إلغاء ملتقى النهضة وزيف شعارات الحرية

حسن محسن رمضان
kusecular@yahoo.com

2012 / 3 / 24


“الحرية”، كمبدأ، أبعد ما يكون متداولاً أو مفهوماً من القوى الدينية أو القبلية. هذه قوى رجعية بطبيعتها وبمفاهيمها وبآلياتها وبمصالحها. فالدين والقبيلة، إذا كانا فاعلين ضمن الإطار السياسي للدولة، لا يفهمان إلا المصلحة الفئوية الضيقة التي لا ترى في الآخر إلا “خصم” يريد أن يستحوذ على ما يجب أن يكون لهما دون غيرهما. إذ لا وجود إطلاقاً ضمن مفاهيمهما لمبدأ “المواطنة”، ما هو موجود فقط هو ذهنية (أنتَ معي تماماً وبدون اعتراض أو أنت ضدي) وذهنية (أنت ضمن فئتي أو خارجها). منهج أناني رعوي فئوي ضيق مخرب مدمر بسيط نراه مشروحاً فيما يتعلق بالمنهج القبلي بالذات حتى في النصوص المقدسة للدين نفسه، ونراه واضحاً جداً في نصوص التاريخ فيما يتعلق بممارسات مَن يتوهمون لنفسهم حقاً أن ينصبوا أقوالهم وآرائهم على أنها مُراد الله ومشيئته. فإذا أضفنا إلى تلك الحقيقة البسيطة محوراً ثانياً وهو الولاء المطلق من جانب هذه القوى الدينية أو القبلية لسلطة ديكاتورية حاكمة متسلطة بوليسية، داخل أو خارج بلادهم، (تضرب الظهر وتأخذ المال) وتُزهق الأرواح، أصبح لدينا منهجاً لا يرضى إلا أن يهيمن على مخالفيه حتى وإن استدعى الأمر الاستقواء بالسلطة لقمعهم وتبديد “الحرية” التي ينادون بها زيفاً لأنفسهم ويركض بسببها وراءهم المخدعون من أبناء هذه البلاد تحت بريق شعارات (الحرية). ويالها من “حرية” إذا نادت بها أو طبقتها قوى دينية أو قبلية.


وقبل أن يعترض معترض بالاتهامات المعلبة الجاهزة التي اعتدنا على سماعها إلى حدود التكرار الممل بأن وصف (القبلية) هو وصف عنصري عام وأن هناك من أبناء القبائل من يرفض هذه الممارسات وينخرط في آليات الدولة المدنية الحديثة، أعيد مرة أخرى ما شرحته سابقاً مراراً مِن أن (القبلية) هو منهج وفِكر وآليات سياسية وليس عِرق أو أصل. فعندما كتب ابن خلدون في مقدمته: “إن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، والسبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم، فصار لهم خُلُقاً و جَبَلة. وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحُكم و عدم الانقياد للسياسة، وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له”، عندما كتب ابن خلدون هذا فإنه كان يشير إلى إشكالية خطيرة على مستوى الفكر والقناعات والمفاهيم وليس الأعراق والأصول بالتأكيد. كيف يكون يقصد عِرق أو أصل وهو محاط من كل جانب بِمن يحكم من أصل عربي وهو يؤرخ أصلاً لدول عربية سادت؟! هو كان يقصد أن “التعرب” هو صفة، ممارسة، مفهوم، منهج، عقلية يشترك فيها الجنس البشري كله وبلا استثناء. ففي دولنا كلها وبلا استثناء يوجد مواطنون ممن أصولهم لا تمُتُّ للأصل العربي بأية صلة، بل هُم لا يزالون لا يتكلمون العربية بطلاقة، ولكنهم متعربين بجدارة بسبب هذا المفهوم الخلدوني الغالب عندنا. عندنا متعربين شيعة وبحماس منقطع النظير، تماماً كما عندنا متعربين سنة وبحماس يفوق الآخرين والأولين، وعندنا متعربين ليبراليين وعلمانيين وشيوعيين وقوميين ومتدينين وملاحدة، لا فرق بينهم أبداً. فـ “التعرب” هو منهج قرآني إسلامي مذموم سيئ مذكور في نصوص القرآن بالاسم الصريح المباشر. فهو، أي القرآن، يشير صراحة إلى أن التعرب كممارسة هو خراب ودمار، هذا مع العلم أن النبي محمد عربي أصلاً وفصلاً. فلا علاقة أبداً، لا من قريب ولا من بعيد، بين أن تكون عربي وبين أن تكون متعرب. فالأول أصل وعِرق، والثاني مفهوم وممارسة.


خرجت القوى الدينية والقبلية عندنا في الكويت منذ أشهر إلى الساحات العامة ليطالبوا بمحاربة (الفساد) وأيضاً بـ (الحرية) واحترام (الدستور) والتقيد بالقانون. وانساق خلفهم كل متمصلح وطالب هوىً وكوادر لأحزاب دينية ومَنْ لديه أحلام انتخابية وطوائف من الشباب ذوي التوجهات المتنوعة تحت ادعاء (العمل الشعبي المشترك) من جهة وبسبب الحماس العاطفي لِما كان يحدث في الدول العربية الأخرى. يومها كنا نؤكد، ولا نزال نؤكد، بأن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن الفاسد فكراً ومنهجاً لا يمكن أن يحارب (الفساد)، وأن (الحرية) لا يمنحها من يدعو صراحة لسلبها من خصومه في كتبه وخطاباته ودعوته. وكنا نضرب لهم الأمثال فيما حدث في إيران أيام ثورتها تحت ظل العباءة الدينية بقيادة الإمام الخميني، فإذا به ينقلب على عشرات الألوف ممن وقفوا بجانبه من الليبراليين وغيرهم ليشردهم في طول بلاد الله الواسعة شرقاً وغرباً بعد أن اعتقل وقتل منهم ومن غيرهم ما شاء الله. هذا بالتأكيد كان خطأهم وكان بالتأكيد قِصَر نظر منهم عندما توهموا من دون مناقشة أو شرح أو تأكيدات بأن (الحرية) التي كان يطالب بها الإمام الخميني وقتها كانت تشمل الجميع من دون استثناء اختلاف المذهب أو الدين أو الرأي أو الفكر، وأن (الفساد) الذي كان يريد أن يحاربه قد يشمل الجميع من دون استثناء بما فيها القوى الدينية التي ينتمي لها مع ما يشملها من محاربة خصومه الفكريين بواسطة قوى البوليس والمخابرات، هذا مع التأكيد على أن المنهج القبلي السياسي هو فاسد أصلاً ومناهض للدولة بمؤسساتها المدنية المتعددة وتجب محاربته من دون استثناء أو هوادة. ولكن لا فائدة، فنحن لا نقرأ ولا نفكر ولا نريد أن نصغي أو نفهم. وبسبب هذا الرفض الواعي للمنطق المباشر البسيط انقلبت اليوم (الحرية) الدينية إلى منهج قمع لكل من يخالفهم وبواسطة الاستقواء بالسلطة، سلطة وزارة الداخلية الكويتية، التي منعت ملتقى فكري بسبب (مخالفه للشريعة) وبسبب احتمال “معارضته للنظام السعودي“. الشريعة والنظام السعودي، صنوان هذه القوى الرجعية التي تجعل الإثنين في كفة متساوية (!!!). فما رأي الذين خرجوا تحت عباءتهم ينادون بـ (الحرية) وبـ (محاربة الفساد) في ساحات الكويت؟


زيف الشعارات تنبع من سذاجة المستمع، وليس من مقدرة المخادع في صياغتها. فالشعار يبقى مجموعة من الكلمات المبهمة التي يرددها مجموع كبير من الناس حتى ينتبه أحدهم بأنه لم يتطوع أحد ما بشرح مضمونه وتفاصيله. فلا يوجد أبداً (خطاب مخادع) ولكن يوجد دائماً جمهور يريد أن ينخدع.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن