انهيت عقوبة الابعاد الى سجن البصرة بثلاث شهور

سعاد خيري
suadkhairy@hotmail.com

2012 / 2 / 12

انهيت عقوبة الابعاد الى سجن البصرة بثلاثة اشهر
بعد تحريضي السجينات العاديات على رفض غسل ملابس مستشفى سجن الرجال, عوقبت بالابعاد الى سجن البصرة. وقع الحادث كالصاعقة على امي . اما بالنسبة لي فلم اعبأ به واعتبرته نوعا من التغيير !! كنت وما زلت اواجه الاحداث الصعبة بكل عزيمتي ودون الشعور بالظلم المثبط او الندم او تحميل نفسي المسؤلية . والمهم عندي دائما مواجهة الحدث. واترك كل ذلك لما بعد الحدث اذا لم افاجأ بحدث اخر ينسيني الاول.
كبلت يدي مع يد الشرطي حتى لا اهرب والشرطي الاخر يتلفت خوفا من هجوم مفاجئ لانقاذي ومن اقتراب اي احد مني. وجاءت امي لاهثة, ماذا بعد يا ابنتي!! وتتوسل بالشرطيين ليعتنيا بي. فقال لها احدهم , عمي وصيها بينا!!فنحن في رعب دائم وهي كما ترين لا تعبأ بشئ . وفي مجرى الحديث معهما ولا اتذكر لماذا تلوت الشهادة. واذا بهما ينطلقان فرحا, لقد اصبحت مسلمة . فقد تلوت الشهادة امامنا ونحن اثنان!! فضحكنا والقطار يغذ السير نحو البصرة.
كان سجن البصرة قلعة كونكريتية . وفي شهر تموز تحول الى فرن ساخن. وجراء الرطوبة يتبلل الفراش. ولم يكن في السجن الكبير ولا سجينة وكان هناك سجانتان تتبادلان الحضور.
والان وانا اتذكر هذه الاحداث وكنت شابة عراقية مدللة في العشرينات من العمر , ارد كل تلك الشجاعة في مواجهة الصعوبات , السجن المؤبد , التسفير لوحدي برفقة الشرطة , بقائي في هذا السجن الكبير لوحدي, الى نهجي في التركيز على مواجهة الظرف الطاريء ونتائجه بقوة مسلحة بثقتي في الطريق الذي اسلكه وبالشعب العراقي وبالبشرية.
كانوا يجلبون لي الطعام من سجن الرجال المجاور ولم انتاول منه شيئا سوى الخبز . زارني طبيب السجن في اليوم التالي , فقلت له, انني اريد عودتي الى سجن بغداد, وخلال شهر اذا لم يلبى طلبي ساعلن الاضراب عن الطعام حتى الموت!! تعجب الطبيب من هذا الموقف وقال, اليس من الافضل ان تبقي معنا ونحن نعتني بك ونحسن طعامك !! رفضت باصرار وطلبت باحضار ورق وقلم لاكتب العريضة. ومضت عدة ايان دون ان يحضروا الورق والقلم رغم الحاحي. وساءت صحتي حتى قبل اعلان الاضراب. فامر الطبيب بتحسن غذائي.
زارتني شابة من تنظيم الحزب الشيوعي في البصرة ونقلت لي تحيات رفاق المنظمة واهتمامهم بي. واخبرتها عن عزمي على اعلان الاضراب عن الطعام. ولخوف ادارة السجن من نتائج بقائي عندهم, احضروا لي الورق والقلم. وبعد شهر نفذت الاضراب عن الطعام. وفي اليوم الخامس من الاضراب نقلت الى المستشفى في قسم مرضى السل اي العزل لتفادي لقائي بالناس. واوكل بحراستي لثلاثة شرطة يتناوبون الحراسة. كان وجودي في المستشفى مصدر تعجب ليس الاطباء والممرضات الذين كانوا ينتهزون الفرص للحديث معي بل وكثرة الزوار رغم تشديد الرقابة . ووصلتني رسالة من منشقين عن الحزب ترتب عملية تهريبي من المستشفى . لم تكن مقنعة لي فاهملتها واتهمني اصحابها بالجبن.
لم تزرني امي خلال كل تلك الفترة ولم التفت الى ذلك . فقد كنت اواجه الاحداث المتغيرة يوما بيوم, حتى اليوم العشرين من الاضراب وقد حضرت وهي محتقنة الوجه من شدة الحرارة التي كانت تعانيها بسبب الام الكلى الشديدة وتورم ارجلها لاضطرارها الوقوف طويلا اثناء السفر لانها لم تستطع الحصول على مقعد لها في القطار. جاءت وهي تتحمل كل تلك الالام لتبلغني بانها نجحت في اصدار قرار بارجاعي الى سجن بغداد , ولكن بعد ان انهي الاضراب واستعيد قواي . وارتني نسخة من القرار. ولم انهي الاضراب حتى جاء مدير السجن وابلغني بالقرار.
ويعد عشرين يوما عدت الى سجن النساء في بغداد لاجد الرفيقات مضربات عن الطعام ولاساهم معهم فورا ودون تردد او انتظار لمعرفة اسبابه واهدافه.
وكان هذا الاضراب شاملا كل السجناء السياسيين في جميع سجون العراق ولم اعرف دوافعه الرئيسية حتى الان ولم نحقق من ورائه اي مكسب بل وذهب ضحيته الرفيق نعمان محمد صالح.
لم تكن حياة السجناء السياسيين في العراق تسير بشكل هاديءومنظم . كنا نتعرض لغارات الحكومة الوحشية وسلب مكتسباتنا السجنية وحتى امتعتنا ومخزون غذائنا وادويتنا وتجردنا من الكتب والورق والاقلام. وكان الاضراب عن الطعام اسلوبنا الاخير الذي ندافع به عن مكتسباتنا ورد الاعتداءات علينا. وكان لتلك الاضرابات الطويلة ولاسيما الشاملة لجميع سجون العراق دورها في في تأجيج الرأي العام وفضح اساليب الحكومة في معاملة السجناء السياسيين عن طريق العوائل التي كانت تتظاهر حاملة المذكرات الى قادة الاحزاب الوطنية والهيئات الاجتماعية مستصرخين الضمائر لانقاذ حياة ابنائهم.



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن