احلام الحضارة ام احلام الهامش والمهمشين( تامل 12-) ش- أطباء الحضارة والاعتراف باحلام الهامش

محمد قرافلي
karafliyahya@hotmail.fr

2012 / 3 / 30

(تامل 12 )
ش- أطباء الحضارة والاعتراف بأحلام الهامش
بعد الاعتراف بأهمية الحلم وقيمته في تطور الحضارة يقتضي الاعتراف أن ننصت للأحلام مهما كانت هامشيتها سواء تلك التي اكتسحتها الحضارة في مسيرتها أو تلك التي لم يعرها أطباء الحضارة أدنى اهتمام بحكم نزوعهم الحثيث نحو ما هو عظيم أو بحكم سقوطهم ضحية خداع الحلم الحضاري الموعود. ذلك ما يمكن تلمسه من حادثة الحاخام ودعوته بالرجوع إلى حميميتنا والحفر فيها وفي ما هو هامشي بذل التيه خلف كل ما يلمع. وإذا ما عاودنا الإنصات إلى نبض قلوبكم فان فئات عريضة تترنح في قلب المعاناة ولا تنتظر من أحلامها ما ينشده أطباء الحضارة، بل إن أحلامها جد بسيطة تشبه إلى حد ما وصفات أطباء الجسد لعلاج السقم وأنواع الوهن التي تتربص بالجسد كان ينصحه الطبيب بتناول الخضر والفواكه واللحوم البيضاء وان يحرص على العناية بجسده وحسن تدبيره.
لما لا يسلك أطباء الحضارة نفس المنحى مادامت علاتنا ليست نتيجة قصور في القدرات المعرفية أو في المقدرة على الكلام حيث نتقن أكثر من غيرنا الذكاء اللغوي ونلوي ألسننا بكل لغات العالم وتفوقنا على اشد أنواع الطيور تقليدا للأصوات، كما أننا نفتخر بتفوقنا على الشعوب الأخرى من حيث الذكاء الباطني والقدرة على الاستغراق على اعتبار مكانة العالم الروحاني الذي نسبح فيه وننعم فيه، وذكاؤنا المكاني والاستيطاني يبهر الشعوب الأخرى إلى درجة أن الأطفال عندنا أصبحوا يولدون من بطون أمهاتهم ويحلمون بالرحيل والعبور إلى الضفة الأخرى .....فلماذا إذن تتحجج أدبياتنا التربوية بأننا نحتاج في برامجنا التعليمية إلى ترسيخ مختلف الذكاءات في برامجنا التعليمية حتى يمكننا تحقيق أحلامنا؟
ثم كيف يمكن تفسير دعاوي أطباء الحضارة بتخلفنا وتفيئتهم للناس بحسب إمكاناتهم وقدراتهم وبحسب مستواهم المعرفي والاجتماعي والرمزي، من العامة أو الدهماء من الخاصة أو خاصة الخاصة، من أهل النقل أو العقل من المثقفين أو الشعبويين.........الخ ؟ على ماذا يعبر تنكر أطباء الحضارة وترفعهم عن علات وأمراض الهامش حتى لو افترضنا جدلا أنهم كذلك؟ ألا تعبر تلك العلاقة عن خلل؟ أو لنقل إن أطباء الحضارة تحكمهم انشغالات أخرى مترفعة عن سوق اللغط الذي يتخبط فيه الهامش؟ ومحكوم على الطبيب أن يقضي على الداء ولا يهمه المريض، وبين الطبيب والمريض هوة وتمايز في الوضع والمقام والحال، كالفرق بين الثرى والثريا وبين السماء والأرض، وان دأب أطباء الحضارة البحث عن آفاق جديدة وأحلام عظيمة وان يتقمصوا ادوار المخلصين و من حسن حظهم أن الآلهة اصطفتهم للنهوض بتلك المهمة المستحيلة.
مادامت تلك الهوة اتسعت بين أطباء الحضارة وأحلامهم وبين أحلام الهامش والمضطهدين فان دواعي التنافر والانفصال والتباعد لم يعد من الممكن تجاوزها، وان أحلام المضطهدين والمهمشين قد تغذت من تاريخ ذلك الطلاق الرهيب وشكلت رد فعل عنيف على خطاباتهم ولم يعد لحنهم يطرب مسامعهم ولا تستنهض هممهم بلاغة خطاباتهم. كما أن حبل الثقة قد تآكلت خيوطه فلا نستغرب أن تناسلت أشكال القلق وحالات سوء النية وتأججت نار الانتقام وخفت صوت أطباء الحضارة وركنوا إلى محاريبهم وانهموا بذواتهم ومشاريعهم التي تضيق دائرة نفوذها وتتداول بين فئات محدودة تشبه دائرة إخوان أهل الصفا وزوايا أهل الورع والتقى.
يمكن القبول بهذا المعطى واعتباره معطى تاريخي بكون أطباء الحضارة إذا ما استثنينا القليل منهم، فاغلبهم إن لم نقل جلهم، يظلوا مشدودين إلى الأعلى وان وجودهم وعطاؤهم رهين بالتخلص من الهامش والهامشي ومن أحلام اليومي والانخراط في أفق حضاري وفي حلم حضاري وان مقامهم مشروط بتوفر جملة من المقومات والشروط، كمية وكيفية، كفيلة بتوفير الوقت والفراغ وتوفير المادة المعرفية والمتون التي تؤهلهم لبناء الحلم الحضاري. يحصل ذلك المعطى في فضاءات خاصة متميزة عن فضاء الهامش وخلال لحظات حضارية خاصة تتباين وحركية الهامش. كما تتباين درجات استحضار الهامش باختلاق الثقافات والحضارات شتان بين هم وحلم أطباء حضارة حققت الإشباع وتخلصت من هموم اليومي وقطعت أشواطا في حل مشكلاته ومعالجة أمراضه.... وبين أطباء حضارة يغرقون في هموم الهامشي وأحلامه ويتخبطون فيه. فإذا أعلنت الفئة الأولى أن دورهم قد انتهى وان سقف اهتماماتهم قد ارتفع واتسع افقه فان حلمهم يبدو مقبولا ومبررا في أعينهم رغم ادعائهم الكونية لأحلامهم ولحلمهم الحضاري، أما حينما تصدر تلك الصيحة من الفئة الثانية فان ذلك ليس إلا تماهيا أو تجردا من عبء الهم وتبرئة للذات و شكلا من الاعتراف بحلم الآخر حتى لو كان اعترافا مقلوبا.
مادامت أحلام الهامش تفرض ذاتها وأصبحت واقعا وقد تختلف في جوهرها عن الحلم الحضاري وتتقاطع مع أحلام أطباء الحضارة رغم تنكرهم لها، فما المقصود بها ؟ وهل يمكن الاعتراف بها رغم بساطتها وتفاهتها أحيانا؟ ألا تحتاج إلى أطباء الحضارة أم أنها مثل نبتة القريص تزهر تحت لهيب الصحاري وتكفي ذاتها بذاتها وتشبه الصبار تحصن ذاتها بذاتها؟
يتبع........



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن