هواجس أمام أنظار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق

أحمد الناجي
md-alwadi@hotmail.com

2005 / 1 / 17

لا مناص من اتفاق غالبية العراقيين بأن الإخفاق في تخطي تحديات المرحلة التاريخية الراهنة في العراق، وإنفراط الأمل في تحقيق تطلعاتهم المشروعة في بناء نظام حكم ديمقراطي، يعني نهاية العالم بالنسبة لهم، فشدة هول ما سيتمخض عنه ذلك القدر التاريخي المقيت الذي ما زالت نذر ظلاله السوداء تتلبد وتحوم في سماء العراق، وهو بعد لم يأنس بانهيار نظام الاستبداد والديكتاتورية، سيؤدي حتماً الى ضياع العراق أرضاً وشعباً، لذا فأن راهن العراق الذي يمر بظروف بالغة التعقيد، يضع العراقيين كافة أمام مسؤولية تاريخية مصيرية، مثلما تضعهم طبيعة الديمقراطية التي لا تحتمل الخدش والتشويه قط، أمام تجربة حضارية تتطلب تقديم سلوكيات الإيثار على نزعات الاستئثار بحيث تتبدى فيه المواطنة على أي اعتبار أخر، لتكون هي الأساس في الولاء للوطن.
إن أي متابع منصف لأداء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، المسنود بالدور الإشرافي للمنظمة الدولية، في التحضير لإجراء الانتخابات المقبلة، يمكنه أن يتوصل الى انطباع مفاده بأنها استطاعت أن تثبت حيادية منظورة، ومقدرة فائقة عن كل ما تقدم من إجراءات في إدارة وتنظيم عملية الانتخابات المقبلة، وهي في ذات الوقت تمكنت من نقل تجارب وخبرات شعوب سبقتنا في مجال الانتخابات، نشاط التنافس الحضاري، وقد تجلى عملها الدؤوب متناغماً مع المقولة المعرفية الأثيرة ( نبدأ من حيث أنتهي الآخرون)، ذلك ما زاد الوثوق بإمكانياتها في إتمام العملية الانتخابية بنجاح، فما عاد الجانب الإداري والتنظيمي مقلقاً أو في عداد الرهانات المفتوحة.
ومن منطلق الحرص على أولى بذرات الديمقراطية، نضع هواجسنا أمام أنظار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهي بعض نقاط يحدونا الأمل بأن تلاقي اهتماماً من لدنها:
يوما بعد يوم، ومع اقتراب يوم الاقتراع، يتنامى الهيكل الإداري للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشكل كبير، فلم يعد العمل مقتصراً على الشؤون الإدارية والتحضيرية، لاسيما بعد أن أفصحت المفوضية عن عدد المحطات الانتخابية في القطر التي تبلغ ما عدا محافظة الانبار (29084) محطة انتخابية، وأن كل واحدة من هذه المحطات بحاجة الى (7- 9 ) موظف، مما يتطلب جهوداً مضاعفة لتهيئة وتدريب هذا الكادر الكبير الذي سيكون عمله على تماس مع المواطن وصناديق الاقتراع، لتمكينه من أداء وإنجاز مهماته في مراكز الانتخاب ومحطات الاقتراع بالكفاءة العالية والحيادية التامة، لضمان نجاح الانتخابات من خلال المقدرة على تطبيق واحترام القانون الانتخابي.
باعتقادي أن المفوضية تأخرت في إصدار نظام رقم (12) المتعلق بالمخالفات الانتخابية، في وقت نحن بأمس الحاجة عند أولى ممارساتنا الديمقراطية الى تأسيس سياقات إجرائية متحضرة، من الطبيعي أن إشاعتها كسلوك يحتاج الى وقت طويل ويتطلب جهود مضنية، لا يمكن الوصول اليها ببساطة وخلال فترة قصيرة، ذلك مما يستدعي الآن المباشرة بحملة إعلامية بمختلف الوسائل لإفهام ( الكيان) المرشح والناخب على حد سواء بقواعد سلوك الكيانات، وجملة الانتهاكات المرفوضة التي تقع تحت طائلة القانون كجريمة يعاقب عليها.
في الوقت الذي يتعرض فيه العراق والعراقيون لشتى أنواع العمليات الإرهابية الدنيئة في محاولة لإيقاف مسيرة العملية السياسية برمتها، وفي صلبها الانتخابات المقبلة، فأن تفويت الفرصة على أعداء العراق الكثر، الفاعلين والنابحين، الذين لن يتوانوا من استخدام شتى الأساليب لإفشال العرس العراقي الديمقراطي من خلال استهدافهم العمليات الإجرائية للعملية الانتخابية نفسها، وما أثارني في هذا السياق وأجد من المناسب التذكير به ذلك ما أورده الأستاذ أحمد حامد في مقاله المنشور على صفحات جريدة طريق الشعب الغراء بالعدد 37، عن تجربة الانتخابات في كردستان التي جرت في 19/5/1992، حينما نبه فيها الى ظهور معضلة أساءت للعملية الانتخابية، بإفشال دور واحدة من ضمانات النزاهة، بعدما تكشف أن هنالك محلول كيمياوي يزيل الحبر الفسفوري من اصبع الناخب قد جرى استخدامه من قبل البعض ليعاود الاقتراع مرة أخرى على الأقل، وان الانكى والأمر من ذلك حينما يورد بالنص( وقيل أن للدولة الأجنبية التي قدمت الصبغة هي التي أرسلت المادة المزيلة لها)، لذا وجب التنبيه لاستنهاض الحذر الذي غلب القدر كما يقال في الأمثال.
إن ما تقدم يجعلنا ندرك بأن لنجاح الانتخابات هواجس تعتمل في ثنايا كل الخيرين من أبناء دجلة والفرات، وانها تحديات مصيرية أمام العراق في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الميلادي، وهو يحث الخطى لأول مرة لبناء مرتكزات الديمقراطية التي كان قد استشرفها العقل البشري كحاجة موضوعية في القرن الخامس قبل الميلاد، عندما ظهرت لأول مرة كتعبير في أثينا متوهجاً بنظر الإغريقي، تعني الخضوع للقانون في ظل المساواة.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن