هل كانت تلك آخر الليالي؟

كريمة بوزيدي
karimabouzidi@hotmail.com

2012 / 2 / 18

"...هناك حب فقير،و من طرف واحد
هادئ هادئ لا يُكسّر
بلّور أيامك المنتقاة
و لا يوقد النار في قمر بارد
في سريرك...
...هناك حب يمرّ بنا،
دون أن ننتبه،
فلا هو يدري و لا نحن ندري
لماذا تُشردنا وردة في جدار قديم...."
م/درويش

أركب سيارتي و أنطلق الى حيث لا أدري.. ينبعث من المسجل فجاة صوت عبد الوهاب: "جيين الدنيا ما نعرف ليه ..و لا رايحين فين و لا عاييزين ايه..." أتذكر أننا سمعنا هذه الأغنية معا عندما كنا في طريقنا الى منزلنا هناك..
نعم كنا معا منذ أسابيع قليلة.. أما الآن فانا هنا..و أنت هناك في نفس القارة لكننا في اتجاهات مختلفة...
نعم كنت معك.. كنت تُسمعني كلمات المحب العاشق الولهان..و كنت أنا يكاد ان ينبت لي أجنحة من الفرح.. كنت ملهوفة على كل لحظة معك..و كاني كنت أدرك انها ستكون أقصر من حلم.... كنت سعيدة بك و معك.. و كنت فرحة الى حد الهوس... لاني ببساطة كنت عاشقة...
معك خِلت اني أعيش قصة من قصص ألف ليلة و ليلة.. او كنت أحيا مشاهد من رواية طالما قرأت عنها هنا او هناك..
نعم كنت معي تحتضنني.. تضمني اليك ... تقبلني... تناديني بحب فائض..و لكن....

في الخارج تتهاطل الأمطار بقوة أذابت بسرعة كتل الثلج التي رغم تعنّتها صارت دماءا تسيل على الأسفلت بعدما كانت صخورا صلبة ممتنعة...و في الخارج أيضا كانت حبات المطر المتسارعة تكاد تهشم بلور السيارة ...كانت دقاتها شديدة و عنيفة كالعنف الذي يسكنني و كأنها تعلن تضامنها مع الحالة التي أنا عليها الآن ..بعد حوارنا ليلة البارحة..
أحتاج الى بعض هدوء حتى أرتّب ما بداخلي وأستوعب ما صار و ما قلته لي.. اوقف السيارة في مكان ما و أتوجه رأسا الى أول مقهى أعترض سبيلي.. لكن فجاة أتلقى رسالة هاتفية منك تعلمني فيها بانسحابك من تلك العلاقة التي كبلتك...ازددت تشنجا.. أدخل الى المقهى أجرّ قدماي جرا أتعثر في بعض الكراسي المنتشرة هنا و هناك و أنا أمرّ الى ركن منزويا بعيدا عن الأنظار.. يلتفت الجميع الي و كاني اهبط عليهم من كوكب آخر و لكن لا أبالي..
أجلس هناك في ركن ركين... تجتاحني فوضى عارمة و حزن قاتل.. أحاول ان أفكر في اللاّشيء.. لكنك تحضرني بعنف... تقتحمني صورتك كما تقتحمني تلك الأسئلة المرعبة بعد حوارنا الاخير: كيف لك أن ترى حبي لك عنفا يجب التخلص منه..؟؟ و كيف تعتقد جازما اني لا اعرف معنى الاحترام..؟؟ و انا لا أحترمك و لا أحترم نفسي و أريد فقط السيطرة عليك ؟؟ و وكيف تتطور النقاش من مسالة تافهة لتصل الى حد قطع العلاقة معي؟؟ ثم كيف تعيش ضغط و أزمة بين العقلي و العاطفي في علاقتك معي و ترى انه-عقليا- لا يمكنك ان تتواصل معي يوما واحدا..؟؟هل الى هذا الحد تعيش أزمة وئام مع نفسك في علاقتك معي؟؟
هل الى هذا الحد باتت علاقتك بي عذاب و ألم؟؟
أسال و أسال و لا اجد جوابا واضحا... يزداد المي و يزداد حزني وبدون ان أشعر تنهمر دموعا حرّا أحار في كفكفتها و إخفائها عن عيون المتطفلين حولي.. أشيح بوجهي نحو النافذة التي بجانبي في محاولة لتمالك نفسي قليلا لكن دون جدوى.. في الخارج كانت الأمطار لازالت تنزل بغزارة أكثرو أكثر كما أدمعي..
أحسست بوحدة قاتلة تهبط علي فجاة و برد مفاجئ يسري في عروقي... كنت وحدي ثم وحدي تفترسني الأفكار و تقتحمني الذكريات و يثقلني المدى..نعم كنت وحدي ثم وحدي.. أما أنت اهٍ ...من الأنت.. كنتَ هناك ..أقفلت السماعة في وجهي دون مبالات إعلانا لإنتهاء المحادثة رغم اني مازلت أتكلم معك و كأنك تستعجل حسم الأمورمعي.. أعدت الاتصال بك و كانت ضحكاتك القادمة من بعيد تتحدى بكائي و كأنها تعلن فرحك و انتشاؤك بتحررك اخيرا من علاقة طالما حاولت التملص منها و كأن لسان حالك يقول : اخيرا صرت حرّا وحرّا حرّا ...
اه كم هو مؤلم و مبعثر هذا الشعور...
انتبه ان القلم الذي أكتب به أليك هو ذات القلم الذي كتبت به انت في المطار قبل سفرك آخر مرة..أضغط عليه بحنان اكثر كما لو اني أضغط على يديك...
تجتاحني احلامي و ذكرياتي التي عشتها معك... يرتعش قلمي بين يدي بفعل ذكراك كما لو كان جسدي يرتعش بين أحضانك في زمن قريب جدا.. يزداد القلم ارتعاشة بفعل غيابك المفاجئ... لكن بين ارتعاشة القلم و ارتعاشة الجسد سفر موجع و كلام لم يُقل و احلام مجهضة..و فرح اغتيل فجاة ..اقول كما قال ادونيس: كيف يمكنني السفر بين الجسد و الجرح.. ليتني لم اكن؟؟
هل كانت ليلتنا تلك اذن اخر الليالي معا؟؟؟
تراني أمسك بوجهك الذي لطالما قبلته بنهم لا يوصف.. أمد يدي و أضمك الي.. لأتأكد انك موجود معي و أخلد للنوم...
في تلك الليلة قلت لك و انا اقضم شفتيك ليت الزمن يتوقف هنا... لكنك صمتت و لم تعلق .. لا ادري هل لبساطة الفكرة ام لعبثية الرؤية ام الإثنين معا- لكن أدرك الآن أنك لم تعلق لتفاهة الفكرة فقط...
أكانت حقا تلك الليلة اخر الليالي معا؟؟؟
في تلك اليلة أردتك ان تكون لي .. لي وحدي..
في تلك الليلة كنت أغار حتى من الليل الذي كان يلفنا...و في تلك الليلة كنت ضمئ اليك و لا اريد الا الإرتواء منك و بك...و في تلك الليلة كنت أكره الزمن الذي قد ياتي من دونك ايضا..
فهل كانت اذن تلك آخر الليالي معا..؟؟؟
في تلك الليلة سألتك: متى سنتلقي ؟؟ أجبتني و بدون تردد: متى تريدين حبيبتي أو متى تسمح ظروفنا بذلك.. في تلك الليلة قلت لك ايضا اني أريد ان أراك تحت الشمس.. لاني اكره البرد..واني اشتاق الى الحرارة الطبيعية معك و في حضنك.. كنت أريد ان أمسك وجهك مع خيوط الشمس.. أذوب فيك و بك... كنت أريد ان يشتعل قلبك بحبي مع قطرات الندى..و يرفرف عقلك مع نسمات البحر..و يعتصر جسدك بين أصابعي كالشّهد... و نكون طليقين كالفراش الذي خرج لتوّه من شرنقته ليعانق ربيعه الذي طالما انتظره... نعم كنت اريدك هنا اوهناك لا يهم معي .. بي .. في ..
و في تلك الليلة...
و في تلك الليلة ...
في تلك الليلة كنت عاشقة.. كنت عاشقة لك فقط.
و لكن هل كانت تلك آخر الليالي اذن؟؟؟

عجبا كيف يمكنك ان تنسى..؟؟ عجبا كيف يمكنك ان تُعلن الرحيل فجاة و لأسباب غير مقنعة و لا توجد إلا بمخيلتك؟؟؟
يرتعش قلمي أكثر و أكثر حين راح ينبش تفاصيل الذكريات معك و بدونك..
هي اسئلة تلعثم صوتي و صمتى...هي اسئلة تحبط خطوتي اليك و العتاب.. هي اسئلة تبعثر الحلم والسكون.. هي اسئلة تصادر الماضي و تقتل المستقبل...
هل أقول أحبك و أموت في الذكرى..؟؟ أم أقول أحبك و أحيا بحبي لك وأنشد الآتي بدونك..
ماذا أنا لك أذن..؟ أين أنا منك اذن ؟؟؟
هل كنتُ لك صدفة لقاء و مغامرة أردت ان تعيشها بكل تشكلاتها دون قيد او التزام وأعلنت- في غفلة من نفسك- التزامك معي في لحظة عشق و هيام و لكن مع الايام بدأت ترى هول ما أعلنت و عظمة ما ادعيت و ها أنت تريد التخلص من هذا الوعد باي طريقة حتى ترتاح ..؟؟
هل كنت لك فقط مرفأ تتكئى عليه لبعض الوقت قبل ان تعاود حياة الترحال التي لطالما أحببتها و تغنيت بها بل و نظّرت لها ايضا و ايضا...
احتسي قهوتي التي إخترت ان تكون بلا سكر هذه المرة اذ هي لن تكون اكثر مرارة من الحالة التي تعصف بي الآن...
هو ذا الحب اذن كلما فكرت اني وجدته يتلوّن بكل الألوان إلا لون الحب..و أسال: لما انا.. هل انا أطلب المستحيل أن أحِب و أُحَب.. ؟؟ ام ان الحب الذي بداخلي مع مرور الزمن تحول الى عنف من حيث لا أدري كما قلت لي انت مرارا و تكراراو لم أعد اصلح له..؟؟
أما أنا عندنا احببت أعلنت..و عندما عشقت عبرت.. و عندما همت بك اردتك لي بكل حب و عشق و عنف ايضا و ايضا..
فهل صار حبي لك حجرا تعبت من حمله ..؟؟
هل صار غرامي غريم لك..؟؟
و هل صار عشقي علقما تتجرعه يوميا..؟؟
و هل صار هوايا هواء ملوث يصعب تنفسه...؟؟
و صار إحساسي بك تتحسر لكونه موجود بهذا الكم ..؟؟
أخرج من المقهى.. كانت الأمطار قد كفّت عن الإنهمار.. أركب السيارة و أرحل من المكان...كان صوت عبد الوهاب مازال يئن: و لقيت روحي ف أحزان قلبك.. باحلم واصحى وأعيش على حبك... حتى في عز عذابي بحبك عارف ليه...
من غير ليه اه يا حبيبي ..بحبك.."
قلت أيّة مصادفة هذه...



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن