المواقف العربية والدولية من الثورة السورية - هل هو صراع مصالح؟ بينما ترتكب الجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري

نادية حسن عبدالله

2012 / 2 / 27

الرهانات على سورية كثيرة وكبيرة، فما يحدث خلال الثورة السورية يؤثر سلباً وإيجاباً على اللعبة الإقليمية والدولية، والعلاقات العربية ـ العربية، بما فيها الصراع العربي ـ الإسرائيلي، والعلاقات العربية – الروسية، والعربية ـ التركية، والعربية ـ الإيرانية، والعلاقات العربية – الدولية، والدولية - الدولية بشكل عام.
بعد نحو إحدى عشر شهرا على الثورة في سوريا، تبدو الصورة أكثر وضوحاً لناحية عجز المعارضة عن إسقاط النظام بنفسها، أو حتى بدعم قوى إقليمية ودولية، بينما يستطيع النظام القمعي بفعل أمور كثيرة من بينها أسلوبه الأمني العسكري في الحل، كذلك بفعل الدعم الروسي الصيني الإيراني للنظام القمعي، من الاستمرار من محاصرة المدن وقصفها بكل أنواع الأسلحة الثقيلة.
المشكلة التي تواجه المتعاطفين مع الشعب السوري هي تشتت المعارضة، وهي أحد أهم مكاسب الأسد، حيث لم تنجح المعارضة بكل أطيافها حتى الآن من التوحد او التوافق لتمثيل الشعب السوري، ولم ترقى إلى مستويات التضحيات والدماء التي تسيل يوميا، حيث يؤدي تفككها إلى ضياع وتبعثر جهودها في إسقاط النظام، مما يجعلها بحاجة ماسة إلى التوافق حول استراتيجية موحدة لإسقاط النظام، وتقديم خطة سياسية تستطيع بموجبها أن تشكل بديلاً للحكم الحالي، وتدحض ما يحذر منه النظام السوري ويخاف منه المجتمع الدولي بأن سقوط النظام الحالي سيؤدي إلى إحلال الفوضى والفراغ في البلاد.
كلما اشتد عنف ودموية ووحشية النظام على الأرض، جرى زيادة الحملة الإقليمية والدولية عليه، ولكنها لم ترقى لحنى الآن لوقف النزيف الدموي في سورية ولا إلى مستوى التصدي للجرائم الوحشية ومستوى العنف المرتكب ضد الإنسانية. لقد تخاذل العالم بأجمعه عن إيقاف الحملة الوحشية البربرية التي يقوم بها النظام القمعي العسكري ضد شعبه. فإذا كان الفيتو المزدوج لروسيا والصين في مجلس الأمن أوحى للآلة العسكرية للنظام السوري أن هذا ضوء أخضر لها لسحق دموي لسكان المدن والقرى السورية، فربما أوحى ما قاله أرفع مسئول عسكري أمريكي للآلة العسكرية السورية أن لا مجال للتصدي الدولي لها عسكرياً مهما فعلت، وبهذا شجع النظام الأسدي إلى مزيد من العنف.
يطالب حلفاء النظام السوري بتوفير الدعم إلى سورية للحفاظ على سيادتها واستقلالها وعدم التدخل الخارجي. وهنا نتساءل هل التدخل الإيراني ودعمه للنظام بالمال والأسلحة والشبيحة هو ليس تدخلا خارجيا. وهل الدعم الروسي السياسي والعسكري ليس تدخلا خارجيا؟ وتتقاطع في هذه اللحظة المفصلية مصالح الدول، وتتراجع المبادئ والقيم لتفسح المجال أمام توجهات جديدة ترتكز على مصالح الدول المختلفة التي نلخصها كما يلي:
يرتكز الموقف الأمريكي والغربي من الثورة السورية على مصلحة وأمن إسرائيل بالدرجة الأولى، وطبيعة التحالف السوري الإيراني اللبناني بالدرجة الثانية. ولأن النظام السوري تمكن على مدى أربعة عقود من لعب دور متوازن في حماية جبهة الجولان من أي تهديد عسكري تجاه إسرائيل، وبالمقابل قد هدد عن طريق حزب الله الجبهة اللبنانية في أكثر من مناسبة، فإن الموقف الأمريكي الغربي من هذا النظام متداخل ومعقد إلى حدّ كبير. من مصلحة أمريكا في المنطقة العربية، كما حددها علي ملحم ، إن لا تقوم دولة ديموقراطية ممثلة حقاً للشعب السوري، لأن هذا يعني قيام قوة ندية لإسرائيل قد يكون من شأنها ترجيح ميزان القوى لصالح العرب مقابل الصهاينة مما يضر بالمصالح الغربية بشكل أو بآخر . لذا فالموقف الأمريكي أخذ المسار التالي: إن كان النظام السوري سيسقط تحت تأثير الضغط الشعبي عاجلاً أم آجلاً فلم لا، ولكن على أرضية دولة سورية ضعيفة مفتتة ومفككة من كل النواحي ( الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية) بحيث لا يقوم لها قائمة دون معونات ومساعدات وعلاقات تبعية مع الغرب الأوروبي الأمريكي. ومن هنا يمكن تفسير فرضه للعقوبات الاقتصادية على سوريا وعدم تدخله بحزم لوقف العنف، كما يفسر هذا الخيار محاولاته لعزل النظام السوري سياسياً عن باقي الدول العربية ومحيطه الإقليمي.
أما الموقف الإسرائيلي فقد ارتكز على الانتظار لمعرفة إلى أي اتجاه ستتجه سورية حيث يقول أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المتخصص في الشؤون السورية في جامعة تل أبيب، إيتمار رابينوفيتش، أنه "إذا سقط النظام في سوريا فإن المتضررين الأساسيين هم إيران وحماس وحزب الله". مشيراً إلى أنه في ظل الوضع الراهن فإن "المطلوب أن تكون هناك سياسة إسرائيلية يكون في صلبها قراءة صحيحة للتطورات الداخلية في سوريا إلى جانب تأهب أمني وحوار وتنسيق مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين وانفتاح تجاه الفرص الكامنة في الوضع الجديد" .لانه بالنسبة لإسرائيل سقوط بشار يعني انهيار الحلف بين سوريا وبين إيران وحزب الله. وتبقى لدى إسرائيل جملة من الأسئلة، أهمها: من سيسيطر على مخزون صواريخ سكود ذات الرؤوس المتفجرة الكيماوية؟ من سيقود الجيش على جبهة الجولان؟ هل سيكون ورثة الأسد أكثر انفتاحا على الغرب وإسرائيل، أم على العكس، سيحاولون تصعيد حدة المواجهة لنيل مشروعية داخلية وإقليمية، كما فعل النظام القائم؟
ويمكن في هذا السياق عرض ما ذكره جابرييل بن دور مدير دراسات الأمن القومي بجامعة حيفا وقال ما يلي: "ستفضل تل أبيب أن يستمر الأسد في الحكم، وتنطبق في هذه الحالة مقولة "من تعرفه أفضل ممن لا تعرفه" , وأضاف "لا يعتقد أحد في إسرائيل أن الاضطرابات في سوريا ستفرز الأفضل وأن الخوف الأساسي يكمن في أنه إذا رحل الأسد من هناك فسيؤدي هذا إلى فترة طويلة من عدم الاستقرار. وقال بن دور "لن يستطيع أي نظام جديد في سوريا تعريض شرعيته للخطر بالتوصل إلى أي اتفاق مع إسرائيل، غير أنه إذا استمر الأسد في الحكم فقد يبدي مرونة اكبر تجاه الغرب في محاولة لتعزيز اقتصاد سوريا وإخماد الغضب الشعبي بشأن الفقر والبطالة، فيما يرى بعض المحللين الإسرائيليين أن التغيير في دمشق قد يفيد إسرائيل في نهاية المطاف، لكن آخرين يقولون انه إذا أدت الاحتجاجات في سوريا إلى إسقاط القيادة في دمشق كما حدث في تونس ومصر فمن المتوقع أن يملأ الإسلاميين الفراغ الذي سيخلفه غياب الأسد ويجعلون البلاد أكثر تشددا. كما حذر رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد أن: "سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه كارثة تقضي على إسرائيل، وذلك نتيجة لظهور إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط بقيادة الإخوان المسلمين في مصر والأردن وسوريا"
أما الموقف الروسي فهو يرتكز بشكل أساسي على مصالحها ، لذلك تسعى روسيا إلى أساليب المساومة وحسابات الربح والخسارة في صفقة بيع الدم السوري مقابل الفيتو في مجلس الأمن، وما انعكس على تصريحات القيادة الروسية ووسائل إعلامها التي جاءت مترددة ومبهمة أحيانا ومتناقضة ومتقلبة أحياناً أخرى، مع التأكيد على حقيقة ثابتة واحدة فقط هي أن باب الحوار مع القيادة الروسية مفتوح دائماً، بمعنى أن الصفقة قابلة للاستثمار دائماً، فمثلاً صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل يوم واحد من التصويت على القرار في مجلس الأمن أن : "روسيا ليست حليفة ولا صديقة لنظام الرئيس بشار الأسد، وإنما صديقة لسورية، وحريصة على مصالحها". لكن زيارة الوزير لافروف العاجلة إلى دمشق بعد يومين من الفيتو المزدوج برفقة مدير الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف ترجح كفة حصول صفقة مصالح متبادلة جديدة مع النظام في سورية! كما أن حسابات فاتورة الزيارة اقتصادياً وعسكرياً كبيرة بحيث توازي ثمن الفيتو وتدعم فرضية حدوث تحرك دبلوماسي سوري تجاه الروس، فالصفقة تشمل إعادة تأهيل قاعدة التجسس في جبل قاسيون كانت تعمل في العهد السوفياتي، وهو ما يندرج في إطار مسعى روسي لاستخدام سورية كورقة ضمن مواجهة موسكو لخطط نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا الشرقية وتركيا، وحسب ما تتناقله وسائل الإعلام الروسية فإن دمشق أبدت استعدادها لاستضافة قاعدة ثانية مطلة على الحدود مع تركية، وهي في حال إنجازها ستكون خطوة كبيرة لروسيا في مواجهة الدرع الصاروخية الأميركية في تركيا، وما يقابل ذلك كله من سلسلة طويلة من المساعدات العسكرية واللوجستية الروسية لدعم النظام ضد الثورة الشعبية.
هناك احتمال أن يتغير الموقف الروسي، ولا سيما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في روسيا التي قد تحمل تغييراً جذرياً في الموقف الروسي تجاه سوريا بعدما تشعر موسكو أن مصالحها الدولية قد تكون مهددة في أكثر من مكان، حيث شكّلت الكلمات القليلة التي سمعها دميتري ميدفيديف من خادم الحرمين الشريفين هزة سياسية وديبلوماسية سينعكس صداها ليس على العلاقات السعودية – الروسية فحسب، بل على العلاقات العربية والاسلامية مع موسكو التي اختارت بوقوفها إلى جانب النظام السوري، إن تصيب العرب والمسلمين بخيبة ومرارة متماديتين، وخصوصاً بعد استعمال “الفيتو” ضد “المبادرة العربية.
أما إيران فهي اتخذت قراراها بأن يكون التفاوض مع الدول الغربية بشأن برنامجها النووي على الأرض السورية. تحاول أن توسع إطار التفاوض ليشي بنوع من الصفقة الممكن عقدها. يذهب التفكير صوب سوريا والعراق ولبنان والمنطقة عامة، حيث لم يعد ثمة مجال للكلام عن ملفات منفصلة، فصعّدت طهران لهجتها في الآونة الأخيرة. حيث هددت بإغلاق مضيق هرمز، وها هي ترسل سفنا حربية إلى طرطوس، وسط ضوء أخضر روسي وصيني واضح. فقد مرت السفينتان في ميناء جدة ثم عبر قناة السويس، وكان التحدي كان واضحاً. ولن تقبل إيران بسقوط النظام السوري مهما بلغت التكاليف. حيث يقول الإيرانيون إن النظام السوري يواجه حرباً بدلا منهم، وان سوريا هي خط الدفاع الأول في الحرب على إيران.
أما المصالح الصينية في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بالبترول والغاز الطبيعي، ورغبتها في لعب دور دبلوماسي وسياسي عالمي يتناسب مع تنامي قدراتها الاقتصادية والعسكرية في الآونة الأخيرة، قد غير موقفها من الثورة السورية، حيث انتقلت بكين من موقف المتفرج على أحداث الشرق الأوسط الساخنة إلى موقف أكثر نشاطا وفاعلية بالقدر الكافي لترجيح كفة على أخرى، كما حدث في مجلس الأمن. حيث إن صانعي السياسة الصينية لا يبدون حماسا كبيرا للثورات في دول الربيع العربية، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بالمخاوف الصينية من وقوع ثورات مماثلة على أراضيهم من ناحية، فضلا عن المخاوف المرتبطة بفتح الباب أمام التدخل الخارجي في الصين مستقبلا في ظل اتهامات بعض الحكومات الغربية وكثير من جماعات حقوق الإنسان لقادة الصين بقمع المعارضين في الداخل من ناحية أخرى.ومن جهة ثانية، لا يخفي كثير من الصينيين، قلقهم من أن تؤدي «العواصف» الديمقراطية التى تمر بها منطقة الشرق الأوسط إلى عرقلة نمو النفوذ الصيني في المنطقة، وخاصة النفوذ الاقتصادي. فتبدل الأوضاع القائمة قد يطيح بالصلات الوثيقة التى حاول الصينيون إقامتها مع قادة الدول العربية، طوال السنوات الماضية، من أجل تأمين مصالحهم التجارية عموما والبترولية خصوصا. كما ان هناك مصلحة صينية كبيرة في الوقوف أمام التحرك الأميركي والأوروبي لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط. أن صانعي السياسة الصينية قد يرون أيضا أن تعطيل الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة فيما يتعلق بسوريا وإيران، في مصلحتهم، لتأمين تدفق البترول من منطقة الشرق الأوسط عموما، ومن إيران خصوصا. فالصين تعتبر حاليا المشتري الأول للبترول الإيراني (21 في المائة من الصادرات الإيرانية ذهبت إلى بكين في العام الماضي)، كما يوجد للصينيين استثمارات هائلة في قطاع الطاقة الإيراني وعقود طويلة الأجل لشراء الغاز الطبيعي، ومن ثم، فهم على الأرجح لا يميلوا إلى تحقق الرؤى الخليجية والغربية الرامية إلى «خنق» النظام الحالي في طهران عن طريق الإطاحة بحكم عائلة الأسد في دمشق. جريدة «الشعب اليومية» لسان حال الحزب الحاكم في الصين التي تنشر افتتاحياتها تحت عنوان: «Zhong Sheng» أي «صوت الجرس»، كانت واضحة في عرض الموقف الصيني من القضية: "على الرغم من أن المصالح الصينية في سوريا أقل بكثير من المصالح الروسية، فإن سقوط سوريا سيؤدي إلى تحكم الغرب في مركز الشرق الأوسط، ويجعل الضغط الغربي برمته مسلطا على إيران، وإذا اندلعت الحرب الإيرانية، فإن اعتماد الصين على النفط الروسي سيزداد، وبذلك ستطرأ تغيرات جديدة على العلاقات الاستراتيجية الصينية – الروسية". لا شك أن الفيتو الصيني ضد مشروع المجموعة العربية في مجلس الأمن، ألقى بظلال سوداء على علاقات الصين ببعض الدول العربية، لا سيما في الخليج. وفي أغلب الظن، أنه حينما يتم تأمين المصالح الصينية وطمأنة قادتها، فإن الصين لن تكون طرفا في العراك على مستقبل سوريا، حيث أن السياسة الصينية لم تكن أبدا صدامية بل دبلوماسية ذكية وحذرة، كما أكد هنري كيسنجر في كتابه الأخير «حول الصين» (2011)، وأن ما يهم الصين حقا هو المحافظة على النمو والوصول الآمن – والحر – للأسواق الخارجية. أما حين تتفجر المشكلات السياسية، فإن الصينيين يفضلون البقاء على الحياد، فيما الآخرون يظلون في الأزمة. هم لن يتحركوا إلا إذا كانت لهم مصلحة مباشرة. حيث يتبعون المثل الصيني القائل: كن كالجالس على قمة الجبل، حينما تتعارك النمور.
في بداية الحركة الاحتجاجية السورية وقبل توسّعها، كثّفت تركيا اتصالاتها مع القيادة السورية بغية تقديم النصح والإرشاد للقيادة السورية في شأن ضرورة إجراء إصلاحات سياسيّة على النظام السياسي القائم يمكن بموجبها امتصاص النقمة الشعبيّة ووضع حدّ للاحتجاجات المتصاعدة. جليّ أنّ تركيا تنطلق من اعتبارات عديدة في ذلك: إنّ أيّ اضطراب محتمل في سورية سينعكس بالضرورة على تركيا، مجتمعاً وحكومة. بالنظر إلى تشابه النسيج الاجتماعيّ في البلدين، واحتمال نزوح أعداد كبيرة من السورييّن تجاه الأراضي التركيّة، ناهيك عن احتمال الفوضى أو النزاع الأهلي. وكذلك الهاجس الكرديّ الذي لا يفارق تركيا – الدولة منذ نشوئها، حيث تخشى قيام «حكم ذاتيّ» كرديّ في سورية بما سيؤثر على أكراد تركيا. على هذا الأساس فإنّ مصلحة تركيا الفعليّة في سورية تكمن في الاستقرار، وبقاء سورية سوقاً مفتوحة لبضائعها ورجال أعمالها. بغض النظر عن أيّ كلام يقال عن دور لتركيا في دمقرطة المنطقة ونشر الحرّيّات. غير أنه مع استمرار الانتفاضة وتوسّعها، والإدانات الدوليّة المتزايدة، ارتفعت حدّة النبرة التركيّة، الرسميّة والشعبيّة، بعد انتشار صور الدماء وأشلاء القتلى السوريين أمام أنظار العالم، وسهّلت الحكومة مرور لاجئين سوريين في المناطق المتاخمة قدّر عددهم بالآلاف جرى إيوائهم في مخيّمات خصّصت لهذا الغرض، وسمح لبعض التشكيلات السورية المعارضة، مع حضور ملحوظ للإسلاميين فيها، بتنظيم مؤتمرات وعقد لقاءات ومقابلات تلفزيوينة.
ومع استمرار سلوك النظام السوريّ بنفس الطريقة لقمع الثورة، وبعد انتهاء الانتخابات التركيّة، طرأت تغيّرات على النبرة التركيّة من جديد. يبدو أنّ تركيا راجعت حساباتها، بعد اشتداد التنديد الدوليّ، واحتمال صدور قرار أمميّ ضدّ النظام السوريّ تمهيداً لإجراءات أكثر خطورة قد لا تكون تركيا مسرورة بها كثيراً. ويكمن وراء إعادة الحسابات التركيّة جملة عوامل: الالتفات إلى المصلحة التركية مع الأخذ بالحسبان احتمال بقاء النظام السوري وسحقه للاحتجاجات، وهو الذي أبدى صلابة كبيرة، فاقت التوقّعات ربّما، أي أنّ تركيا عادت خطوة إلى الوراء بعد خطوتين إلى الأمام وهي حالياً في الوسط من الاحتمالين: سقوط النظام أو بقاؤه.
أياً تكن تطوّرات الحالة السورية بعد المهلة التركية التي منحها وزير الخارجية داوود أوغلو، فإن تركيا لن تتهاون في شأن ما يخص مصلحتها القوميّة ولن تكون مجرد مشاركة في الموقف الدوليّ سواء أكان ذلك الموقف حاسماً لجهة إسقاط النظام أم إعادة تأهيله وهو الذي تميل إليه تركيا في قرارة نفسها على الأرجح. أن اللحظة الفارقة التي يُـمكن أن تتَّـخذ فيها تركيا قرارا جريئا بالوقوف إلى جانب الثورة الشعبية في سوريا، هي تلك اللَّـحظة التي تتوحَّـد فيها قِـوى المعارضة السورية وتشكِّـل جبهة وقيادة موحَّـدة.، عندها فقط، سيكون موقِـف تركيا أكثر صَـرامة في مواجهة النظام البعثي، مشيرا إلى أن تركيا يُـمكنها أن تقدِّم مساعدات متنوِّعة، بما فيها السلاح، لكن هذا فقط "عندما تشعُـر أن المعارضة نظَّـمت نفسها وصارت قادرة على قلْـب النظام.
المهم ان تركيا تتحرّك بمنطِـق مصالحها ولا مكان للمبادئ والقيم في العلاقات الخارجية، والنظام في تركيا يتحرّك تحت مظلة مصالحه بالدرجة الأولى. فقد يعلن النظام تصريحا ناريا أو دعائيًا، ولكنه في النهاية يكون مرتبطًا بما يضمن له الحفاظ على مصالحه المادية مع هذه الدولة أو تلك.
وهناك نقطة أساسية يجب الانتباه لها حول توفير الدعم العسكري للثورة أو للجيش السوري الحر حيث ان هذا الموضوع غير ممكن، لان تركيا عُـضو بحلف شمال الأطلسي، ومن ثَـم لا يمكنها أن تتَّـخذ خُـطوات حاسمة (عسكريا)، دون إذْن صريح من الحلف.
أما جامعة الدول العربية، فهي من خلال مبادرتها نحو الوضع في سورية تعتبر انها اتخذت خطًا فاصلاً في موقف النظام العربي الرسمي من النظام السوري، وربما سيصعب بعد الآن أن تتخلى الجامعة العربية عن الموقف الذي تضمنته المبادرة. هذه ضربة موجعة لشرعية النظام السوري، لا تقل، إن لم تزد عن تجميد عضويته في أعمال الجامعة ومنظماتها. جاءت المبادرة الأخيرة، التي أعلنها المجلس الوزاري العربي مساء الأحد 22 يناير/كانون الثاني 2012، في اختتام اجتماعاته بالقاهرة، لتعبر عن تقدم كبير في الموقف العربي الرسمي من الثورة السورية. فبخلاف المبادرتين السابقتين، اللتين لم تدعوا صراحة لتنحي الرئيس الأسد عن موقعه، وغُلفتا في عبارات غامضة أو إجراءات مديدة في استجابتهما للمطلب الشعبي بتغيير النظام، جاءت المبادرة الجديدة صريحة وواضحة.
وكان مجلس الوزراء العرب قد قرر إحالة قراراته بشأن سوريا، بما في ذلك مبادرته الجديدة، إلى مجلس الأمن الدولي، لطلب دعم الأمم المتحدة للموقف العربي. وبينما امتنع لبنان عن التصويت على قرارات المجلس الوزاري، لم تواجه المبادرة معارضة ملموسة من جانب العراق، الذي اعتاد اتخاذ مواقف تميل إلى جانب النظام السوري؛ ربما لأن العراق يرغب في تمهيد الطريق لعقد القمة العربية المقبلة في بغداد، وأن المالكي، الذي يواجه أزمة داخلية مستحكمة، يخشى العزلة العربية.
أما الموقف المصري من الثورة السورية فهو شقان، الشق الأول المرتبط بالشعب المصري حيث يحظى المعارضون السوريون في مصر بدعم النشطاء السياسيين والحقوقيين، إضافة إلى أنهم يحظون بتعاطف الشعب نظراً إلى الروابط التاريخية بين الشعبين، ولم يغب العلم السوري عن التظاهرات التي ضمها ميدان التحرير منذ إندلاع الإحتجاجات في مدينة درعا، ويؤكد المصريون إن الشعبين المصري والسوري لا ينفصلان، ولن يتخلى المصريون عن أشقائهم السوريين في محنة النضال ضد الإستبداد والقمع. حيث ان هناك تعاطفًا شعبيًا جارفًا مع السوريين الذين يتعرضون للقتل بأبشع الأساليب لمجرد أنهم طالبوا بحقهم في الحرية والكرامة. أما بالنسبة للموقف المصري الرسمي فقد تطور بشكل لافت بالفترة الأخيرة حيث تقدم مصر للقرار في الأمم المتحدة وتسحب سفيرها من دمشق، وكانت مصر أول دولة عربية تصدر بيانا علنيا طالبت فيه الحكومة السورية بالتفاوض مع جميع أطياف الشعب حيث أكد البيان انه لا بديل عن المفاوضات ولا يوجد حلا امنيا، ولا بديل عن الاستجابة لطلبات الشعب المشروعة، وبعدها عندما لم تجد مصر استجابة أصدرت بيانا أخر أوضحت فيه إن هناك خشية من أن يصل وضع سوريا إلى نقطة اللاعودة وحذرت من حدوث ذلك وأكدت إنها لا تريد أبدا اى تدويل للازمة أو اى تدخل اجنبى.
أما مجلس التعاون الخليجي فقد اتسم دوره في المراحل الأولى بالحياد والصمت، ثم طرأ تطور لافت على دوره باتخاذ خطوات ومواقف تؤيد مطالب المحتجين بتغيير النظام، خاصة بعد أن قادت المملكة العربية السعودية الموقف الخليجي وطالبت بوقف أعمال العنف والمظاهر المسلحة، وإجراء إصلاحات جادة وضرورية، واللجوء إلى الحكمة حفاظًا على سلامة الشعب. ووصل التطور النوعي اللافت في الموقف الخليجي حيال الأزمة السورية إلى ذروته بقرار دول مجلس التعاون الخليجي طرد سفراء النظام السوري من أراضيها وسحب جميع سفرائها من دمشق وتنديدها بالمجازر الجماعية ضد الشعب وكذلك بسحب مواطنيها المشاركين في بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية. أما بالنسبة للتطورات الخليجية الأخيرة، فقد عبر عنها مجلس الوزراء السعودي، الذي شدد على أن فشل مجلس الأمن في استصدار قرار لدعم المبادرة العربية يجب ألا يحول دون اتخاذ إجراءات لحماية الأبرياء ووقف جميع أعمال العنف.
وقد كان للموقف الخليجي إزاء الأزمة السورية تأثيره المباشر في التحركات العربية التالية، التي جاءت متناغمة مع المطالب الخليجية عمومًا والسعودية خصوصًا بتبني مواقف متشددة إزاء نظام «الأسد»، وهو ما تجلى في دعوة وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم بالقاهرة يوم 12 فبراير مجلس الأمن الدولي إلى تشكيل قوة حفظ سلام عربية ؟ أممية مشتركة للمراقبة وحماية المدنيين السوريين. وقيامهم أيضًا بإنهاء مهمة المراقبين العرب، ووقف أشكال التعامل الدبلوماسي كافة مع دمشق وتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. علاوة على فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية وتوفير صور الدعم السياسي والمادي كافة لها. ومن دون شك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ما كانت لتتخذ قرارها بطرد سفراء دمشق لديها، وما تلاه من مواقف وخطوات تصعيدية، إلا لإدراكها أن هذه الأزمة وصلت إلى منزلق خطر ستكون له تداعياته السلبية على دول المجلس وكذلك المنطقة، حيث تزايدت احتمالات انزلاقها إلى حرب أهلية.
وفي موقف دول الخليج لا يمكن تجاهل الاعتبارات والدوافع الإقليمية وراء التطور النوعي في الموقف الخليجي، إذ ثمة رغبة أكيدة لدى دول مجلس التعاون في الحؤول دون تحول سوريا إلى عراق جديد، أو أن تصبح ساحة ثانية للنفوذ الإيراني في المنطقة بعد العراق، ولاسيما أن هذه الدول اكتشفت أن دعمها لإسقاط هذا النظام جاء لصالح إيران والشيعة في العراق، ومن ثم فهي لا تريد أن تبقى لاعبًا غائبًا عن تحديد مصير سوريا، ناهيك عن أن نجاحها في استغلال الفرصة السانحة أمامها للتخلص من النفوذ الإيراني في سوريا سيؤدي بالتبعية إلى التخلص من نفوذ طهران في لبنان، وهو ما يشير إلى أن الأزمة السورية قد تحولت إلى إحدى ساحات الشد والجذب في العلاقات الإيرانية - الخليجية، ومن غير المستبعد أن يكون الهدف وراء التهديدات الإيرانية الأخيرة لدول الخليج هو محاولة طهران إثناء دول مجلس التعاون عن التدخل لدعم ومساندة المعارضة السورية.
ولقد لعبت قطر دورا محوريا في جهود الجامعة العربية تجاه الأزمة، وكان أمير قطر أول زعيم عربي يقترح إرسال قوات عربية لوقف ما أسماه "إراقة الدماء في سورية". كما كانت قطر من الداعمين لقرار دولي بشأن الأزمة في سورية في مجلس الأمن، وللمبادرة العربية التي دعت الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. سياسة قطر حول سوريا كانت لها نتائج متباينة حتى الآن، وصحيح أن الدوحة ساعدت الجامعة العربية في التحرك نحو سياسة أكثر عدوانية حيال نظام الرئيس بشار الأسد، لكن هذه السياسة انتهت أيضاً بإيفاد مراقبين عرب استغل النظام السوري مهمتهم، وتركت المسئولين بالدوحة في حيرة مثل المعارضة السورية.
لا يخفى على أحد أن الموقف الرسمي الحكومي في العراق كان مسانداً للنظام السوري منذ بداية الثورة السورية. وكما اتهم رئيس الوزراء العراقي نور المالكي على أنه يمد النظام السوري بالمال. و ما صرح به وزير خارجية العراق هوشيار زيباري على قناة العربية، حاول أن يغطي على الموقف الحكومي في الجامعة العربية بمحاولة المزج بين تأييده لمطالب الشعب السوري المحقة وعدم التدخل في شؤون سوريا الداخلية ليخرج في النهاية أن عدم التصويت لصالح قرار الجامعة العربية كان وفقاً لمصالح الدولة العراقية في عدم التدخل في شأن الداخلي لسوريا الجارة والشقيقة. ومهما تكن الحجج ، ترافق هذا الموقف الكثير من الشكوك حول عملية اتخاذه بتوافق جميع الكتل المشاركة في حكومة نور المالكي، في الوقت الذي أبدى العديد من الكتل استيائه من موقف المالكي تجاه ما يجري في سوريا، وفي مقدمتهم التحالف الكردستاني في البرلمان العراقي.
أما في لبنان فقد وقفت أغلبية اللبنانيين منذ اندلاع الثورة السورية, إلى جانب الشعب السوري, وقد عبرت معظم القوى السياسية اللبنانية عن هذا التضامن بأشكال مختلفة, باستثناء قوى “8 آذار”, التي يقودها “حزب الله” بالتحالف مع حركة “أمل”, وبدا أن موقف هذا الثنائي يعبر عن رأي الشيعة، في مناهضة ثورة يعتقد البعض أنها ستؤدي لاحقاً إلى استهداف الطائفة في لبنان. وبدلاً من الالتزام بسياسة النأي بالنفس, فإن “حزب الله” وحركة “أمل” وقفا علناً إلى جانب نظام بشار الأسد, وكلما تصاعدت عمليات القتل خرج أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ليدافع أكثر عن حليفه السوري.
هذا الاحتكار للموقف الشيعي بدأ بالتداعي مع اقتراب نظام الأسد من نهايته, وبدأت حالات شيعية مستقلة تظهر بقوة على الساحة, ترفع الصوت رفضاً لموقف الثنائية, وتأييداً للثورة السورية, وانسجاماً مع الثقافة التاريخية للشيعة في رفض الاستبداد.
وبشكل عام يمكن وصف الموقف اللبناني على انه منقسم وكل جهة تأخذ موقفا وفق مصالحها السياسية، فمثلا من الواضح من مضمون كلمات كل من رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" أمين الجميل ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ورئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري أن قوى "14 آذار" حسمت أمرها لناحية المجاهرة بالوقوف إلى جانب الثورة السورية في مواجهة نظام الأسد، خلافاً لرأي الحكومة والموقف الرسمي اللبناني الذي يتراوح بين حد أدنى مبدئي، عنوانه "النأي بالنفس" عما يجري، وبين حد أقصى عملي عنوانه دعم الأسد في المحافل العربية والدولية خلال مناقشة الوضع السوري والتصويت على القرارات بشأنه. وفي اعتقاد المراقبين، فإن المسألة بالنسبة إلى قوى "14 آذار" بدأت تتخطى إطار الدعم المبدئي والمعنوي للثورة السورية لتلامس الدعم السياسي المباشر لـ"المجلس الوطني السوري" من خلال تبادل التصورات الخاصة بالعلاقات اللبنانية – السورية في مرحلة ما بعد الأسد.و يبدو أن قوى "14 آذار"، التي تخطت الاعتبارات اللبنانية الداخلية في موقفها، بدليل تجاوز الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية، وإعلان الرئيس سعد الحريري أنه يتحمل شخصيا مسؤولية دعم الثورة السورية ومنع الفتنة السنية – الشيعية في الوقت نفسه، تسير على وقع الموقف العربي والدولي، وهي تواكب الخطوات العربية والدولية وتحرص على عدم سلق المراحل لتبقى خطواتها تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية في ظل افتقادها إلى التغطية الرسمية اللبنانية. فقد اكد الحريري في الرسالة الأخيرة التي وجهها للشعب السوري ولحكومة في لبنان، "أيها الشعب السوري نحن أبناء لبنان نعتذر منك على موقف حكومتنا وعلى رفضها المشاركة في مؤتمر أصدقاء سوريا، لأنها ليست حكومة الشعب اللبناني بل هي حكومة النظام السوري وهي مرتهنة إلى هذا النظام، أما نحن شعب لبنان فحاضرون في موقفنا وحاضرون في دعائنا، في تونس وفي مؤتمر مساندة الشعب السوري، وسنبقى معك أيها الشعب الصامد مهما حاول المبطلون"
ولا يزال الموقف الرسمي الأردني يعاني من ارتباك إزاء التعامل مع تقلبات الوضع السوري، حيث لا توجد قراءة موحدة لدى القرار السياسي أو الجهات العسكرية والأمنية، في حين تبدو غالبية الشارع الأردني منحازة للثورة السورية مع انقسام حيال التدخل الأجنبي. ويبدو الموقف الحكومي ذاته غير مجمع على قراءة واحدة إزاء سوريا، فبعد تصريحات نسبت لوزير الخارجية في أن الأردن يفكر بسحب سفيره من دمشق، نفى وزير الدولة لشؤون الإعلام أي نية لذل. ويلحظ مراقبون ومعارضون سوريون تغيرا في طريقة التعامل الأردني مع اللاجئين والمعارضة في الآونة الأخيرة. وتحدث سوريون حضروا لمطار عمان قادمين من بيروت الثلاثاء الماضي عن رفض السلطات إدخالهم وإعادتهم للبنان الأربعاء. كما تحدثت مصادر سورية للجزيرة نت عن أن الأردن بدأ يعيد اللاجئين السوريين القادمين عبر معبر نصيب القريب من درعا. وكان مصدر أردني أكد أن 88 ألف سوري دخلوا الأردن منذ مارس/ آذار الماضي دون أن يسجل خروجهم من الأردن، لكن منظمات إغاثة تؤكد أن عدد اللاجئين المسجلين لديها لا يتجاوز الـ15 ألفا فقط، وأن بقية السوريين بالأردن تدبروا أمورهم بأنفسهم.
وبذات الإطار تحدثت مصادر بمعارضة سوريا عن منع الأردن معارضين سوريين من أي نشاط انطلاقا من المملكة، وأن التضييق الأبرز كان على قيادات جماعة الإخوان المسلمين السوريين المقيمين بعمان منذ ثلاثة عقود لدرجة وصلت حد اعتقال بعض الناشطين قبل الإفراج عنهم والتهديد بإبعاد آخرين.
أما الموقف التونسي الرسمي للدولة التونسية وهو موقف سياسي اخذ في التصاعد بشكل ملحوظ وملفت للنظر "السماح للمعارضة السورية بعقد مؤتمرها في تونس وإلقاء الرئيس كلمة في افتتاح المؤتمر ـ استدعاء السفير السوري لوزارة الخارجية وتبليغه استياء الحكومة التونسية ـ مطالبة الرئيس الأسد بالتنحي ـ طرد السفير السوري وقطع العلاقات ـ استضافة مؤتمر أصدقاء سوريا "، بالمقابل تعرض الرئيس التونسي للانتقاد على الكلمة التي ألقاها بمؤتمر أصدقاء دمشق حيث وجدها عدد كبير من المعارضين بأنها لا ترتقي مع طموحات الشعب السوري.
لقد أصبحت الأزمة السورية، التي أوصلتها المعالجات القصيرة النظر والصراعات والمصالح الدولية، إلى وضعٍ لا يسمح بالعودة إلى الوراء، أزمة دولية وإقليمية مستفحلة، فهناك مشاركة إيرانية في القتال منذ اللحظة الأولى، وهناك قطع بحرية روسية في ميناء طرطوس، وهناك سفن نقلت أسلحة ومرتزقة من إيران، وهناك استعدادات عسكرية إسرائيلية لم تعد خافية على احد، وفوق هذا كله فإن هناك معارك مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة السياسية، وهناك أيضاً عمليات اصطفاف دولية... مصالح مختلفة لدول مختلفة تلتقي لتستمر الثورة السورية بدون أي دعم دولي حتى يتم الاتفاق وحتى يتم توزيع المكاسب التي ستنتج عن الثورة السورية، بينما الشعب السوري يقتل وتركتب بحقه المجازر، تغيب كافة مبادئ حقوق الإنسان وتختفي أمام مبادئ المصالح والمكاسب.
النتيجة لكل ما سبق انه لا يوجد للشعب السوري إلا قدراته الذاتية، وامكاناته البشرية الوطنية، وقدرته على الصمود، لتحقيق أهدافه بالحرية والكرامة. ولمواجهة كل هذه الصراعات والاختلافات والإرباك في المواقف العربية والدولية التي تؤثر على مجريات الثورة السورية، تبرز الحاجة الماسة لتوحيد صفوف المعارضة، والعمل المشترك بهدف قيادة الثورة من خلال جبهة قوية ومتناغمة توحد مطالبها مع المجتمع الدولي، وتشكل لوبي ضاغطا على المجتمع الدولي لحل الملف السوري ووقف نزيف الدماء.
ليس من الضروري أن تتوحد المعارضة السورية في كيان سياسي واحد، حيث من الضروري أن تحترم التعددية السياسية، ولكن ما هو ضروري هو وحدتها أو ائتلافها في تيارات سياسية وفكرية كبيرة تنسق فيما بينها من خلال مجلس موحد لقيادة الثورة تجتمع تحته مظلة كافة الفعاليات والتنسيقيات الثورية. إن ما يوحد المعارضة أكثر بكثير مما يفرقها، والواجب الوطني يطلب من كل قيادات المعارضة إن ترقى إلى مستوى تضحيات الشعب السوري.
لا يوجد خلافات بين المعارضة السورية على المبادئ الاسياسية، حيث إنها تجتمع في التوافق على الأولويات الأساسية التالية:
- الجميع متفق أن النظام لا يمكن إصلاحه وبالتالي لا بد من تغييره؛
- ويتفق الجميع على أن البديل عن النظام الاستبدادي هو نظام ديمقراطي تعددي؛
- ويتفق الجميع على إن الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي يحتاج إلى فترة انتقالية؛
- ويتفق الجميع على ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة لمداواة الجروح الكثيرة التي تسبب بها النظام في جسم الكيان السوري؛
- ويتفق الجميع على ان الثوار في الداخل السوري هم الذين يضحون ويستشهدون ويعتقلون وانهم يشكلون حجر الأساس في الثورة السورية.
إن التوافق على العمل الجماعي بين كافة تشكيلات وأطياف المعارضة الوطنية تحت مظلة واحدة، يقطع الفرصة على النظام وبعض القوى العالمية المؤيدة للنظام من اللعب على الإختلافات بين أطراف المعارضة لإخماد شعلة الثورة، بالإضافة إلى استنفاذ غير مجدي للطاقات، وربما أيضاً إلى نفور الشباب من الثورة. إن ثورتنا مليئة بالأمل والمستقبل الواعد للشعب السوري وللمنطقة قاطبة، وإن كان المرء يشعر بالأسى والحزن على ما يراه من وحشية لا توصف، فالتاريخ يشهد أن الأمم لم تسترد حقوقها إلا بتضحيات كبيرة. إن توافق قيادات المعارضة في تعاملها مع المجتمع الدولي وفي قيادة الثورة سيكون له الدور الأساس في نجاح الثورة، النصر قادم لا محالة ولكن بطعم خاص، لأنه قائم على دماء الشعب السوري وتضحياته النبيلة، الشعب الذي دفع ثمن الحرية بدماء شهداءه، وبتضحيات الشباب الثائر المطالب بالحرية والكرامة.
شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق الانسان ومكافحة الفساد



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن