هل سيَبيع البَارزاني كُوردُسْتَان لأردوغان؟

فرياد إبراهيم
High1950@gmail.com

2012 / 2 / 5

في مقالاتي السابقة (أين كردستان من الصراع بين واشنطن وطهران؟) و( رياح التغيير ستهب على كردستان...) و(من هو الأسد : كوشناك كولتان أو السلطان؟) و(نحن أعلم بمن أتقى يا سيد غازي سعيد ) وغيرها تطرقت الى موضوع التقارب التركي الكوردي. والآن وبعد ان اتخذ هذا التقارب بعدا آخر ستراتيجا أكثر منه تكتيكيا رأيت من واجبي -رغم إجازتي- ان ألقي الضوء – بحسب ما تسمح به المعرفة بالاحوال- على ما يجري في الخفاء.
من الواضح ان كردستان (نا) صارت سوقا حرة ومنذ زمن ليس بالقصير امام البضاعة التركية والايدي العاملة التركية التي تتضاعف بسرعة قياسية ومعظمهم جواسيس يعملون لأطراف أجنبية مختلفة.
فما سر هذا التقارب يا ترى؟
التقارب بين دولتين يقوم على أساس تبادل مصالح عادة، فما سر تقارب هذا الفيل من هذه البعوضة؟
فلنتاول الجانب التركي من جهتيّ التقارب هذا اولا:
فقد توقفت حركة التجارة التركية-السورية تقريبا وتعطلت حركة الشاحنات عبر سوريا الى دول كالأردن والخليج وغيرها. فأصبحت حدود كردستان المعبر البديل والاكثر امانا وصلاحية وسهولة وسيولة الى تلك الدول والعراق الجزء العربي. فدب فيها النشاط حتى سال لها لعاب آل طالباني. والمعبر ( المعضلة النكبة) العقدة التي اسمها إبراهيم خليل عالقة دائما في ضمائرنا ونقطة سوداء في تأريخنا والذي اريقت بسببه دماء غزيرة كردية زكية لحساب الدكتاتورين.
ومن جانب آخر أنه لا يخفى ما لكردستان (نا) اليوم من أهمية سياسية للضغط وعزل حكومة المالكي ومن ورائه إيران. خاصة ان تركيا طرف ورأس الحربة في منظومة (التغيير) برئاسة امريكا-أوباما-وقطبيها الأطلسي الموجب والروسي السالب.
ومن جهة أخرى يجد الجانب التركي نفسه في مأزق أمام شعبه تحت ضربات حزب العمال الموجعة وما يتبع ذلك من سقوط الحزب الحاكم وخسارته في أية إنتخابات لاحقة. وقد تصاعدت متزامنة مع هذه الضربات نشاطات المعارضة والأحزاب الكوردية العلنية والمحضورة في داخل تركيا. والخلاصة تركيا تخاف على نفسها، وتدرك ان الشعب الكوردي هناك لو تحرك فلا قوة تستطيع كبح جماحها لما يعانيه الكورد هناك من تصفية عرقية ومن سلب هوية ومن اضطهاد وحرمانه من كافة حقوقه القومية وحتى من لغته.
اما من الجانب البارزاني وآله وصحبه وسلم فهذا التقارب حماية له من المالكي ومن ورائه إيران . إي يستجير بالنار لوقاية نفسه من الرمضاء. يشعر بإهتزاز عرشه. وليس الخطر الداخلي بأقل من الخارجي عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وهو يسمع ويرى نداءات وهتافات وحركات تطالب بالتغيير والإصلاح والكف عن إحتكار السلطة والثروة من قبل شلة الأقارب. ومطالبة الجماهير الكوردية بتحديد سلطات الأسرة المالكة الحاكمة بالحديد والنار.
فأي تقارب من هذا النوع لا يخدم بأي شكل من الأشكال القضية الكوردية وحق تقرير المصيرولا حتى حق الوجود كأمة أو كقوم حي. انه لا يخدم سوى حماية وإسناد عرش السلطان مسعود من السقوط . وبمعنى آخر: حماية نظام متسلط جاهل عشائري فظ على رقاب الشعب منذ عقود لا يجد المرء في تأريخه كله سوى الإستسلام والمزايدة بالقضية المصيرية . وهو بالأضافة الى ذلك أمام تهديد من طرف آخر. فماذا لو طرد المالكي شقيقه الكبير اللدود وعاد من بغداد وطالب مرة أخرى بحصته من موارد إبراهيم خليل ونصف المناصب الحساسة؟!
فمسعود بارزاني هو اليوم أمام تحديات الموت أو الحياة. وهو لن يمانع وسوف يفرط بكل كردستان من اجل بقائه الزعيم الاوحد ، وسيبارك حتى الغزو العسكري التركي بعد التجاري والثقافي ان كان في ذلك ضمان لبقائه على عرش الطاووس. ألم يركع لصدام في منتصف التسعينات لأعادة السيطرة على كردستان. ولولا وجود التحالف الدولي الحامي لفتك لواء الحرس الجمهوري بالأهالي من جديد.
وبما أن التقارب بين الفيل والبعوض يعني ويرادف في المضمون : (اخدمني كي احميك ) كما حصل في التقارب (الروسي- السوري ) و(القذافي - الانكليزي ) قام البارزاني بتقديم خدمات جليلة للترك منها: إستباحة ارض كردستان وجعلها ساحة عمليات الجيش التركي و (سكوته من رضاه ) في استعماله للاسلحة المحرمة دوليا. و تقديم معلومات استخباراتية للجانب التركي لمواقع مقاتلي حزب العمال الكردستاني ، وتقديم كل التسهيلات اللوجستية على الارض. و فتح الحدود امام جيش سوريا الحر ، جيش القوميين والإخوان اعداء الكورد ، والذين لا يختلفون عن جيش النظام الأسد في شئ . وايواء الهاشمي الهارب من العدالة المالكية ..
فدور البارزاني قد إستحال ، رغبة أو رهبة ، - ومع الأسف- من مناضل مكافح من اجل الكورد (كما ظن الناس وكما كان المتوقع) الى مناضل من أجل مكافحة الكورد أينما تواجدوا ، وكما تشتهي تركيا وحكومات الجوار.
وسوف لا يمض وقت طويل على الغزو التجاري الا وسيبدأ الغزو الثقافي. ها قد تم فتح مدرسة باللغة التركية في السليمانية ، وستتبعها اخرى، ويُتوقع (بل يخشى) إنشاء جوامع على غرار الجوامع الأسطبولية في اربيل ، ويتوقع ( أي يُخشى) تسلل ودخول مواد غذائية بمقادير غزيرة نتيجة لهذا التقارب ، تالفة ، غير صالحة للأستعمال البشري ، نافذة المفعول واعيد طمغ التاريخ من عام 2009 الى 2014. كل ذلك لقاء تنصيب بارزاني واليا على كردستان والعودة الى ما قبل سايكس بيكو التي ظلم آل عثمان وآل بارزان معا في آن.
وسنرى كيف سيبيع مسعود بارزان كردستان لأردوغان. ولكن وليعلم كل ذلك سوف لن ينقذه من قرار الشعب. فكل التنازلات التي قدمها قذافي للانكليز والروس لم ينقذه ، باعوه اخيرا بثمن بخس الى الشعب . وهذا ما سيحدث لآل أسد. فمن يخون الشعب كمن يحكم على نفسه بالموت: انتحار .
وأخيرا هناك احتمال آخر: قد تكون تركيا - اردوغان نصبت فخا لآل بارزان مماثلا للذي نصبته للقذافي بعد ان غزت ليبيا تجاريا ، وللفخ الذي نصبته لسوريا بعد الغزو التجاري لها. ولكن أنى لاذهان الجهلة و قصيري النظر أن تفطن وتفقه!
وما بقي لي سوى أن اقول: انا متفائل ، التغيير قادم ، وآن الأوان لآل طالبان وآل بارزان ان يرحلوا ...
فرياد إبراهيم



https://www.ahewar.org/
الحوار المتمدن