من سبب الأزمة في البحرين؟

عبدالله خليفة
abdullakalifa@hotmail.com

2012 / 2 / 14

إجحافٌ معيشي شديد بحق الأغلبية الشعبية البحرينية
على مدى خمسين عاماً قامت الطبقةُ الغنيةُ المكونة من كبار عائلة آل خليفة وكبار التجار بالهيمنة على الموارد الاقتصادية الأساسية في البحرين.
بالنسبة لمجلس وزراء آل خليفة فإنه سيطرَ على المُلكية العامة، خاصة الشركات الكبرى المنتجة للنفط والألمنيوم والطيران والمواصلات كما أن لديه حقل بوسعفة المشترك بين البحرين والسعودية يدخل في جيوبهم الخاصة فقط.
أما كبار التجار والشركات الخاصة فقد تُركتْ لهم حرية إستيراد العمال الأجانب وتحديد أجورهم المتدنية جداً وإسكانهم ما يشاؤون من غرفٍ جماعية وبيوت قديمة وترك أسعار السلع يحددونها بأنفسهم.
كما أن(الفيز)المفتوحة للمهيمنين على الاقتصاد كان لها نصيب في الفئة الأولى أيضاً من المسيطرين على الأجهزة الحكومية.
عمل هذا الجناحان على خلق بنية إقتصادية إستغلالية مجحفة مضطربة بالجمهور البحريني والأجنبي.
هذا أدى إلى إمتلاك الجناحين الكثير من الأراضي والأبنية والفنادق وإمكانية تخطيط أرض البلد حسب نمو هذه الأملاك وإدرارها العوائد المجزية عليهما ومقاربة الكهرباء والخدمات لها وترك أغلب أراضي البلد نائية معدة لاستثمارات أخرى مع تطور الجسور ولنفس هذه الشخصيات والعائلات.
في مدينة المنامة التهمتْ هذه الفاعلياتُ السياسيةُ الاقتصادية السواحلَ الشماليةَ والشرقية البحرية للمدينة دون أن نذكرَ أعماقَها المفتتة الممزقة المطحونة، وأقامتْ عليها غابات من الأبنية على هيئة فنادق وعمارات سكنية وجلبت لها عمالة أجنبية كثيفة.
ومن هنا ستجدُ التضادَ الكبيرَ حتى في البناء حيث تقع الجفير مثلاً ببيوتها العتيقة الصغيرة الحاشدة بالسكان مخنوقة في الخلفية وراء هذه البنايات الهائلة الميئة بالعمال والتجار الأجانب.
كانت المنامة مجموعة من القرى الحرفية والزراعية وصيد الأسماك، ونمت بتدرج ثم بسرعة كبيرة مع تنامي أسعار النفط، ثم راحت القدرات السياسية تفرض النمو، وتلتهم الشواطئ، مما أدى إلى إختناق تلك القرى والمناطق الشعبية بحيث غدتْ أحزمةَ فقرٍ تلتف وتتوغل في مناطق المنامة.
خلق هذا التناقض الحاد وعدم وجود سياسة تخطيطية وقيام مجلس الوزراء طوال الخمسين سنة الماضية بتجميد أجور البحرينيين وحياتهم المعيشية وعصرها وإستزافها من أجل نمو أموال هذه الطبقة التي غدت أموالها تصل لمئات المليارات من الدولارات وراحت توظفها في شراء جزر في جنوب شرق آسيا وشركات وأراض في الشرق والغرب وغير ذلك من ضروب الاستثمار، في حين تبلغ أجور ورواتب الفئات الوسطى من العمال والموظفين البحرينيين ثلاثمائة دينار أي ما يقارب الألف دولار في حين أن الفئات الدنيا أقل من ذلك بكثير، أي يبلغ الأجر المتوسط لهذه الفئات مائة وخمسين ديناراً فقط.
هذا كم مجسد لكيفية الخنق الاقتصادي والعَصرِ للعمال والموظفين عامة، وقد ركز مجلسُ الوزراء على تجميد هذه الأجور بوعي كاملٍ من أجل شطف الميزانية وإبقاء الجمهور على الحد الأدنى من الكفاف، بحيث يبقى مُستبعداً طائعاً بشكلٍ مستمرٍ ومهدداً بالجوع ويمضي راكضاً لرزقه ولا يرفع رؤوسه!
ولهذا كان رئيس مجلس الوزراء هو الذي يوقع شخصياً على أية شيكات حكومية تزيد عن عشرة آلاف دينار، متتبعاً كلَ حبة نقود في الدولة.
ويتجسد فسادُ الطبقة الحاكمة في هذا الجمود المخيف لمجلس وزراء أغلبه من العائلة يظل يعطي رواتب عالية لهم لمدة نصف قرن وهم مجموعة من الأثرياء وأصحاب الأملاك الكبيرة، فأية قدرات خارقة لهؤلاء وقد بلغ بعضهم من العمر الكثير حتى من الناحية الإدارية؟
جاءتنا في الصحافة في فترة الثمانينيات ورقةٌ تبين فواتير كهرباء وزير الإسكان وقتذاك وقد بلغت المباني المؤجرة له أكثر من مائة وثلاثين مبنى، ولم ندرِ هل كان يدفع قيم هذه الفواتير أم لا؟!
أما الخدمات المقدمة فهي عمليات تجارية محضة، فبيتُ الأسكان يتحولُ لمشروعٍ تجاري تستفيدُ منه هذه الحكومة الأبدية، فالبيتُ يباعُ بثلاثة أضعاف ثمنه الحقيقي، وعلى مدى عقود يقوم المواطن بدفع هذا الثمن بالتقسيط. وحتى هذه البيوت المُباعة لم تقدر الحكومة على الاستمرار في إنشائها، بسبب التدهور المستمر في المال العام، ولجؤها للاستدانة المتفاقمة.
وكل الخدمات الأخرى هي أعمالٌ تجارية تستفيدُ منها هذه الحكومة، كالكهرباء والماء التي يتم فيهما عصر المواطنين بشكل دائم، فالفاتورة لا يمكن أن لا تُسدد، بأية طريقة، ومثل هذا في إدارة المرور، وتحويلها مختلف خدماتها لعصرٍ آخر، ودون وجود خطط جيدة للمرور وإنشاء شوارع كبرى والبلد تختنق ويجري إستيراد آلاف السيارات سنوياً ويأخذ المستوردون وهم كبار التجار أضعاف أسعار السيارات والضريبة الكبيرة على هذه السيارات وغيرها من البضائع المعمرة تدخل خزينة الدولة التي لا تشبع!
وهكذا بقية الخدمات.
أما الأسعار المدعومة والمستشفيات فقد تم التخلص التدريجي من المجانية فيها عبر تنويع السلع وجلب أخرى رديئة وسحب الجيدة المدعومة. كما أن المستشفيات تقدم خدمات سيئة وإمكانية محدودة للكشوف الدقيقة والفحوص العميقة والعمليات الناجحة، والإجراءات فيها مطولة لكي تجبر المواطنين والمقيمين على الذهاب للمستشفيات والعيادات الخاصة.
وهناك الرسوم على السلع المعمرة والمشروبات الكحولية التي تدرُّ أرباحاً خيالية فبعضها للأجهزة الحكومة وبعضها لوزراء متنفذين وكل هذا الغلاء يُلقى عاتق المشترين والسكان عامة.
ومع هذه الإمكانيات الهائلة فإن الشخصيات المهيمنة تسطو أو تسحب إمتيازات تجار منافسين أو تلتهم الجزر والأراضي العامة وتدخلها في مشروعاتها التجارية.
هكذا غدت البحرين مزرعة خاصة لكبار شخصيات عائلة آل خليفة وكبار التجار، ولم يعد ثمة إمكانية للتغيير بدون إبعاد هذه الطبقة الفاسدة عن مراكز القرار والشركات العامة والأجهزة العامة ومحاسبتها على ما جنت أيديها وما سرقته من أموال هائلة.
كل هذه الخطط تم تنفيذها لعقودٍ وبشكل دقيق، إضافةً إلى جلب القوى السكانية الأجنبية ونشرها بأجورها المتدنية في كل خلايا وعروق المجتمع وتفتيت الطبقات كالعمال ومحوها تماماً كالفلاحين، وشراءها كالمتعلمين والمثقفين، ومزاحمتها وطردها من الأسواق والتضييق عليها كالصيادين والبحارة وباعة الأسماك والخضروات وجعلها محاصرة في مواقع دنيا كالكتاب والصحفيين والفنيين والمهندسين والفندقيين وبجلب مأجورين من كل الجنسيات يطردون المواطنين من أعمالهم.
هذا الجنون السياسي الاجتماعي قابله جنونٌ ديني، فلم تنشأ معارضة وطنية صلبة موحدة بل جماعات مذهبية تشتغل تحت المظلة السياسية الإيرانية وقد أخذتنا في مأزق آخر ومشكلات لا تحصى وإنقذت الحكومة عبر تمزيق الشعب وهناك تداخل بين بعض قوى هذه المعارضة والأجهزة الحكومية، وتلك قصة أخرى.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن