لم يعرف الاسلام وحشية الحروب الدينية فلم يفصل الدين عن الدولة

برنارد لويس

2002 / 9 / 14

 
الجمعة 13 سبتمبر 2002 05:22

 
لم يتوقف العالم الغربي عن التساؤل حول العالم الإسلامي المعاصر الذي يتراءى له دائما عالما كامدا وخطرا، مع العلم بأن لا أحد ينكر ذلك الماضي المشرق. من هنا ثمة سؤال يراود الجميع: "ما الذي حصل؟". هذا السؤال يستعيره برنار لويس أحد أشهر المختصين في التاريخ الإسلامي عنوانا لكتابه الجديد الصادر حديثا. ولمناسبة ذلك أجرت معه مجلة "لوبوان" الفرنسية حوارا، هنا ترجمته.
- بعد أن كان لمدة ألف عام، مركز حضارة، أصبح العالم الإسلامي كما تقول في كتابك مركزا "ضعيفا، فقيرا، غارقا في الجهل". في أي لحظة حدثت هذه الانعطافة؟ هل من الممكن تحديد ذلك زمنيا؟
- لم يحدث ذلك في "فترة: محددة. هذا التحول دار خلال عدد من العصور. اليوم، نستطيع أن ننظر إلى الوراء وأن نحاول تحديده عبر منظور شامل، تاريخي. بالطبع، لم يكن ذلك ممكنا في تلك الحقبة، لكن كان هناك الكثير من الناس الذين حاولوا مع ذلك القيام به، في العالم الإسلامي كما في أماكن أخرى. تبدّى هذا التبدل عبر طرق مختلفة، وفي حقب مختلفة وفي أماكن مختلفة. في نهاية القرن السابع عشر كان ذلك عاما ومن دون مثيل.
- عصر الإسلام الذهبي كان أيضا عبر توسعه وامتداده، ألا يستطيع الإسلام أن يزدهر بلا فتوحات؟
- إن نمط التوسع في الإسلام لم يكن فقط محدودا بالفتوحات العسكرية. ففي جنوب شرق آسيا، وبنسبة كبيرة في آسيا الوسطى وأفريقيا، انتشر الإسلام عبر التأثير والإقناع.
- على مر عصور عديدة كان العالم الإسلامي مؤهلا لأن يمتص الأفكار والتقنيات القادمة من الإغريق وروما والصين والهند، من ثم انغلق على نفسه. كيف تشرح ذلك؟
- إنه السؤال الأساسي، الذي تراوحت حوله إجابات مختلفة. البعض يعزون هذا الخطأ للإسلام، وهذا أمر من الصعب أن يكون قابلا للإدراك، لأن الحقبة الأكثر إبداعا في هذه الحضارة تتواقت مع ذروته ومع الزمن الذي انتشر فيه، بينما يعزو البعض الآخر هذا الخطأ إلى المدارس الإسلامية وتياراتها وتأويلاتها التي لعبت الدور السلبي في ذلك، بينما يجد آخرون أن السبب عائد إلى التأويل السياسي والديني. وكما هي الحال في الأسئلة الكبرى للتاريخ، لا نجد أبدا تفسيرا بسيطا مقبولا من الجميع. لقد حاولت أن أقدم في الصحف بعض الأجوبة التي قدمت وبخاصة أجوبة بعض المسلمين الذين لديهم نظرة نقدية لمجتمعاتهم.
- كانت الاكتشافات الكبيرة والفتوحات العلمية صنيعة أوروبا لا صنيعة العالم الإسلامي، الذي كان يبدو، بالرغم من ذلك، أكثر تطورا في الزمن الماضي. لماذا؟
- لفترات طويلة جدا، كانت الاكتشافات العلمية الكبيرة تصنع في العالم الإسلامي وليس في أوروبا. كان الطلاب الأوروبيون يترددون على الجامعات الإسلامية في إسبانيا وصقلية كما في أماكن أخرى، يتعلمون العربية ليقرأوا، وأحيانا يترجمون من العربية إلى اللاتينية النصوص العلمية والفلسفية. بشكل من الأشكال، ان ذلك لا يطرح السؤال حول التاريخ الأوروبي فقط بل حول التاريخ الإسلامي أيضا.
- منذ القرن الماضي، حاول العالم الإسلامي أن يحدث نفسه على المستويات التقنية والسياسية والعسكرية. لماذا إذاً وجد صعوبة ليحقق الحداثة الثقافية الحقيقية التي هي المدخل لكل الأمور الأخرى؟
- هناك الكثير من التفسيرات التي قدمت والتي ستقدم من أجل تفسير عدم نجاح الحداثة بشكل كبير في المناطق الإسلامية، كما هي محدودية في العالم العربي إذا ما قارناها بتلك التي أنجزت في الغرب المسيحي. الاختلاف الأكثر وضوحا بين العالمين، الذي أظهره جميع الرحالين تقريبا، كان الاختلاف في وضعية المرأة. في العام 1867 كتب نامق كمال، مقارنا العالم الإسلامي بالغرب، بأن (العالم الإسلامي) يشبه <<جسدا بشريا مشلولا من جانب واحد>>. هذا الاختلاف، هو بالطبع، على درجة عالية من الأهمية، لأنه يضر بنصف عدد السكان ويهتم بتربية النصف الآخر.
- تقول في كتابك، بخلاف المسيحية، إنه لا يوجد في الإسلام تمييز بين المقدس والمدنس. إن التجارب العلمانية الوحيدة التي جرت في العالم الإسلامي، على طريقة أتاتورك في تركيا، قد تحققت ضد الدين. هل يستطيع الإسلام أن يتطور في هذه النقطة؟
-  التمييز ما بين الكنيسة والدولة له جذوره في الأناجيل، لكنه لم يصبح واقعا إلا بعد قرون من الحروب الدينية حين حاول مسيحيون من مذاهب مختلفة فرض إيمانهم وسلطتهم الكنسية على مسيحيين آخرين، بالاضطهاد على أراضيهم وبالسلاح خارجها. لقد عرف المسلمون ولا يزالون الجدال الداخلي وبخاصة بين الشيعة والسنة، بيد أن هؤلاء لم يقتربوا حتى من بعيد من وحشية الأزمات والتعصبات الدينية المسيحية. إن التمييز ما بين الروحي والزمني اعتُبر من قبل المسلمين بمثابة علاج مسيحي لشر مسيحي لا يعنيهم. افترض البعض أنه في الزمن الراهن، وبعد أن أصيب العالم الإسلامي بمرض المسيحيين، يستطيع أن يحلم في البدء بمعالجة نفسه.
الفرد
- في أوروبا، بدءا من النهضة، استطاع الفرد أن يتحرر شيئا فشيئا من الأطر الدينية والاجتماعية التي كانت تحاصره، كما أن الدين بدأ ينحسر تدريجيا إلى المستوى الشخصي. هل يستطيع الإسلام أن يتبع الدرب ذاته؟
- المكانان الأهم حيث نناقش هذه المسألة حاليا هما بلدان مسلمان. تركيا هي البلد المسلم الوحيد الذي سجل فصل الدين عن الدولة في دستوره والذي حاول أن يقيم نظاما ديموقراطيا علمانيا. خلال السنوات الخمسين الماضية، كانت هناك بعض الليونة في تطبيق القواعد الموضوعة المتعلقة بالتربية الدينية والممارسة الدينية، إلا أن المبدأ الأساسي لا يزال موجودا. السياسة الإيرانية تقف بالضبط على النقيض من ذلك، إذ يتراءى لها أن إقامة الدولة وتحديد الهوية وسن القوانين، كل ذلك محدَّد في الإسلام. في تركيا، أظهرت نتائج الانتخابات الماضية أن حوالى 20 بالمئة من الناخبين يفضلون دولة دينية. لا نعرف النسبة المئوية من الإيرانيين الذين يفضلون العيش في دولة علمانية لأن الدولة الإسلامية تمنع التعبير عن هذا الخيار. لفترة طويلة، كانت تركيا، بمعنى ما، البلد الوحيد الذي حرم الإسلام من سمته الرسمية. نستطيع أن نزيد على ذلك الآن الجمهوريات السوفياتية السابقة ذات السكان المسلمين، حيث نجد أن الجدال حول ذلك هو في أوجه، كذلك الأمر في أندونيسيا، حيث الديانات التوحيدية، هي الديانات الرسمية، وليس الإسلام بشكل خاص.
- هل أن وضع المرأة في المجتمع الإسلامي يفسر عدم قدرة الإسلام في الدخول مليا إلى الحداثة؟
- سبق لي أن قلت ذلك وأصر على ذلك. إن مكانة المرأة هذه، عنصر أساسي في النضال من أجل الحداثة. إن الرجال الذين تربوا على احترام التراتبية العائلية التقليدية ليسوا مهيئين للعيش في مجتمع حديث ومنفتح.
- يبحث العالم الإسلامي المعاصر عن ضحية لتفسير فشله. لماذا أميركا وإسرائيل؟
- لقد حدد أسامة بن لادن مرارا رؤيته لهذه المعركة حين سمّى أعداءه بالصليبيين. هل علينا أن نذكّر بأن الصليبيين لم يكونوا لا من الأميركيين ولا من اليهود؟ في المجتمعات المغلقة، الراهنة، حيث الحكومات تملك أو تدير وسائل الإعلام المحلية والتي تعلمت كيفية التلاعب بالصحافة الأجنبية، نجد أنه لم يتم التعبير عن الظلم الحقيقي، لذلك هناك حاجة إلى كبش محرقة. إن مهاجمة أميركا وإسرائيل مريحة جدا طالما كنا على ثقة بأن ذلك قد يثير رد فعل مهما في أوروبا.
- هل ظاهرة بن لادن هي الدلالة على عدم القدرة على الدخول في الحداثة؟
- إن ظاهرة بن لادن ظاهرة معقدة، لكنني لا أعتقد أنه يرى في هذا الفشل موضوعا للتذمر منه. إن مطالباته ترتكز على نجاح الحداثة وليس على فشلها. وانتصاراته تتحمل مسؤوليتها، القوى المسيحية الغربية ومن ثم حكومات العالم الإسلامي الذي يعتبرها كما الكثير غيره كدمى في أيدي الغرب الذي يوسخ المجتمع الإسلامي بإدخاله إليه فساد التقاليد الغربية وانحلاله. إن الجهاد، علينا تذكر ذلك، قد نستطيع أن نشهره شرعيا في وجه عدوين: الكافرين والمرتدين. في خطاب الأصوليين الإسلاميين الراهن نجد أن المرتدين .
ترجمة: اسكندر حبش
السفير اللبنانية


https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن