شباب مصر يضيعون ثورتهم

يعقوب بن افرات

2012 / 2 / 12


تشهد مصر هبة عمالية عارمة، ولكنها تبقى بعيدة عن اهتمام الشباب الثوار وعن الإخوان المسلمين المنشغلين في مغازلة المؤسسات المالية العالمية والقطاع الخاص المصري.


الأحداث المأساوية التي أودت بحياة 74 شابا ومئات المصابين في استاد بورسعيد بعد مباراة فريقي الأهلي والمصري في 1/2، دقّت ناقوس خطر بالنسبة للثورة المصرية برمّتها. مباشرةً مع ورود الأنباء على الحادث الدموي، اتُّهمت فلول النظام السابق وأجهزة الأمن بالتواطؤ والتخطيط للحادث. وما عزز الادعاء هو أن قوى الأمن تفرجت من بعيد على الشجار العمومي دون محاولة التدخل لمنعه، حتى انتهى بكارثة إنسانية حقيقية.

ما يزيد من خطورة الحدث كونه غير معزول عن الجو السياسي المشحون الذي تعيشه مصر في الأشهر الأخيرة، وشعور عميق لدى المواطن المصري بعدم الأمان. شوارع البلد باتت غير آمنة، وأحداث السطو المسلح، البلطجة، واللجوء للعنف وحتى القتل على أتفه الأسباب، في حين تتقاعس قوى الأمن عن أداء دورها في حفظ الأمن والنظام. كل هذه أدخلت المواطن في وضع من الخوف لم يعرفه من قبل، حتى بات البعض يحن إلى زمن النظام السابق الذي أي نعم وضع الشرطي في الشارع لحماية النظام من الشعب، ولكن ضمن حماية الأمن العام.

الادعاء الشائع في مصر اليوم هو أن الانفلات الأمني أمر مقصود ومبرمج من قبل المجلس العسكري الذي سحب الشرطة من الشوارع، وخلق بذلك فراغا أمنيا وأثار الفزع في قلوب الناس، كل هذا في محاولة لإحباط نقل السلطة للمدنيين في منتصف السنة الجارية كما وعد. لا شك أن الشهور المتبقية حتى موعد انتخاب رئيس للجمهورية وتسليمه السلطة الكاملة، ستكون خطيرة جدا، لأن هذا يعني عدم وجود سلطة منتخبة وعدم وجود إجماع على السلطة المؤقتة الحاكمة. المجلس العسكري الذي حظي بتأييد الثوار فقد مصداقيته، ويتعرض اليوم إلى هجوم كاسح وتخوين وتشبيهه بالنظام السابق.

جاء الشرخ والعداوة بين المجلس العسكري والثوار على خلفية تباطؤ الجيش في تنفيذ المطالب الأساسية للثورة، مثل محاكمة مرتكبي المجازر ضد الثوار، تطهير الشرطة والإعلام من أنصار مبارك، الكف عن محاكمة الثوار في محاكم عسكرية، معالجة قضايا أُسَر الشهداء وغيرها من القضايا. ولكن الخلاف بين الطرفين احتدم وبلغ ذروته في قيام الجيش بطرد المعتصمين في ميدان التحرير مستخدما القوة المفرطة في شارع محمد محمود في تشرين ثان (نوفمبر) المنصرم، مما أدى لاشتباكات عنيفة أوقعت 41 قتيلا ومئات الجرحى.

جاءت أحداث "محمد محمود" أياما معدودة قبل الانتخابات البرلمانية، وعمّقت الجدل حول جدوى المشاركة في الانتخابات، واقترح بعض الحركات الشبابية ضرورة مقاطعتها. مشاركة 64% من أصحاب حق الاقتراع في الانتخابات حسمت هذا الجدل. صحيح ان الشعب المصري منح الحركات الإسلامية ثلثي مقاعد البرلمان، ولكنه في ذات الوقت طهر البرلمان من ممثلي النظام البائد. بعد هذه النتائج انقلب المشهد السياسي المصري رأسا على عقب، ورغم طعن الشباب الثوار في شفافية وموضوعية العملية الانتخابية، إلا أن أحدا لم يجرؤ على الطعن في شرعية الانتخابات وفي حق الإخوان المسلمين في إدارة البلاد في الفترة المقبلة.

مع هذا، فالجدل بين الثوار والإخوان لم ينته بل بالعكس احتد. ففي حين يطالب الشباب بإسقاط حكم العسكر فورا ونقل السلطة لرئيس مجلس الشعب، يتمسك الإخوان بالجدول الزمني الذي حدده العسكر لنقل السلطة، وهو بداية شهر تموز (يوليو) القادم. بهذا الموقف ينفذ الإخوان جانبهم في الاتفاق مع الجيش والذي يشمل طريقة تسليم السلطة، طبيعة الدستور القادم وعدم ترشيح ممثل عن الإخوان لمنصب الرئاسة في الانتخابات المقبلة وذلك كيلا يتهموا بمحاولة احتكار كل مرافق السلطة.

الصفقة بين الإخوان والعسكر زادت من نقمة المنظمات الشبابية الثورية على الإخوان، فاتهموهم باستغلال الثورة للوصول للسلطة، ثم بعدما حققوا مأربهم أداروا ظهرهم للشباب الذين صنعوا الثورة وتحولوا إلى حُماة للعسكر. وقد بلغ الحد بالشباب أن طعنوا في شرعية البرلمان رافعين في وجهها شرعية الميدان. هكذا تحول الميدان الى نقيض للبرلمان، وأصبح أهم وأكبر إنجاز للثورة المصرية، وهو انتخاب أول برلمان بانتخابات ديمقراطية حرة، عقبة في طريق الثوار الذين يريدون استكمال الثورة اعتمادا على شرعية الميدان.

التصعيد بين الإخوان والشباب بلغ ذروة جديدة في الاشتباك المباشر يوم الثلاثاء 31 يناير. فقد خرج الشباب في مظاهرة باتجاه مبنى البرلمان، إلا أن شباب الإخوان وأنصارهم شكّلوا درعا بشريا لمنع الشباب من الوصول للبرلمان. هذا هو الاشتباك الثاني من نوعه، وكان الأول في ميدان التحرير أثناء إحياء الذكرى الأولى للثورة، عندما قام بعض الشباب المعتصمين بالاعتداء على منصة الإخوان بعد ان منعوهم من التقدم نحو الشوارع المتفرعة لمنع الاشتباك بينهم وبين الشرطة، كما حدث في شارع محمد محمود.

الشباب عمليا وسّعوا الجبهة لتشمل إضافة الى الجيش وأنصار النظام البائد، الإخوان أيضا رغم تمتعهم بشعبية كبيرة وحصولهم على أغلبية برلمانية واضحة. لا شك ان هذه المعارك تلعب في صالح الجيش، فهي تطعن في شرعية البرلمان من جهة وتزيد الفوضى وعدم الاستقرار خاصة في ظل عدم وضوح مطالب الثوار. فالشباب من جهة، يطالبون رئيس مجلس الشعب الإخواني بانتزاع السلطة من الجيش، ولكنهم في نفس الوقت ينزعون الثقة عن الإخوان. وما يجعل مساعي الشباب غير مجدية هو أن الإخوان والجيش، أصحاب القرار، ملتزمان بنقل السلطة حسب الجدول الزمني المتفق عليه، وما الجدل الدموي بين هؤلاء وبين الشباب سوى على توقيت تسليم السلطة الذي لا يتعدى الأربعة أشهر فقط.

الى جانب هذا الصراع الذي سرق الأضواء، تستعر اليوم في مصر موجة من الإضرابات العمالية تشمل كل مرافق الاقتصاد، من جهاز الصحة، للتعليم للمصانع وغيرها. تشهد مصر هبة عمالية عارمة، ولكنها تبقى بعيدة عن اهتمام الشباب الثوار وعن الإخوان المسلمين المنشغلين في مغازلة المؤسسات المالية العالمية والقطاع الخاص المصري. لقد حققت الثورة المصرية الديمقراطية بشكل نسبي، ولكنها بعيدة جدا عن تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي مطلب الثورة الأساسي. وعلى الثوار والإخوان ألا ينسوا أن من ساهم المساهمة الحاسمة في إسقاط النظام كانت الإضرابات العمالية التي شلّت النظام وهددت بتقويضه من أساسه.

ان محاسبة الإخوان يجب أن تتم على أساس تجاوبهم مع مطالب الثورة على رأسها حل أزمة البطالة والفقر ورفع الحد الأدنى للأجور على نحو يسمح لعمال مصر بالعيش حياة كريمة، وليس على أساس موقفهم من تسليم السلطة المحسوم أصلا.

لا شك ان الإخوان هم من سيحكم مصر في الفترة المقبلة، والطريقة الوحيدة لمنافستهم لن تكون بالشعارات البعيدة عن هموم العمال، بل من خلال دعم وتنظيم الطبقة العاملة وبناء حزب عمالي ثوري ينقل صوت ومصالح الطبقة العاملة المصرية والشعب المصري إلى البرلمان.
من سيحكم الأداء السياسي للإخوان هم العمال وكل الفقراء الذين يتوقعون منهم تحسين ظروفهم المعيشية. ان شعار "الإسلام هو الحل" كان ملائما في عهد الدكتاتورية، ولكن اليوم باتت "الشريعة" مستمدة من واشنطن ومن السوق الحرة المعادية للعمال وحقوقهم في العيش الكريم. ان موجة الإضرابات العمالية تدل على ثورية العمال من جهة، وعلى الفرصة بل والحاجة لتوظيف كل الجهود من اجل بناء حزب عمالي ثوري لحماية الثورة ومكتسباتها وإنجاز كامل مطالبها



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن