في السلطة والمعارضة معاً.

سادساً: الحفاظ على الوحدة الثقافية، بفرض أحدى اللهجات المتداولة، كلغة رسمية موحدة، كيما تصبح لغة الحكومة، والتعليم، وتلزم الجميع بتعلمها، وتصبح جسر التفاهم، والترابط بين المناطق، والتكاثفات السكانية، المُختلفة كافة.

وأخيراً: العمل على إيجاد المسوغ القانوني، والشرعي، والسلمي، لولادة هكذا دولة، عن طريق المطالبة بتطبيق مقرارات مجلس الأمن، والبيان العالمي لحقوق الإنسان، في حق تقرير المصير للشعوب، وإجراء الإستفتاء، وذلك عن طريق تضمينهِ في دستور العراق، كما كان مُمكناً، ومفترضاً، أثناء كتابة ذاك الدستور ولم يحصل!

من هذه القراءة السريعة، يبدو إنه، كان ومازال هناك الكثير، لننجزه على الصعيد الداخلي، لبناء الدولة، قبل التحجج بوجود عامل خارجي، غير مساعد.

يُخطئ المرء، حينما يظن، إن الدولة ستأتيه، كهدية من الخارجز ويخطئ مرةً أخرى، حينما يعتقد، إن القيادات السياسية، هي وحدها، تتحمل كل هذا التقصير، على المستوى الداخلي. كلا فالأفراد، وخاصة الناشطين في المجال السياسي، والمنخرطين بتلك الأحزاب، وبسبب صمتهم، وتأييدهم، وإنتخابهم الدائم، فهم يتحملون، قدراً أيضاً من المسؤلية، عن هدر كل هذا الوقت، والجهد، دون العمل على المحاور السبعة الواردة الذكر أعلاه.

ووصولنا الى ما نحن عليه الآن. وكأننا نلعب، في الوقت البدل الضائع.

في الثالث من أبريل/ 2012
ألمانيا



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن